فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الخصم} قال الواحدي: الخصم مصدر خصمته أخصمه خصمًا، ثم يسمى به الإثنان والجمع ولا يثنى ولا يجمع، يقال هما خصم وهم خصم، كما يقال هما عدل وهم عدل، والمعنى ذوا خصم وذوو خصم، وأريد بالخصم هاهنا الشخصان اللذان دخلا على داود عليه السلام، وقوله تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب} يقال تسورت السور تسورًا إذا علوته، ومعنى: {تَسَوَّرُواْ المحراب} أي أتوه من سوره وهو أعلاه، يقال تسور فلان الدار إذا أتاها من قبل سورها.
وأما المحراب فالمراد منه البيت الذي كان داود يدخل فيه ويشتغل بطاعة ربه، وسمي ذلك البيت المحراب لاشتماله على المحراب، كما يسمى الشيء بأشرف أجزائه، وههنا مسألة من علم أصول الفقه، وهي أن أقل الجمع اثنان عند بعض الناس، وهؤلاء تمسكوا بهذه الآية، لأنه تعالى ذكر صيغة الجمع في هذه الآيات في أربعة مواضع أحدهما: قوله تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب} [ص: 21]، وثانيها: قوله: {إِذْ دَخَلُواْ} وثالثها: قوله: {مِنْهُمْ} ورابعها: قوله: {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} فهذه الألفاظ الأربعة كلها صيغ الجمع، وهم كانوا اثنين بدليل أنهم قالوا خصمان، قالوا فهذه الآية تدل على أن أقل الجمع اثنان والجواب: لا يمتنع أن يكون كل واحد من الخصمين جمعًا كثيرين، لأنا بينا أن الخصم إذا جعل اسمًا فإنه لا يثنى ولا يجمع، ثم قال تعالى: {إِذْ دَخَلُواْ على داود} والفائدة فيه أنهم ربما تسوروا المحراب وما دخلوا عليه، فلما قال: {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} دل على أنهم بعد التسور دخلوا عليه، قال الفراء: وقد يجاء بإذ مرتين ويكون معناهما كالواحد، كقولك ضربتك إذ دخلت علي إذ اجترأت، مع أنه يكون وقت الدخول ووقت الاجتراء واحدًا، ثم قال تعالى: {فَفَزِعَ مِنْهُمْ} والسبب أن داود عليه السلام لما رآهما قد دخلوا عليه لا من الطريق المعتاد، علم أنهم إنما دخلوا عليه للشر، فلا جرم فزع منهم، ثم قال تعالى: {قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
خصمان خبر مبتدأ محذوف، أي نحن خصمان.
المسألة الثانية:
ههنا قولان الأول: أنهما كانا ملكين نزلا من السماء وأرادا تنبيه داود عليه السلام على قبح العمل الذي أقدم عليه والثاني: أنهما كانا إنسانين دخلا عليه للشر والقتل، فظنا أنهما يجدانه خاليًا، فلما رأيا عنده جماعة من الخدم اختلقا ذلك الكذب لدفع الشر، وأما المنكرون لكونهما ملكين فقد احتجوا عليه بأنهما لو كانا ملكين لكانا كاذبين في قولهما {خَصْمَانِ} فإنه ليس بين الملائكة خصومة، ولكانا كاذبين في قولهما: {بغى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} ولكانا كاذبين في قولهما: {إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} فثبت أنهما لو كانا ملكين كاذبين والكذب على الملك غير جائز لقوله تعالى: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} [الأنبياء: 27] ولقوله: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] أجاب الذاهبون إلى القول الأول عن هذا الكلام بأن قالوا إن الملكين إنما ذكرا هذا الكلام على سبيل ضرب المثل لا على سبيل التحقيق فلم يلزم الكذب، وأجيب عن هذا الجواب بأن ما ذكرتم يقتضي العدول عن ظاهر اللفظ، ومعلوم أنه على خلاف الأصل، أما إذا حملنا الكلام على أن الخصمين كانا رجلين دخلا عليه لغرض الشر ثم وضعا هذا الحديث الباطل، فحينئذٍ لزم إسناد الكذب إلى شخصين فاسقين فكان هذا أولى من القول الأول، والله أعلم، وأما القائلون بكونهما ملكين فقد احتجوا بوجوه الأول: اتفاق أكثر المفسرين عليه والثاني: أنه أرفع منزلة من أن يتسور عليه آحاد الرعية في حال تعبده فيجب أن يكون ذلك من الملائكة الثالث: أن قوله تعالى: {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} كالدلالة على كونهما ملكين لأن من هو من رعيته لا يكاد يقول له مثل ذلك مع رفعة منزلته الرابع: أن قولهما: {وَلاَ تُشْطِطْ} كالدلالة على كونهما ملكين لأن أحدًا من رعيته لا يتجاسر أن يقول له لا تظلم ولا تتجاوز عن الحق، واعلم أن ضعف هذه الدلائل ظاهر، ولا حاجة إلى الجواب، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
{بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ} أي تعدى وخرج عن الحد يقال بغى الجرح إذا أفرط وجعه وانتهى إلى الغاية، وقال بغت المرأة إذا زنت، لأن الزنا كبيرة منكرة، قال تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء} [النور: 33] ثم قال: {فاحكم بَيْنَنَا بالحق} معنى الحكم إحكام الأمر في إمضاء تكليف الله عليهما في الواقعة، ومنه حكمة الدابة لأنها تمنع من الجماح، ومنه بناء محكم إذا كان قويًا، وقوله: {بالحق} أي بالحكم الحق وهو الذي حكم الله به {وَلاَ تُشْطِطْ} يقال شط الرجل إذا بعد، ومنه قوله: شطت الدار إذا بعدت، قال تعالى: {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: 14] أي قولًا بعيدًا عن الحق، فقوله: {وَلاَ تُشْطِطْ} أي لا تبعد في هذا الحكم عن الحق، ثم قال: {واهدنا إلى سَوَاء الصراط} وسواء الصراط هو وسطه، قال تعالى: {فاطلع فَرَءاهُ في سَوَاء الجحيم} [الصافات 55] ووسط الشيء أفضله وأعدله، قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وأقول إنهم عبروا عن المقصود الواحد بثلاث عبارات أولها: قولهم فاحكم بالحق وثانيها: قولهم: {وَلاَ تُشْطِطْ} وهي نهي عن الباطل وثالثها: قولهم: {واهدنا إلى سَوَاء الصراط} يعني يجب أن يكون سعيك في إيجاد هذا الحق.
وفي الاحتراز عن هذا الباطل أن تردنا من الطريق الباطل إلى الطريق الحق، وهذا مبالغة تامة في تقرير المطلوب، واعلم أنهم لما أخبروا عن وقوع الخصومة على سبيل الإجمال أردفوه ببيان سبب تلك الخصومة على سبيل التفصيل، فقال: {إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال صحاب الكشاف {أَخِى} يدل من هذا أو خبر لقوله: {إن} والمراد أخوة الدين أو أخوة الصداقة والألفة أو أخوة الشركة والخلطة، لقوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الخلطاء} وكل واحدة من هذه الأخوات توجب الامتناع من الظلم والاعتداء.
المسألة الثانية:
قال صاحب الكشاف قرئ {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ} بفتح التاء ونعجة بكسر النون، وهذا من اختلاف اللغات نحو نطع ونطع، ولقوة وهي الأنثى من العقبان.
المسألة الثالثة:
قال الليث: النعجة الأنثى من الضأن والبقرة الوحشية والشاة الجبلية، والجمع النعجات، والعرب جرت عادتهم بجعل النعجة والظبية كناية عن المرأة.
المسألة الرابعة:
قرأ عبد الله: {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً أنثى} وهذا يكون لأجل التأكيد كقوله تعالى: {وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} [النحل: 51]، ثم قال: {أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى في الخطاب} قال صاحب الكشاف: {أَكْفِلْنِيهَا} حقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي {وَعَزَّنِى} غلبني، يقال عزه يعزه، والمعنى جاءني بحجاج لم أقدر أن أورد عليه ما أورده به، وقرئ وعازني من المعازة، وهي المغالبة، واعلم أن الذين قالوا إن هذين الخصمين كانا من الملائكة زعموا أن المقصود من ذكر النعاج التمثيل، لأن داود كان تحته تسع وتسعون امرأة ولم يكن لأوريا إلا امرأة واحدة، فذكرت الملائكة تلك الواقعة على سبيل الرمز والتمثيل.
ثم قال تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ} أي سؤال إضافة نعجتك إلى نعاجه، وروي أنه قال له: إن رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا، وأشار إلى الأنف والجبهة فقال: يا داود أنت أحق أن نضرب منك هذا وهذا، وأنت فعلت كيت وكيت، ثم نظر داود فلم ير أحدًا فعرف الحال، فإن قيل كيف جاز لداود أن يحكم على أحد الخصمين بمجرد قول خصمه؟ قلنا ذكروا فيه وجوهًا الأول: قال محمد بن إسحاق: لما فرغ الخصم الأول من كلامه نظر داود إلى الخصم الذي لم يتكلم وقال لئن صدق لقد ظلمته، والحاصل أن هذا الحكم كان مشروطًا بشرط كونه صادقًا في دعواه والثاني: قال ابن الأنباري: لما ادعى أحد الخصمين اعترف الثاني فحكم داود عليه السلام ولم يذكر الله تعالى ذلك الاعتراف لدلالة ظاهر الكلام عليه، كما تقول أمرتك بالتجارة فكسبت تريد اتجرت فكسبت، وقال تعالى: {أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} [الشعراء: 63] أي فضرب فانفلق، والثالث: أن يكون التقدير أن الخصم الذي هذا شأنه يكون قد ظلمك.
ثم قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الخلطاء لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} قال: الليث خليط الرجل مخالطه، وقال الزجاج: الخلطاء الشركاء، فإن قيل لم خص داود الخلطاء يبغي بعضهم على بعض مع أن غير الخلطاء قد يفعلون ذلك، والجواب لا شك أن المخالطة توجب كثرة المنازعة والمخاصمة، وذلك لأنهما إذا اختلطا اطلع كل واحد منهما على أحوال الآخر فكل ما يملكه من الأشياء النفيسة إذا اطلع عليه عظمت رغبته فيه، فيفضي ذلك إلى زيادة المخاصمة والمنازعة، فلهذا السبب خص داود عليه السلام الخلطاء بزيادة البغي والعدوان، ثم استثنى عن هذا الحكم الذي آمنوا وعلموا الصالحات لأن مخالطة هؤلاء لا تكون إلا لأجل الدين وطلب السعادات الروحانية الحقيقية، فلا جرم مخالطتهم لا توجب المنازعة، وأما الذين تكون مخالطتهم لأجل حب الدنيا لابد وأن تصير مخالتطهم سببًا لمزيد البغي والعدوان، واعلم أن هذا الاستثناء يدل على أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يبغي بعضهم على بعض، فلو كان داود عليه السلام قد بغى وتعدى على ذلك الرجل لزم بحكم فتوى داود أن لا يكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ومعلوم أن ذلك باطل، فثبت أن قول من يقول المراد من واقعة النعجة قصة داود قول باطل.
ثم قال تعالى: {وَقليل مَّا هُم} واعلم أن الحكم بقلة أهل الخير كثير في القرآن، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشكور} [سبأ: 13] وقال داود عليه السلام في هذا الموضع {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} وحكى تعالى عن إبليس أنه قال: {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين} [الأعراف: 17] وسبب القلة أن الدواعي إلى الدنيا كثيرة، وهي الحواس الباطنة والظاهرة وهي عشرة والشهوة والغضب والقوى الطبيعية السبعة فالمجموع تسعة عشر واقفون على باب جهنم البدن، وكلها تدعو إلى الخلق والدنيا واللذة الحسية، وأما الداعي إلى الحق والدين فليس إلا العقل واستيلاء القوة الحسية والطبيعية على الخلق أكثر من القوة العقلية فيهم، فلهذا السبب وقعت القلة في جانب أهل الخير والكثرة في جانب أهل الشر، قال صاحب الكشاف وما في قوله: {وَقليل مَّا هُم} للإبهام وفيه تعجب من قلتهم، قال وإذا أردت أن تتحقق فائدتها وموقعها فاطرحها من قول امرىء القيس وحديث ما على قصره- وانظر هل بقي له معنى قط.
ثم قال تعالى: {وَظَنَّ داود أَنَّمَا فتناه} قالوا معناه وعلم داود أنما فتناه أي امتحناه، قالوا والسبب الذي أوجب حمل لفظ الظن على العلم هاهنا أن داود عليه السلام لما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك، ثم صعد إلى السماء قبل وجهه، فعلم داود أن الله ابتلاه بذلك فثبت أن داود علم ذلك وإنما جاز حمل لفظ الظن على العلم لأن العلم الاستدلالي يشبه الظن مشابهة عظيمة، والمشابهة علة لجواز المجاز، وأقول هذا الكلام إنما يلزم إذا قلنا الخصمان كانا ملكين أما إذا لم نقل ذلك لا يلزمنا حمل الظن على العلم، بل لقائل أن يقول إنه لما غلب على ظنه حصول الابتلاء من الله تعالى اشتغل بالاستغفار والإنابة.
أما قوله: {فاستغفر رَبَّهُ} أي سأل الغفران من ربه، ثم هاهنا وجهان إن قلنا بأنه قد صدرت زلة منه، حملنا هذا الاستغفار عليها، وإن لم نقل به قلنا فيه وجوه الأول: أن القوم لما دخلوا عليه قاصدين قتله، وإنه كان سلطانًا شديد القهر عظيم القوة، ثم أنه مع أنه مع القدرة الشديدة على الانتقام ومع حصول الفزع في قلبه عفا عنهم ولم يقل لهم شيئًا قرب الأمر من أن يدخل في قلبه شيء من العجب، فاستغفر ربه عن تلك الحالة وأناب إلى الله، واعترف بأن إقدامه على ذلك الخير ما كان إلا بتوفيق الله، فغفر الله له وتجاوز عنه بسبب طريان ذلك الخاطر الثاني: لعله هم بإيذاء القوم، ثم قال: إنه لم يدل دليل قاطع على أن هؤلاء قصدوا الشر فعفا عنهم ثم استغفر عن ذلك الهم الثالث: لعل القوم تابوا إلى الله وطلبوا منه أن يستغفر الله لهم لأجل أن يقبل توبتهم فاستغفر وتضرع إلى الله، فغفر الله ذنوبهم بسبب شفاعته ودعائه، وكل هذه الوجوه محتملة ظاهرة، والقرآن مملوء من أمثال هذه الوجوه وإذا كان اللفظ محتملًا لما ذكرناه ولم يقم دليل قطعي ولا ظني على التزام المنكرات التي يذكرونها، فما الذي يحملنا على التزامها والقول بها، والذي يؤكد أن الذي ذكرناه أقرب وأقوى أن يقال ختم الله هذه القصة بقوله: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزلفى وَحُسْنُ مَئَابٍ} ومثل هذه الخاتمة إنما تحسن في حق من صدر منه عمل كثير في الخدمة والطاعة، وتحمل أنواعًا من الشدائد في الموافقة والانقياد، أما إذا كان المذكور السابق هو الإقدام على الجرم والذنب فإن مثل هذه الخاتمة لا تليق به، قال مالك بن دينار؛ إذا كان يوم القيامة أتى بمنبر رفيع ويوضع في الجنة، ويقال يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في الدنيا، والله أعلم، بقي هاهنا مباحث فالأول: قرئ {فتناه} و{فتناه} على أن الألف ضمير الملكين الثاني: المشهور أن الاستغفار إنما كان بسبب قصة النعجة والنعاج، وقيل أيضًا إنما كان بسبب أنه حكم لأحد الخصمين قبل أن سمع كلام الثاني وذلك غير جائز الثالث: قوله؛ {خَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} يدل على حصول الركوع، وأما السجود فقد ثبت بالأخبار وكذلك البكاء الشديد في مدة أربعين يومًا ثبت بالأخبار الرابع: أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن هذا الموضع ليس فيه سجدة التلاوة قال لأن توبة نبي فلا توجب سجدة التلاوة الخامس: استشهد أبو حنيفة رضي الله عنه بهذه الآية في سجود التلاوة على أن الركوع يقوم مقام السجود. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَهَلْ أَتَاك نَبَأُ الْخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُد فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} الْآيَةُ فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْخَصْمُ كَلِمَةٌ تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وُقُوعَ الْمَصَادِرِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمَا كَانَا اثْنَيْنِ، فَيَنْتَظِمُ الْكَلَامُ بِهِمَا، وَيَصِحُّ الْمُرَادُ فِيهِمَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: {تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} يَعْنِي جَاءُوا مِنْ أَعْلَاهُ.
وَالسُّورَةُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ كَانَتْ بُقْعَةً مَحْسُوسَةً أَوْ مَنْزِلَةً مَعْقُولَةً؛ قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاك سُورَةً تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ فَهَذَا هُوَ الْمَنْزِلَةُ.
وَسُورُ الْمَدِينَةِ الْمَوْضِعُ الْعَالِي مِنْهَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ.
وَالسُّؤْرُ مَهْمُوزٌ: بَقِيَّةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْإِنَاءِ.
وَالسُّؤْرُ: الْوَلِيمَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «يا َأْهَلَ الْخَنْدَقِ؛ إنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُؤْرًا فَحَيَّ هَلَّا بِكُمْ».
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْمِحْرَابِ، قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ سَبَأٍ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ: {إذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُد} قِيلَ: إنَّهُمَا كَانَا إنْسِيَّيْنِ؛ قَالَهُ النَّقَّاشُ.