فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: الضغث قبضة حشيش مختلطة الرَّطب باليابس.
وقال ابن عباس: إنه إثكال النخل الجامع بشماريخه.
الثانية: تضمنت هذه الآية جواز ضرب الرجل امرأته تأديبًا.
وذلك أن امرأة أيوب أخطأت فحلف ليضربنها مائة، فأمره الله تعالى أن يضربها بعثكول من عثاكيل النخل، وهذا لا يجوز في الحدود.
إنما أمره الله بذلك لئلا يضرب امرأته فوق حدّ الأدب.
وذلك أنه ليس للزوج أن يضرب امرأته فوق حدّ الأدب؛ ولهذا قال عليه السلام: «واضربوهنّ ضربًا غير مُبرِّح» على ما تقدم في النساء بيانه.
الثالثة: واختلف العلماء في هذا الحكم هل هو عام أو خاص بأيوب وحده؛ فروي عن مجاهد أنه عام للناس.
ذكره ابن العربي وحكي عن القشيري أن ذلك خاص بأيوب.
وحكى المهدوي عن عطاء بن أبي رباح أنه ذهب إلى أن ذلك حكم باق، وأنه إذا ضرب بمائة قضيب ونحوه ضربة واحدة بَرَّ.
وروى نحوه الشافعي.
وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المقعد الذي حملت منه الوليدة، وأمر أن يضرب بعثكول فيه مائة شمراخ ضربة واحدة.
وقال القشيري: وقيل لعطاء هل يعمل بهذا اليوم؟ فقال: ما أنزل القرآن إلا ليعمل به ويتبع.
ابن العربي: وروي عن عطاء أنها لأيوب خاصة.
وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك: من حلف ليضربنّ عبده مائة فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبرّ.
قال بعض علمائنا: يريد مالك قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] أي إن ذلك منسوخ بشريعتنا.
قال ابن المنذر: وقد روينا عن عليّ أنه جلد الوليد بن عقبة بسوط له طرفان أربعين جلدة.
وأنكر مالك هذا وتلا قول الله عز وجل: {فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وهذا مذهب أصحاب الرأي.
وقد احتج الشافعي لقوله بحديث، وقد تُكلِّم في إسناده؛ والله أعلم.
قلت: الحديث الذي احتج به الشافعي خرجه أبو داود في سننه قال: حدثنا أحمد بن سعيد الهَمْداني، قال حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حُنَيْف أنه أخبره بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار، أنه اشتكى رجل منهم حتى أَضْنَى، فعاد جِلدةً على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال: استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإني قد وقعت على جارية دخلت عليّ.
فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به؛ لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة.
قال الشافعي: إذا حلف ليضربنّ فلانًا مائة جلدة، أو ضربًا ولم يقل ضربًا شديدًا ولم ينو ذلك بقلبه يكفيه مثل هذا الضرب المذكور في الآية ولا يحنث.
قال ابن المنذر: وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة فضربه ضربًا خفيفًا فهو بارّ عند الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي.
وقال مالك: ليس الضرب إلا الضرب الذي يؤلم.
الرابعة: قوله تعالى: {وَلاَ تَحْنَثْ} دليل على أن الاستثناء في اليمين لا يرفع حكمًا إذا كان متراخيًا.
وقد مضى القول فيه في المائدة يقال: حنث في يمينه يحنث إذا لم يَبرّ بها.
وعند الكوفيين الواو مقحمة أي فاضرب لا تحنث.
الخامسة: قال ابن العربي: قوله تعالى: {فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} يدل على أحد وجهين: إما أن يكون أنه لم يكن في شرعهم كفارة، وإنما كان البرّ والحِنث.
والثاني أن يكون صدر منه نذر لا يمين، وإذا كان النذر معيَّنًا فلا كفارة فيه عند مالك وأبي حنيفة.
وقال الشافعي: في كل نذر كفارة.
قلت: قوله إنه لم يكن في شرعهم كفارة ليس بصحيح؛ فإن أيوب عليه السلام لما بقي في البلاء ثمان عشرة سنة، كما في حديث ابن شهاب، قال له صاحباه: لقد أذنبت ذنبًا ما أظنّ أحدًا بلغه.
فقال أيوب صلى الله عليه وسلم: ما أدري ما تقولان، غير أن ربي عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتزاعمان فكل يحلف بالله، أو على النفر يتزاعمون فأنقلب إلى أهلي، فأكفر عن أيمانهم إرادة ألاّ يأثم أحد يذكره ولا يذكره إلا بحق فنَادَى ربه.
{أَنِّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} [الأنبياء: 83] وذكر الحديث.
فقد أفادك هذا الحديث أن الكفارة كانت من شرع أيوب، وأن من كفّر عن غيره بغير إذنه فقد قام بالواجب عنه وسقطت عنه الكفارة.
السادسة: استدل بعض جهّال المتزهدة؛ وَطَغام المتصوّفة بقوله تعالى لأيوب: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} على جواز الرقص.
قال أبو الفرج الجوزي: وهذا احتجاج بارد؛ لأنه لو كان أمر بضرب الرجل فرحًا كان لهم فيه شبهة، وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء.
قال ابن عقيل: أين الدلالة في مبتلى أمر عند كشف البلاء بأن يضرب برجله الأرض لينبع الماء إعجازًا من الرقص ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوامّ دلالة على جواز الرقص في الإسلام، جاز أن يجعل قوله سبحانه لموسى: {اضرب بِّعَصَاكَ الحجر} [الأعراف: 160] دلالة على ضرب المحادّ بالقضبان! نعوذ بالله من التلاعب بالشرع.
وقد احتج بعض قاصريهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعليّ: «أنت منّي وأنا منك» فحَجل.
وقال لجعفر: «أشبهت خَلْقي وخُلُقي» فحَجَل.
وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا» فحجل ومنهم من احتج بأن الحبشة زَفَنت والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم.
والجواب: أما الْحَجْل فهو نوع من المشي يُفعل عند الفرح فأين هو والرقص، وكذلك زَفْن الحبشة نوع من المشي يفعل عند اللقاء للحرب.
السابعة: قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} أي على البلاء.
{نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي توّاب رجّاع مطيع.
وسئل سفيان عن عبدين ابتلي أحدهما فصبر، وأنعم على الآخر فشكر؛ فقال: كلاهما سواء؛ لأن الله تعالى أثنى على عبدين، أحدهما صابر والآخر شاكر ثناء واحدًا؛ فقال في وصف أيوب: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} وقال في وصف سليمان: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
قلت: وقد ردّ هذا الكلام صاحب القوت واستدل بقصة أيوب في تفضيل الفقير على الغنيّ وذكر كلامًا كثيرًا شيد به كلامه، وقد ذكرناه في غير هذا الموضع من كتاب منهج العباد ومحجة السالكين والزهاد.
وخفي عليه أن أيوب عليه السلام كان أحد الأغنياء من الأنبياء قبل البلاء وبعده، وإنما ابتلي بذهاب ماله وولده وعظيم الداء في جسده.
وكذلك الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه صبروا على ما به امتُحِنوا وفُتِنوا.
فأيوب عليه السلام دخل في البلاء على صفة، فخرج منه كما دخل فيه، وما تغيّر منه حال ولا مقال، فقد اجتمع مع أيوب في المعنى المقصود، وهو عدم التغير الذي يفضل فيه بعض الناس بعضًا.
وبهذا الاعتبار يكون الغني الشاكر والفقير الصابر سواء وهو كما قال سفيان والله أعلم.
وفي حديث ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أيوب خرج لما كان يخرج إليه من حاجته فأوحى الله إليه: {اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} فاغتسل فأعاد الله لحمه وشعره وبشره على أحسن ما كان ثم شرب فأذهب الله كل ما كان في جوفه من ألم أو ضعف وأنزل الله عليه ثوبين من السماء أبيضين فائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر ثم أقبل يمشي إلى منزله ورَاثَ على امرأته فأقبلت حتى لقيته وهي لا تعرفه فسلّمت عليه وقالت أي يرحمك الله هل رأيت هذا الرجل المبتلَى؟ قال من هو؟ قالت نبيّ الله أيوب، أما والله ما رأيت أحدًا قط أشبه به منك إذ كان صحيحًا قال فإني أيوب وأخذ ضِغْثًا فضربها به» فزعم ابن شهاب أن ذلك الضغث كان ثمامًا، وردّ الله إليه أهله ومثلهم معهم، فأقبلت سحابة حتى سجلت في أندر قمحه ذهبًا حتى امتلأ، وأقبلت سحابة أخرى إلى أنْدَر شعيره وقطانِيه فسَجَلت فيه وَرِقا حتى امتلأ. اهـ.

.قال أبو السعود:

{واذكر عَبْدَنَا أَيُّوبَ} عطفٌ على اذكُر عبدنا داودَ. وعدمُ تصديرِ قصَّةِ سليمانَ بهذا العُنوان لكمالِ الاتِّصالِ بينه وبينَ داودَ عليهما السَّلامُ. وأيُّوبُ هو ابنُ عِيصَ بنِ إسحاقَ عليه السَّلامُ {إِذْ نادى رَبَّهُ} بدلُ اشتمالٍ من عبدَنا، وأيُّوبَ عطفُ بيانٍ له {إِنّى} بأني {مَسَّنِىَ الشيطان} بفتحِ ياءِ مسني. وقُرئ بإسكانِها وإسقاطِها {بِنُصْبٍ} أي تعبٍ وقُرئ بفتحِ النُّونِ وبفتحتينِ وبضمَّتينِ للتثقيلِ.
{وَعَذَابٍ} أي ألمٍ ووصبٍ يريدُ مرضَه وما كان يُقاسيه من فنونِ الشَّدائدِ وهو المرادُ بالضُّرِّ في قوله إنيِّ مسنى الضُّرُّ وهو حكايةٌ لكلامِه الذي ناداهُ به بعبارتِه وإلاَّ لقيلَ أنَّه مسَّه الخ والإسنادُ إلى الشَّيطان إمَّا لأنَّه تعالَى مسَّه بذلك لما فعل بوسوستِه كما قيل إنَّه أُعجب بكثرةِ مالِه أو استغاثه مظلومٌ فلم يغثه أو كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزُه أو لامتحان صبره فيكون اعترافًا بالذَّنبِ أو مراعاةً للأدبِ أو لأنَّه وسوس إلى أتباعِه حتَّى رفضُوه وأخرجُوه من ديارِهم أو لأنَّ المرادَ بالنَّصَبِ والعذابِ ما كان يُوسوس به إليه في مرضِه من تعظيم ما نزل به من البلاءِ والقُنوطِ من الرَّحمةِ ويغريه على الكراهةِ والجَزَعِ فالتجأَ إلى الله تعالى في أنْ يكفيه ذلك بكشفِ البلاءِ أو بالتوفيقِ لدفعِه وردِّه بالصَّبرِ الجميلِ، وليس هذا تمامَ دُعائه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بل من جُملتِه قولُه: {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين} فاكتفى هَنُها عن ذكرِه بما في سُورةِ الأنبياءِ كما تركَ هناك ذكرَ الشَّيطانِ ثقةً بما ذُكر ههنا.
وقوله تعالى: {اركض بِرِجْلِكَ} الخ إمَّا حكايةٌ لما قيل له أو مقولٌ لقولٍ مقدَّرٍ معطوفٍ على نادى أي فقلنا له اركض برجلك أي اضربْ بها الأرضَ وكذا قوله تعالى: {هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} فإنَّه أيضًا إمَّا حكايةٌ لما قيل له بعدَ امتثالِه بالأمرِ وبنوعِ الماءِ أو مقولٌ لقولٍ مقدَّرٍ معطوفٍ على مقدَّرٍ ينساقُ إليه الكلامُ كأنَّه قيل: فضربَها فنبعتْ عينٌ فقلنا له هذا مغتسلٌ تغتسلُ به وتشربُ منه فيبرأُ ظاهرُك وباطُنك وقيل: نبعتْ عينانِ حارَّةٌ للاغتسالِ وباردةٌ للشُّربِ ويأباهُ ظاهرُ النَّظمِ الكريمُ وقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} معطوفٌ على مقدَّرَ مترتِّبٍ على مقدَّرٍ آخرَ يقتضيه القولُ المقدَّرُ آنفًا كأنَّه قيل: فاغتسل وشرب فكشفنا بذلكَ ما به من ضُرَ كما في سورة الأنبياء ووهبنا له أيضًا أهلَه إمَّا بإحيائِهم بعد هلاكِهم وهو المرويُّ عن الحسنِ أو بجمعِهم بعد تفرُّقِهم كما قيل {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} عطفٌ على أهلَه فكان له من الأولادِ ضِعفُ ما كان له قبل {رَحْمَةً مّنَّا} أي لرحمةٍ عظيمةٍ عليه من قبلنا {وذكرى لأُوْلِى الالباب} ولتذكيرِهم بذلك ليصبروا على الشَّدائدِ كما صبرَ ويلجأوا إلى الله عزَّ وجلّ فيما يحيقُ بهم كما لجأ ليفعلَ بهم ما فعلَ به من حُسن العاقبةِ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} معطوفٌ على اركُض أو على وهبنَا بتقديرِ قُلنا أي وقُلنا خذْ بيدِك الخ والأوَّلُ أقربُ لفظًا وهذا أنسبُ معنى فإنَّ الحاجةَ إلى هذا الأمرِ لا تمسُّ إلا بعد الصَّحةِ، فإنَّ امرأتَه رحمةَ بنتَ افرايمَ بنِ يوسفَ وقيل: ليَا بنتُ يعقوبَ وقيل: ماصرُ بنتُ ميْشا بن يُوسفَ عليه السَّلامُ ذهبتْ لحاجةٍ فأبطأتُ فحلفَ إنْ برىءَ ليضربنَّها مائةً ضربة فأمرَه الله تعالى بأخذِ الضِّغثِ، والضِّغثُ الحزمةُ الصَّغيرةُ من الحشيشِ ونحوِه. وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قبضةٌ من الشَّجرِ.
وقال: {فاضرب بّهِ} أي بذلك الضِّغثِ {وَلاَ تَحْنَثْ} في يمينك فإنَّ البرَّ يتحققُ به ولقد شرعَ الله سبحانه هذه الرُّخصةَ رحمةً عليه وعليها لحُسنِ خدمتِها إيَّاهُ ورضاهُ عنها وهي باقيةٌ ويجب أنْ يصيبَ المضروبَ كلُّ واحدٍ من المائةِ إما بأطرافِها قائمةً أو بأعراضِها مبسوطةً على هيئةِ الضَّربِ {إِنَّا وجدناه صَابِرًا} فيما أصابَه في النَّفسِ والأهلِ والمالِ وليسَ في شكواهُ إلى الله تعالى إخلالٌ بذلك فإنَّه لا يُسمَّى جزَعًا كتمنِّي العافيةِ وطلب الشِّفاءِ على أنَّه قال ذلك خيفةَ الفتنةِ في الدِّينِ حيث كانُ الشَّيطانُ يوسوسُ إلى قومِه بأنَّه لو كانَ نبيًَّا لما ابُتلي بمثلِ ما ابُتلي به وإرادة القوَّة على الطَّاعةِ فقد بلغ أمرُه إلى أنْ لم يبقَ منه إلاَّ القلبُ واللِّسانُ. ويُروى أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قال في مناجاتِه: إلهي قد علمتَ أنَّه لم يُخالفْ لساني قلبيَ ولم يتبعْ بصريَ ولم يهبني ما ملكتْ يميني ولم آكلْ إلا ومعي يتيم ولم أبتْ شبعانَ ولا كاسيًا ومعي جائعٌ أو عريانُ فكشفَ الله تعالى عنه {نِعْمَ العبد} أي أيُّوبُ {إِنَّهُ أَوَّابٌ} تعليلٌ لمدحِه أي رجَّاعٌ إلى الله تعالى. اهـ.

.قال الألوسي:

{واذكر عَبْدَنَا أَيُّوبَ} قال ابن إسحاق: الصحيح أنه كان من بني إسرائيل ولم يصح في نسبه شيء غير أن اسم أبيه أموص، وقال ابن جرير: هو أيوب بن أموص بن روم بن عيص بن إسحاق عليه السلام، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط وأن أباه ممن آمن بإبراهيم فعلى هذا كان عليه السلام قبل موسى، وقال ابن جرير: كان بعد شعيب، وقال ابن أبي خيثمة: كان بعد سليمان، وقوله تعالى: {اذكر} الخ عطف على {اذكر عَبْدَنَا داود} [ص: 17] وعدم تصدير قصة سليمان عليه السلام بهذا العنوان لكمال الاتصال بينه وبين داود عليهما السلام، و{أَيُّوبَ} عطف بيان لعبدنا أو بدل منه بدل كل من كل، وقوله تعالى: {إِذْ نادى رَبَّهُ} بدل اشتمال منه أو من {أَيُّوبَ} {إِنّى} أي بأني. وقرأ عيسى بكسر همزة {إِنّى} {مَسَّنِىَ الشيطان} وقرئ بإسكان ياء {مَسَّنِىَ} وبإسقاطها {بِنُصْبٍ} بضم النون وسكون الصاد التعب كالنصب بفتحتين، وقيل: هو جمع نصب كوثن ووثن، وقرأ أبو جعفر وشيبة وأبو عمارة عن حفص والجعفي عن أبي بكر وأبو معاذ عن نافع بضمتين وهي لغة، ولا مانع من كون الضمة الثانية عارضة للاتباع، وربما يقال: إن في ذلك رمزًا إلى ثقل تعبه وشدته، وقرأ زيد بن علي والحسن والسدي وابن أبي عبلة ويعقوب والجحدري بفتحتين وهي لغة أيضًا كالرشد والرشد، وقرأ أبو حيوة ويعقوب في رواية وهبيرة عن حفص بفتح النون وسكون الصاد، قال الزمخشري: على أصل المصدر، ونص ابن عطية على أن ذلك لغة أيضًا قال: بعد ذكر القراآت: وذلك كله بمعنى واحد وهو المشقة وكثيرًا ما يستعمل النصب في مشقة الاعياء.