فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال آخرون: منهم الزهري وقتادة: إن المراد به: المسح على سوقها، وأعناقها لكشف الغبار عنها حبًا لها.
والقول الأوّل أولى بسياق الكلام، فإنه ذكر أنه آثرها على ذكر ربه حتى فاتته صلاة العصر، ثم أمرهم بردّها عليه؛ ليعاقب نفسه بإفساد ما ألهاه عن ذلك، وما صدّه عن عبادة ربه، وشغله عن القيام بما فرضه الله عليه، ولا يناسب هذا أن يكون الغرض من ردّها عليه هو كشف الغبار عن سوقها، وأعناقها بالمسح عليها بيده، أو بثوبه، ولا متمسك لمن قال: إن إفساد المال لا يصدر عن النبيّ، فإن هذا مجرد استبعاد باعتبار ما هو المتقرّر في شرعنا مع جواز أن يكون في شرع سليمان أن مثل هذا مباح على أن إفساد المال المنهيّ عنه في شرعنا إنما هو مجرّد إضاعته لغير غرض صحيح، وأما لغرض صحيح، فقد جاز مثله في شرعنا كما وقع منه صلى الله عليه وسلم من إكفاء القدور التي طبخت من الغنيمة قبل القسمة، ولهذا نظائر كثيرة في الشريعة، ومن ذلك ما وقع من الصحابة من إحراق طعام المحتكر.
وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {أَمْ نَجْعَلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين في الأرض} قال: الذين آمنوا: عليّ، وحمزة، وعبيدة بن الحارث، والمفسدين في الأرض: عتبة، وشيبة، والوليد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: {الصافنات الجياد}.
خيل خلقت على ما شاء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {الصافنات} قال: صفون الفرس: رفع إحدى يديه حتى يكون على أطراف الحافر، وفي قوله: {الجياد} السراع.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {حُبَّ الخير} قال: الماء، وفي قوله: {ردّوها عليّ} قال: الخيل {فَطَفِقَ مَسْحًا} قال: عقرًا بالسيف.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال: الصلاة التي فرّط فيها سليمان صلاة العصر.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي في قوله: {إذ عرض عليه بالعشيّ الصافنات الجياد} قال: كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة، فعقرها.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن مسعود بقوله: {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} قال: توارت من وراء ياقوتة خضراء، فخضرة السماء منها.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس قال: كان سليمان لا يكلم إعظامًا له، فلقد فاتته صلاة العصر، وما استطاع أحد أن يكلمه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {عَن ذِكْرِ رَبِى} يقول: من ذكر ربي {فَطَفِقَ مَسْحًا بالسوق والأعناق} قال: قطع سوقها، وأعناقها بالسيف.
قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان} أي: ابتليناه، واختبرناه.
قال الواحدي: قال أكثر المفسرين: تزوّج سليمان امرأة من بنات الملوك، فعبدت الصنم في داره، ولم يعلم بذلك سليمان، فامتحن بسبب غفلته عن ذلك.
وقيل: إن سبب الفتنة: أنه تزوّج سليمان امرأة يقال لها: جرادة، وكان يحبها حبًا شديدًا، فاختصم إليه فريقان: أحدهما: من أهل جرادة، فأحبّ أن يكون القضاء لهم، ثم قضى بينهم بالحق.
وقيل: إن السبب: أنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد.
وقيل: إنه تزوّج جرادة هذه، وهي مشركة؛ لأنه عرض عليها الإسلام، فقالت: اقتلني، ولا أسلم.
وقال كعب الأحبار: إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه.
وقال الحسن: إنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض أو غيره.
وقيل: إنه أمر أن لا يتزوّج امرأة إلا من بني إسرائيل، فتزوّج امرأة من غيرهم.
وقيل: إن سبب فتنته ما ثبت في الحديث الصحيح: «أنه قال: لأطوفنّ الليلة على تسعين امرأة تأتي كلّ واحدة بفارس يقاتل في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله» وقيل غير ذلك.
ثم بيّن سبحانه ما عاقبه به، فقال: {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَدًا} انتصاب {جسدًا} على أنه مفعول {ألقينا} وقيل: انتصابه على الحال على تأويله بالمشتق، أي: ضعيفًا، أو فارغًا، والأوّل أولى.
قال أكثر المفسرين: هذا الجسد الذي ألقاه الله على كرسيّ سليمان هو شيطان اسمه: صخر، وكان متمّردًا عليه غير داخل في طاعته، ألقى الله شبه سليمان عليه، وما زال يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان، وذلك عند دخول سليمان الكنيف؛ لأنه كان يلقيه إذا دخل الكنيف، فجاء صخر في صورة سليمان، فأخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان، فقعد على سرير سليمان، وأقام أربعين يومًا على ملكه، وسليمان هارب.
وقال مجاهد: إن شيطانًا قال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر، فذهب ملكه، وقعد الشيطان على كرسيه، ومنعه الله نساء سليمان، فلم يقربهنّ، وكان سليمان يستطعم، فيقول: أتعرفونني أطعموني؟ فيكذبوه حتى أعطته امرأة يومًا حوتًا، فشقّ بطنه، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه ملكه، وهو معنى قوله: {ثُمَّ أَنَابَ} أي: رجع إلى ملكه بعد أربعين يومًا.
وقيل: معنى أناب: رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه، وهذا هو الصواب، وتكون جملة: {قَالَ رَبّ اغفر لِى} بدلًا من جملة أناب، وتفسيرًا له، أي: اغفر لي ما صدر عني من الذنب الذي ابتليتني لأجله.
ثم لما قدّم التوبة، والاستغفار جعلها وسيلة إلى إجابة طلبته، فقال: {وَهَبْ لِى مُلْكًا لاَّ يَنبَغِى لأحَدٍ مّن بَعْدِى} قال أبو عبيدة: معنى لا ينبغي لأحد من بعده: لا يكون لأحد من بعدي.
وقيل: المعنى: لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة، أو لا يصح لأحد من بعدي لعظمته، وليس هذا من سؤال نبيّ الله سليمان عليه السلام للدنيا، وملكها، والشرف بين أهلها، بل المراد بسؤاله الملك: أن يتمكن به من إنفاذ أحكام الله سبحانه، والأخذ على يد المتمرّدين من عباده من الجنّ، والإنس، ولو لم يكن من المقتضيات لهذا السؤال منه إلا ما رآه عند قعود الشيطان على كرسيه من الأحكام الشيطانية الجارية في عباد الله، وجملة: {إِنَّكَ أَنتَ الوهاب} تعليل لما قبلها مما طلبه من مغفرة الله له وهبة الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، أي: فإنك كثير الهبات عظيم الموهوبات.
ثم ذكر سبحانه إجابته لدعوته، وإعطاءه لمسألته، فقال: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح} أي: ذللناها له، وجعلناها منقادة لأمره.
ثم بيّن كيفية التسخير لها بقوله: {تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاء} أي: لينة الهبوب ليست بالعاصف، مأخوذ من الرخاوة، والمعنى: أنها ريح لينة لا تزعزع، ولا تعصف مع قوة هبوبها، وسرعة جريها، ولا ينافي هذا قوله في آية أخرى {ولسليمان الريح عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ} [الأنبياء: 81] لأن المراد: أنها في قوة العاصفة، ولا تعصف.
وقيل: إنها كانت تارة رخاء، وتارة عاصفة على ما يريده سليمان، ويشتهيه، وهذا أولى في الجمع بين الآيتين {حَيْثُ أَصَابَ} أي: حيث أراد.
قال الزجاج: إجماع أهل اللغة والمفسرين أن معنى {حيث أصاب} حيث أراد، وحقيقته حيث قعد.
وقال الأصمعي، وابن الأعرابي: العرب تقول: أصاب الصواب، وأخطأ الجواب.
وقيل: إن معنى أصاب بلغة حمير: أراد، وليس من لغة العرب، وقيل: هو بلسان هجر، والأول أولى، وهو مأخوذ من إصابة السهم للغرض {والشياطين} معطوف على الريح، أي: وسخرنا له الشياطين، وقوله: {كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ} بدل من الشياطين، أي: كل بناء منهم، وغواص منهم يبنون له ما يشاء من المباني، ويغوصون في البحر، فيستخرجون له الدر منه، ومن هذا قول الشاعر:
إلا سليمان إذ قال الجليل له ** قم في البرية فاحددها عن الفند

وخيس الجن أني قد أذنت لهم ** يبنون تدمر بالصفاح والعمد

{وَءاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ في الأصفاد} معطوف على كل داخل في حكم البدل، وهم مردة الشياطين سخروا له حتى قرنهم في الأصفاد.
يقال: قرنهم في الحبال إذا كانوا جماعة كثيرة، والأصفاد: الأغلال واحدها صفد.
قال الزجاج: هي السلاسل، فكل ما شددته شدًا وثيقًا بالحديد، وغيره، فقد صفدته.
قال أبو عبيدة: صفدت الرجل، فهو: مصفود، وصفدته، فهو: مصفد، ومن هذا قول عمرو بن كلثوم في معلقته:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا ** وأبنا بالملوك مصفدينا

قال يحيى بن سلام: ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم، فإذا آمنوا أطلقهم، ولم يسخرهم، والإشارة بقوله: {هذا} إلى ما تقدم من تسخير الريح، والشياطين له، وهو بتقدير القول، أي: وقلنا له: {هذا عَطَاؤُنَا} الذي أعطيناكه من الملك العظيم الذي طلبته {فامنن أَوْ أَمْسِكْ} قال الحسن، والضحاك، وغيرهما: أي فأعط من شئت، وامنع من شئت {بِغَيْرِ حِسَابٍ} لا حساب عليك في ذلك الإعطاء، أو الإمساك، أو عطاؤنا لك بغير حساب لكثرته، وعظمته.
وقال قتادة: إن قوله: {هذا عَطَاؤُنَا} إشارة إلى ما أعطيه من قوة الجماع، وهذ لا وجه لقصر الآية عليه لو قدّرنا أنه قد تقدم ذكره من جملة تلك المذكورات، فكيف يدعي اختصاص الآية به مع عدم ذكره؟ {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} أي: قربة في الآخرة {وَحُسْنُ مَئَابٍ} وحسن مرجع، وهو: الجنة.
وقد أخرج الفريابي، والحكيم الترمذي، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَدًا} قال: هو الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يومًا، وكان لسليمان امرأة يقال لها: جرادة، وكان بين بعض أهلها، وبين قوم خصومة، فقضى بينهم بالحق إلا أنه ود أن الحق كان لأهلها، فأوحى الله إليه أن سيصيبك بلاء، فكان لا يدري أيأتيه من السماء أم من الأرض؟ وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، قال السيوطي بسند قوي: عن ابن عباس قال: أراد سليمان أن يدخل الخلاء، فأعطى لجرادة خاتمه، وكانت جرادة امرأته، وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان في صورة سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي، فأعطته، فلما لبسه دانت له الإنس، والجن، والشياطين، فلما خرج سليمان من الخلاء قال: هاتي خاتمي، قالت: قد أعطيته سليمان.
قال: أنا سليمان، قالت: كذبت لست سليمان، فجعل لا يأتي أحدًا يقول: أنا سليمان إلا كذبه، حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة، فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله، وقام الشيطان يحكم بين الناس، فلما أراد الله أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان، فأرسلوا إلى نساء سليمان، فقالوا لهن: تنكرن من أمر سليمان شيئًا؟ قلن: نعم إنه يأتينا، ونحن نحيض، وما كان يأتينا قبل ذلك، فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع، فكتبوا كتبًا فيها سحر، وكفر، فدفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أثاروها، وقرءوها على الناس، وقالوا: بهذا كان يظهر سليمان على الناس، ويغلبهم، فأكفر الناس سليمان، فلم يزالوا يكفرونه، وبعث ذلك الشيطان بالخاتم، فطرحه في البحر فتلقته سمكة، فأخذته، وكان سليمان يعمل على شط البحر بالأجر، فجاء رجل، فاشترى سمكًا فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فدعا سليمان، فقال: تحمل لي هذا السمك؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: بسمكة من هذا السمك، فحمل سليمان السمك، ثم انطلق به إلى منزله، فلما انتهى الرجل إلى باب داره أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم، فأخذها سليمان، فشق بطنها، فإذا الخاتم في جوفها، فأخذه، فلبسه، فلما لبسه دانت له الجنّ، والإنس، والشياطين، وعاد إلى حاله، وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر، فأرسل سليمان في طلبه، وكان شيطانًا مريدًا، فجعلوا يطلبونه، ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يومًا نائمًا، فجاءوا، فبنوا عليه بنيانًا من رصاص، فاستيقظ، فوثب، فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا انماط معه الرصاص، فأخذوه، فأوثقوه، وجاءوا به إلى سليمان، فأمر به، فنقر له تخت من رخام، ثم أدخله في جوفه، ثم شدّ بالنحاس، ثم أمر به، فطرح في البحر، فذلك قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَدًا} يعني: الشيطان الذي كان سلط عليه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَدًا} قال: صخر الجني تمثل على كرسيه على صورته.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ عفريتًا من الجنّ جعل يتفلت عليّ البارحة؛ ليقطع عليّ صلاتي، وإن الله أمكنني منه، فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا، فتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: {وَهَبْ لِى مُلْكًا لاَّ يَنبَغِى لأحَدٍ مّن بَعْدِى} فردّه الله خاسئًا» وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فامنن} يقول: اعتق من الجنّ من شئت، وأمسك منهم من شئت. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {يا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فاحكم بَيْنَ الناس بالحق وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله} الآية.
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض} قد بينا الحكم الذي دل عليه، في سورة البقرة، في الكلام على قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَة} [البقرة: 30] الآية. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {فاحكم بَيْنَ الناس بالحق وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله} قد أمر نبيه داود فيه، بالحكم بين الناس بالحق ونهاه فيه عن اتباع الهوى، وأن اتباع الهوى، علة للضلال عن سبيل الله، لأن الفاء في قوله فيضلك عن سبيل الله تدل على العلية.
وقد تقرر في الأصولن في مسلك الإيماء والتنبيه، أن الفاء من حروف التعليل كقوله: سهى فسجد، وسرق فقطعت يده، أو لعلة السهو في الأول، ولعلة السرقة في الثاني، وأتبع ذلك بالتهديد الشديد لمن اتبع الهوى، فأضله ربنا عن سبيل الله، في قوله تعالى بعده يليه: {إِنَّ الذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الحساب} [ص: 26].
ومعلوم أن نبي الله داود، لا يحكم بغير الحق، ولا يتبع الهوى، فيضله عن سبيل الله، ولكن الله تعالى، يأمر أنبياءه عليهم الصلاة والسلام، وينهاهم، ليشرع لأممهم.
ولذلك أمر نبينا صلى الله عليه وسلم، بمثل ما أمر به داود، ونهاه أيضًا عن مثل ذلك، في آيات من كتاب الله كقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُمْ بالقسط} [المائدة: 42]. وقوله تعالى: {وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ الله إِلَيْكَ} [المائدة: 49] وكقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1و48] وقول تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] وقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتبع هَوَاهُ} [الكهف: 28] الآية.