فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)} الفواق، بضم الفاء وفتحها: الزمان الذي ما بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع، وفي الحديث: «العبادة قدر فواق الناقة» وأفاقت الناقة إفاقة: اجتمعت الفيقة في ضرعها فهي مفيق ومفيقة، عن أبي عمرو.
والفيقة: اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين، ويجمع على أفواق، وأفاويق جمع الجمع.
وقال أبو عبيدة والفراء ومؤرج: الفواق، بالفتح: الإفاقة والاستراحة.
القط، قال الفراء: الحظ والنصيب، ومنه قيل للصك: القط، وقال أبو عبيدة والكسائي: القط: الكتاب بالجوائز، وقال الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته ** بغبطته يعطي القطوط ويأفق

ويروى بأمته: أي بنعمته، ويأفق: يصلح، وهو في الكتاب أكثر استعمالًا.
قال أمية بن أبي الصلت:
قوم لهم ساحة أرض العراق وما ** يجبى إليهم بها والقط والعلم

ويجمع أيضًا على قططة، وفي القليل قط وأقطاط.
تسور الحائط والسور وتسنمه والبعير: علا أعلاه.
والسور: حائط المدينة، وهو غير مهموز.
الشطط: مجاوزة الحد وتخطي الحق.
وقال أبو عبيدة: شططت على فلان وأشططت: جرت في الحكم.
التسع: رتبة من العدد معروفة، وكسر التاء أشهر من الفتح.
النعجة: الأنثى من بقر الوحش ومن الضأن، ويكنى بها عن المرأة.
قال الشاعر:
هما نعجتان من نعاج تبالة ** لذي جؤذرين أو كبعض لدى هكر

وقال ابن عون:
أنا أبوهن ثلاث هنه ** رابعة في البيت صغراهنه

ونعجتي خمسًا توفيهنه ** إلا فتى سجح يغذيهنه

عزة: غلبه، يعزه عزًا؛ وفي المثل: من عزَّبزَّ، أي من غلب سلب.
وقال الشاعر:
قطاة عزها شرك فباتت ** تجاذبه وقد علق الجناح

{وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب وهل آتاك نبؤ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقيل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
{وما ينظر} أي ينظر، {هؤلاء} إشارة إلى كفار قريش، والإشارة بهؤلاء مقوية أن الإشارة باؤلئك هي للذين يلونها من قوم نوح وما عطف عليه.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب لاستحضارهم بالذكر، أو لأنهم كالحضور عند الله. انتهى.
وفيه بعد، وهو إخبار منه تعالى صدقه الوجود.
والصيحة: ما نالهم من قتل وأسر وغلبة، كما تقول؛ صاح فيهم الدهر.
وقال قتادة: توعدهم بصيحة القيامة والنفخ في الصور.
وقيل: بصيحة يملكون بها في الدنيا.
فالقول الأول فيه الانتظار من الرسول لشيء معين فيهم، وعلى هذين القولين بمدرج عقوبة، وتحت أمر خطر ما ينتظرون فيه إلا الهلكة.
وقرأ الجمهور: {من فواق} بفتح الفاء؛ والسلمي، وابن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وطلحة: بضمها، فقيل: هما بمعنى واحد، كقصاص الشعر.
وقال ابن زيد، والسدي: بالفتح، إفاقة من أفاق واستراح، كجواب من أجاب.
قال ابن عباس: {من فواق} من ترداد.
وقال مجاهد: من رجوع.
{عجّل لنا قطّنا} نصيبنا من الجنة لنتنعم به في الدنيا.
قاله الحسن وقتادة وابن جبير.
وقال أيضًا، ومجاهد: نصيبنا من العذاب.
وقال أبو العالية والكلبي: صحفنا بإيماننا.
وقال السدي: المعنى: أرنا منازلنا من الجنة حتى نتابعك، وعلى كل قول، فإنما قالوا ذلك على سبيل الاستخفاف والاستهزاء.
ومعنى {قبل يوم الحساب} أي الذين يزعمون أنه واقع في العالم، إذ هم كفرة لا يؤمنون بالبعث.
ولما كانت مقالتهم تقتضي الاستخفاف، أمر تعالى نبيه بالصبر على أذاهم، وذكر قصصًا للأنبياء: داود وسليمان وأبوب وغيرهم، وما عرض لهم، فصبروا حتى فرج الله عنهم، وصارت عاقبتهم أحسن عاقبة.
فكذلك أنت تصبر، ويؤول أمرك إلى أحسن مآل، وتبلغ ما تريد من إقامة دينك وإماتة الضلال.
وقيل: {اصبر على ما يقولون} وعظم أمر مخالفتهم لله في أعينهم، وذكرهم بقصة داود وما عرض له، وهو قد أوتي النبوة والملك، فما الظن بكم مع كفركم وعصيانكم؟ انتهى.
وهو ملتقط من كلام الزمخشري مع تغيير بعض ألفاظه لا تناسب منصب النبوة.
وقيل: أمر بالصبر، فذكر قصص الأنبياء ليكون برهانًا على صحة نبوته.
وقيل: {اصبر على ما يقولون} وحافظ على ما كلفت به من مصابرتهم، وتحمل أذاهم، واذكر داود وكرامته على الله، وما عرض له، ومالقي من عتب الله.
{ذا الأيد} أي ذا القوة في الدين والشرع والصدع بأمر الله والطاعة لله، وكان من ذلك قويًا في بدنه.
والآوّاب: الرجّاع إلى طاعة الله، قاله مجاهد وابن زيد.
وقال السدي: المسبح.
ووصفه بأنه أوأب يدل على أن ذا الأيد معناه: القوة في الدين.
ويقال: رجل أيد وأيد وذو أد وأياد: كل بمعنى ما يتقوى.
و{الإشراق} وقت الإشراق.
قال ثعلب: شرقت الشمس، إذا طلعت؛ وأشرقت: إذا أضاءت وصفت.
وفي الحديث، أنه عليه السلام، صلى صلاة الضحى وقال: «يا أم هانىء، هذه صلاة الإشراق، وفي هذين الوقتين كانت صلاة بني إسرائيل» وتقدّم كل الكلام في تسبيح الجبال في قصة داود في سورة الأنبياء، وأتى بالمضارع باسم الفاعل دلالة على حدوث التسبيح شيئًا بعد شيء، وحالًا بعد حال؛ فكأن السامع محاضر تلك الجبال سمعها تسبح.
ومثله قول الأعشى:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ** إلى ضوء نار في بقاع تحرق

أي: تحرق شيئًا فشيئًا.
ولو قال محرقة، لم يدل على هذا المعنى.
وقرأ الجمهور: {والطير محشورة} بنصبهما، عطفًا على الجبال يسبحن، عطف مفعول على مفعول، وحال على حال، كقولك: ضربت هندًا مجردة، ودعدًا لابسة.
وقرأ ابن أبي عبلة، والجحدري: والطير محشورة، برفعهما، مبتدأ وخبر، أو جاء محشورة باسم المفعول، لأنه لم يرد أنها تحشر شيئًا، إذ حاشرها هو الله تعالى، فحشرها جملة واحدة أدل على القدرة.
والظاهر عود الضمير في له على داود، أي كل واحد من الجبل والطير لأجل داود، أي لأجل تسبيحه.
سبح لأنها كانت ترجع تسبيحه، ووضع الأواب موضع المسبح.
وقيل: الضمير عائد على الله، أي كل من داود والجبال والطير أواب، أي مسبح مرجع للتسبيح.
وقرأ الجمهور: {وشددنا} مخففًا: أي قوينا، كقوله: {سنشد عضدك بأخيك} والحسن، وابن أبي عبلة: بشد الدال، وهي عبارة شاملة لما وهبه الله تعالى من قوة وجند ونعمة، فالتخصيص ببعض الأشياء لا يظهر.
وقال السدي: بالجنود.
قيل: كان يبيت حول محرابه أربعون ألف مسلم يحرسونه، وهذا بعيد في العادة؛ وقيل: بهيبة قذفها الله له في قلوب قومه.
و{الحكمة} هنا: النبوة، أو الزبور، أو الفهم في الدين، أو كل كلام، ولقن الحق أقوال.
{وفصل الخطاب} قال علي والشعبي: إيجاب اليمين على المدعى عليه، والبينة على المدعي.
وقال ابن عباس، ومجاهد، والسدي: القضاء بين الناس بالحق وإصابته وفهمه.
وقال الشعبي: كلمة أما بعد، لأنه أول من تكلم بها وفصل بين كلامين.
قال الزمخشري: لأنه يفتتح إذا تكلم في الأمر الذي له شأن بذكر الله وتحميده، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق إليه، فصل بينه وبين ذكر الله بقوله: أما بعد.
ويجوز أن يراد بالخطاب: القصد الذي ليس له فيه اختصار مخل، ولا إشباع ممل؛ ومنه ما جاء في صفة كلام رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم: «فصل لا نذر ولا هذر». انتهى.
ولما كان تعالى قد كمل نفس نبيه داود بالحكمة، أردفه ببيان كمال خلقه في النطق والعبادة فقال: {وفصل الخطاب}.
{وهل أتاك نبؤ الخصم} لما أنثى تعالى على داود عليه السلام بما أثنى، ذكر قصته هذه، ليعلم أن مثل قصته لا يقدح في الثناء عليه والتعظيم لقدره، وإن تضمنت استغفاره ربه، وليس في الاستغفار ما يشعر بارتكاب أمر يستغفر منه، وما زال الاستغفار شعار الأنبياء المشهود لهم بالعصمة.
ومجيء مثل هذا الاستفهام إنما يكون لغرابة ما يجيء معه من القصص، كقوله: {وهل أتاك حديث موسى} فيتهيأ المخاطب بهذا الاستفهام لما يأتي بعده ويصغي لذلك.
وذكر المفسرون في هذه القصة أشياء لا تناسب مناصب الأنبياء، ضربنا عن ذكرها صفحًا، وتكلمنا على ألفاظ الآية.
والنبأ: الخبر، فالخبر أصله مصدر، فلذلك تصلح للمفرد والمذكر وفروعهما، وهنا جاء للجمع، ولذلك قال: {إذ تسورو} إذ دخلوا، كما قال الشاعر:
وخصم يعدون الدخول كأنهم ** قروم غيارى كل أزهر مصعب

والظاهر أنهم كانوا جماعة، فلذلك أتى بضمير الجمع.
فإن كان المتحاكمان اثنين، فيكون قد جاء معهم غيرهم على جهة المعاضدة أو المؤانسة، ولا خلاف أنهم كانوا ملائكة، كذا قال بعضهم.
وقيل: كانا أخوين من بني إسرائيل لأب وأم، والأول أشهر.
وقيل: الخصم هنا اثنان، وتجوز في العبارة فأخبر عنهما أخبار ما زاد على اثنين، لأن معنى الجمع في التثنية.
وقيل: معنى خصمان: فريقان، فيكون تسوروا ودخلوا عائدًا على الخصم الذي هو جمع الفريقين، ويدل على أن خصمان بمعنى فريقان قراءة من قرأ: {بغى بعضهم على بعض}.
وقال تعالى: {هذا خصمان اختصموا في ربهم} بمعنى: فأما إن هذا أخي.
وما روي أنه بعث إليه ملكان، فالمعنى: أن التحاكم كان بين اثنين، ولا يمتنع أن يصحبهما غيرهما.
وأطلق على الجميع خصم، وعلى الفريقين خصمان، لأن من جاء مع متخاصم لمعاضدة فهو في سورة خصم، ولا يبعد أن تطلق عليه التسمية، والعامل في الظرف، وهو إذ أتاك، قاله الحوفي ورد بأن إتيان النبأ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم لا يقع إلا في عهده، لا في عهد داود.
وقال ابن عطية، وأبو البقاء: العامل فيه نبأ ورد بما رد به ما قبله أن النبأ الواقع في عهد داود عليه السلام لا يصح إتيانه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم.
وإذا أردت بالنبأ القصة في نفسها، لم يكن ناصبًا.
وقيل: العامل فيه محذوف تقديره: وهل أتاك تخاصم الخصم؟ قاله الزمخشري.
ويجوز أن ينتصب بالخصم، لما فيه من معنى الفعل.
وإذ دخلوا بدل من إذ الأولى؛ وقيل: ينتصب بتسوروا.
وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في يوم عبادته، فمنعهما، فتسورا عليه المحراب، فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان.
قال ابن عباس: جزأ زمانه أربعة أجزاء: يومًا للعبادة، ويومًا للقضاء، ويومًا للاشتغال بخواص أموره، ويومًا لجميع بني إسرائيل، فيعظهم ويبكيهم.
فجاءوه في غير القضاء، ففزع منهم لأنهم نزلوا عليه من فوق، وفي يوم الاحتجاب، والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه، فخاف أن يؤذوه.
وقيل: كان ذلك ليلًا، ويحتمل أن يكون فزعه من أجل أن أهل ملكته قد استهانوه حتى ترك بعضهم الاستئذان، فينكون فزعه على فساد السيرة، لا من الداخلين.
وقال أبو الأحوص: فزع منهم لأنهما دخلا عليه، وكل منهما آخذ برأس صاحبه.