فصل: تفسير الآيات (71- 83):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (71- 83):

قوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما دل على أنه نذير، وأزال ما ربما أوردوه عليه، أتبعه ظرف اختصام الملأ الأعلى، أو بدل إذ الأولى فقال: {إذ} أي حين {قال} ودل على أنه هذا كله إحسان إليه وإنعام عليه بذكر الوصف الدال على ذلك، ولفت القول عن التكلم إلى الخطاب لأنه أقعد في المدح وأدل على أنه كلام الله كما في قوله: {قل من كان عدوًا لجبريل} [البقرة: 97] دليلًا يوهم أنه ظرف ليوحى أو لنذير فقال: {ربك} أي المحسن إليك بجعلك خير المخلوقين وأكرمهم عليه فإنه أعطاك الكوثر، وهو كل ما يمكن أن تحتاج إليه {للملائكة} وهم الملأ الأعلى وإبليس منهم لأنه كان إذ ذاك معهم وفي عدادهم.
ولما كانوا عالمين بما دلهم عليه دليل من الله كما تقدم في سورة البقرة أن البشر يقع منه الفساد، فكانوا يبعدون أن يخلق سبحانه من فيه فساد لأنه الحكيم الذي لا حكيم سواه، أكد لهم سبحانه قوله: {إني خالق بشرًا} أي شخصًا ظاهر البشرة لا ساتر له من ريش ولا شعر ولا غيرهما ليكون التأكيد دليلًا على ما مضى من مراجعتهم لله تعالى التي أشار إليها بالاختصام، وبين أصله بقوله معلقًا بخالق أو بوصف بشر: {من طين} اجعله خليفتي في الأرض وإن كان في ذلك فساد لأني أريد أن أظهر حلمي ورحمتي وعفوي وغير ذلك من صفاتي التي لا يحسن في الحكمة إظهارها إلا مع الذنوب «لو لم تذنبوا فتستغفروا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم» قال القشيري: وإخباره للملائكة بذلك يدل على تفخيم شأن آدم عليه السلام لأنه خلق ما خلق من الكونين والجنة والنار والعرش والكرسي والملائكة، ولم يقل في صفة شيء منها ما قاله في صفة آدم عليه السلام وأولاده، ولم يأمر بالسجود لشيء غيره.
ولما أخبرهم سبحانه بما يريد أن يفعل، سبب عنه قوله: {فإذا سويته} أي هيأنه بإتمام خلقه لما يراد منه من قبول الروح وما يترتب عليه {ونفخت فيه من روحي} فصار حساسًا متنفسًا، سبه سبحانه إفاضته الروح بما يتأثر عن نفخ الإنسان من لهب النيران، وغير ذلك من التحريك والإسكان، والزيادة والنقصان، وأضافه سبحانه إليه تشريفًا له، {فقعوا له} أي خاصة {ساجدين} أي اسجدوا له للتكرمة امتثالًا لأمري سجودًا هو بغاية ما يكون من الطواعية والاختيار والمحبة لتكونوا كأنكم وقعتم بغير اختيار، ففعلوا ما أمرهم به سبحانه من غير توقف، ولذلك ذكر فعلهم مع جواز تأنيثه فقال: {فسجد} أي عند ما نفخ فيه الروح {الملائكة} على ما أمرهم الله، ولما كان إسناد الخبر إلى الجميع قد يراد به أكثرهم، أكد بقوله: {كلهم} إرادة لرفع المجاز.
ولما كان لا يقدح في ذلك واحد مثلًا أو قليل لا يعبأ بهم لضعف أو نحوه، رفع ذلك بقوله: {أجمعون} مع إفادة أن السجود كان في آن واحد إعلامًا بشدة انقيادهم، وحسن تأهبهم للطاعة واستعدادهم، ثم زاد في إيضاح العموم بالاستثناء الذي هو معياره فقال: {إلا إبليس} عبر عنه بهذا الاسم لكونه من الإبلاس وهو انقطاع الرجاء إشارة إلى أنه في أول خطاب الله له بالإنكار عليه على كيفية علم منها تأبد الغضب عليه وتحتم العقوبة له.
ولما عرف بالاستثناء أنه لم يسجد، وكان مبنى السورة على استكبار الكفرة بكونهم في عزة وشقاق، بين أن المانع له من السجود الكبر تنفيرًا عنه مقتصرًا في شرح الاختصام عليه وعلى ما يتصل به فقال: {استكبر} أي طلب أن يكون أكبر من أن يؤمر بالسجود له وأوجد الكبر على أمر الله، وكان من المستكبرين العريقين في هذا الوصف كما استكبرتم أيها الكفرة على رسولنا، وسنرفع رسولنا صلى الله عليه وسلم كما رفعنا آدم صفينا عليه السلام على من استكبر عن السجود له، ونجعله خليفة هذا الوجود كما جعلنا آدم عليه السلام، وأشرنا إلى ذلك في هذه السورة بافتتاحها بخليفة واختتامها بخليفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر كل من أحوالهما.
ولما كان الفعل الماضي ربما أوهم أنه حدث فيه وصف لم يكن، وكان التقدير: فكفر بذلك، عطفًا عليه بيانًا لأنه جبل على الكفر ولم يحدث منه إلا ظهور ذلك للخلق قوله: {وكان} أي جبلة وطبعًا {من الكافرين} أي عريقًا في وصف الكفر الذي منشؤه الكبر على الحق المستلزم للذل للباطل، فالآية من الاحتباك: ذكر فعل الاستكبار أولًا، دليلًا على فعل الكفر ثانيًا ووصف الكفر ثانيًا دليلًا على وصف الاستكبار أولًا، وسر ذلك أن ما ذكره أقعد في التحذير بأن من وقع منه كبر جره إلى الكفر.
ولما كان من خالف أمر الملك جديرًا بأن يحدث إليه أمر ينتقم به منه، فتشوف السامع لما كان من الملك إليه، استأنف البيان لذلك بقوله: {قال} وبين أنه بمحل البعد بقوله: {يا} وبين يأسه من الرحمة، وأنه لا جواب له اصلًا بتعبيره بقوله: {إبليس ما} أي، أي شيء {منعك أن تسجد} وبين ما يوجب طاعته ولو أمر بتعظيم ما لا يعقل بقوله معبرًا بأداة ما لا يعقل عمن كان عند السجود له عاقلًا كامل العقل: {لما خلقت} فأنا العالم به وبما يستحقه دون غيري، وما أمرت بالسجود له إلا لحكمة في الأمر وابتلاء للغير، وأكد بيان ذلك بذكر اليد وتثنيتها فقال: {بيدي} أي من غير توسط سبب من بين هذا النوع وما ذاك إلا لمزيد اختصاص، والمراد باليد هنا صفة شريفة غير النعمة والقدرة معلومة له سبحانه ولمن تبحر في علمي اللغة والسنّة، خص بها خلق آدم عليه السلام تشريفًا له وفي تثنية اليد إشارة إلى أنه ربما أظهر فيه معاني الشمال وإن كان كل من يديه مباركًا، ثم قسم المانع إلى طلب العلو ووجود العلو مع الإنكار عليه في الاستناد إلى شيء منهما، فقال في صيغة استفهام التقرير مع الإنكار والتقريع، بيانًا لأنه يلزمه لا محالة زيادة على ما كفر به أن يكون على أحد هذين الأمرين: {أستكبرت} أي طلبت أن تكون أعلى منه وأنت تعلم أنك دونه فأنت بذلك ظالم، فكنت من المستكبرين العريقين في وصف الظلم، فإن من اجترأ على أدناه أوشك أن يصل إلى أعلاه {أم كنت} أي مما لك من الجبلة الراسخة {من العالين} أي الكبراء المستحقين للكبر وأنا لا أعلم ذلك فنقصتك من منزلتك فكنت جائرًا في أمري لك بما أمرتك به، فلذلك علوت بنفسك فلم تسجد له، هذا المراد لا ما يقوله بعض الملاحدة من أن العالين جماعة من الملائكة لم يسجدوا لأنهم لم يؤمروا لأن ذلك قدح في العموم المؤكد هذا التأكيد العظيم، وفي تفسير العلماء له من غير شبهة، والآية من الاحتباك؛ دل فعل الاستكبار أولًا على فعل العلو ثانيًا، ووصف العلو ثانيًا على وصف الاستكبار أولًا، وسر ذلك أن إنكار الفعل المطلق مستلزم لإنكار المقيد لأنه المطلق بزيادة، وإنكار الوصف مستلزم لإنكار الفعل لأنه جزوه مع أن إنكار الفعل من هذا مستلزم لإنكار الفعل من ذاك، فيكون كل من الفعلين مدلولًا على إنكاره مرتين: تارة بإنكار فعل عديله وأخرى بإنكار وصفه نفسه والوصفان كذلك وفعل الكبر أجدر بالإنكار من فعل العلو وأم معادلة لهمزة الاستفهام وإن حذفت من قراءة بعضهم لدلالة أم عليها وإن اختلف الفعل، قال أبو حيان: قال سيبويه: تقول: أضربت زيدًا أم قتلته، فالبدء هنا بالفعل أحسن لأنك إنما تسأل عن أحدهما لا تدري أيهما كان، ولا تسأل عن موضع أحدهما كأنك قلت: أي ذلك كان- انتهى.
ولما صدعه سبحانه بهذا الإنكار، دل على إبلاسه بقوله مستأنفًا: {قال} مدعيًا لأنه من العالين: {أنا خير منه} أي فلا حكمة في أمري بالسجود له، ثم بين ما ادعاه بقوله: {خلقتني من نار} أي وهي في غاية القوة والإشراق {وخلقته من طين} أي وهو في غاية الكدورة والضعف، واستؤنف بيان ما حصل التشوف إليه من علم جوابه بقوله معرضًا عن القدح في جوابه لظهور سقوطه بأن المخلوق المربوب لا اعتراض له على ربه بوجه: {قال فاخرج} أي بسبب تكبرك ونسبتك الحكيم الذي لا اعتراض عليه إلى الجور {منها} أي من الجنة محل الطهر عن الأدواء الظاهرة والباطنة، ثم علل ذلك بقوله مؤكدًا لأجل ادعاء أنه أهل لأقرب القرب: {فإنك رجيم} أي مستحق للطرد والرجم وهو الرمي بالحجارة الذي هو للمبالغة في الطرد.
ولما كان الطرد قد يكون في وقت يسير، بين أنه دائم بقوله، مؤكدًا إشارة إلى الإعلام بما في نفسه من مزيد الكبر: {وإن عليك} أي خاصة.
ولما كان السياق هنا للتكلم في غير مظهر العظمة لم يأت بلام الكلام بخلاف الحجر فقال: {لعنتي} أي إبعادي مع الطرد والخزي والهوان والذل مستعل ذلك عليك دائمًا قاهرًا لك لا تقدر على الانفكاك عنه بوجه، وأما غيرك فلا يتعين للعن بل يكون بين الرجاء والخوف لا علم للخلائق بأنه مقطوع بلعنة ما دام حيًا إلا من أخبر عنه نبي من الأنبياء بذلك، ثم غيى هذا اللعن بقوله: {إلى يوم الدين} أي فإذا جاء ذلك اليوم أخذ في المجازاة لكل عامل بما عمل ولم يبق لمذنب وقت يتدارك فيه ما فاته، وحينئذ يعلم أهل الاستحقاق للعن كلهم، ولم يبق علم ذلك خاصًا بإبليس، بل يقع العلم بجميع أهل اللعنة، فالغاية لعلم الاختصاص باللعن لا للعن.
ولما كان ذلك، تشوف السامع إلى ما كان منه فأخبر سبحانه به في سياق معلم أنه منعه التوفيق فلم يسأل التخفيف ولا عطف نحو التوبة، بل أدركه الخذلان بالتمادي في الطغيان، فطلب ما يزداد به لعنة من الإضلال والإعراق في الضلال ضد ما أنعم به على آدم عليه السلام، فقال ذاكرًا صفة الإحسان والتسبيب لسؤال الإنظار لما جرأه عليهما من ظاهر العبارة في أن اللعنة مغباة بيوم الدين: {قال رب} أي أيها المحسن إليّ بإيجادي وجعلي في عداد الملائكة الكرام {فأنظرني} أي بسبب ما عذبتني به من الطرد {إلى يوم يبعثون} أي آدم وذريته الذين تبعثهم ببعث جميع الخلائق: {قال} مؤكدًا لأن مثل ذلك في خرقه للعادة لا يكاد يتصور: {فإنك} أي بسبب هذا السؤال {من المنظرين} وهذا يدل أن مثل هذا الإنظار لغيره أيضًا.
ولما دبج في عبارته بما يقتضي السؤال في أن لا يموت، فإن يوم البعث ظرف لفيض الحياة لا لغيضها ولبسطها لا لقبضها، منعه ذلك بقوله: {إلى يوم الوقت} ولما كان تدبيجه في السؤال قد أفهم تجاهله بما هو أعلم الخلق به من تحتم الموت لكل من لم يكن في دار الخلد الذي أبلغ الله تعالى في الإعلام به، قال: {المعلوم} وهو الصعقة الأولى وما يتبعها.
ولما كانت هذه الإجابة سببًا لأن يخضع وينيب شكرًا عليها، وأن يطغى ويتمرد ويخيب لأنها تسليط، وتهيئة للشر، فاستشرف السامع إلى معرفة ما يكون من هذين المسببين، عرف أنه منعه الخذلان من اختيار الإحسان بقوله: {قال فبعزتك} أي التي أبت أن يكون لغيرك فعل لا بغير ذلك، ويجوز أن تكون الباء للقسم {لأغوينهم} أي ذرية آدم عليه السلام {أجمعين} قال القشيري: ولو عرف عزته لما أقسم بها على مخالفته.
ولما كان عالمًا بأن القادر ما خلق آدم عليه السلام وشرفه بما شرفه به ليشقي ذريته كلهم قال: {إلا عبادك} فأضافهم إليه سبحانه تنبيهًا على أن غيرهم قد انسلخوا من التشرف بعبوديته بالنسبة إلى من أطاعوه.
ولما كان يمكن أن يكون المستثنى، من غير البشر قيد بقوله: {منهم المخلصين} أي الذين أخلصهم الله تعالى لطاعته فأخلصوا قصدهم لها، وعرف من الاستثناء أنهم قليل وأن الغواة هم الأصل. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)} اعلم أن المقصود من ذكر هذه القصة المنع من الحسد والكبر، وذلك لأن إبليس، إنما وقع فيما وقع فيه بسبب الحسد والكبر، والكفار إنما نازعوا محمدًا عليه السلام بسبب الحسد والكبر، فالله تعالى ذكر هذه القصة هاهنا ليصير سماعها زاجرًا لهم عن هاتين الخصلتين المذمومتين والحاصل أنه تعالى رغب المكلفين في النظر والاستدلال، ومنعهم عن الإصرار والتقليد وذكر في تقريره أمورًا أربعة أولها: أنه نبأ عظيم فيجب الاحتياط فيه والثاني: أن قصة سؤال الملائكة عن الحكمة في تخليق البشر يدل على أن الحكمة الأصلية في تخليق آدم هو المعرفة والطاعة لا الجهل والتكبر الثالث: أن إبليس إنما خاصم آدم عليه السلام لأجل الحسد والكبر فيجب على العاقل أن يحترز عنهما، فهذا هو وجه النظم في هذه الآيات، واعلم أن هذه القصة قد تقدم شرحها في سور كثيرة، فلا فائدة في الإعادة إلا ما لابد منه وفيها مسائل:
المسألة الأولى:
في قوله: {إِنّى خالق بَشَرًا مّن طِينٍ} سؤالات:
الأول: أن هذا النظم إنما يصح لو أمكن خلق البشر لا من الطين، كما إذا قيل أنا متخذ سوارًا من ذهب، فهذا إنما يستقيم لو أمكن اتخاذه من الفضة.
الثاني: ذكر هاهنا أنه خلق البشر من طين، وفي سائر الآيات ذكر أنه خلقه من سائر الأشياء كقوله تعالى في آدم إنه خلقه من تراب وكقوله: {مِن صلصال مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 26] وكقوله: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37].
الثالث: أن هذه الآية تدل على أنه تعالى لما أخبر الملائكة بأنه خلق بشرًا من طين.
لم يقولوا شيئًا، وفي الآية الأخرى وهي التي قال: {إِنّي جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً} [البقرة: 30] بين أنهم أوردوا السؤال والجواب فبينهما تناقض، والجواب عن الأول أن التقدير كأنه سبحانه وصف لهم أولًا أن البشر شخص جامع للقوة البهيمية والسبعية والشيطانية والملكية، فلما قال: {إِنّى خالق بَشَرًا مّن طِينٍ} فكأنه قال ذلك الشخص المستجمع لتلك الصفات، إنما أخلقه من الطين، والجواب عن الثاني أن المادة البعيدة هو التراب، وأقرب منه الطين، وأقرب منه الحمأ المسنون، وأقرب منه الصلصال فثبت أنه لا منافاة بين الكل، والجواب عن الثالث أنه في الآية المذكورة في سورة البقرة بين لهم أنه يخلق في الأرض خليفة، وبالآية المذكورة هاهنا بين أن ذلك الخليفة بشر مخلوق من الطين.