فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج حميد بن زنجويه والبزار والبيهقي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين، وإن صليتها أربعًا كنت من المحسنين، وإن صليتها ستًا كتبت من القانتين، وإن صليتها ثمانيًا كتبت من الفائزين، وإن صليتها عشرًا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب، وإن صليتها إثنتي عشرة بنى الله لك بيتًا في الجنة».
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وأحمد وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حافظ على سبحة الضحى غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر».
{وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)} أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {والطير محشورة} قال: مسخرة له {كل له أوّاب} قال: مطيع {وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة} أي السنة {وفصل الخطاب} قال: البينة على الطالب، واليمين على المطلوب.
وأخرج عبد بن حميد والحاكم عن مجاهد رضي الله عنه {وشددنا ملكه} قال: كان أشد ملوك أهل الدنيا لله سلطانًا {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} قال: ما قال من شيء أنفذه وعدله في الحكم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ادعى رجل من بني إسرائيل عند داود عليه السلام قتل ولده فسأل الرجل على ذلك فجحده، فسأل الآخر البينة فلم تكن بينة فقال لهما داود عليه السلام: قوما حتى أنظر في أمركما، فقاما من عنده، فأتى داود عليه السلام في منامه فقيل له: أقتل الرجل الذي استعدى، فقال: إن هذه رؤيا ولست أعجل حتى أثبت، فأتى الليلة الثانية في منامه فقيل له: أقتل الرجل، فلم يفعل. ثم أتى الليلة الثالثة فقيل له: أقتل الرجل، أو تأتيك العقوبة من الله تعالى، فأرسل داود عليه السلام إلى الرجل فقال: إن الله أمرني أن أقتلك فقال: تقتلني بغير بينة ولا تثبت قال: نعم. والله لأنفذن أمر الله فيك فقال له الرجل: لا تعجل عليَّ حتى أخبرك. إني ما أخذت بها الذنب، ولكني كنت اغتلت والد هذا فقتلته، فبذلك أخذت، فأمر به داود عليه السلام فقتل، فاشتدت هيبته في بني إسرائيل وشدد به ملكه. فهو قول الله تعالى: {وشددنا ملكه}.
وأخرج ابن جرير والحاكم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وشددنا ملكه} قال: كان يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف وفي قوله: {وآتيناه الحكمة} قال: النبوة {وفصل الخطاب} قال: علم القضاء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {وآتيناه الحكمة} قال: أعطي الفهم.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {وآتيناه الحكمة} قال: الصواب {وفصل الخطاب} قال: الإِيمان والشهود.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {فصل الخطاب} قال: إصابة القضاء وفهمه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي عبد الرحمن رضي الله عنه {وفصل الخطاب} قال: فصل القضاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه {وفصل الخطاب} قال: الفهم في القضاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن شريح رضي الله عنه {وفصل الخطاب} قال: الشهود والإِيمان.
وأخرج البيهقي عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه.
إن داود عليه السلام أمر بالقضاء، فقطع به، فأوحى الله تعالى إليه: أن استحلفهم باسمي، وسلهم البينات قال: فذلك {فصل الخطاب}.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن قتادة رضي الله عنه {وفصل الخطاب} قال: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي رضي الله عنه في قوله: {وفصل الخطاب} قال: هو قول الرجل: أما بعد.
وأخرج ابن أبي حاتم والديلمي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أول من قال أما بعد داود عليه السلام، وهو فصل الخطاب.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه أنه سمع زياد بن أبي سفيان رضي الله عنه يقول {فصل الخطاب} الذي أوتي داود عليه السلام أما بعد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا داود ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)}.
{ذَا الأَيْدِ} أي ذا القوة، ولم تكن قُوَّتُه قوةَ نَفْسٍ، وإنما كانت قوته قوةَ فِعْلٍ؛ كان يصوم يومًا ويفطر يومًا- وهو أشدُّ الصوم، وكان قويًا في دين الله بِنَفْسِه وقلبه وهمته.
{أَوَّابٌ} رَجَّاع.
{إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)} كان داود يُسَبِّح، والجبالُ تُسَبِّح، وكان داود يفهم تسبيحَ الجبالِ على وجهِ تخصيصٍ له بالكرامة والمعجزة.
وكذلك الطير كانت تجتمع له فتسبِّح الله، وداود كان يعرف تسبيحَ الطير؛ وكلُّ مَنْ تَحقَّقَ بحاله ساعَدَه كلُّ شيءٍ كان بقُرْبِه، ويصير غيرُ جِنْسِه بحُكْمِه، وفي معناه أنشدوا:
رُبَّ ورقاءَ هتوفِ بالضُّحى ** ذات شجوٍ صَرَخَتْ في فَنَنِ

ذَكَرَتْ إلفًا ودهرًا صالحًا ** وبَكَتْ شوقًا فهاجَتْ حَزَني

فبُكائي رُبَّما أَرَّقَها ** وبكاها ربما أَرَّقني

ولقد تشكو فما أفهمها ** ولقد أشكو فما تفهمني

وغير أني بالجوى أعرفها ** وهي أيضًا باجوى تعرفني

{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)} أي قوَّيْنا مُلْكَه بأنصاره، وفي التفسير: كان يحفظ مُلْكَه كلَّ ليلةٍ ثلاثةٌ وثلاثون ألفَ رجلٍ.
قوله جلّ ذكره: {وَشَدَدنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}.
أي شددنا مُلْكَه بنصرنا له ودَفْعِنا البلاَءَ عنه.
ويقال شدنا مُلْكَه بالعدل في القضية، وحُسْنِ السيرة في الرعية.
ويقال شددنا ملكه بقبض أيدي الظَّلَمَة.
ويقال شددنا ملكه بدعاء المستضعفين.
ويقال شددنا مُلْكَه بأن رأى النصرةَ مِنَّا، وَتَبرَّأَ من حَوْلِه وقُوَّتِه.
ويقال بوزراء ناصحين كانوا يدلُّونه على ما فيه صلاح مُلْكه.
ويقال بِتَيَقُظِه وحُسْنِ سياسته. ويقال بقبوله الحق من كلِّ أحد.
ويقال برجوعه إلينا في عموم الأوقات.
{وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} أي أعطيناه الرُّشْدَ والصوابَ، والفَهْمَ والإصابة.
ويقال العلم بنفْسِه وكيفية سياسة أمته.
ويقال الثبات في الأمور والحكمة، وإِحكام الرأي والتدبُّر.
ويقال صحبة الأبرار، ومجانبة الأشرار.
وأمَّا {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} فهو الحكم بالحق، وقيل: البينة على مَنْ ادَّعىَ واليمين على مَنْ أنكر. ويقال: القضاء بين الخصوم. اهـ.

.تفسير الآيات (21- 25):

قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى داود فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ داود أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان السياق للتدريب على الصبر والتثبيت الشافي والتدبر التام والابتلاء لأهل القرب، وكان المظنون بمن أوتي فصل الخطاب أن لا يقع له لبس في حكم ولا عجلة في أمر، وكان التقدير: هل أتتك هذه الأنباء، عطف عليه- مبينًا عواقب العجلة معلمًا أن على من أعطى المعارف أن لا يزال ناظرًا إلى من أعطاه ذلك سائلًا له التفهيم، استعجازًا لنفسه متصورًا لمقام العبودية التي كرر التنبيه عليها في هذه السورة بنحو قوله: {نعم العبد} قوله في سياق ظاهره الاستفهام وباطنه التنبيه على ما في ذلك من الغرابة خبره العظيم جدًّا، وأفرده وإن كان المراد الجمع دلالة على أنهم على كلمة واحدة في إظهار الخصومة لا يظهر لأحد منهم أنه متوسط مثلًا ونحو ذلك.
ولما كان الخصم مصدرًا يقع على الواحد فما فوقه ذكرًا كان أو أنثى، وكان يصح تسمية ربقة المتخاصمين خصمًا لأنهم في صورة الخصم قال: {إذ} أي خبر تخاصمهم حين {تسوروا} أي صعدوا السور ونزلوا من هم ومن معهم، آخذًا من السور وهو الوثوب {المحراب} أي أشرف ما في موضع العبادة الذي كان داود عليه السلام به، وهو كناية عن أنهم جاؤوه في يوم العبادة ومن غير الباب، فخالفوا عادة الناس في الأمرين، وكأن المحراب الذي تسوروه كان فيه باب من داخل باب آخر، فنبه على ذلك بأن أبدل من {إذ} الأول قوله: {إذ} أي حين {دخلوا} وصرح باسمه رفعًا للبس وإشعارًا بما له من قرب المنزلة وعظيم الود فقال: {على داود} ابتلاء منا له مع ما له من ضخامة الملك وعظم القرب منا، وبين أن ذلك كان على وجه يهول أمره إما لكونه في موضع لا يقدر عليه أحد أو غير ذلك بقوله: {ففزع} أي ذعر وفرق وخاف {منهم} أي مع ما هو فيه من ضخامة الملك وشجاعة القلب وعلم الحكمة وعز السلطان.
ولما كان كأنه قيل: فما قالوا له؟ قال: {قالوا لا تخف} ولما كان ذلك موجبًا لذهاب الفكر في شأنهم كل مذهب، عينوا أمرهم بقولهم: {خصمان} أي نحن فريقان في خصومة، ثم بينوا ذلك بقولهم: {بغى بعضنا} أي طلب طلبة علو واستطالة {على بعض} فأبهم أولًا ليفصل ثانيًا فيكون أوقع في النفس، ولما تسبب عن هذا سؤاله في الحكم قالوا: {فاحكم بيننا بالحق} أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع، وإنما سألاه ذلك مع العلم بأنه لا يحكم إلا بالعدل ليكون أجدر بالمعاتبة عند أدنى هفوة {ولا تشطط} أي لا توقع البعد ومجاوزة الحد لا في العبارة عن ذلك بحيث يلتبس علينا المراد ولا في غير ذلك، أو ولا تمعن في تتبع مداق الأمور فإني أرضى بالحق على أدنى الوجوه، ولذا أتى به من الرباعي والثلاثي بمعناه، قال أبو عبيد: شط في الحكم وأشط- إذا جار، ولذا أيضًا فك الإدغام إشارة إلى أن النهي إنما هو عن الشطط الواضح جدًّا.
ولما كان الحق له أعلى وأدنى وأوسط، طلبوا التعريف بالأوسط فقالوا {واهدنا} أي أرشدنا {إلى سواء} أي وسط {الصراط} أي الطريق الواضح، فلا يكون بسبب التوسط ميل إلى أحد الجانبين: الإفراط في تتبع مداق الأمر والتفريط في إهمال ذلك.
ولما كانت هذه الدعوى بأمر مستغرب يكاد أن لا يسمعه أحد إلا أنكره ساق الكلام مؤكدًا فقال: {إن هذا} يشير إلى شخص من الداخلين، ثم أبدل منه قوله: {أخي} أي في الدين والصحبة، ثم أخبر عنه بقوله: {له تسع وتسعون نعجة} ويجوز أن يكون {أخي} هو الخبر والتأكيد حينئذ لأجل استبعاد مخاصمة الأخ وعدوانه على أخيه ويكون ما بعده استئنافًا {ولي} أي أنا أيها المدعي {نعجة} ولما كان ذلك محتملًا لأن يكون جنسًا أكده بقوله: {واحدة} ثم سبب عنه قوله: {فقال} أي الذي له الأكثر: {أكفلنيها} أي أعطنيها لأكون كافلًا لها {وعزني} أي غلبني وقوى عليّ واشتد وأغلظ بي {في الخطاب} أي الكلام الذي له شأن من جدال وغيره بأن حاورني إلى أن أملّني فسكت عجزًا عن التمادي معه، ولم يقنع مني بشيء دون مراده.
ولما تمت الدعوى، حصل التشوف إلى الجواب فاستؤنف قوله: {قال} أي على تقدير صحة ما قلت، وذلك أنه لما رأى الخصم قد سكت ولم ينكر مما قال المدعي شيئًا، وربما أظهر هيئة تدل على تصديقه قال ذلك فعوتب وإن كان له مخرج، كل ذلك تدريبًا على التثبت في القضاء وأن لا ينحي نحو القرآئن، وأن لا يقنع فيه إلا بمثل الشمس، وأكد قوله في سياق القسم ردعًا للظالم على تقدير صحة الدعوى بالمبالغة في إنكار فعله لأن حال من فعل شيئًا مؤذن بإنكار كونه ظالمًا وكون فعله ظلمًا.
مفتتحًا لقوله بحرف التوقع لاقتضاء حال الدعوى له: {لقد ظلمك} أي والله قد أوقع ما فعله معك في غير موقعه على تقدير صحة دعواك {بسؤال نعجتك} أي بأن سألك أن يضمها، وأفاد أن ذلك على وجه الاختصاص بقوله: {إلى نعاجه} بنفسه أو بغيره نيابة عنه ولذا لم يقل: بسؤاله ثم عطف على ذلك أمرًا كليًا جامعًا لهم ولغيرهم واعظًا ومرغبًا ومرهبًا ولما كانت الخلطة موجبة لظن الألفة لوجود العدل والنصفة واستبعاد وجود البغي معها، أكد قوله واعظًا للباغي إن كان وملوحًا بالإغضاء والصلح للمظلوم: {وإن كثيرًا من الخلطاء} أي مطلقًا منكم ومن غيركم {ليبغي} أي يتعدى ويستطيل {بعضهم} عاليًا {على بعض} فيريدون غير الحق {إلا الذين آمنوا} من الخلطاء {وعملوا} أي تصديقًا لما ادعوه من الإيمان {الصالحات} أي كلها فإنهم لا يقع منهم بغي {وقليل} وأكد قلتهم وعجب منها بما أبهم في قوله: {ما} مثل نعمًا ولأمرها {هم} وأخر هذا المبتدأ وقدم الخبر اهتمامًا به لأن المراد التعريف بشدة الأسف على أن العدل في غاية القلة، أي فتأس بهم أيها المدعي وكن منهم أيها المدعى عليه.
ولما أتم ذلك ذهب الداخلون عليه فلم ير منهم أحدًا فوقع في نفسه أنه لا خصومة، وأنهم إنما أرادوا أن يجربوه في الحكم ويدربوه عليه، وأنه يجوز للشخص أن يقول ما لم يقع إذا انبنى عليه فائدة عظيمة تعين ذلك الكلام طريقًا للوصول إليها أو كان أحسن الطرق مع خلو الأمر عن فساد، وحاصله أنه تذكر كلام، والمراد به بعض لوازمه، فهو مثل دلالة التضمن في المفردات، وهذا مثل قول سليمان عليه السلام ائتوني بالسكين أشقه بينهما وليس مراده إلا ما يلزم عن ذلك من معرفة الصادقة والكاذبة بإباء الأم لذلك وتسليم المدعية كذبًا، وتحقيقه أنه لا ملازمة بين الكلام وإرادة المعنى المطابقي لمفردات ألفاظه بدليل لغو اليمين، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لصفية رضى الله عنها: «عقرى حلقى» ولأم سلمة رضى الله عنها «تربت يمينك» وقوله- صلى الله عليه وسلم: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد» مشير إلى أن الكلام قد لا يراد به معناه، ومن هنا كان الحكم في ألفاظ الكنايات أنه لا يقع بها شيء إلا إن اقترن بقصد المعنى، ولما كان هذا القدر معلومًا عطف عليه قوله: {وظن داود} أي بذهابهم قبل فصل الأمر وقد دهمه من ذلك أمر عظيم من عظمة الله لا عهد له بمثله {أنما فتناه} أي اختبرناه بهذه الحكومة في الأحكام التي يلزم الملوك مثلها ليتبين أمرهم فيها.