فصل: الإسرائيليات في قصة داود عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعلم أنه بادر إلى نسبة المدعى عليه إلى أنه ظلم من قبل أن يسمع كلامه ويسأله المدعي الحكم، فعاتبه الله على ذلك، والأنبياء عليهم السلام لعلو مقاماتهم يعاتبون على مثل هذا، وهو من قصر الموصوف على الصفة قلبًا، أي هذه القصة مقصورة على الفتنة لا تعلق لها بالخصوصة، ولو كان المراد ما قيل من قصة المرأة التي على كل مسلم تنزيهه وسائر إخوانه عليهم السلام عن مثلها لقيل وعلم داود ولم يقل: وظن- كما يشهد بذلك كل من له أدنى ذوق في المحاورات- والله الموفق، وقال الزمخشري: وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين، وهو حد الفرية على الأنبياء عليهم السلام، وروي أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز، وعنده رجل من أهل الحق، فكذب المحدث به وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله عز وجل فما ينبغي أن يلتمس خلافها، وأعظم بأن يقال غير ذلك، وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها سترًا على نبيه صلى الله عليه وسلم فما ينبغي إظهارها عليه، فقال عمر بن عبد العزيز: لسماعي هذا الكلام أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس.
وتلك القصة وأمثالها من كذب اليهود، وأخبرني بعض من أسلم منهم أنهم يتعمدون ذلك في حق داود عليه السلام لأن عيسى عليه السلام من ذريته ليجدوا السبيل إلى الطعن فيه.
ولما ظن هذا، سبب له تحقيق ما وصفه الله من الأوبة فعبر عن ذلك بقوله: {فاستغفر} ولما استغرقته العظمة التي هذا مخرها، رجع إلى ذكر الإحسان واللطف فقال: {ربه} أي طلب الغفران من مولاه الذي أحسن إليه بإحلاله ذلك المحل العظيم من أن يعود للحكم للأول بدون أن يسمع الآخر {وخر} أي سقط من قيامه توبة لربه عن ذلك، ولما كان الخرور قد يكون لغير العبادة قال: {راكعًا} أي ساجدًّا لأن الخرور لا يكون إلا للسقوط على الأرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فسره بالسجود فيما روى النسائي عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال: «سجدها داود توبة ونسجدها شكرًا» وعبر بالركوع عن السجود ليفهم أنه كان عن قيام وأنه في غاية السرعة لقوة الاهتمام به وتوفر الداعي إليه بحيث إنه وصل إلى السجود في مقدار ما يصل غيره إلى الركوع، قال ابن التياني في كتابه الموعب: وكل شيء يكب لوجهه فتمس ركبته الأرض بعد أن يطأطىء رأسه فهو راكع.
ابن دريد: الراكع الذي يكبو على وجهه- انتهى.
والركعة- بالضم: الهوة من الأرض، كأنها سميت بذلك لأنها تسقط فيها على الوجه، وكأنها هي أصل المادة، وقال في القاموس: ركع أي صلى، فحينئذ يكون المعنى: سقط مصليًا، ومعلوم أن صلاتهم لا ركوع فيها وقد تقدم ذلك في آل عمران والبقرة {وأناب} أي تاب أي رجع عن أن يعود لمثلها.
ولما كان الحال قد يشكل في الإخبار عن المغفرة لو عبر بضمير الغائب لإيهام أن ربه غير المتكلم، وكان الغفران لا يحسن إلا مع القدرة، عاد إلى مظهر العظمة إثباتًا للكمال ونفيًا للنقص: فقال: {فغفرنا} أي بسبب ذلك وفي أثره على عظمتنا وتمام قدرتنا غفرًا يناسب مقداره ما لنا من العظمة {له ذلك} أي الوقوع في الحديث عن إسناد الظلم إلى أحد بدون سماع لكلامه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه سبحانه لأجل هذه القصة أن كل من سبه أو دعا عليه وليس أهلًا لذلك أن يكون ذلك له صلاة وبركة ورحمة، والحاصل أن هذه القضية لتدريب النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر على قومه، والثاني فإن هذه السورة على ما روي عن جابر بن زيد من أوائل ما أنزل بمكة، وعلى هذا دل الحديث السابق عن ابن عباس- رضى الله عنهما- في شكوى المشركين منه صلى الله عليه وسلم إلى عمه أبي طالب الوقوع في آلهتهم فإنه كان في أوائل الأمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما دعاهم لم يؤمر بذكر آلهتهم فلم يجيبوه ولم يبعدوا عن كل البعد، ثم أمره الله بذكر ألهتهم فناكروه حينئذ وباعدوه، وتقدموا ذلك بالشكوى إلى أبي طالب مرة بعد أخرى ليرده عنه، فكانت هذه الدعوى تدريبًا لداود عليه السلام في الأحكام، وذكرها للنبي صلى الله عليه وسلم تدريبًا له على الأناة في جميع أموره على الداوم.
ولما كان ذكر هذا ربما أوهم شيئًا في مقامه صلى الله عليه وسلم، سيق في أسلوب التأكيد قوله: {وإن له} أي مع الغفران، وعظم ذلك بمظهر العظمة لأن ما ينسب إلى العظيم لا يكون إلا عظيمًا فقال: {عندنا} وزاد في إظهار الاهتمام بذلك نفيًا لذلك الذي ربما توهم فأكد قوله: {لزلفى} أي قربة عظيمة ثابتة بعد المغفرة {وحسن مآب} أي مرجع في كل ما يؤمل من الخير، وفوق ذلك فهذا معلم ولابد بأن هذه القضية لم يجر إلى ذكرها إلا الترقية في رتب الكمال لا غير ذلك، وأدل دليل على ما ذكرته- أن هذه الفتنة إنما هي بالتدريب في الحكم لا بامرأة ولا غيرها وأن ما ذكروه من قصة المرأة باطل وإن اشتهر فكم من باطل مشهور ومذكور هو عين الزور. اهـ.

.الإسرائيليات في قصة داود عليه السلام:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
ومن الإسرائيليات التي تخل بمقام الأنبياء، وتنافي عصمتهم، ما ذكره بعض المفسرين في قصة سيدنا داود عليه السلام عند تفسير قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}.
فقد ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم، والبغوي، والسيوطي في: الدر المنثور من الأخبار ما تقشعر منه الأبدان، ولا يوافق عقلا، ولا نقلا، عن ابن عباس، ومجاهد، ووهب بن منبه، وكعب الأحبار، والسدي، وغيرهم ما محصلها: أن داود عليه السلام حدث نفسه: إن ابتلي أن يعتصم فقيل له: إنك ستبتلى وستعلم اليوم الذي تبتلى فيه، فخذ حذرك، فقيل له: هذا اليوم الذي تبتلى فيه فأخذ الزبور، ودخل المحراب، وأغلق بابه، وأقعَدَ خادمه على الباب، وقال: لا تأذن لأحد اليوم، فبينما هو يقرأ الزبور، إذ جاء طائر مذهب يدرج بين يديه، فدنا منه، فأمكن عليه لينظر أين وقع، فإذا هو بامرأة عند بركتها تغتسل من الحيض، فلما رأت ظله نفضت شعرها، فغطت جسدها به، وكان زوجها غازيا في سبيل الله، فكتب داود إلى رأس الغزاة: أن اجعله في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح عليهم، وإما أن يقتلوا، فقدمه في حملة التابوت، فقُتِل، وفي بعض هذه الروايات الباطلة أنه فعل ذلك ثلاث مرات، حتى قتل في الثالثة، فلما انقضت عدتها، خطبها داود عليه السلام، فتسور عليه الملكان، وكان ما كان، مما حكاه الله تعالى: رُفِع ذلك إلى النبي.
ولم يقف الأمر عند هذه الروايات الموقوفة عن بعض الصحابة والتابعين، ومسلمة أهل الكتاب بل جاء بعضها مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب: الدر: وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن أبي حاتم بسند ضعيف، عن أنس رض الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقمل: «إن داود عليه السلام حين نظر إلى المرأة، قطغ على بنى إسرائيل وأوصى صاحب الجيش، فقال: إذا حضر العدو فقرب فلانا بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، من قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم معه الجيش، فقتل، وتزوج المرأة، ونزل الملكان على داود عليه السلام فسجد، فمكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، فأكلت الأرض جبينه، وهو يقول في سجوده: رب ذل داود ذلة أبعد مما بين المشرق والمغرب، رب إن لم ترحم ضعف داود، وتغفر ذنوبه جعلت ذنبه حديثا في المخلوق من بعده، فجاء جبريل عليه السلام من بعد أربعين ليلة، فقال: يا داود إن الله قد غفر لك، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة، فقال: يا رب دمي الذي عند داود قال جبريل: ما سألت ربك عن ذلك، فإن شئت لأفعلن، فقال، نعم، فعرج جبريل، وسجد داود عليه السلام، فمكث ما شاء الله، ثم نزل، فقال: قد سألت الله يا داود عن الذي أرسلني فيه، فقال: قل لداود: إن الله يجمعكما يوم القيامة، فيقول له: هب لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يا رب، فيقول: فإن لك في الجنة ما شئت، وما اشتهيت عوضًا»، وقد رواها البغوي أيضا عن طريق الثعلبي والرواية منكرة مختلقة على الرسول. وفي سند هذه الرواية المختلقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن لهيعة، وهو مضعف في الحديث، وفي سندها أيضا: يزيد بن أبان الرقاشي، كان ضعيفا في الحديث.
وقال فيه النسائي، والحاكم أبو أحمد: إنه متروك، وقال فيه ابن حبان: كان من خيار عباد الله، من البكائين بالليل، غفل عن حفظ الحديث شغلا بالعبادة، حتى كان يقلب كلام الحسن يجعله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تحل الرواية عنه إلا على جهة التعجب.
وقال العلامة ابن كثير في تفسيره:
وقد ذكر المفسرون هاهنا قصة، أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي، عن أنس رضي الله عنه، ويزيد وإن كان من الصالحين، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة.
ومن ثم يتبين لنا: كذب رفع هذه الرواية المنكرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نكاد نصدق ورود هذا عن المعصوم، وإنما هي اختلاقات، وأكاذيب من إسرائيليات أهل الكتاب، وهل يشك مؤمن عاقل يقر بعصمة الأنبياء في استحالة صدور هذا عن داود عليه السلام، ثم يكون على لسان من؟ على لسان من كان حريصا على تنزيه إخوانه الأنبياء عما لا يليق بعصمتهم، وهو: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومثل هذا التدبير السيء، والاسترسال فيه على ما رووا لو صدر من رجل من سوقة الناس وعامتهم، لاعتبر هذا أمرا مستهجنا مستقبحا، فكيف يصدر من رسول جاء لهداية الناس، زكت نفسه، وطهرت سريرته، وعصمه الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وهو الأسوة الحسنة لمن أرسل إليهم؟!!
ولو أن القصة كانت صحيحة كانت صحيحة لهذبت بعصمة داود، ولنفرت منه الناس، ولكان لهم العذر في عدم الإيمان، فلا يحصل المقصد الذي من أجله أرسل الرسل، وكيف يكون على هذه الحال من قال الله تعالى في شأنه: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} قال ابن كثير في تفسيرها: وإن له يوم القيامة لقربة الله عز وجل بها وحسن مرجع وهو: الدرجات العالية في الجنة لنبوته وعدله التام في ملكه، كما جاء في الصحيح: «المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يقسطون في حكمهم وما ولوا» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحب الناس إلى يوم القيامة وأقربهم مني مجلسًا إمام عادل، وإن أبغض الناس إليَّ يوم القيامة، وأشدهم عذابا: إمام جائر» رواه أحمد، والترمذي.
ولكي يستقيم هذا الباطل قالوا: إن المراد بالنعجة هي: المرأة، وأن القصة خرجت مخرج الرمز والإشارة، ورووا أن الملكين لما سمعا حكم داود، وقضاءه بظلم صاحب التسع والتسعين نعجة لصاحب النعجة، قالا له: وما جزاء من فعل ذلك؟ قال: يقطع هذا، وأشار إلى عنقه، وفي رواية: «يضرب من ههنا، وههنا وههنا» وأشار إلى جبهته، وأنفه، وما تحته، فضحكا، وقالا، «أنت أحق بذلك منه، ثم صعدا».
وذكر البغوي في تفسيره وغيره، عن وهب بن منبه: أن داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة، لا يرقأ دمعه ليلا، ولا نهارا، وكان أصاب الخطيئة، وهو ابن سبع وسبعين سنة، فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام: يوم للقضاء بين بني إسرائيل، ويوم لنسائه، ويوم يسيح في الفيافي، والجبال، والسواحل، ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب، فيجتمع إليه الرهبان فينوح معهم على نفسه، فيساعدونه على ذلك، فإذا كان يوم نياحته يخرج في الفيافي، فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي، ويبكي معه الشجر، والرمال، والطير، والوحش، حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار، ثم يجيء إلى الجبال فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي، وتبكي معه الجبال، والحجارة، والدواب والطير، حتى تسيل من بكائهم الأودية، ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي، وتبكى معه الحيتان، ودواب البحر وطير الماء والسباع.
والحق: أن الآيات ليس فيها شيء مما ذكروا، وليس هذا في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وهي التي عليها المعول، وليس هناك ما يصرف لفظ النعجة من حقيقته إلى مجازه، ولا ما يصرف القصة عن ظاهرها إلى الرمز والإشارة.
وما أحسن ما قال الإمام القاضي عياض: لا تلتفت إلى ما سطره الأخباريون من أهل الكتاب، الذين بدلوا، وغيروا ونقله بعض المفسرين، ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك في كتابه، ولا ورد في حديث صحيح، والذي نص عليه في قصة داود: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} وليس في قصة داود، وأوريا خبر ثابت.
والمحققون ذهبوا إلى ما ذهب إليه القاضي، قال الداودي: ليس في قصة داود وأوريا خبر يثبت، ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم، وقد روي عن سيدنا علي أنه قال: من حدث بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة، وذلك حد الفرية على الأنبياء، وهو كلام مقبول من حيث المعنى، إلا أنه لم يصح عن الإمام ذلك كما قال العراقي.
التفسير الصحيح للآيات:
وإذا كان ما روي من الإسرائيليات الباطلة التي لا يجوز أن تفسر بها الآيات، فما التفسير الصحيح لها إذًا؟
والجواب: أن داود عليه السلام كان قد وزع مهام أعماله، ومسئولياته نحو نفسه، ونحو الرعية على الأيام، وخص كل يوم بعمل، فجعل يومًا للعبادة، ويومًا للقضاء وفصل الخصومات، ويومًا للاشتغال بشئون نفسه وأهله، ويومًا لوعظ بني إسرائيل ففي يوم العبادة: بينما كان مشتغلا بعبادة ربه في محرابه، إذ دخل عليه خصمان تسورا عليه من السور، ولم يدخلا من المدخل المعتاد، فارتاع منهما، وفزع فزعًا لا يليق بمثله من المؤمنين، فضلًا عن الأنبياء المتوكلين على الله غاية التوكل، الواثقين بحفظه، ورعايته ومثل الأنبياء في علوم شأنهم، وقوة ثقتهم بالله والتوكل عليه ألا تعلق نفوسهم بمثل هذه الظنون بالأبرياء، ومثل هذا الظن وإن لم يكن ذنبا في العادة، إلا أنه بالنسبة وظن بهما سوءا، وأنهما جاءا ليقتلاه، أو يبغيا به شرًّا، ولكن تبين له أن الأمر على خلاف ما ظن، وأنهما خصمان جاءا يحتكمان إليه، فلما قضى بينهما، وتبين له أنهما بريئان مما ظنه بهما، استغفر ربه، وخر ساجدا لله تعالى؛ تحقيقًا لصدق توبته والإخلاص له، وأناب إلى الله غاية الإنابة.
للأنبياء يعتبر خلاف الأولى، والأليق بهم، وقديما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فالرجلان خصمان حقيقة، وليسا ملكين كما زعموا، والنعاج على حقيقتها، وليس ثمة رموز ولا إشارات، وهذا التأويل هو الذي يوافق نظم القرآن ويتفق وعصمة الأنبياء، فالواجب الأخذ به، ونبذ الخرافات، والأباطيل، التي هي من صنع بني اسرائيل، وتلقفها القصاص وأمثالهم ممن لا علم عندهم، ولا تمييز بين الغث والسمين. وقيل: إن الذي صنعه داود: أنه خطب على خطبة أوريا، فآثره أهلها عليه، وقد كانت الخطبة على الخطبة حرام في شريعتهم، كما هي حرام في شريعتنا.
وقيل: إنه طلب من زوجها أوريا أن ينزل له عنها وقد كان هذا في شريعتهم، ومستساغا عندهم، وقيل: إنه أوخذ؛ لأنه حكم بمجرد سماعه لكلام أحد الخصمين، وكان عليه أن يسمع كلام الخصم الآخر، وقد قيل: إذا جاءك أحد الخصمين، وقد فقئت عينه، فلا تحكم له؛ لجواز أن يكون خصمه قد فقئت عيناه، وهذه الأقوال الثلاثة ونحوها لست منها على ثلج، ولا اطمئنان، فإنها وإن كانت لا تخل بالعصمة لكنها تخدشها، ثم هي لا تليق بالصفوة المختارة من الخلق، وهم الأنبياء، فالوجه الجدير بالقبول في تفسير الآيات هو الأول فعض عليه، واشدد به يديك. اهـ.