فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجوز أن يكون {أُوْلَئِكَ الاحزاب} [ص: 13] بدلًا من الطوائف المذكورة والجملة بعد مستأنفة لما سمعت وأن يكون مبتدأ والجملة بعده خبر بحذف العائد أي أن كل منهم أو كلهم إلا كذب الرسل، والمجموع استئناف مقرر لما قبله مع ما فيه من بيان كيفية تكذيبهم وكلاهما خلاف الظاهر، وأما ما قيل من أنه خبر والمبتدأ قوله تعالى: {وَعَادٌ} [ص: 12] الخ أو قوله تعالى: {وَقَوْمُ لُوطٍ} [ص: 13] الخ فمما يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله.
{وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحدة مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} شروع في بيان عقاب كفار مكة إثر بيان عقاب اضرابهم فإن الكلام السابق مما يوجب ترقب السامع بيانه، والنظر بمعنى الانتظار وعبر به مجازًا بجعل محقق الوقوع كأنه أمر منتظر لهم، والإشارة بهؤلاء للتحقير، والمراد بالصيحة الواحدة النفخة الثانية، أي ما ينتظر هؤلاء الكفرة الحقيرون الذين هم أمثال أولئك الطوائف المهلكة في الكفر والتكذيب شيئًا إلا النفخة الثانية التي تقوم بها الساعة قاله قتادة وليس المراد أنها نفسها عقاب لهم لعمومها للبر والفاجر من جميع الأمم بل المراد أنه ليس بينهم وبين ما أعد لهم من العذاب إلا هي لتأخير عقوبتهم إلى الآخرة لما أن تعذيبهم بالاستئصال حسبما يستحقونه والنبي صلى الله عليه وسلم موجود خارج عن السنة الإلهية المبنية على الحكم الباهرة كما نطق به قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] إذ المراد من {وَأَنتَ فِيهِمْ} وجوده عليه الصلاة والسلام لا مجاورته لهم كما توهم حتى يقال: لا دلالة في الآية على امتناع وقوعه بعد الهجرة لمخالفته للتفسير المشهور، وقيل المراد بالصيحة المذكورة النفخة الأولى.
وتعقب بأنه مما لا وجه له أصلًا لما أنه لا يشاهد هولها ولا يصعق بها إلا من كان حيًا عند وقوعها وليس عقابهم الموعود واقعًا عقيبها ولا العذاب المطلق مؤخرًا إليها بل يحل بهم من حيث موتهم.
وقيل المراد صيحة يهلكون بها في الدنيا كما هلكت ثمود، ولا يخفى أن هذا تعذيب بالاستئصال وهو مما لا يقع كما سمعت فلا يكون منتظرًا، وقال أبو حيان: الصيحة ما نالهم من قتل وأسر وغلبة كما تقول صاح بهم الدهر فهي مجاز عن الشر كما في قولهم ما ينتظرون إلا مثل صيحة الحبلى أي شرًا يعاجلهم، وفيه بعد.
وجوز جعل هؤلاء إشارة إلى الأحزاب ولما سبق ذكرهم مكررًا مؤكدًا استحضرهم المخاطب في ذهنه فنزل الوجود الذهني منزلة الخارجي المحسوس وأشير إليهم بما يشار به للحاضر المشاهد، واحتمال التحقير قائم ولا ينبو عنه التعبير بأولئك لأن البعد في الواقع مع أنه قد يقصد به التحقير أيضًا والكلام بيان لما يصيرون إليه في الآخرة من العقاب بعد ما نزل بهم في الدنيا من العذاب، وجعلهم منتظرين له لأن ما أصابهم من عذاب الاستئصال ليس هو نتيجة ما جنوه من قبيح الأعمال إذ لا يعتد به بالنسبة إلى ما ثمت من الأهوال فهو تحذير لكفار قريش وتخويف لمن يساق له الحديث فلا وجه لما قاله أبو السعود من أن هذا ليس في حيز الاحتمال أصلًا لأن الانتظار سواء كان حقيقة أو استهزاءً إنما يتصور في حق من لم يترتب على أعماله نتائجها بعد، وبعد ما بين عقاب الأحزاب واستئصالهم بالمرة لم يبق مما أريد بيانه من عقوباتهم أمر منتظر بخلاف كفار قريش حيث ارتكبوا ما ارتكبوا ولما يلاقوا بعد شيئًا قاله الخفاجي، ولا يخفى أن المنساق إلى الذهن هو الاحتمال الأول وهو المأثور عن السلف، والفواق الزمن الذي بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع ويقال للبن الذي يجتمع في الضرع بين الحلبتين فيقة ويجمع على أفواق وأفاويق جمع الجمع، والكلام على تقدير مضافين أي ما ينتظرون إلا صيحة واحدة ما لها من توقف مقدار فواق أو على ذكر الملزوم الذي هو الفواق وإرادة اللازم الذي هو التوقف مقداره، وهو مجاز مشهور والمعنى أن الصيحة إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان.
وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة تفسيره بالرجوع والترداد، وهو مجاز أطلق فيه الملزوم وأريد اللازم فإن في الزمان بين الحلبتين يرجع اللبن إلى الضرع، والمعنى أنها صيحة واحدة فحسب لا تثنى ولا تردد فالجملة عليه صفة مؤكدة لوحدة الصيحة.
وقرأ السلمي وابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وطلحة بضم الفاء فقيل هما بمعنى واحد وهو ما تقدم كقصاص الشعر وقصاصه، وقيل: المفتوح اسم مصدر من أفاق المريض إفاقة وفاقة إذا رجع إلى الصحة وإليه يرجع تفسير ابن زيد والسدي وأبي عبيدة والفراء له بالإفاقة والاستراحة، والمضموم اسم ساعة رجوع اللبن للضرع.
{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحساب} حكاية لما قالوه عند سماعهم بتأخير عقابهم إلى الآخرة أي قالوا بطريق الاستهزاء والسخرية ربنا عجل لنا قسطنا ونصيبنا من العذاب الذي توعدنا به ولا تؤخره إلى يوم الحساب الذي مبدؤه الصيحة المذكورة، وتصدير دعائهم بالنداء المذكور للإمعان في الاستهزاء كأنهم يدعون ذلك بكمال الرغبة والابتهال والقائل على ما روي عن عطاء النضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة وهو الذي قال الله تعالى فيه: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] وأبو جهل على ما روي عن قتادة، وعلى القولين الباقون راضون فلذا جىء بضمير الجمع، والقط القطعة من الشيء من قطه إذا قطعه ويقال لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس، ومن ذلك قول الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته ** بنعمته يعطي القطوط ويطلق

قيل وهو في ذلك أكثر استعمالًا وقد فسره بها هنا أبو العالية والكلبي أي عجل لنا صحيفة أعمالنا لننظر فيها وهي رواية عن الحسن، وجاء في رواية أخرى عنه أنهم أرادوا نصيبهم من الجنة، وروي هذا أيضًا عن قتادة وابن جبير، وذلك أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر وعد الله تعالى المؤمنين الجنة فقالوا على سبيل الهزء: عجل لنا نصيبنا منها لنتنعم به في الدنيا، قال السمرقندي: أقوى التفاسير أنهم سألوا أن يعجل لهم النعيم الذي كان يعده عليه الصلاة والسلام من آمن لقولهم ربنا ولو كان على ما يحمله أهل التأويل من سؤال العذاب أو الكتاب استهزاءً لسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسألوا ربهم، وفيه بحث يعلم مما مر آنفًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)} {أم} منقطعة وهي للإِضراب أيضًا وهو إضراب انتقالي فإن {أم} مشعرة باستفهام بعدها هو للإِنكار والتوبيخ إنكارًا لقولهم: {أءُنزل عليه الذكر من بيننا} [ص: 8] أي ليست خزائن فضل الله تعالى عندهم فيتصدّوا لحرمان من يشاءون حرمانه من مواهب الخير فإن المواهب من الله يصيب بها من يشاء فهو يختار للنبوءة من يصطفيه وليس الاختيار لهم فيجعلوا من لم يقدموه عليهم في دينهم غير أهل لأن يَختاره الله.
وتقديم الظرف للاهتمام لأنه مناط الإِنكار وهوَ كقوله تعالى: {أهم يقسمون رحمة ربك} [الزخرف: 32].
والخزائن: جمع خزانة بكسر الخاء.
وهي البيت الذي يخزن فيه المال أو الطعام، ويطلق أيضًا على صندوق من خشب أو حديد يخزن فيه المال.
والخزن: الحِفْظ والحِرْز.
والرحمة: ما به رفق بالغير وإحسان إليه، شبهت رحمة الله بالشيء النفيس المخزون الذي تطمح إليه النفوس في أنه لا يُعطَى إلا بمشيئة خازنه على طريقة الاستعارة المكنية.
وإثبات الخزائن: تخييل مثل إثبات الأظفار للمنية، والإِضافة على معنى لام الاختصاص.
والعدول عن اسم الجلالة إلى وصف لأن له مزيد مناسبة للغرض الذي الكلام فيه إيماء إلى أن تشريفه إياه بالنبوءة من آثار صفة ربوبيته له لأن وصف الربّ مؤذن بالعناية والإِبلاغ إلى الكمال.
وأجري على الرب صفة {العَزِيزِ} لإِبطال تدخلهم في تصرفاته، وصفة {الوَهَّابِ} لإِبطال جعلهم الحرمان من الخير تابعًا لرغباتهم دون موادة الله تعالى.
و{العزيز} الذي لا يغلبه شيء، و{الوهاب} الكثير المواهب فإن النبوءة رحمة عظيمة فلا يخول إعطاؤها إلا لشديد العزة وافر الموهبة.
{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)} إضراب انتقالي إلى رد يأتي على جميع مزاعمهم ويشمل بإجماله جميع النقوض التفصيلية لمزاعمهم بكلمة جامعة كالحوصلة فيشبه التذييل لما يتضمنه من عموم المُلك وعموم الأماكن المقتضي عموم العلم وعمومَ التصرف ينعَى عليهم قولهم في المغيبات بلا علم وتحكمهم في مراتب الموجودات بدون قدرة ولا غنى.
والاستفهام المقدر بعد {أم} المنقطعة تهكمي وليس إنكاريًا لأن تفريع أمر التعجيز عليه يعيّن أنه تهكمي.
فالمعنى: إن كان لهم مُلك السماوات والأرض وما بينهما فكان لهم شيء من ذلك فليصعدوا إن استطاعوا في أسباب السماوات ليَخبُروا حقائق الأشياء فيتكلموا عن علم في كنه الإله وصفاته وفي إمكان البعث وعدمه وفي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أو ضده وليفتحوا خزائن الرحمة فيفيضوا منها على من يعجبهم ويحرموا من لا يرْمقونه بعين استحسان.
والأمر في {فليرتقوا} للتعجيز مثل قوله: {فليمدد بسبب إلى السماء} [الحج: 15].
والتعريف في {الأسْبابِ} لعهد الجنس لأن المعروف أن لكل محل مرتفع أسبابًا يُصعد بها إليه كقول زهير:
ومن هاب أسباب المنايَا ينلْنه ** وإن يرق أسباب السماء بسلّم

وقول الأعشى:
فلو كنتَ في حِبّ ثمانين قامة ** ورُقيتَ أسباب السماء بسُلّم

والسبب: الحبل الذي يَتعلق به الصاعد إلى النخلة للجذاذ، فإن جعل من حبلين ووصل بين الحبلين بحبال معترضة مشدودة أو بأعواد بين الحبلين مضفورٍ عليها جنبتَا الحبلين فهو السُلَّم.
وحرف الظرفية استعارة تبعية للتمكن من الأسباب حتى كأنها ظروف محيطة بالمرتقين.
{جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)} يجوز أن يكون استئنافًا يتصل بقوله: {كمْ أهلكنا من قبلهم من قَرنٍ} [ص: 3] الآية أريد به وصل الكلام السابق فإنه تقدم قوله: {بل الذين كفروا في عزَّةٍ وشقاقٍ} [ص: 2] وتلاه قوله: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} الآية.
فلما تقضى الكلام على تفصيل ما للذين كفروا من عزة وشقاق وما لذلك من الآثار ثُني العِنان إلى تفصيل مَا أَهلَك من القرون أمثالهم من قبلهم في الكفر ليفضي به إلى قوله: {كذبت قبلهم قوم نوح} [ص: 12] إلى قوله: {فحَقَّ عِقَابِ} [ص: 14].
فتكون جملة {كذبت قبلهم قومُ نوح} بدلًا من جملة {جندٌ ما هنالِكَ مهزومٌ من الأحزابِ} بدلَ بعض من كلّ.
ويجوز أن يَكون استئنافًا ابتدائيًا مستقلًا خارجًا مخرج البشارة للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء جند من الأحزاب مهزوم، أي مقدّر انهزامه في القريب، وهذه البشارة معجزة من الإِخبار بالغيب ختم بها وصف أحوالهم.
قال قتادة: وعد الله أنه سيهزمهم وهم بمكة فجاء تأويلها يوم بدر.
وقال الفخر: إشارة إلى فتح مكة.
وقال بعض المفسرين: إشارة إلى نصر يوم الخندق.
وعادة الأخبار الجارية مجرى البشارة أو النذارة بأمر مغيب أن تكون مرموزة، والرمز في هذه البشارة هو اسم الإِشارة من قوله: {هُنَالِكَ} فإنه ليس في الكلام ما يصلح لأن يشار إليه بدون تأوُّل فلْنجعله إشارة إلى مكان أَطْلَع الله عليه نبيئه صلى الله عليه وسلم وهو مكان بدر.
ويجوز أن يكون لفظ {الأحزابِ} في هذه الآية إشارة خفية إلى انهزام الأحزاب أيام الخندق فإنها عرفت بغزوة الأحزاب.
وسمّاهم الله {الأحزابِ} في السورة التي نزلت فيهم، فتكون تلك التسمية إلهامًا كما ألهم الله المسلمين فسمَّوا حَجَّة النبي صلى الله عليه وسلم حجَّة الوَداع وهو يومئذٍ بينهم سليم المزاج، وهذا في عداد المعجزات الخفية التي جمعنا طائفة منها في كتاب خاص.
ولعل اختيار اسم الإشارة البعيد رمزٌ إلى أن هذا الانهزام سيكون في مكان بعيد غير مكة فلا تكون الآية مشيرة إلى فتح مكة لأن ذلك الفتح لم يقع فيه عذاب للمكذبين بل عفا الله عنهم وكانوا الطلقاء.
وهذه الإِشارة قد علمها النبي صلى الله عليه وسلم وهي من الأسرار التي بينه وبين ربه حتى كان المستقبل تأويلَها كما علم يعقوب سرَّ رؤيا ابنه يوسف، فقال له: {لا تقصص رؤياك على إخوتك} [يوسف: 5].
ولم يعلَم يوسف تأويلها إلا يوم قال: {يا أبتتِ هذا تأويل رؤياي من قبلُ قد جعلها ربي حقًّا} [يوسف: 100] يشير إلى سجود أبويه له.
وأما ظاهر الآية الذي تلقاه الناس يوم نزولها فهو أن الجند هم كفار أهل مكة وأن التنوين فيه للنوعية، أي ما هم إلا جند من الجنود الذين كذبوا فأُهلكوا، وأن الإِشارة ب {هُنَالِكَ} إلى مكان اعتباري وهو ما هم فيه من الرفعة الدنيوية العرفية وأَن الانهزام مستعار لإِضعاف شوكتهم، وعلى التفسيرين الظاهر والمؤول لا تعدو الآية أن تكون تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيتًا له وبشارة بأن دينه سيظهر عليهم.
والجند: الجماعة الكثيرة قال تعالى: {هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود} [البروج: 17- 18].
و{ما} حرف زائد يؤكد معنى مَا قبله فهي توكيد لما دلّ عليه {جُندٌ} بمعناه، وتنكيره للتعظيم، أي جند عظيم، لأن التنوين وإن دلّ على التعظيم فليس نصًا فصار بالتوكيد نصًا.
وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى: {إن اللَّه لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما بعوضة فما فوقها} في سورة [البقرة: 26]، فإن كانت الآية مشيرة إلى يوم بدر فتعظيم {جُندٌ} لأن رجاله عظماء قريش مثل أبي جهل وأمية بن خلف، وإن كانت مشيرة إلى يوم الأحزاب فتعظيم {جُندٌ} لكثرة رجاله من قبائل العرب.
ووصف {جُندٌ} ب {مَهْزومٌ} على معنى الاستقبال، أي سيهزم، واسم المفعول كاسم الفاعل مجاز في الاستقبال، والقرينةُ حاليَّة وهو من باب استعمال ما هو للحال في معنى المستقبل تنبيهًا على تحقيق وقوعه فكأنه من القرب بحيث هو كالواقع في الحال.
و{الأحزاب} الذين على رأي واحد يتحزَّب بعضهم لبعض، وتقدم في سورة الأحزاب.
و{مِن} للتبعيض.
والمعنى: أن هؤلاء الجند من جملة الأمم وهو تعريض لهم بالوعيد بأن يحلّ بهم ما حلّ بالأمم، قال تعالى: {وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم} [غافر: 30- 31].
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)} لما كان قوله: {جندٌ ما هُنالكَ مهزومٌ من الأحزاب} [ص: 11] تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم ووَعْدًا له بالنصر وتعريضًا بوعيد مكذِّبيه بأنهم صائرون إلى ما صارت إليه الأحزاب الذين هؤلاء منهم كما تقدم آنفًا جيء بما هو كالبيان لهذا التعريض.