فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{ص} قرأ العامة بالجزم، واختلفوا في معناه.
فقال الكلبي: عن أبي صالح، سُئل جابر بن عبد الله وابن عباس عن {ص} فقالا: لا ندري.
وقال عكرمة: سأل نافع الأزرق عبد الله بن عباس عن {ص} فقال: كان بحرًا بمكّة وكان عليه عرش الرّحمن، إذ لا ليل ولا نهار.
سعيد بن جبير: {ص} بحر يُحيي الله به الموتى بين النفختين.
الضحّاك: صدق الله. مجاهد: فاتحة السّورة. قتادة: اسم من أسماء القرآن. السدّي: قسم أقسم الله سبحانه وتعالى به، وهو اسم من أسماء الله عزّ وجلّ. وهي رواية الوالبي عن ابن عبّاس.
محمد بن كعب القرظي: هو مفتاح أسماء الله، صمد، وصانع المصنوعات، وصادق الوعد.
وقيل: هو اسم السّورة، وقيل: هو إشارة إلى صدود الكفّار من القرآن. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق: (صاد) بخفض الدّال، من المصادّاة، أي عارض القرآن بعملك وقابله به، واعمل بأوامره، وانته عن نواهيه.
وقرأ عيسى بن عمر (صاد) بفتح الدّال، ومثلهُ (قافَ) و(نونَ)، لإجتماع السّاكنين، حرّكها إلى أخف الحركات.
وقيل: على الإغراء.
وقيل في {ص} إنّ معناه صاد محمّد قلوبَ الخلق واستمالها حتّى آمنوا به.
{والقرآن ذِي الذكر} قال ابن عباس ومقاتل: ذي البيان.
الضحاك: ذي الشرف، دليله قوله عزّ وجل: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44].
وقيل: ذي ذكر الله عزّ وجلّ.
واختلفوا في جواب القسم، فقال قتادة: موضع القسم قوله: {بَلِ الذين كَفَرُواْ} كما قال سبحانه: {ق والقرآن المجيد بَلْ عجبوا} [ق: 1- 2]. وقال الأخفش جوابه قوله: {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل} كقوله عزّ وجل: {تالله إِن كُنَّا} [الشعراء: 97] وقوله: {والسماء والطارق} [الطارق: 1] {إِن كُلُّ نَفْسٍ} [الطارق: 4]. وقيل: قوله: {إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ}.
وقال الكسائي: قوله: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار}.
وقيل: مقدم ومؤخر تقديره {بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} {والقرآن ذِي الذكر}.
وقال الفراء: {ص} معناها وجب وحقّ، فهي جواب لقوله: {والقرآن} كما تقول: نزل والله.
وقال القتيبي من قال جواب القسم {بَلِ الذين كَفَرُواْ} قال: {بل} إنما تجيء لتدارك كلام ونفي آخر، ومجاز الآية أن الله أقسم ب {ص والقرآن ذِي الذكر بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ويعني حمية جاهلية وتكبر.
{وَشِقَاقٍ} يعني خلاف وفراق.
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ} بالأيمان والاستغاثة عند نزول العقوبة وحلول النقمة بهم.
{وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} وليس بوقت فرار ولا بر.
وقال وهب: {وَّلاَتَ} بلغة السريانية إذا أراد السرياني أن يقول وليس يقول: ولات. وقال أئمة أهل اللغة: {وَّلاَتَ حِينَ} مفتوحتان كأنّهما كلمة واحدة، وإنّما هي لا زيدت فيها التاء كقولهم: رُبّ ورُبَّت، وثمَّ وثمَّت.
قال أبو زيد الطائي:
طلبوا صلحنا ولات أوان ** فأجبنا أن ليس حين بقاء

وقال آخر:
تذكّرت حبّ ليلى لات حينًا ** وأمسى الشيب فقطع القرينا

وقال قوم: إن التاء زيدت في حين كقول أبي وجزة السعديّ:
العاطفون حين ما من عاطف ** والمطعمون زمان ما من مطعم

وتقول العرب: تلان بمعنى الآن، ومنه حديث ابن عمر سأله رجل عن عثمان رضي الله عنه فذكر مناقبه ثم قال: اذهب بها تلان إلى أصحابك يريد الآن.
وقال الشاعر:
تولى قبل يوم بين حمانا ** وصلينا كما زعمت تلانا

فمن قال: إن التاء مع لا قالوا: قف عليه لأن بالتاء [....].
وروى قتيبة عن الكسائي أنّه كان يقف: ولاه، بالهاء، ومثله روي عن أهل مكة، ومن قال: إن التاء مع حين. قالوا: قف عليه ولا، ثم يبتدىء بحين مناص. وهو اختيار أبي عبيد قال: لأني تعمدّت النظر إليه في الأمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه عنه فوجدت التاء متصلة مع حين قد ثبتت: تحين.
وقال الفراء: النوص بالنون التأخر، والبوص بالباء التقدم. وجمعهما امرؤ القيس في بيت فقال:
أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص ** فتقصر عنها خطوة وتبوص

فمناص مفعل من ناص مثل مقام.
قال ابن عباس: كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب قال بعضهم لبعض: مناص، أي اهربوا وخذوا حذركم، فلما نزل بهم العذاب ببدر قالوا: مناص، فأنزل الله سبحانه {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ}.
{وعجبوا أَن جَاءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الكافرون هذا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِدًا}.
وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسلم فشق ذلك على قريش وفرح به المؤمنون، فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش، وهم الصناديد والأشراف، وكانوا خمسة وعشرين رجلًا، الوليد بن المغيرة وهو أكبرهم سنًّا، وأبو جميل ابن هشام، وأُبي وأُميّة ابنا خلف، وعمر بن وهب بن خلف، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وعبد الله بن أُميّة والعاص بن وائل، والحرث بن قيس، وعدي بن قيس، والنضر بن الحرث، وأبو البحتري بن هشام، وقرط بن عمرو، وعامر بن خالد، ومحرمة بن نوفل، وزمعة بن الأسود، ومطعم بن عدي، والأخنس بن سريق، وحويطب ابن عبد العزى، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، والوليد بن عتبة، وهشام بن عمر بن ربيعة، وسهيل بن عمرو، فقال لهم الوليد بن المغيرة: امشوا إلى أبي طالب. فأتوا أبا طالب فقالوا له: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، وإنّا أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك.
فأرسل أبو طالب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له: يا بن أخ هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وماذا يسألوني؟» فقال: يقولون ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وآلهك فقال النبي عليه السلام: «أتعطونني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟» فقال أبو جهل: لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا لا إله إلاّ الله» فنفروا من ذلك وقاموا وقالوا: {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِدًا} كيف يسع الخلق كلهم إله واحد.
{إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} أي عجيب.
قال مقاتل: بلغة أزدشنوه.
قال أهل اللغة: العجيب والعجاب واحد كقولك كريم وكرام وكبير ووكبار وطويل وطوال وعريض وعراض وسكين حديد وحداد.
أنشد الفراء:
كحلقة من أبي رماح ** تسمعها لاهة الكبار

وقال آخر:
نحن أجدنا دونها الضرابا ** إنّا وجدنا ماءها طيابا

يريد طيبًا.
وقال عباس بن مرداس: تعدوا به سلميةٌ سُراعه. أي سريعة.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعيسى بن عمر: عجّاب بالتشديد. وهو المفرط في العجب.
فأنشد الفراء:
آثرت إدلاجي على ليل جرّة ** هضيم الحشا حسانة المتجرد

وأنشد أبو حاتم:
جاءوا بصيد عجّب من العجب ** أُزيرق العينين طوال الذنب

{وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا} يعني إلى أبي طالب فأشكوا إليه ابن أخيه {وَاْصْبِرُواْ} واثبتوا {على آلِهَتِكُمْ} نظيرها في الفرقان {لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: 42].
{إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ} أي لأمر يُراد بنا {مَا سَمِعْنَا بهذا} الذي يقول محمّد {فِى الملة الآخرة}.
قال ابن عبّاس والقرظي والكلبي ومقاتل: يعنون النصرانية، لأن النصارى تجعل مع الله إلهًا.
وقال مجاهد وقتادة: يعنون ملة قريش، ملة زماننا هذا.
{إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر} القرآن {مِن بَيْنِنَا} قال الله عزّ وجلّ: {بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي} أيّ وحيي.
{بَل لَّمَّا} أي لم {يَذُوقُواْ عَذَابِ} ولو ذاقوه لما قالوا هذا القول.
{أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ} نعمة {رَبِّكَ} يعني مفاتيح النبوة، نظيرها في الزخرف {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] أي نبوة ربك {العزيز الوهاب أَمْ لَهُم مُّلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ في الأسباب} أي فليصعدوا في الجبال إلى السماوات، فليأتوا منها بالوحي إلى من يختارون ويشاؤن، وهذا أمر توبيخ وتعجيز.
وقال الضحاك ومجاهد وقتادة: أراد بالأسباب: أبواب السماء وطرقها.
{جُندٌ} أي هم جُند {مَّا هُنَالِكَ} أي هنالك وما صلة {مَهْزُومٌ} مغلوب، ممنوع عن الصعود إلى السماء {مِّن الأحزاب} أي من جملة الأجناد.
وقال أكثر المفسرين: يعني أن هؤلاء الملأ الذين يقولون هذا القول، جند مهزوم مقهور وأنت عليهم مظفر منصور.
قال قتادة: وعده الله عزّ وجلّ بمكة أنّه سيهزمهم، فجاء تأويلها يوم بدر من الأحزاب، أيّ كالقرون الماضية الذين قهروا وأهلكوا، ثم قال معزًّا لنبيه صلى الله عليه وسلم {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد} قال ابن عبّاس: ذو البناء المحكم.
وقال القتيبي: والعرب تقول: هم في عز ثابت الأوتاد، وملك ثابت الأوتاد.
يريدون أنّه دائم شديد، وأصل هذا أن البيت من بيوتهم بأوتاده.
قال الأسود بن يعفر: في ظل ملك ثابت الأوتاد.
وقال الضحاك: ذو القوة والبطش.
وقال الحلبي ومقاتل: كان يعذب الناس بالأوتاد، وكان إذا غضب على أحد مَدّهُ مستلقيًا بين أربعة أوتاد كل رجل منه إلى سارية وكل يد منه إلى سارية، فيتركه كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتّى يموت.
وقال مقاتل بن حيان: كان يمد الرجل مستلقيًا على الأرض ثم يشده بالأوتاد.
وقال السدي: كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيّات.
وقال قتادة وعطاء: كانت له أوتاد وأرسال وملاعب يلعب عليها بين يديه.
{وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أولئك الأحزاب إِن كُلٌّ} ما كل منهم {إِلاَّ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ عِقَابِ} فوجب عليهم ونزل بهم عذابي {وَمَا يَنظُرُ} ينتظر {هؤلاءاء} يعني كفار مكة {إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً} وهي نفخة القيامة.
وقد روي هذا التفسير مرفوعًا إلى النبي عليه السلام.
{مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ}.
قال ابن عبّاس وقتادة: من رجوع. الوالبي: يزداد. مجاهد: نظرة. الضحاك: مستوية.
وفيه لغتان: {فُواق} بضم الفاء وهي لغة تميم، وقراءة يحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلف. و{فَواق} بالفتح وهي لغة قريش، وقراءة سائر القرّاء واختيار أبي عبيد.
قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، كما يقال حُمام المكوك وحُمامه، وقصاص الشعر وقصاصه.
وفرّق الآخرون بينهما.
قال أبو عبيدة والمؤرخ: بالفتح بمعنى الراحة والإفاقة كالجواب من الإجابة، ذهبا به إلى إفاقة المريض من علته، والفُواق بالضم مابين الحلبتين، وهو أن يحلب الناقة ثم تترك ساعة حتّى يجتمع اللبن فما بين الحلبتين فواق.
فاستعير في موضع الإنتظار مدة يسيرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رابط فواق ناقة في سبيل الله حرّم الله جسده على النار».