فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما قوله: وفي مفتحة ضمير الجنات، فجمهور النحويين أعربوا الأبواب مفعولًا لم يسم فاعله.
وجاء أبو علي فقال: إذا كان كذلك، لم يكن في ذلك ضمير يعود على جنات عدن.
من الحالية أن أعرب مفتحة حالًا، أو من النعت أن أعرب نعتًا لجنات عدن، فقال: في مفتحة ضمير يعود على الجنات حتى ترتبط الحال بصاحبها، أو النعت بمنعوته، والأبواب بدل.
وقال: من أعرب الأبواب مفعولًا، لم يسم فاعله العائد على الجنات محذوف تقديره: الأبواب منها.
وألزم أبو علي البدل في مثل هذا لابد فيه من الضمير، إما ملفوظًا به، أو مقدرًا.
وإذا كان الكلام محتاجًا إلى تقديره واحد، كان أولى مما يحتاج إلى تقديرين.
وأما الكوفيون، فالرابط عندهم هو أل لمقامه مقام الضمير، فكأنه قال: مفتحة لهم أبوابها.
وأما قوله: وهو من بدل الاشتمال، فإن عنى بقوله: وهو قوله اليد والرجل، فهو وهم، وإنما هو بدل بعض من كل.
وإن عنى الأبواب، فقد يصح، لأن أبواب الجنات ليست بعضًا من الجنات.
وأما تشبيهه ما قدره من قوله: مفتحة هي الأبواب، بقولهم: ضرب زيد اليد والرجل، فوجهه أن الأبواب بدل من ذلك الضمير المستكن، كما أن اليد والرجل بدل من الظاهر الذي هو زيد.
وقال أبو إسحاق: وتبعه ابن عطية: مفتحة نعت لجنات عدن.
وقال الحوفي: مفتحة حال، والعامل فيها محذوف يدل عليه المعنى، تقديره: يدخلونها.
وقرأ زيد بن علي، وعبد الله بن رفيع، وأبو حيوة: جنات عدن مفتحة، برفع التاءين: مبتدأ وخبر، أوكل منهما خبر مبتدأ محذوف، أي هو جنات عدن هي مفتحة.
والاتكاء: من هيئات أهل السعادة يدعون فيها، يدل على أن عندهم من يستخدمونه فيما يستدعون، كقوله: {ويطوف عليهم ولدان مخلدون} ولما كانت الفاكهة يتنوع وصفها بالكثرة، وكثرتها باختلاف أنواعها، وكثرة كل نوع منها؛ ولما كان الشراب نوعًا واحدًا وهو الخمر، أفرد: {وعندهم قاصرات الطرف}.
قال قتادة: معناه على أزواجهن، {أتراب} أي أمثال على سنّ واحدة، وأصله في بني آدم لكونهم مس أجسادهم التراب في وقت واحد، والأقران أثبت في التحاب.
والظاهر أن هذا الوصف هو بينهن، وقيل: بين أزواجهن، أسنانهن كأسنانهم.
وقال ابن عباس: يريد الآدميات.
وقال صاحب الغنيان: حور.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: وهذا ما يوعدون، بياء الغيبة، إذ قبله وعندهم؛ وباقي السبعة: بتاء الخطاب على الالتفات، والمعنى: هذا ما وقع به الوعد ليوم الجزاء.
{إن هذا} أي ما ذكر للمتقين مما تقدم، {لرزقنا} دائمًا: أي لا نفاد له.
{هذا وإن للطاغين لشر مآب} قال الزجاج: أي الأمر هذا، وقال أبو علي: هذا للمؤمنين، وقال أبو البقاء: مبتدأ محذوف الخبر، أو خبر محذوف المبتدأ، والطاغون هنا: الكفار؛ وقال الجبائي: أصحاب الكبائر كفارًا كانوا أو لم يكونوا.
وقال ابن عباس، المعنى: الذين طغوا عليّ وكذبوا رسلي لهم شر مآب: أي مرجع ومصير.
{فبئس المهاد} أي هي {هذا} في موضع رفع مبتدأ خبره {جهنم} {وغساق} أو خبر مبتدأ محذوف، أي العذاب هذا، وحميم خبر مبتدأ، أو في موضع نصب على الاشتغال، أي ليذوقوا.
{هذا فليذوقوه حميم} خبر مبتدا، أي هو حميم، أو مبتدأ محذوف الخبر، أي منه حميم ومنه غساق، كما قال الشاعر:
حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس ** وغودر البقل ملوى ومحصود

أي: منه ملوى ومنه محصود، وهذه الأعاريب مقولة منقولة.
وقيل: هذا مبتدأ، وفليذوقوه الخبر، وهذا على مذهب الأخفش في إجازته: زيد فاضربه، مستدلًا بقول الشاعر:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم

والغساق، عن ابن عباس: الزمهرير؛ وعنه أيضًا، وعن عطاء، وقتادة، وابن زيد: ما يجري من صديد أهل النار؛ وعن كعب: عين في جهنم تسيل إليها حمة كل ذي حمة من حية أو عقرب أو غيرهما، يغمس فيها فيتساقط الجلد واللحم عن العظم؛ وعن السدي: ما يسيل من دموعهم؛ وعن ابن عمر: القيح يسيل منهم فيسقونه.
وقرأ ابن أبي إسحاق، وقتادة، وابن وثاب، وطلحة، وحمزة، والكسائي، وحفص، والفضل، وابن سعدان، وهارون عن أبي عمرو: بتشديد السين.
فإن كان صفة، فيكون مما حذف موصوفها، وإن كان اسمًا، ففعال قليل في الأسماء، جاء منه: الكلاء، والجبان، والفناد، والعقار، والخطار.
وقرأ باقي السبعة: بتخفيف السين.
وقرأ الجمهور: {وآخر} على الإفراد، فقيل: مبتدأ خبره محذوف تقديره: ولهم عذاب آخر.
وقيل: خبره في الجملة، لأن قوله: {أزواج} مبتدأ، و{من شلكه} خبره، والجملة خبر.
وآخر، وقيل: خبره أزواج، ومن شكله في موضع الصفة، وجاز أن يخبر بالجمع عن الواحد من حيث هو درجات، ورتب من العذاب، أو سمى كل جزء من ذلك الآخر باسم الكل.
وقال الزمخشري: وآخر، أي وعذاب آخر، أو مذوق آخر؛ وأزواج صفة آخر، لأنه يجوز أن يكون ضروبًا أو صفة للثلاثة، وهي: حميم وغساق وآخر من شكله. انتهى.
وهو إعراب أخذه من الفراء.
وقرأ الحسن، ومجاهد، والجحدري، وابن جبير، وعيسى، وأبو عمرو: وأخر على الجمع، وهو مبتدأ، ومن شكله في موضع الصفة؛ وأزواج خبره، أي ومذوقًا آخر من شكل هذا المذوق من مثله في الشدة والفظاعة؛ {أزواج} أجناس.
وقرأ مجاهد: من شكله، بكسر الشين؛ والجمهور: بفتحها، وهما لغتان بمعنى المثل والضرب.
وأما إذا كان بمعنى الفتح، فبكسر الشين لا غير.
وعن ابن مسعود: {وآخر من شلكه} هو الزمهرير.
والظاهر أن قوله: {هذا فوج مقتحم معكم} من قول رؤسائهم بعضهم لبعض، والفوج: الجمع الكثير، {مقتحم معكم} أي النار، وهم الأتباع، ثم دعوا عليهم بقولهم: {مرحبًا بهم} لأن الرئيس إذا رأى الخسيس قد قرن معه في العذاب، ساءه ذلك حيث وقع التساوي في العذاب، ولم يكن هو السالم من العذاب وأتباعه في العذاب.
ومر حبًا معناه: ائت رحبًا وسعة لا ضيقًا، وهو منصوب بفعل يجب إضماره، ولأن علوهم بيان للمدعو عليهم.
وقيل: {هذا فوج} من كلام الملائكة خزنة النار؛ وأن الدعاء على الفوج والتعليل بقوله: {إنهم صالوا النار} من كلامهم.
وقيل: {هذا فوج مقتحم معكم} من كلام الملائكة، والدعاء على الفوج والإخبار بأنهم صالوا النار من كلام الرؤساء المتبوعين.
{قالوا} أي الفوج: {لا مرحبًا بكم} رد على الرؤساء ما دعوا به عليهم.
ثم ذكروا أن ما وقعوا فيه من العذاب وصلى النار، إنما هو بما ألقيتم إلينا وزينتموه من الكفر، فكأنكم قدمتم لنا العذاب أو الصلى.
وإذا كان {لا مرحبًا بهم} من كلام الخزنة، فلم يجيء التركيب: قالوا: بل هؤلاء لا مرحبًا بهم، بل جاء بخطاب الأتباع للرؤساء، لتكون المواجهة لمن كانوا لا يقدرون على مواجهتهم في الدنيا بقبيح أشفى لصدورهم، حيث تسببوا في كفرهم، وأنكى للرؤساء.
{فبئس القرار} أي النار؛ وهذه المرادة والدعاء كقوله: {كلما دخلت أمة لعنت أختها} ولم يكتف الأتباع برد الدعاء على رؤسائهم، ولا بمواجهتهم بقوله: {أنتم قدمتموه لنا} حتى سألوا من الله أن يزيد رؤساءهم ضعفًا من النار، والمعنى: من حملنا على عمل السوء حتى صار جزاءنا النار، {فزده عذابًا ضعفًا} كما جاء في قول الأتباع: {ربنا آتهم} أي بساداتهم، {ضعفين من العذاب} {ربنا هؤلاء أضلوا فأتهم عذابًا ضعفًا من النار} ولما كان الرؤساء ضلالًا في أنفسهم وأضلوا اتباعهم، ناسب أن يدعو عليهم بأن يزيدهم ضعفًا، كما جاء: فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فعلى هذا الضمير في قوله: {قالوا} للاتباع، ومن قدم: هم الرؤساء.
وقال ابن السائب: {قالوا ربنا} إلى آخره، قول جميع أهل النار.
وقال الضحاك: {من قدم} هو إبليس وقابيل.
وقال ابن مسعود: الضعف حيات وعقارب.
{وقالوا} أي أشراف الكفار، {ما لنا لا نرى رجالًا كنا نعدهم من الأشرار} أي الأرذال الذين لا خير فيهم، وليسوا على ديننا، كما قال: {وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا} وروي أن القائلين من كفار عصر الرسول، صلّى اللّه عليه وسلم، هم: أبو جهل، وأمية بن خلف، وأصحاب القليب، والذين لم يروهم: عمار، وصهيب، وسلمان، ومن جرى مجراهم، قاله مجاهد وغيره.
قيل: يسألون أين عمار؟ أين صهيب؟ أين فلان؟ يعدون ضعفاء المسلمين فيقال لهم: أولئك في الفردوس.
وقرأ النحويان، وحمزة: اتخذناهم وصلًا، فقال أبو حاتم، والزمخشري، وابن عطية: صفة لرجال.
قال الزمخشري: مثل قوله: {كنا نعدم من الأشرار}.
وقال ابن الأنباري: حال، أي وقد اتخذناهم.
وقرأ أبو جعفر، والأعرج، والحسن، وقتادة، وباقي السبعة: بهمزة الاستفهام، لتقرير أنفسهم على هذا، على جهة التوبيخ لها.
والأسف، أي اتخذناهم سخريًا، ولم يكونوا كذلك.
وقرأ عبد الله، وأصحابه، ومجاهد، والضحاك، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، ونافع، وحمزة، والكسائي: سخريًا، بضم السين، ومعناها: من السخرة والاستخدام.
وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وعيسى، وابن محيصن، وباقي السبعة: بكسر السين، ومعناها: المشهور من السخر، وهو الهزء.
قال الشاعر:
إني أتاني لسان لا أسر بها ** من علو لا كذب فيها ولا سخر

وقيل: بكسر السين من التسخير.
وأم إن كان اتخذناهم استفهامًا إما مصرحًا بهمزته كقراءة من قرأ كذلك، أو مؤولًا بالاستفهام، وحذفت الهمزة للدلالة.
فالظاهر أنها متصلة لتقدم الهمزة، والمعنى: أي الفعلين فعلنا بهم، الاستسخار منهم أم ازدراؤهم وتحقيرهم؟ وإن أبصارنا كانت تعلوا عنهم وتقتحم.
ويكون استفهامًا على معنى الإنكار على أنفسهم، للاستسخار والزيغ جميعًا.
وقال الحسن: كل ذلك قد فعلوا، اتخذوهم سخريًا، وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم.
وأن اتخذناهم ليس استفهامًا، فأم منقطعة، ويجوز أن تكون منقطعة أيضًا مع تقدم الاستفهام، يكون كقولك: أزيد عندك أم عندك عمرو؟ واستفهمت عن زيد، ثم أضربت عن ذلك واستفهمت عن عمرو، فالتقدير: بل أزاغت عنهم الأبصار.
ويجوز أن يكون قولهم: {أم زاغت عنهم الأبصار} له تعلق بقوله: {ما لنا لا نرى رجالًا} لأن الاستفهام أولًا دل على انتفاء رؤيتهم إياهم، وذلك دليل على أنهم ليسوا معه، ثم جوزوا أن يكونوا معه، ولكن أبصارهم لم ترهم.
{إن ذلك} أي التفاوض الذين حكيناه عنهم، {لحق} أي ثابت واقع لابد أن يجري بينهم.
وقرأ الجمهور: {تخاصم} بالرفع مضافًا إلى {أهل}.
قال ابن عطية: بدل من {لحق}.
وقال الزمخشري: بين ما هو فقال: تخاصم منونًا، أهل رفعًا بالمصدر المنون، ولا يجيز ذلك الفراء، ويجيزه سيبويه والبصريون.
وقرأ ابن أبي عبلة: تخاصم، أهل، بنصب الميم وجر أهل.
قال الزمخشري: على أنه صفة لذلك، لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس.
وفي كتاب اللوامح: ولو نصب تخاصم أهل النار، لجاز على البدل من ذلك.
وقرأ ابن السميفع: تخاصم: فعلًا ماضيًا، أهل: فاعلًا، وسمى تعالى تلك المفاوضة التي جرت بين رؤساء الكفار وأتباعهم تخاصمًا، لأنّ قولهم: {لا مرحبًا بهم} وقول الأتباع: {بل أنتم لا مرحبًا بكم} هو من باب الخصومة، فسمى التفاوض كله تخاصمًا لاستعماله عليه.
{قل} يا محمد، {إنما أنا منذر} أي {منذر المشركين بالعذاب} وأن الله لا إله إلا الله، لا ند له ولا شريك، وهو الواحد القهار لكل شيء، وأنه مالك العالم، علوه وسفله، العزيز الذي لا يغالب، الغفار لذنوب من آمن به واتبع لدينه. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)}.
قوله: {هذا} قال الزجاج: هذا خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر هذا، فيوقف على هذا.
قال ابن الأنباري: وهذا وقف حسن، ثم يبتدىء {وَإِنَّ للطاغين} ويجوز أن يكون هذا مبتدأ، وخبره محذوف، أي: هذا كما ذكر، أو هذا ذكر.
ثم ذكر سبحانه ما لأهل الشرّ بعد أن ذكر ما لأهل الخير، فقال: {وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ مَآبٍ} أي: الذين طغوا على الله، وكذبوا رسله {لَشَرَّ مَئَابٍ} لشر منقلب ينقلبون إليه، ثم بيّن ذلك، فقال: {جَهَنَّم يَصْلَوْنَهَا} وانتصاب {جهنم} على أنها بدل من {شرّ مآب} أو منصوبة بأعني، ويجوز أن يكون عطف بيان على قول البعض كما سلف قريبًا، ويجوز أن يكون منصوبًا على الاشتغال، أي: يصلون جهنم يصلونها، ومعنى {يصلونها} يدخلونها، وهو في محل نصب على الحالية {فَبِئْسَ المهاد} أي: بئس ما مهدوا لأنفسهم، وهو الفراش، مأخوذ من مهد الصبي، ويجوز أن يكون المراد بالمهد الموضع، والمخصوص بالذمّ محذوف، أي: بئس المهاد هي كما في قوله: {لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ} [الأعراف: 41] شبه الله سبحانه ما تحتهم من نار جهنم بالمهاد {هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} هذا في موضع رفع بالابتداء، وخبره حميم، وغساق على التقديم والتأخير، أي: هذا حميم، وغساق، فليذوقوه.
قال الفراء، والزجاج: تقدير الآية: هذا حميم وغساق فليذوقوه، أو يقال لهم في ذلك اليوم هذه المقالة.