فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا خلاصة ما رآه أبو حيان في البحر في تفسير هذا القصص، وهو حسن.
بيد أنا نرى أن ظن داود في الخصمين وقد دخلا عليه في مثل هذا الوقت ومن غير الباب لإرادة الاغتيال- ظن له ما يؤيده من الدلائل وشواهد الحال، فلا يمكن أن يكون إثما حتى يطلب من ربه المغفرة عليه- إلى أن هذه الخصومة التي ترافعا إليه فيها وطلبا منه الحكومة- ليست من معضلات المشاكل التي يحتاج فيها إلى حكم داود، إلى أنه قد كان لهما مندوحة منها بأن ينتظرا إلى اليوم التالي حتى يجلس للقضاء ولا يضيع عليهما حق إذا هما تأخرا يوما آخر، لأن هذه الواقعة إن كانت على الوضع الذي قالاه، فليس فيها ما يدعو إلى المبادرة والتقاضي في غير موعد القضاء والوصول إلى القاضي على تلك الحال المريبة- فلابد أنهما قد كانا يريدان غرضا آخر أخفياه غير ما كان قد ظهر منهما، ذلك الغرض هو إرادة الاغتيال، وما منعهما من تنفيذه إلا يقظة الحراس والخدم والحشم وإحاطته بهما، فاخترعا سببا لمجيئهما إليه وهو مجيئها للاستفتاء فيما خفى عليهما، ولأجله تسوّرا المحراب، ومما يرشد إلى هذه النية المبيّتة نية الاغتيال أنّ تهجّم الناس على البيوت للتقاضى ليس بالمألوف ولا المعروف في أي عصر، إلى أن هذه الفتوى لا تحتاج إلى مثل داود، فهى فتوى جاءت بنت ساعتها لم يفكرا فيها من قبل، والذي ألجأهما إليها يقظة الحرس وظنهما أنهما هالكان لا محالة إذا لم يذكرا سببا يسوّغ لهما دخول القصر في ذلك الحين، ومما يؤيد هذا أن اغتيال الأنبياء كان معروفا في بنى إسرائيل فقد قتلوا أشعيا وزكريا كما يرشد إلى ذلك قوله: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} وحين علم داود غرضهما وتظاهرت عليه الأدلة همّ أن ينتقم منهما ويجازى السيئة بمثلها {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} ولكنه رأى أن مقام النبوة أمثل به الصفح والعفو كما قال: {فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ومن ثم استغفر ربه لما كان قد عزم عليه من الانتقام تأديبا لهما ولأمثالهما.
وما جاء في بعض كتب التفسير من أن المراد بالنعاج النساء كما جاء كناية عن ذلك في كلام العرب كما قال:
كنعاج الفلا تعسّفن رملا

فذلك يتوقف على أن كلمة {نعجة} في اللغة العبرية تستعمل كناية عن المرأة كما هي في العربية، وتأباه كلمة {الْخُلَطاءِ} وكذلك ما يقال من أن الخصمين كانا ملكين فإن {تَسَوَّرُوا} تأباه لأن الملائكة أجسام نورانية لا أجسام كثيفة فلا حاجة إلى التسوّر، إلى أنّ ما جاء من القصص عن ذكر السبب في مجىء الملكين مما يخلّ بمنصب النبوة، وفيه نسبة الكبائر إلى الأنبياء، فيجب علينا أن نطرحه إذ يبطل الوثوق بالشرائع- إلى ما فيه من مطعن لأرباب الأديان الأخرى على المسلمين، إذ نسبوا إلى الأنبياء ما يجلّ مقامهم عنه، ويأباه عامة الناس فضلا عن الأنبياء الذين اصطفاهم اللّه لرسالاته، ومن ثم أثر عن علىّ رضى اللّه عنه أنه قال: من حدّثكم بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)} داود.. وما خطيئته؟
قلنا إن اللّه سبحانه وتعالى، حين دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصبر، لفته- في رفق ولطف- إلى ألا يكون كداود عليه السلام فيما ابتلى به، فلم يكن على المستوي المطلوب منه في مواجهة هذا الابتلاء.. وقلنا إن ذلك لا ينقص من قدر هذا النبي الكريم، وإن كان يزيد في قدر النبي محمد- صلوات اللّه وسلامه عليه- ويشير إلى المقام الذي يجب أن يرتفع إليه، متجاوزا مقام داود عليه السلام- وإن كان مقاما رفيعا عظيما.
والذي نريد أن نقف عنده هنا، هو: ماذا كان من داود عليه السلام، فيما ابتلى به، مما لفت النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه- إلى أن يذكره في مقام الصبر، وأن يكون له من ذكره عبرة وعظة..؟
فماذا كان من داود عليه السلام؟
تحدّث الآيات السابقة عن قصة حدثت لداود عليه السلام، وتذكر أن خصمين دخلا عليه مجلسه في صورة غير مألوفة، إذ تسورا عليه السور، ولم يدخلا من المدخل الطبيعي إليه.. ففزع منهما، وتوقع الشر من دخولهما على تلك الصورة، التي يقتحمان عليه فيها مجلسه اقتحاما، من غير استئذان، وهو الملك، ذو البأس والسلطان، الذي تقوم على حراسته الجنود، والحجّاب.
فبأىّ سلطان دخل عليه هذان الخصمان؟ وكيف نفذا إليه؟ وأين عيون الجند والحرس؟ إن في ملكه إذن لخللا، وإن في سلطانه لثغرة يمكن أن ينفذ منها الشر إليه!! ولكن سرعان ما يكشف الخصمان عن شخصيتهما، فيهدئان من روعه، ويقولان له: لا تخف!! ومم يخاف وهو السلطان ذو البأس والقوة؟
وهل هما إلا بعض رعاياه؟ وهل يخاف الراعي من رعيته؟ وهو حصن أمنها، وموطن سكنها؟ وإذا كان ثمة خوف فهو خوف الرعية من سلطانها، لا خوف السلطان من رعيته!! إن في الأمر إذن لشيئا. ويمضى الخصمان يعرضان أمرهما: {خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ}!! ويزداد داود عجبا إلى عجب، من هذا الأمر الصادر من المخصمين إليه: {فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ} هكذا بالأمر! وهل يحكم بغير الحق؟ وهل يتوقعان منه غير هذا؟ وإذا كانا يتوقعان غير ذلك، فهل لهما أن يصدرا إليه هذا الأمر؟ بل هل لهما أن يجهرا بما تحدثهما به نفسهما من جهته؟ إن في الأمر لأكثر من شى ء؟.. ثم لا يقف أمر الخصمين عند هذا الأمر الصريح لداود بأن يكون عادلا في حكمه بينهما، بل إنه ليحذّر منهما بألا يشتط في الجور، إن كان لا يملك أن يعدل أو لا يحسن أن يقيم ميزان العدل مستقيما.
{ولا تشطط}!! تلك هي مقدمات القضية.. أما القضية، فلم يرض الخصمان أن يعرضاها إلا بعد أن اشترطا لنفسهما على داود، أن يكون عادلا في الحكومة بينهما، وألا يجور في الحكم.. فإن قبل منهما هذا الشرط، عرضا عليه أمرهما، ورضياه حكما بينهما، وإلا كان لهما شأن آخر معه..! إن الأمر فيما يبدو هو محاكمة لداود، أكثر منه احتكاما إليه؟.
وأعجب ما في الموقف هنا، أن الخصمين يتفقان على هذا الأمر، ويقفان موقفا واحدا فيه، حتى لكأن كلا منهما قد وقع في نفسه، ما وقع في نفس صاحبه، من اتهام لداود في عدله!.. والقضية- كما سنرى- واضحة لا تحتاج إلى نظر دقيق في التعرف على وجه الحق فيها.. إذ كان الظلم فيها صارخا، يكاد يمسك بتلابيب أحدهما.. فكيف يساغ لهذا الظالم ذلك الظلم الصارخ، أن يطلب العدل، وأن يتشدد في طلبه؟ إن في القضية لأشياء وأشياء، تخرج بها عن مألوف ما يجرى بين الناس من قضايا، وما يقع من خصومات.
فما القضية؟.
إنها قضية موجزة، واضحة، قد جمعها القرآن الكريم في كلمات: {إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ}!!.
هذه هي القضية:
أخوان في النسب، أو في الإنسانية، لأحدهما تسع وتسعون نعجة، وللآخر نعجة واحدة.. وصاحب التسع والتسعين نعجة، لا يقنع بما في يده، بل يمدّ عينه إلى أخيه صاحب النعجة الواحدة، ثم لا يزال به حتى يسلبه نعجته، ويخلى يديه من كل شىء، حتى يصبح هو صاحب مائة.. فيكمل بتلك النعجة ما يراه نقصا في تمام العدد.. وإن تسعا وتسعين عدد ناقص، ومائة عدد كامل.. فلابد إذن أن يكملّ هذا العدد، ولو كان بحرمان صاحب النعجة الواحدة، من نعجته..!
وماذا يفعل صاحب القليل بقليله هذا؟ إنه لا غناء له فيه، وإنه ليسدّ خللا فيما بين يدى صاحب الكثير، ويكمل نقصا واضحا فيه.. فماذا عليه لو ضاع منه هذا القليل، ليوضع في موضعه الذي ينتظره عند صاحب الكثير؟
هكذا قدّر صاحب الكثير، وهكذا أمضى حكمه في صاحبه!.
والظلم واضح صريح في هذه القضية.. ولهذا بادر داود ببيان وجه الحق فيها، على حسب ما سمع من المدعى: فقال- معلقا على دعواه: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ}! إن الأمر- فيما يبدو- ظلم صارخ، وعدوان مبين.!
ولم يلتفت داود إلى الظالم، ولم يواجهه بالحكم الذي يقتضيه الموقف، بل عاش لحظاته تلك، مع هذا المظلوم، يواسيه، ويخفف عنه مرارة الظلم الذي تجرعه من يد أخيه.. فيقول له: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ}.. فلست أنت يا صاحبى أول من ظلم من معاشريه ومخالطيه.. فما أكثر بغى الخلطاء بعضهم على بعض، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هؤلاء الخلطاء.. وقليل هم أولئك الذين لا يظلمون!.
وهنا يبحث داود عن هؤلاء القليل في الناس، ويتفرس في وجوههم، ثم يلتفت إلى نفسه، وهل هو واحد من هؤلاء القليل؟ وهنا يطلع عليه من صفحة أعماله ما يراه غير قائم على ميزان العدل.. وسرعان ما يرى نفسه طرفا في هذه القضية التي بين يديه، وأنه يأخذ موقف المدعى عليه فيها، وأن هذا المدعى إنما يقيم دعواه عليه هو، لا على هذا الشخص الذي جاء به إليه.. إن هذا الشخص ما هو إلا المرآة التي يرى فيها داود نفسه!.
ومن إعجاز القرآن في هذا، أنه لم يضع هذا المدعى عليه موضع اتهام، فلم يسأل في هذا الادعاء المدعى عليه به، ولم يوجّه إليه أي حديث، بل كان الحديث كله بين داود وبين صاحب الدعوى.. إذ يقول له معلقا على دعواه: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ}.. وكان الموقف يقتضى أن يقول للمدعى عليه لقد ظلمته بسؤال نعجته إلى نعاجك!. فما جوابك على هذا؟.
لم يكن شيء من هذا.. بل لقد ذهب الخصمان، دون أن يفصل بينهما فيما اختصما فيه.. ويخليان مكانهما للخصمين اللذين هما أولى منهما بهذا الموقف:
داود وخصمه، الذي تمثّل له في خطيئته.
وهنا يدرك داود أن هذين الخصمين، إنما هما ابتلاء من اللّه سبحانه وتعالى له، ليكشفا له عن أمر كان منه، فيه مشابه كثيرة من هذه القضية التي بين يديه، فيذكر هذا الأمر، ويكون له من ذكره امتحان وابتلاء، حيث يلتمس السبل في تخليص نفسه مما وقع فيه، فلا يجد إلا التوبة إلى اللّه، والاستغفار لذنبه، وهو في ذلك المقام يتقلب على جمر من الحسرة والندم، قد كربه الكرب واستبد به الجزع على ما فرّط في جنب اللّه.. إنه أعرف بربه، وبجلاله وعظمته، وقدرته، وبالنعم السابغة التي أضفاها عليه، ثم هو أعرف بما للّه من غيرة على حرماته، كما هو أعرف بما للّه من حساب لأوليائه على صغائرهم، وهم في هذا المقام الكريم الذي أنزلهم فيه.
ومن هنا كان داود في فتنة قاسية، وابتلاء عظيم، بعد أن كشفت له تلك القضية عن حال من أحواله، لا يرضاه عنه ربه، فغامت نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت.. وقد ظل هكذا في كرب وبلاء عظيمين، يستغفر ربه، ويذرف دموع الندم، إلى أن تلقى إشارة السماء بمغفرة اللّه سبحانه وتعالى له، ورضوانه عنه، وإحسانه إليه!!
إنها هفوة من هفوات النفس البشرية، وهى في حساب الناس لا تكاد تعدّ شيئا، بل حتى لا تحسب من اللمم المعفو عنه، ولكنها في مقام الأنبياء والرسل شيء عظيم، وذنب كبير..!
ونكاد نقف عند هذا الحد من هذه القضية، أو القصة. فهذا ما نأخذه من آيات اللّه، ودلالاتها القريبة، دون تعسف في التأويل، ودون استجلاب للمقولات الغريبة، التي تحمل عليها آيات اللّه حملا.
نقول، نكاد نقف عند هذا الحدّ من تلك القضية، وحسبنا أن نعرف مما تحدثنا به آيات اللّه، أنه كان من نبى من أنبياء اللّه الكرام هفوة، ثم كان له من اللّه سبحانه ألطاف، فتاب إلى اللّه واستغفر لذنبه، فغفر اللّه له، وزاد مقامه عنده رفعة- نقول- مرة ثالثة- كنا نريد أن نقف عند هذا الحد لا نتجاوزه، ولكنا نجد بين أيدينا، كتب التفاسير كلها، قد جاءت بمقولات من وراء دلالات الآيات القرآنية، وأكثرها مأخوذ عن روايات إسرائيلية يرويها اليهود عن كتابهم الذي حرّفوه، وألقوا فيه بأهوائهم الفاسدة، ومنازعهم الخبيثة.
ثم توسّع الرواة والنقلة في هذه المقولات، وتصرفوا فيها كيف شاءوا، ومن وراء ذلك اليهود، يدسّون على المسلمين أحاديث عن الرسول، يضعون لها سلسلة من الرواة الذين اشتهر عنهم الحديث عن رسول اللّه، فتقع هذه الأحاديث المكذوبة من قلوب المسلمين موقعا، لا يجدون معه سبيلا إلى دفعها، وإذا حصيلة هذه الأحاديث المكذوبة، مجموعة من المتناقضات، يدفع بعضها بعضا، ويكذّب بعضها بعضا، فلا يدرى المرء ماذا يأخذ منها وماذا يدع. وفى أكثر الأحوال ينتهى الأمر إلى الشك فيها جملة.. إذ كانت لا تتصل بالعقيدة أو الشريعة.
وهذه قضية قد عرضنا لها في أكثر من موضع، وربما عرضنا لها في دراسة خاصة- إذا شاء اللّه- بعد أن يعيننا اللّه سبحانه، على أداء هذه المهمة التي نقوم بها في خدمة كتابه الكريم،. فإن مثل هذه الأحاديث التي تنسب إلى الرسول الكريم، وإن لم تكن ذات أثر في العقيدة أو الشريعة، فإنها تسبب إزعاجا، وخلخلة في نفس المسلم إزاء الأحاديث النبوية الشريفة، وتقيمه منها على مقام بين الشك واليقين، في كل ما يعرض له من أحاديث تنسب إلى الرسول.. وتلك هي جناية الأحاديث المكذوبة والملفقة على السنّة، التي هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم.
ونعود فنقول:
إن الذي يدعونا إذن إلى الوقوف عند هذه القصة- قصة داود عليه السلام- هو تلك المقولات الكثيرة المتناقضة المتضاربة، التي قيلت عن الهفوة التي كانت من هذا النبي الكريم.. ولا نريد أن نعرض هذه المقولات، ونناقشها، ونعدّل أو نجرّح فيها، فهذا يحتاج إلى بحث طويل، يستنفد منا جهدا نحن حريصون على ألا يكون لغير كتاب اللّه.
وإذن فلن نقول هنا في هذه الهفوة، وفى الكشف عن وجهها إلا قولا واحدا، نختاره من بين هذه المقولات، لأنه أقرب شيء إلى مفهوم تلك الإشارة الخصية التي يراها الناظر بقلبه وبعقله في الآيات الكريمة التي نحدثت عن تلك القصة.
فالآيات القرآنية، تحدث عن أن داود عليه السلام، قد آتاه اللّه سبحانه ملكا، وقد مكّن له في هذا الملك- إلى جانب النبوة التي اختصه اللّه سبحانه بها، فجمع للّه سبحانه بهذا بين يديه السلطة الدينية والدنيوية معا.
هذه واحدة.
وأخرى، هي أن هذا النبي الكريم، وإن لم تكن له رسالة خاصة في قومه، فإن رسالته فيهم، كانت امتدادا لرسالة موسى. فهو- والأمر كذلك- لم يكن في رسالته إليهم إلا أن يقيمهم على الشريعة التي في أيديهم، وأن يحقق العدل الذي اختلت موازينه في أيديهم.
وهذه ثانية.
وثالثة، هي أن معركة هذا النبىّ وميدانها، هو في هذا الصراع الذي يقوم بين السلطتين اللتين في يديه.. سلطة الدين الذي يمثل سلطان اللّه الذي وضعه في يده بمنصب النبوة، وسلطة الدنيا التي تتمثل في هذا الملك الذي يقوم عليه.