فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحكمة: هي أنواع المعارف من المواهب وفصل الخطاب بيان تلك المعارف بأدل دليل وأقل قليل. انتهى.
وإنما سمي به. أما بعد، لأنه يفصل المقصود عما سبق تمهيدًا له من الحمد والصلاة.
وقال زياد: أول من قال في كلامه أما بعد داود عليه السلام، فهو فصل الخطاب ورد بأنه لم يثبت عنه أنه تكلم بغير لغته.
وأما بعد لفظة عربية وفصل الخطاب الذي أوتيه داود هو فصل الخصومة كما في إنسان العيون.
اللهم إلا أن يقال إن صح هذا القول لم يكن ذلك بالعربية على هذا النظم وإنما كان بلسانه عليه السلام.
وقال عليّ رضي الله عنه: فصل الخطاب أن يطلب البينة من المدعي ويكلف اليمين من أنكر، لأن كلام الخصوم لا ينقطع ولا ينفصل إلا بهذا الحكم.
قالوا: كان قبل ذلك قد علق الله سلسلة من السماء وأمره بأن يقضي بها بين الناس، فمن كان على الحق يأخذ السلسلة وتصل يده إليها. ومن كان ظالمًا لا يقدر على أخذ السلسلة ثم قال المدعى عليه: خذ مني العصا، فأخذ عصاه فقال: إني دفعت اللؤلؤ إليه وإني صادق في مقالتي فجاء وأخذ السلسلة، فاتفق أن رجلًا غصب من رجل آخر لؤلؤًا فجعل اللؤلؤ في جوف عصاه، ثم خاصم المدعي إلى داودعليه السلام، فقال: إن هذا قد أخذ لؤلؤًا وإني صادق في مقالتي فجاء وأخذ السلسلة فتحير داود في ذلك ورفعت السلسلة وأمر عليه السلام بأن يقضي بالبينات والإيمان فذلك قوله: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} يعني: العلم والفهم وفصل الخطاب يعني القضاء بالبينات والإيمان على الطالبين والمدعى عليهم كذا في تفسير الإمام أبي الليث رحمه الله.
وكان الحكم في شرعنا أيضًا بذلك؛ لأنه أسدّ الطرق وأحسن الوسائل في كل مسألة من المسائل لكل سائل. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قوله تعالى: {اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
الأمر بالصبر: هو دعوة من اللّه سبحانه وتعالى إلى النبي الكريم، بالمصابرة، واحتمال المكروه من هؤلاء المكذبين، وما يقولون من منكر القول، كقولهم هذا: {عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ} فإن لهؤلاء الظالمين يوما يجعل الولدان شيبا.
وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي واذكر في هذا المقام الذي تدعى فيه إلى الصبر {اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ففى ذكره في هذا المقام ما تجد فيه الروح الأنس، لما يتمثل لك من سيرته، التي يقصها اللّه عليك.
والأيد: القوة.. وهى مأخوذة من اليد، التي تتمثل فيها قوة الإنسان الجسدية.. ثم إنها ليست يدا واحدة، بل أيديا كثيرة.. وإذن فهى قوة خارقة.
والقوة هنا ليست قوة جسدية- وحسب- بل هي قوة روحية ونفسية أيضا، تشتمل على طاقات عظيمة، من الصبر على المكاره، واحتمال الشدائد.
والأوّاب: كثير الأوب، والأوب هو الرجوع إلى المكان الذي كان منه الذهاب.. فهو رجوع بعد ذهاب.. وقد غلب الأوب على المعنويات، كما غلب الإياب على الماديات.
والمراد بالرجوع هنا، الرجوع إلى اللّه، والاستقامة على طريقه، بعد ميل عنه.. فالأواب: هو الراجع إلى اللّه مرة بعد مرة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [25: الإسراء].
والسؤال هنا هو: لما ذا كان داود عليه السلام هو المثل الذي يقيمه النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه- بين عينيه، وهو بشدّ عزمه بالصبر على ما يقول قومه من زور وبهتان فيه؟ وهل في داود- عليه السلام- فصل خاص في هذا المقام، لم يبلغه الأنبياء؟ إن القرآن يحدثنا عن إسماعيل، وإدريس، وذى الكفل، على أنهم المثل البارز في الصبر الكامل.. فيصفهم سبحانه بالصبر، مجتمعين، فيقول سبحانه: {وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} [85: الأنبياء] ويقول سبحانه عن أيوب: {إِنَّا وَجَدْناهُ صابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ويقول سبحانه على لسان إسماعيل لأبيه: {سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} فما تأويل هذا؟.
والجواب- واللّه أعلم- هو من وجوه:
فأولا: ليس المراد بالأمر الموجه من اللّه سبحانه، للنبى- صلوات اللّه وسلامه عليه- بذكر داود عليه السلام، في مقام إلفات النبي إلى الصبر، وإلى إقامة أمره عليه- ليس المراد به التأسى بهذا النبي الكريم، وإنما المراد به الحذر من أن تطرقه حال من أحوال الضعف البشرى، فيقع منه ما وقع من داود، فيما كان موضع ندم منه، واستغفار لربه، وتوبة إليه.
إن داود- عليه السلام- كان مع ما وصفه اللّه سبحانه به من قوة وأيد- غير قادر على مواجهة الفتنة التي ابتلى بها مواجهة كاملة، فكان منه هذا الذي وقع منه، والذي استغفر له ربه، فغفر له.. فالنبى عليه الصلاة والسلام، مطالب بأن يكون على عزم وقوة، أشد وأقوى مما كان عليه داود، من عزم وقوة، لأنه في وجه فتنة أعظم وأشد من فتنة داود.
فالأنبياء- صلوات اللّه وسلامه عليهم- هم بشر قبل أن يكونوا أنبياء ورسلا.. والنبوة والرسالة، لم تنزع عنهم ثوب البشرية، وإن ألبستهم النبوة والرسالة حلل الصفاء، والنقاء، والطهر، ولكنها مع هذا، لم تسلبهم نوازع البشرية، وضروراتها.. وإلا لكانوا خلقا آخر غير خلق الناس، ولكانوا أبعد من أن يعيشوا في دنيا الناس، وأن يألفهم الناس ويألفوا الناس.
والأنبياء- صلوات اللّه وسلامه عليهم- على هذا الحساب، ليسوا على درجة واحدة. وإن كانوا جميعا على قمة البشرية كلها، فهم درجات ومنازل عند اللّه.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ} [253: البقرة].. ولو أنهم كانوا على الكمال المطلق، لكانوا درجة واحدة.. ولكنهم- على حدود الكمال البشرى- في أعلى منازله.. وهم في هذه الحدود، درجات ومنازل.
وثانيا: ليس هذا التأويل الذي ذهبنا إليه في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}- من أنه ليس مرادا به التأسى به، وإنما المراد هو تخطّى هذا الحد الذي وقف عنده داود عليه السلام وتجاوزه، في مقام الصبر، والعزم- نقول ليس هذا التأويل بالذي ينقص من قدر هذا النبي الكريم، وإنما هو وضع له في المقام الكريم الذي وضعه اللّه فيه، وإن كان فوق هذا المقام مقامات ومقامات!!.
وهذا كلام قد لا يهضمه كثير من أهل العلم، أو أدعياء العلم.. ويعدّونه تطاولا على مقام الأنبياء، وعدوانا على عصمتهم.. ومن يدرى فقد يذهب ببعضهم الشطط إلى أن يقولوا إن هذا كفر!! ونقول لهؤلاء مهلا.. فإننا على الإيمان باللّه وبرسل اللّه، وعلى التوقير لهم، والصلاة والسلام عليهم.
ومع هذا، فإننا سنقول هذا القول، لأنه مما تنطق به آيات اللّه، وتجرى عليه سنة الحياة البشرية، وترضاه العقول السليمة، وتطمئن إليه القلوب المؤمنة.
ثم نسأل: إذا كان ما قلناه في تأويل الآية الكريمة، مما يعدّ تطاولا على مقام هذا النبي الكريم.. فماذا عند من ينكر هذا التأويل- من تأويل لقوله تعالى للنبى صلوات اللّه وسلامه عليه: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [48- 50: القلم].
ماذا في تأويل قوله تعالى: {وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ}؟ أليس في هذا إلفات للنبى الكريم، ألا يكون على حال من الصبر كحال هذا النبي الكريم، يونس عليه السلام؟ أليس هذا صريح منطوق الآية الكريمة؟ وهل هذا مما يضير يونس عليه السلام؟ وهل ينقص ذلك من قدره في موازين الناس؟
وكلا، فإنه وهو على تلك الحال كان بمنزلته العالية، وبمقامه الكريم عند ربه، الذي يقول سبحانه عنه: {فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
وثالثا: لم يكن من محامل الآية الكريمة، وهى تحمل إلى النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه- هذا التحذير الخفي من أن يكون على مستوى النبي الكريم داود في مقام الصبر- لم يكن من محاملها شيء يمس مقام هذا النبي الكريم، بل لقد حملت الآية الكريمة مع هذا ألطافا كثيرة من عند اللّه إلى عبده داود.. كلها تنويه به، ورفع لقدره، وإحسان بعد إحسان إليه، وكفى داود شرفا وفضلا أن يكون عبدا للّه، مضافا إلى ذاته جل وعلا.. ثم إن في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ} عدولا عن اللفظ الذي يدل على الاحتراس والحذر والتجنب، إلى اللفظ اذكر الذي لا يكون إلا في مقام الإحسان وتذكر النعم.. ثم جاء بعد هذا إضافة داود إلى اللّه سبحانه وتعالى، إضافة عبودية، الأمر الذي لا يناله إلا المخلصون الأصفياء من عباد اللّه.
ثم جاء بعد هذا وصفه بأنه {ذو الأيد} أي القوة والصبر على ما يبتلى به من ربه من منح أو منع.. ثم أنبع هذا الوصف بوصف آخر، وهو أنه {أواب} أي كثير الأوب والرجوع إلى اللّه، إذا هو شعر بأنه لم يؤد للّه ما يجب في مواقع الابتلاء، من شكر، أو صبر.
ثم يذكر بعد هذا ما ساق اللّه إليه من سوابغ رحمته المادية ولروحية معا، فيقول سبحانه: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ}.. فهذه وهى الجبال أبرز وجوه ما على الأرض من عوالم، تستجيب له، وتأنم به، وتسبّح للّه معه.. وهذه الطيور التي تبسط سلطانها في الجو، تحشر إليه- بقدرة اللّه- من كل صوب،. وكأنها بعض جنوده من البشر تسبّح اللّه معه، وتردد ما يسبح به.
ثم يقول سبحانه: {وَشَدَدْنا مُلْكَهُ} أي أعطيناه ملكا، وثبتنا له قواعده، {وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ} أي إلى جانب هذا الملك المتمكن، آتيناه نبوة، وعلما، تتكشف له بهما موارد الأمور ومصادرها، فيقيمها على ميزان العدل والإحسان.. ثم يقع لداود النبي- وهو قائم على سياسة هذا الملك الذي بين يديه- يقع له ابتلاء، فيهتز ميزان العدل في يده، ويجد لهذا نحسة في ضميره، فيرجع إلى اللّه تائبا مستغفرا، فيلقى من ربه قبولا ومغفرة، ويكسى حلل الرضا والإحسان، فيقول سبحانه: {فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ} وهكذا يفعل اللّه لعباده المؤمنين.. يبتليهم، ثم يعافيهم، ليريهم مواقع رحمته بهم، وإحسانه إليهم، فيزدادون حمدا له، وقربا منه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا داود ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)} أعقب حكاية أقوالهم من التكذيب ابتداء من قوله: {وقَالَ الكافرون هذا ساحِرٌ كذَّابٌ} [ص: 4] إلى هنا، بأمرِ الله رسولَه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أقوالهم إذ كان جميعها أذى: إما صريحًا كما قالوا: {ساحر كذَّاب} وقالوا: {إن هذا إلا اختلاقٌ} [ص: 7] {إن هذا لشيء يُرادُ} [ص: 6]، وإمّا ضِمنًا وذلك ما في سائر أقوالهم من إنكار ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بقولهم: {ربَّنَا عَجِل لنا قِطَّنَا} [ص: 16] من إثبات أن الإله واحد، ويشمل ما يقولونه مما لم يحك في أول هذه السورة.
وقوله: {واذكر عبدنا داود} إلى آخره يجوز أن يكون عطفًا على قوله: {اصبر على ما يقولون} بأن أُتبع أمره بالصبر وبالائتساء ببعض الأنبياء السابقين فيما لَقُوه من الناس ثم كانت لهم عاقبة النصر وكشف الكرب.
ويجوز أن يكون عطفًا على مجموع ما تقدّم عطْفَ القصة على القصة والغرض هو هو.
وابتدىء بذكر داود لأن الله أعطاه مُلْكًا وسلطانًا لم يكن لآبائه ففي ذكره إيماء إلى أن شأن محمد صلى الله عليه وسلم سيصير إلى العزة والسلطان، ولم يكن له سلف ولا جند فقد كان حال النبي صلى الله عليه وسلم أشبه بحال داود عليه السلام.
وأدمج في خلال ذلك الإِيماء إلى التحذير من الضجر في ذات الله تعالى واتقاءِ مراعاة حظوظ النفس في سياسة الأمة إبعادًا لرسوله صلى الله عليه وسلم عن مهاوي الخطأ والزلَل وتأديبًا له في أول أمره وآخره مما أن يتلقى بالعَذَل.
وكان داود أيضًا قد صبر على ما لقِيَه من حسد شاول طالوت ملك إسرائيل إياه على انتصاره على جالوت ملك فلسطين.
فالمصدر المتصرِّف منه {واذكر عبدنا داود} هو الذكر بضم الذال وهو التذكرُّ وليس هو ذِكر اللسان لأنه إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لتسليته وحفظ كماله لا لِيُعْلمه المشركين ولا لِيُعْلِمه المسلمين على أن كِلا الأمرين حاصل تبعًا حين إبلاغ المنزَّل في شأن داود إليهم وقراءته عليهم.
ومعنى الأمر بتذكر ذلك تذكر ما سبق إعلام النبي صلى الله عليه وسلم به من فضائله وتذكير ما عسى أن يكون لم يعلمه مما يعلم به في هذه الآية.
ووصفُ داود ب {عَبْدَنَا} وصفُ تشريف بالإِضافة بقرينة المقام كما تقدم عند قوله: {إلا عباد اللَّه المخلصين} في سورة [الصافات 40].
و{الأَيْد} القوة والشدة، مصدر: آدَ يئيد، إذا اشتدّ وقَوي، ومنه التأييد التقوية، قال تعالى: {فآواكم وأيدكم بنصره} في سورة [الأنفال: 26].
وكان داود قد أعطي قوة نادرة وشجاعة وإقدامًا عجيبين وكان يرمي الحجر بالمقلاع فلا يخطىءُ الرميَّة، وكان يلوي الحديد ليصنعه سردًا للدروع بأصابعه، وهذه القوة محمودة لأنه استعملها في نصر دين التوحيد.
وجملة {إنَّه أوَّابٌ} تعليل للأمر بذكره إيماء إلى أن الأمر لقصد الاقتداء به، كما قال تعالى: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90]، فالجملة معترضة بين جملة {واذكُرْ} وجملةِ بيانها وهي {إنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ معه}.
والأوّاب: الكثير الأوْب، أي الرجوع.
والمراد: الرجوع إلى ما أمر الله به والوقوف عند حدوده وتدارك ما فرط فيه.
والتائب يطلق عليه الأوّاب، وهو غالب استعمال القرآن وهو مجاز ولا تسمّى التوبة أوبًا، وزبور داود المسمى عند اليهود بالمزامير مشتمل على كثير من الاستغفار وما في معناه من التوبة.
وجملة {إنَّا سخرنا الجبال معه} بيان لجملة {واذكر عبدنا} أي اذكر فضائله وما أنعمنا عليه من تسخير الجبال وكيْت وكَيْتَ، و{معهُ} ظرف ل {يُسَبِحْنَ} وقدم على متعلقه للاهتمام بمعيته المذكورة، وليس ظرفًا ل {سَخَّرْنَا} لاقتضائه، وتَقدم تسخير الجبال والطيرِ لداود في سورة الأنبياء.