فصل: قال الصابوني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض}. وجئنا للتقاضي أمامك {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط}.. وبدأ أحدهما فعرض خصومته: {إنَّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها} أي اجعلها لي وفي ملكي وكفالتي {وعزني في الخطاب} أي شدد علي في القول وأغلظ.
والقضية كما عرضها أحد الخصمين تحمل ظلمًا صارخًا مثيرًا لا يحتمل التأويل. ومن ثم اندفع داود يقضي على إثر سماعه لهذه المظلمة الصارخة؛ ولم يوجه إلى الخصم الآخر حديثًا، ولم يطلب إليه بيانًا، ولم يسمع له حجة. ولكنه مضى يحكم: {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرًا من الخلطاء أي الأقوياء المخالطين بعضهم لبعض ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم}.
ويبدو أنه عند هذه المرحلة اختفى عنه الرجلان: فقد كانا ملكين جاءا للامتحان! امتحان النبي الملك الذي ولاه الله أمر الناس، ليقضي بينهم بالحق والعدل، وليتبين الحق قبل إصدار الحكم.
وقد اختارا أن يعرضا عليه القضية في صورة صارخة مثيرة.. ولكن القاضي عليه ألا يستثار، وعليه ألا يتعجل. وعليه ألا يأخذ بظاهر قول واحد. قبل أن يمنح الآخر فرصة للإدلاء بقوله وحجته؛ فقد يتغير وجه المسألة كله، أو بعضه، وينكشف أن ذلك الظاهر كان خادعًا أو كاذبًا أو ناقصًا!
عند هذا تنبه داود إلى أنه الابتلاء: {وظن داود أنما فتناه} وهنا أدركته طبيعته.. إنه أواب.
{فاستغفر ربه وخرّ راكعًا وأناب}.
{فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.. وخاضت بعض التفاسير مع الإسرائيليات حول هذه الفتنة خوضًا كبيرًا. تتنزه عنه طبيعة النبوة. ولا يتفق إطلاقًا مع حقيقتها. حتى الروايات التي حاولت تخفيف تلك الأساطير سارت معها شوطًا. وهي لا تصلح للنظر من الأساس. ولا تتفق مع قول الله تعالى: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
والتعقيب القرآني الذي جاء بعد القصة يكشف كذلك عن طبيعة الفتنة؛ ويحدد التوجيه المقصود بها من الله لعبده الذي ولاه القضاء والحكم بين الناس: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}.
فهي الخلافة في الأرض، والحكم بين الناس بالحق، وعدم اتباع الهوى. واتباع الهوى فيما يختص بنبي هو السير مع الانفعال الأول، وعدم التريث والتثبت والتبين.. مما ينتهي مع الاستطراد فيه إلى الضلال. أما عقب الآية المصور لعاقبة الضلال فهو حكم عام مطلق على نتائج الضلال عن سبيل الله. وهو نسيان الله والتعرض للعذاب الشديد يوم الحساب.
ومن رعاية الله لعبده داود، أنه نبهه عند أول لفتة. ورده عند أول اندفاعة. وحذره النهاية البعيدة. وهو لم يخط إليها خطوة! وذلك فضل الله على المختارين من عباده. فهم ببشريتهم قد تعثر أقدامهم أقل عثرة، فيقيلها الله، ويأخذ بيدهم، ويعلمهم، ويوفقهم إلى الإنابة، ويغفر لهم، ويغدق عليهم، بعد الابتلاء.
وعند تقرير مبدأ الحق في خلافة الأرض، وفي الحكم بين الناس.. وقيل أن تمضي قصة داود إلى نهايتها في السياق.. يرد هذا الحق إلى أصله الكبير. أصله الذي تقوم عليه السماء والأرض وما بينهما. أصله العريق في كيان هذا الكون كله. وهو أشمل من خلافة الأرض، ومن الحكم بين الناس. وهو أكبر من هذه الأرض. كما أنه أبعد مدى من الحياة الدنيا. إذ يتناول صميم الكون كما يتناول الحياة الآخرة. ومنه وعليه جاءت الرسالة الأخيرة، وجاء الكتاب المفسر لذلك الحق الشامل الكبير: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلًا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}.
وهكذا: في هذه الآيات الثلاث، تتقرر تلك الحقيقة الضخمة الهائلة الشاملة الدقيقة العميقة. بكل جوانبها وفروعها وحلقاتها.
إن خلق السماء والأرض وما بينهما لم يكن باطلًا، ولم يقم على الباطل. إنما كان حقًا وقام على الحق. ومن هذا الحق الكبير تتفرع سائر الحقوق. الحق في خلافة الأرض. والحق في الحكم بين الخلق. والحق في تقويم مشاعر الناس وأعمالهم؛ فلا يكون الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض؛ ولا يكون وزن المتقين كوزن الفجار. والحق الذي جا به الكتاب المبارك الذي أنزله الله ليتدبروا آياته وليتذكر أصحاب العقول ما ينبغي أن يتذكروه من هذه الحقائق الأصيلة، التي لا يتصورها الكافرون، لأن فطرتهم لا تتصل بالحق الأصيل في بناء هذا الكون، ومن ثم يسوء ظنهم بربهم ولا يدركون من أصالة الحق شيئًا.
{ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}.
إن شريعة الله للناس طرف من ناموسه في خلق الكون. وإن كتابه المنزل بيان للحق الذي يقوم عليه الناموس. وإن العدل الذي يطالب به الخلفاء في الأرض والحكام بين الناس إنما هو طرف من الحق الكلي، لا يستقيم أمر الناس إلا حين يتناسق مع بقية الأطراف. وإن الانحراف عن شريعة الله والحق في الخلافة والعدل في الحكم إنما هو انحراف عن الناموس الكوني الذي قامت عليه السماء والأرض؛ وهو أمر عظيم إذن، وشر كبير، واصطدام مع القوى الكونية الهائلة لابد أن يتحطم في النهاية ويزهق. فما يمكن أن يصمد ظالم باغ منحرف عن سنة الله وناموس الكون وطبيعة الوجود.. ما يمكن أن يصمد بقوته الهزيلة الضئيلة لتلك القوى الساحقة الهائلة، ولعجلة الكون الجبارة الطاحنة!
وهذا ما ينبغي أن يتدبره المتدبرون وأن يتذكره أولو الألباب.
وبعد هذا التعقيب المعترض في صلب القصة لكشف تلك الحقيقة الضخمة، يمضي السياق يعرض نعمة الله على داود في عقبه وولده سليمان؛ وما وهبه الله من ألوان الإنعام والإفضال. كما يعرض فتنته وابتلاءه ورعاية الله له، وإغداقه عليه بعد الفتنة والابتلاء: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها عليّ فطفق مسحًا بالسوق والأعناق ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدًا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
والإشارتان الواردتان هنا عن الصافنات الجياد وهي الخيل الكريمة. وعن الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان.
كلتاهما إشارتان لم تسترح نفسي لأي تفسير أو رواية مما احتوته التفاسير والروايات عنهما. فهي إما إسرائيليات منكرة، وإما تأويلات لا سند لها. ولم أستطع أن أتصور طبيعة الحادثين تصورًا يطمئن إليه قلبي، فأصوره هنا وأحكيه. ولم أجد أثرًا صحيحًا أركن إليه في تفسيرهما وتصويرهما سوى حديث صحيح. صحيح في ذاته ولكن علاقته بأحد هذين الحادثين ليست أكيدة. هذا الحديث هو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه البخاري في صحيحه مرفوعًا. ونصه: «قال سليمان: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة. كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. ولم يقل: إن شاء الله. فطاف عليهن فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. والذي نفسي بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون». وجائز أن تكون هذه هي الفتنة التي تشير إليها الآيات هنا، وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق. ولكن هذا مجرد احتمال.. أما قصة الخيل فقيل: إن سليمان عليه السلام استعرض خيلًا له بالعشي. ففاتته صلاة كان يصليها قبل الغروب. فقال ردوها عليّ. فردوها عليه فجعل يضرب أعناقها وسيقانها جزاء ما شغلته عن ذكر ربه. ورواية أخرى أنه إنما جعل يمسح سوقها وأعناقها إكرامًا لها لأنها كانت خيلًا في سبيل الله.. وكلتا الروايتين لا دليل عليها. ويصعب الجزم بشيء عنها.
ومن ثم لا يستطيع متثبت أن يقول شيئًا عن تفصيل هذين الحادثين المشار إليهما في القرآن.
وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان عليه السلام في شأن يتعلق بتصرفاته في الملك والسلطان كما يبتلي الله أنبياءه ليوجههم ويرشدهم، ويبعد خطاهم عن الزلل. وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع. وطلب المغفرة؛ واتجه إلى الله بالدعاء والرجاء: {قال رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب}.
وأقرب تأويل لهذا الطلب من سليمان عليه السلام أنه لم يرد به أثرة. إنما أراد الاختصاص الذي يتجلى في صورة معجزة. فقد أراد به النوع. أراد به ملكًا ذا خصوصية تميزه من كل ملك آخر يأتي بعده. وذا طبيعة معينة ليست مكررة ولا معهودة في الملك الذي يعرفه الناس.
وقد استجاب له ربه، فأعطاه فوق الملك المعهود، ملكًا خاصًا لا يتكرر: {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد}.
وتسخير الريح لعبد من عباد الله بإذن الله؛ لا يخرج في طبيعته عن تسخير الريح لإرادة الله. وهي مسخرة لإرادته تعالى ولا شك، تجري بأمره وفق نواميسه؛ فإذا يسر الله لعبد من عباده في فترة من الفترات أن يعبر عن إرادة الله سبحانه وأن يوافق أمره أمر الله فيها؛ وأن تجري الريح رخاء حيث أراد؛ فذلك أمر ليس على الله بمستبعد.
ومثله يقع في صور شتى. والله سبحانه يقول في القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلًا} فما معنى هذا؟ معناه أنهم إذا لم ينتهوا فستتجه إرادتنا إلى تسليطك عليهم وإخراجهم من المدينة. وسيتم هذا بتوجيه إرادتك أنت ورغبتك إلى قتالهم وإخراجهم؛ فتتم إرادتنا بهم عن طريقك. فهذا لون من توافق أمر الله سبحانه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإرادة الله وأمره هما الأصيلان. وهما يتجليان في إرادة الرسول وأمره وفق ما أراد الله. وهذا يقرب إلينا معنى الريح لأمر سليمان عليه السلام تسخيرها لأمره المطابق لأمر الله في توجيه هذه الرياح، الممثل لأمر الله المعبر عنه على كل حال.
كذلك سخر له الشياطين لتبني له ما يشاء؛ وتغوص له في البحر والأرض في طلب ما يشاء. وأعطاه السلطة لعقاب المخالفين والمفسدين ممن سخرهم له وتكبيلهم بالأصفاد مقرونة أيديهم إلى أرجلهم. أو مقرنين اثنين اثنين أو أكثر في القيود عند الاقتضاء.
ثم قيل له: إنك مطلق اليد فيما وهب الله لك من سلطة ومن نعمة. تعطي من تشاء كيف تشاء. وتمسك عمن تشاء قدر ما تشاء: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب}.
وذلك زيادة في الإكرام والمنة. ثم زاد على هذا كله أن له عند ربه قربى في الدنيا وحسن مآب في الآخرة: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
وتلك درجة عظيمة من الرعاية والرضى والإنعام والتكريم.
ثم نمضي مع قصة الابتلاء والصبر، والإنعام بعد ذلك والإفضال. نمضي في السياق مع قصة أيوب: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب}.
وقصة ابتلاء أيوب وصبره ذائعة مشهورة؛ وهي تضرب مثلًا للابتلاء والصبر. ولكنها مشوبة بإسرائيليات تطغى عليها. والحد المأمون في هذه القصة هو أن أيوب عليه السلام كان كما جاء في القرآن عبدًا صالحًا أوّابًا؛ وقد ابتلاه الله فصبر صبرًا جميلًا، ويبدو أن ابتلاءه كان بذهاب المال والأهل والصحة جميعًا ولكنه ظل على صلته بربه، وثقته به، ورضاه بما قسم له.
وكان الشيطان يوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له ومنهم زوجته بأن الله لو كان يحب أيوب ما ابتلاه.
وكانوا يحدثونه بهذا فيؤذيه في نفسه أشد مما يؤذيه الضر والبلاء. فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة حلف لئن شفاه الله ليضربنها عددًا عينه قيل مائة.
وعندئذ توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان، ومداخله إلى نفوس خلصائه، ووقع هذا الإيذاء في نفسه: {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب}.
فلما عرف ربه منه صدقه وصبره، ونفوره من محاولات الشيطان، وتأذيه بها، أدركه برحمته. وأنهى ابتلاءه، ورد عليه عافيته. إذ أمره أن يضرب الأرض بقدمه فتتفجر عين باردة يغتسل منها ويشرب فيشفى ويبرأ: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}.
ويقول القرآن الكريم: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب}.
وتقول بعض الروايات: إن الله أحيا له أبناءه ووهب له مثلهم، وليس في النص ما يحتم أنه أحيا له من مات. وقد يكون معناه أنه بعودته إلى الصحة والعافية قد استرد أهله الذين كانوا بالنسبة إليه كالمفقودين. وأنه رزقه بغيرهم زيادة في الإنعام والرحمة والرعاية. مما يصلح ذكرى لذوي العقول والإدراك.
والمهم في معرض القصص هنا هو تصوير رحمة الله وفضله على عباده الذين يبتليهم فيصبرون على بلائه وترضى نفوسهم بقضائه.
فأما قسمه ليضربن زوجه. فرحمة من الله به وبزوجه التي قامت على رعايته وصبرت على بلائه وبلائها به، أمره الله أن يأخذ مجموعة من العيدان بالعدد الذي حدده. فيضربها به ضربة واحدة. تجزئ عن يمينه، فلا يحنث فيها: {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث}.
هذا التيسير، وذلك الإنعام، كانا جزاء على ما علمه الله من عبده أيوب من الصبر على البلاء وحسن الطاعة والالتجاء: {إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أوّاب}. اهـ.

.قال الصابوني:

{واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب (41)} سورة ص:
موقف الشريعة من الحيل:

.التحليل اللفظي:

{بنصب} النصب بضم النون وسكون الصاد بمعنى التعب كالنصب. قال الفراء: هما كالرشد والرشد، والحزن والحزن معناهما واحد.
قال في اللسان: والنصب، والنصب والنصب: والبلاء والشر، والنصب: الأعياء من العناء. وفي التنزيل: {لا يمسهم فيها نصب} [الحجر: 48] أي تعب.
وقال أبو عبيدة: النصب: الشر والبلاء، والنصب: التعب والإعياء.
والمراد في الآية: مرض أيوب وما كان يقاسيه من أنواع البلاء في جسده.
{اركض} الركض: الدفع بالرجل، يقال: ركض الدابة إذا ضربها برجله لتعدو، وقال المبرد: الركض التحريك والضرب، ولهذا قال الأصمعي: يقال ركضت الدابة، ولا يقال: ركضت هي، لأن الركض إنما هو تحريك راكبها رجليه ولا فعل لها في ذلك. والمراد في الآية: اضرب برجلك ينبع الماء فتغتسل وتشرب منه.
{مغتسل} المغتسل الماء الذي يغتسل به، وقيل: الموضع الذي يغتسل فيه، والصحيح الأول.
{ضغثا} الضغث في أصل اللغة: الشيء المختلط ومنه أضغاث أحلام للرؤيا المختلطة.
قال في اللسان: الضغث: قبضة من قضبان مختلفة يجمعها أصل واحد مثل الأسل والكراث قال الشاعر:
كأنه إذ تدلى ضغث كراث

وقيل: هي الحزمة من الحشيش، مختلطة الرطب باليابس.
وقال ابن عباس: هو عشكال النخل الجامع بشماريخه. أي عنقود النخل المتفرع الأغصان.
والمعنى: أمره الله أن يأخذ حزمة من العيدان فيها مائة عود، ويضربها بها ضربة واحدة، ليبر في يمينه ولا يحنث فيها.
{تحنث} الحنث: الخلف في اليمين، يقال: حنث في يمينه، يحنث إذا لم يبر بها.
قال في اللسان: الحنيث في اليمين: نقضها والنكث فيها، وهو من الحنث بمعنى الإثم وفي الحديث: «اليمين حنث أو مندمة» ومعناه: إما أن يندم على ما حلف عليه، أو يحنث فتلزمه الكفارة. والحنث: الذنب العظيم، وفي التنزيل العزيز: {وكانوا يصرون على الحنث العظيم} [الواقعة: 46].
{أواب} الأوب: الرجوع، والأواب: التواب، الرجاع، الذي يرجع إلى التوبة والطاعة، ويرجع إلى الله في جميع أمورة، وهي من صيغ المبالغة مثل ظلام وقتال.