فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والاختصام: افتعال من خَصمَه، إذا نازعه وخالفه فهو مبالغة في خَصَم.
وجملة {إن يوحى إليَّ إلاَّ أنَّما أنا نذيرٌ مبينٌ} مبيّنة لجملة {ما كانَ لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون} أي ما علمتُ بذلك النبأ إلا بوحي من الله وإنما أوحَى الله إليّ ذلك لأكون نذيرًا مبينًا.
وقد رُكّبت هذه الجملة من طريقين للقصر: أحدهما طريق النفي والاستثناء، والآخر طريق {أَنما} المفتوحة الهمزة وهي أخت إنما المكسورة الهمزة في معانيها التي منها إفادة الحصر، ولا التفات إلى قول من نفوا إفادتها الحصر فإنها مركبة من أنّ المفتوحة الهمزة وما الكافّة وليست أنّ المفتوحة الهمزة إلا إِن المكسورة تُغَيَّر كسرة همزتها إلى فتحة لتفيد معنىً مصدريًا مشربًا ب أَنْ المصدرية إشرابًا بديعًا جعل شعاره فتح همزتها لتشابه أَنْ المصدرية في فتح الهمزة وتشابه أَنَّ في تشديد النون، وهذا من دقيق الوضع في اللغة العربية.
وتكون {أَنما} مفتوحةَ الهمزة إذا جعلت معمولة لعامل في الكلام.
والذي يقتضيه مقام الكلام هنا أن فتح همزة {أَنما} لأجل لام تعليل مقدرة مجرور بها {أنما}.
والتقدير: إلاّ لأَنما أنا نذير، أي إلا لعلّة الإِنذار، أي ما أوحي إلي نبأ الملأ الأعلى إلا لأنذركم به، أي ليس لمجرد القصص.
فالاستثناء من علل، وقد نُزِّل فعل {يوحى} منزلة اللازم، أي ما يوحى إلي وحيٌ فلا يقدّر له مفعول لقلة جدواه وإيثار جدوى تعليل الوحي.
وبهذا التقدير تكمل المناسبة بين موقع هذه الجملة وموقع جملة {ما كانَ لي مِن علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون} المبيّنة بها جملةُ {قُل هُوَ نبؤا عظيم أنتم عنه مُعرضون} إذ لا مناسبة لو جعل {أنَّما أنا نذيرٌ مبينٌ} مستثنى من نائب فاعل الوحي بأن يقدر: إن يوحى إليّ شيء إلا أنما أنا نذير مبين، أي ما يوحى إليّ شيء إلا كوني نذيرًا، وإن كان ذلك التقدير قد يسبق إلى الوهم لكنه بالتأمل يتّضح رجحان تقدير العلة عليه.
فأفادت جملة {إن يوحى إليَّ أنَّما أنا نذيرٌ مبينٌ} حصر حكمة ما يأتيه من الوحي في حصول الإِنذار وحصر صفة الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة النذارة، ويستلزم هذان الحصران حصرًا ثالثًا، وهو أن إخبار القرآن وحي من الله وليست أساطير الأولين كما زعموا.
فحصل في هذه الجملة ثلاثة حصور: اثنان منها بصريح اللفظ، والثالث بكناية الكلام، وإلى هذا المعنى أشار قوله تعالى: {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قومًا ما أتاهم من نذير من قبلك} [القصص: 46].
وهذه الحصور: اثنان منها إضافيان، وهما قصر ما يوحى إليه على علة النذارة وقصر الرسول صلى الله عليه وسلم على صفة النذارة، وكلاهما قلب لاعتقادهم أنهم يسمعون القرآن ليتخذوه لعبًا واعتقادهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ساحر أو مجنون.
وعلم من هذا أن ذكر نبأ خلق آدم قصد به الإِنذار من كيد الشيطان.
وقرأ أبو جعفر {إلاَّ إنَّما} بكسر همزة {إنما} على تقدير القول، أي ما يوحى إلا هذا الكلام. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)} التقدير: الأمر هذا، ويحتمل أن يكون التقدير: هذا واقع ونحوه. والطاغي: المفرط في الشر، مأخوذ من طغا يطغى، والطغيان هنا في الكفر. والمآب: المرجع، و{جهنم} بدل من قولهم: {لشر}. و{يصلونها} معناه: يباشرون حرها. و{المهاد} ما يفترشه الإنسان ويتصرف فيه.
وقوله: {هذا فليذوقوه} يحتمل أن يكون {هذا} ابتداء، والخبر {حميم} ويحتمل أن يكون التقدير: الأمر هذا فليذوقوه، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بفعل يدل عليه {فليذوقوه} و{حميم} على هذا خبر ابتداء مضمر. قال ابن زيد: الحميم، دموعهم تجتمع في حياض فيسقونها وقرأ جمهور الناس: {وغساق} بتخفيف السين، وهو اسم بمعنى السائل، يروى عن قتادة أنه ما يسيل من صديد أهل النار. ويروى عن السدي أنه ما يسيل من عيونهم. ويروى عن كعب الأحبار أنه ما يسيل من حمة عقارب النار، وهي يقال مجتمعة عندهم. وقال الضحاك: هو أشد الأشياء بردًا. وقال عبد الله بن بريدة: هو أنتن الأشياء، ورواه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: {وغسّاق} بتشديد السين، بمعنى سيال وهي قراءة قتادة وابن أبي إسحاق وابن وثاب وطلحة، والمعنى فيه على ما قدمناه من الاختلاف غير أنها قراءة تضعف، لأن غساقًا إما أن يكون صفة فيجيء في الآية حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، وذلك غير مستحسن هنا، وأما أن يكون اسمًا، فالأسماء على هذا الوزن قليلة في كلام العرب كالفياد ونحوه وقرأ جمهور الناس: {وآخر} بالإفراد، وهو رفع بالابتداء، واختلف في تقديره خبره، فقالت طائفة تقديره: ولهم عذاب آخر. وقالت طائفة: خبره: {أزواج} لأن قوله: {أزواج} ابتداء و{من شكله} خبره، والجملة خبر {آخر}. وقالت طائفة: خبره: {أزواج} و{من شكله} في موضع الصفة. ومعنى {من شكله} من مثله وضربه، وجاز على هذا القول أن يخبر الجمع الذي هو أزواج عن الواحد من حيث ذلك الواحد درجات ورتب من العذاب وقوى وأقل منه. وأيضًا فمن جهة أخرى على أن يسمى كل جزء من ذلك الآخر باسم الكل، قالوا: عرفات لعرفة: وشابت مفارقه فجعلوا كل جزء من المفرق مفرقًا، وكما قالوا: جمل ذو عثانين ونحو هذا، ألا ترى أن جماعة من المفسرين قالوا إن هذا الآخر هو الزمهرير، فكأنهم جعلوا كل جزء منه زمهريرًا.
وقرأ أبو عمرو وحده: {وأخر} على الجمع، وهي قراءة الحسن ومجاهد والجحدري وابن جبير وعيسى، وهو رفع بالابتداء وخبره {أزواج} و{من شكله} في موضع الصفة، ورجح أبو عبيد هذه القراءة وأبو حاتم بكون الصفة جمعًا، ولم ينصرف أخر لأنه معدول عن الألف واللام صفة، وذلك أن حق أفعل وجمعه أن لا يستعمل إلا بالألف واللام، فلما استعملت أخر دون الألف واللام كان ذلك عدلًا لها، وجاز في أخر أن يوصف بها النكرة كقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184- 185] بخلاف جمع ما عدل عن الألف واللام، كسحر ونحوه في أنه لا يجوز أن يوصف به النكرة، لأن هذا العدل في أخر اعتد به في منع الصرف ولم يعتد به في الامتناع من صفة النكرة كما يعتدون بالشيء في حكم دون حكم، نحو اللام في قولهم: لا أبا لك، لأن اللام المتصلة بالكاف اعتد بها فاصلة للإضافة، ولذلك جاز دخول لا، ولم يعتد بها في أن أعرب أبا بالحروف وشأنه إذا انفصل ولم يكن مضافًا أن يعرب بالحركات فجاءت اللام ملغاة الحكم من حيث أعرب بالحرف، كأنه مضاف وهي معتد بها فاصلة في أن جوزت دخول لا.
وقرأ مجاهد: {من شِكله} بكسر الشين. و{أزواج} معناه: أنواع، والمعنى لهم حميم وغساق وأغذية أخر من ضرب ما ذكره ونحوه أنواع كثيرة.
وقوله تعالى: {هذا فوج} هو ما يقال لأهل النار إذا سيق عامة الكفار وأتباعهم لأن رؤساءهم يدخلون النار أولًا، والأظهر أن قائل ذلك لهم ملائكة العذاب، وهو الذي حكاه الثعلبي وغيره، ويحتمل أن يكون ذلك من قول بعضهم لبعض، فيقول البعض الآخر: {لا مرحبًا بهم} أي لا سعة مكان ولا خير يلقونه. والفوج: الفريق من الناس.
قوله تعالى: {بل أنتم لا مرحبًا بكم} حكاية لقول الأتباع حين سمعوا قول الرؤساء: {أنتم قدمتموه} معناه بإغوائكم، أسلفتم لنا ما أوجب هذا، فكأنكم فعلتم بنا هذا.
وقوله: {قالوا ربنا} حكاية لقول الأتباع أيضًا دعوا على رؤسائهم بأن يكون عذابهم مضاعفًا.
{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)} الضمير في: {قالوا} لأشراف الكفار ورؤسائهم، أخبر الله عنهم أنهم يتذكرون إذا دخلوا النار لقوم من مستضعفي المؤمنين فيقولون هذه المقالة، وهذا مطرد في كل أمة جاءها رسول. وروي أن القائلين من كفار عصر النبي عليه السلام هم أبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأهل القليب ومن جرى مجراهم، قاله مجاهد وغيره، والمعنى: كنا نعدهم في الدنيا أشرارًا لا خلاق لهم، وأمال الراء {من الأشرار} أبو عمرو وابن عامر والكسائي، وفتحها ابن كثير وعاصم، وأشم نافع وحمزة.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {أتخذناهم سخريًا} بألف الاستفهام، ومعناها: تقرير أنفسهم على هذا على جهة التوبيخ لها والأسف، أي أتخذناهم سخريًا ولم يكونوا كذلك، واستبعد معنى هذه القراءة أبو علي. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: {سُخريا} بضم السين، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر وابن مسعود وأصحابه ومجاهد والضحاك، ومعناها: من السخرة والاستخدام. وقرأ الباقون: {سِخريًا} بكسر السين وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وعيسى وابن محيصن ومعناها المشهور من السخر الذي هو الهزء، ومنه قول الشاعر عامر بن الحارث: البسيط.
إني أتاني لسان لا أسر بها ** من علو لا كذب فيها ولا سخر

وقالت فرقة يكون كسر السين من التسخير.
و{أم} في قولهم: {أم زاغت} معادلة ل {ما} في قولهم: {ما لنا لا نرى} وذلك أنها قد تعادل {ما} وتعادل من، وأنكر بعض النحويين هذا، وقال: إنها لا تعادل إلا الألف فقط. والتقدير في هذه الآية: أمفقودون هم أم زاغت؟ ومعنى هذا الكلام: أليسوا معنا أم هم معنا؟ ولكن أبصرنا تميل عنهم فلا تراهم، والزيغ: الميل.
ثم أخبر الله تعالى نبيه بقوله: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} و: {تخاصم} بدل من قوله: {لحق}.
وقرأ ابن أبي عبلة: {تخاصمَ} بفتح الميم. وقرأ ابن محيصن: {تخاصمٌ} بالتنوين {أهلُ النار} برفع اللام.
ثم أمر نبيه أن يتجرد للكفار من جيمع الأغراض، إلا أنه منذر لهم، وهذا توعد بليغ محرك للنفوس، وباقي الآية بين.
{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)} الإشارة بقوله تعالى: {قل هو نبأ عظيم} إلى التوحيد والمعاد، فهي إلى القرآن وجميع ما تضمن، وعظمه أن التصديق به نجاة، والتكذيب به هلكة. وحكى الطبري: أن شريحًا اختصم إليه أعرابي فشهد عليه، فأراد شريح أن ينفذ الحكم، فقال له الأعرابي: أتحكم بالنبأ؟ فقال شريح: نعم، إن الله يقول: {قل هو نبأ} وقرأ الآية حكم عليه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الجواب من شريح إنما هو بحسب لفظ الأعرابي ولم يحرر معه الكلام، وإنما قصد إلى ما يقطعه به، لأن الأعرابي لم يفرق بين الشهاد والنبأ.
والنبأ في كلام العرب بمعنى: الخبر، ووبخهم بقوله: {أنتم عنه معرضون} ثم قال: {ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون} وهذا احتجاج لصحة أمر محمد صلى الله عليه وسلم كأنه يقول: هذا أمر خطر وأنتم تعرضون عنه مع صحته، ودليل صحته أني أخبركم فيه بغيوب لم تأت إلا من عند الله، فإني لم يكن لي علم بالملأ الأعلى، أراد به الملائكة. والضمير في: {يختصمون} عند جمهور المفسرين هو للملائكة.
واختلف الناس في الشيء الذي هو اختصامهم فيه، فقالت: فرقة اختصامهم في أمر آدم وذريته في جعلهم في الأرض، ويدل على ذلك ما يأتي من الآيات، فقول الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] هو الاختصام، وقالت فرقة: بل اختصامهم في الكفارات وغفر الذنوب ونحوه، فإن العبد إذا فعل حسنة اختلف الملائكة في قدر ثوابه في ذلك حتى يقضي الله بما شاء، وورد في هذا حديث فسره ابن فورك، لأنه يتضمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ربه عز وجل في نومه: فيم يختصمون؟ فقلت لا أدري، فقال في الكفارات، وهي إسباغ الوضوء في السبرات ونقل الخطى إلى الجماعات الحديث بطوله قال: فوضع الله يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي.
قال القاضي أبو محمد: فتفسير هذا الحديث أن اليد هي نعمة العلم.
وقوله: بردها، أي السرور بها والثلج، كما تقول العرب في الأمر السار: يا برده على الكبد ونحو هذا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلاة بالليل هي الغنيمة الباردة» أي السهلة التي يسر بها الإنسان. وقالت فرقة: المراد بقوله: {بالملإ الأعلى} الملائكة.
وقوله: {إذ يختصمون} مقطوع منه معناه: إذ تختصم العرب الكافر في الملإ فيقول بعضها هي بنات الله، ويقول بعضها: هي آلهة تعبد، وغير ذلك من أقوالهم، وقالت فرقة: أراد بالملأ الأعلى قريشًا. وهذا قول ضعيف لا يتقوى من جهة.
وقرأ جمهور الناس: {ألا أنما} بفتح الألف، كأنه يقول: ألا إنذار.
وقرأ أبو جعفر {إلا أنما أنا} على الحكاية، كأنه قيل له: أنت نذير مبين، فحكى هذا المعنى، وهذا كما يقول إنسان: أنا عالم، فيقال له: قلت إنك عالم، فيحكي المعنى. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)} لما أمره تعالى بالصبر على سفاهة قومه، وذكر جملة من الأنبياء وأحوالهم، ذكر ما يؤول إليه حال المؤمنين والكافرين من الجزاء، ومقر كل واحد من الفريقين.
ولما كان ما يذكره نوعًا من أنواع التنزيل، قال: {هذا ذكر} كأنه فصل بين ما قبله وما بعده.
ألا ترى أنه لما ذكر أهل الجنة، وأعقبه بذكر أهل النار قال: {هذا وإن للطاغين}؟ وقال ابن عباس: هذا ذكر من مضى من الأنبياء.
وقيل: {هذا ذكر} أي شرف تذكرون به أبدًا.
وقرأ الجمهور: {جنات} بالنصب، وهو بدل، فإن كان عدن علمًا، فبدل معرفة من نكرة؛ وإن كان نكرة، فبدل نكرة من نكر.
وقال الزمخشري: {جنات عدن} معرفة لقوله: {جنات عدن التي وعد الرحمن} وانتصابها على أنها عطف بيان بحسن مآب، ومفتحة حال، والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل.
وفي مفتحة ضمير الجنات، والأبواب بدل من الضمير تقديره: مفتحة هي الأبواب لقولهم: ضرب زيد اليد والرجل، وهو من بدل الاشتمال. انتهى.
ولا يتعين أن يكون جنات عدن معرفة بالدليل الذي استدل به وهو قوله: {جنات عدن التي} لأنه اعتقد أن التي صفة لجنات عدن، ولا يتعين ما ذكره، إذ يجوز أن تكون التي بدلًا من جنات عدن.
ألا ترى أن الذي والتي وجموعهما تستعمل استعمال الأسماء، فتلي العوامل، ولا يلزم أن تكون صفة؟ وأما انتصابها على أنها عطف بيان فلا يجوز، لأن النحويين في ذلك على مذهبين: أحدهما: أن ذلك لا يكون إلا في المعارف، فلا يكون عطف البيان إلا تابعًا لمعرفة، وهو مذهب البصريين.
والثاني: أنه يجوز أن يكون في النكرات، فيكون عطف البيان تابعًا لنكرة، كما تكون المعرفة فيه تابعة لمعرفة، وهذا مذهب الكوفيين، وتبعهم الفارسي.
وأما تخالفهما في التنكير والتعريف فلم يذهب إليه أحد سوى هذا المصنف.
وقد أجاز ذلك في قوله: {مقام إبراهيم} فأعربه عطف بيان تابعًا لنكرة، وهو {آيات بينات} و{مقام إبراهيم} معرفة، وقد رددنا عليه ذلك في موضعه في آل عمران.