فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأما تأويله فإن الصورة هي التركيب والمصور هو المركب ولا يجوز أن يكون الباري تبارك وتعالى مصورًا ولا أن يكون له صورة لأن الصور مختلفة والهيئات متضادة ولا يجوز إضافة ذلك إليه سبحانه وتعالى فاستحال أن يكون مصورًا وهو الخالق الباري المصور فقوله أتاني ربي في أحسن صورة يحتمل وجهين أحدهما وأنا في أحسن صورة كأنه زاده جمالًا وكمالًا وحسنًا عند رؤيته وفائدة ذلك تعريفه لنا أن الله تعالى زين خلقته وحسن صورته عند رؤيته لربه وإنما التغيير وقع بعد لشدة الوحي وثقله.
الوجه الثاني: أن الصورة بمعنى الصفة ويرجع ذلك إلى الله تعالى والمعنى أنه رآه في أحسن صفاته من الإنعام عليه والإقبال والاتصال إليه وأنه تلقاه بالإكرام والإعظام والإجلال.
وقد يقال في صفات الله تعالى إنه جميل ومعناه أنه مجمل في أفعاله وذلك نوع من الإحسان والإكرام فذلك من حسن صفة الله تعالى وقد يكون حسن الصورة أيضًا يرجع إلى صفاته العلية من التناهي في العظمة والكبرياء والعلو والعز والرفعة حتى لا منتهى ولا غاية وراءه، ويكون معنى الحديث على هذا تعريفنا ما تزايد من معارفه صلّى اللّه عليه وسلم عند رؤية ربه عزَّ وجلَّ فأخبر عن عظمته وعزته وكبريائه وبهائه وبعده عن شبه الخلق وتنزيهه عن صفات النقص وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقوله صلّى اللّه عليه وسلم «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي» فتأويله أن المراد باليد النعمة والمنة والرحمة وذلك شائع في لغة العرب فيكون معناه على هذا الإخبار بإكرام الله تعالى إياه وإنعامه عليه بأن شرح صدره ونور قلبه وعرفه ما لا يعرفه أحد حتى وجد برد النعمة والمعرفة في قلبه وذلك لما نور قلبه وشرح صدره فعلم ما في السموات وما في الأرض بإعلام الله تعالى إياه وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون إذ لا يجوز على الله تعالى ولا على صفات ذاته مماسة أو مباشرة أو نقص وهذا هو أليق بتنزيهه وحمل الحديث عليه وإذا حملنا الحديث على المنام وأن ذلك كان في المنام فقد زال الإشكال وحصل الغرض ولا حاجة بنا إلى التأويل.
{قال أنا خير منه} يعني لو كنت مساويًا له في الشرف لكان يقبح أن أسجد له فكيف وأنا خير منه.
ثم بين كونه خيرًا منه فقال: {خلقتني من نار وخلقته من طين} والنار أشرف من الطين وأفضل منه وأخطأ إبليس في القياس لأن مآل النار إلى الرماد الذي لا ينتفع به والطين أصل كل ما هو نام ثابت كالإنسان والشجرة المثمرة ومعلوم أن الإنسان والشجرة المثمرة خير من الرماد وأفضل.
وقيل: هب أن النار خير من الطين بخاصية فالطين خير منها وأفضل بخواص وذلك مثل رجل شريف نسيب لكنه عار عن كل فضيلة فإن نسبه يوجب رجحانه بوجه واحد، ورجل ليس بنسيب ولكنه فاضل عالم فيكون أفضل من ذلك النسيب بدرجات كثيرة {قال فاخرج منها} أي من الجنة وقيل من السماء.
وقيل من الخلقة التي كان فيها وذلك لأن إبليس تجبر وافتخر بالخلقة فغير الله تعالى خلقته فاسود وقبح بعد حسنه ونورانيته {فإنك رجيم} أي مطرود {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} فإن قلت إذا كان الرجم بمعنى الطرد وكذلك اللعنة لزم التكرار فما الفرق.
قلت الفرق أن يحمل الرجم على الطرد من الجنة أو السماء وتحمل اللعنة على معنى الطرد من الرحمة فتكون أبلغ وحصل الفرق وزال التكرار.
فإن قلت كلمة إلى لانتهاء الغاية وقوله إلى يوم الدين يقتضي انقطاع اللعنة عنه عند مجيء يوم الدين.
قلت معناه أن اللعنة باقية عليه في الدنيا فإذا كان يوم القيامة زيد له مع اللعنة من أنواع العذاب ما ينسى بذلك اللعنة فكأنها انقطعت عنه {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم} يعني النفخة الأولى {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول} أي أنا أقول الحق وقيل الأول قسم يعني فبالحق وهو الله تعالى أقسم بنفسه {لأملأن جهنم منك} أي بنفسك وذريتك {وممن تبعك منهم أجمعين} يعني من بني آدم {قل ما أسألكم عليه} أي على تبليغ الرسالة {من أجر} أي جعل {وما أنا من المتكلفين} أي المتقولين القرآن من تلقاء نفسي وكل من قال شيئًا من تلقاء نفسه فقد تكلف له ق عن مسروق قال: دخلنا على ابن مسعود فقال يا أيها الناس من علم شيئًا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم قال الله تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} لفظ البخاري {إن هو} يعني القرآن {إلا ذكر} أي موعظة {للعالمين} أي للخلق أجمعين {ولتعلمن} يعني أنتم يا أهل مكة {نبأه} أي خبر صدقه {بعد حين} قال ابن عباس: بعد الموت، وقيل يوم القيامة وقيل من بقي علم بذلك إذا ظهر أمره وعلا ومن مات علمه بعد الموت.
وقال الحسن بن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين والله تعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال ابن جزي:

{واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق} {أُوْلِي الأيدي والأبصار} الأيد جمع يد وذلك عبارة عن قوتهم في الأعمال الصالحات، وإنما غير عن ذلك بالأيدي، لأن الأعمال أكثر ما تعمل بالأيدي، وأما الأبصار فعبارة عن قوة فهمهم وكثرة علمهم من قولك: أبصر الرجل إذا تبينت له الأمور، وقيل: الأيدي جمع يد بمعنى النعمة، ومعناه أولوا النعم التي أسداها الله إليهم من النبوة والفضيلة، وهذا ضعيف، لأن اليد بمعنى النعمة أكثر ما يجمع على أيادي، وقرأ ابن مسعود: {أُوْلِي الأيدي} بغير ياء، فيحتمل أن تكون الأيدي محذوفة الياء أو يكون الأيد بمعنى القوة: كقوله: {داود ذَا الأيد} [ص: 17].
{إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار} معننى أخلصناهم: جعلناهم خالصين لنا، أو أخلصناهم دون غيرهم، وخالصة صفة حذف موصوفها تقديره: بخصلة خالصة، وأما الباء في قوله: {بِخَالِصَةٍ} فإن كان أخلصناهم بمعنى خالصين، فالباء سببية للتعليل، وإن كان أخلصناهم بمعنى جعلناهم خصصناهم فالباء لتعدية الفعل، وقرأ نافع بإضافة خالصة إلى ذكرى من الباقون تنوين، وقرأ غيره بالتنوين على أن تكون ذكر بدلا من خالصة على وجه البيان والتفسير لها، والدار يحتمل أن يريد به الآخرة أو الدنيا، فإن أراد به الآخرة ففي المعنى ثلاثة أقوال: أحدها أن {ذِكْرَى الدار} يعني ذكرهم للآخرة وجهنم فيها، والآخر أن معناه تذكيرهم للناس بالآخرة، وترغيبهم للناس فيما عند الله، والثالث أن معناه ثواب الآخرة: أي أخصلناهم بأفضل ما في الآخرة، والأول أظهر، وإن أراد بالدار الدنيا فالمعنى حسن الثناء والذكر الجميل في الدنيا، كقوله: {لِسَانَ صِدْقٍ} [مريم: 50، الشعراء: 84] {الأخيار} جمع خير بتشديد الياء أو خير المخفف من خير كميت مخفف من ميت {وَذَا الكفل} ذكر في [الأنبياء: 85].
{هذا ذِكْرٌ} الإشارة إلى ما تقدم في هذه السورة من ذكر الأنبياء، وقيل: الإشارة إلى القرآن بجملته، والأول أظهر وكأن قوله: {هذا ذِكْرٌ} ختام للكلام المتقدم، ثم شرع بعده في كلام آخر كما يتم المؤلف بابًا ثم يقول فهذا باب ثم يشرع في آخر.
{قَاصِرَاتُ الطرف} ذكر في [الصافات: 48] {أَتْرَابٌ} يعني أسنانهم سواء يقال: فلان تِرْبُ فلان إذا كان مثله في السن، وقيل: إن أسنانهم وأسنان أزواجهم سواء.
{مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} أي ما له من فناء ولا انقضاء.
{هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} تقديره الأمر هذا: لما تم ذكر أهل الجنة خمته بقوله: {هذا} ثم ابتدأ وصف أهل النار، ويعني بالطاغين الكفار.
{هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} هذا مبتدأ وخبره حميم فليذوقوه: اعترافًا بينهما والحميم الماء الحار الغساق قرأه بالتشديد حفص وحمزة والكسائي والباقي بالتخفيف: غَسَاق بتخفيف السين وتشديدها وهو صديد أهل النار، وقيل: ما يسيل من عيونهم، وقيل: هو عذاب لا يعلمه الله.
{وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} آخر معطوف على حميم وغساق تقديره: وعذاب آخر، قيل: يعني الزمهرير، ومعنى {مِن شَكْلِهِ} من مثله ونوعه أي من مثل العذاب المذكور، و{أَزْوَاجٌ} معناه أصناف وهو صفة للحميم والغساق والعذاب الآخر والمعنى أنهما أصناف من العذاب، وقال ابن عطية: آخر مبتدأ، واختلف في خبره، فقيل: تقديره ولهم عذاب آخر وقيل: أزواج مبتدأ ومن شكله خبر أزواج، والجملة خبر آخر، وقيل: أزواج خبر الآخر، ومن شكله في موضع الصفة وقرئ آخر بالجمع وهو أليق أن يكون أزواج خبره لأنه جمع مثله.
{هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} الفوج جماعة من الناس، والمقتحم الداخل في زحام وشدة، وهذا من كلام خزنة النار خاطبوا به رؤساء الكفار الذين دخلوا النار أولًا، ثم دخل بعدهم أتباعهم وهو الفوج المشار إليه، وقيل: هو كلام أهل النار بعضهم لبعض، والأول أظهر {لاَ مَرْحَبًا بِهِمْ} أي لا يلقون رحبًا ولا خيرًا، وهو دعاء من كلام رؤساء الكفار: أي لا مرحبًا بالفوج الذي هم أتباع لهم {قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ} هذا حكاية كلام الأتباع للرؤساء لما قالوا لهم: لا مرحبًا بهم، أجابوهم بقولهم بل أنتم لا مرحبًا بكم {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} هذا أيضا من كلام الأتباع خطابًا للرؤساء، وهو تعليل لقولهم: {بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ} والضمير في قدمتموه للعذاب، ومعنى قدمتموه أوجبتموه لنا بما قدمتم في الدنيا من إغوائنا، وأمركم لنا بالكفر.
{قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النار} هذا أيضًا من كلام الأتباع دعوا إلى الله تعالى أن يضاعف العذاب لرؤسائهم، الذين أوجبوا لهم العذاب فهو كقولهم: {رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النار} [الأعراف: 38] والضعف زيادة المثل.
{وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار} الضمير في {وَقَالُواْ} لرؤساء الكفار، وقيل: للطاغين والرجال هم ضعفاء المؤمنين، وقيل: إن القائلين لذلك أبو جهل لعنة الله وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأمثالهم وأن الرجال المذكورين هم عمّار وبلال وصهيب وأمثالهم، واللفظ أعم من ذلك والمعنى أنهم قالوا في جهنم: ما لنا لا نرى في النار رجالًا كنا في الدنيا نعدّهم من الأشرار.
{أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} قرئ {أَتَّخَذْنَاهُمْ} بهمزة قطع ومعناه: توبيخ أنفسهم على اتخاذهم المؤمنين سخريًا، وقرئ بألف وصل على أن يكون الجملة صفة لرجال وقرأ نافع وحمزة والكسائي {سِخْرِيًّا} بالرفع والباقون بالكسر {سِخْرِيًّا} بضم السين من التسخير بمعنى الخدمة وبالكسر بمعنى الاستهزاء {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار} هذا يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون معادلًا لقولهم: ما لنا لا نرى رجالًا، والمعنى ما لنا لا نراهم في جهنم ليسوا فيها أم هم فيها ولكن زاغت عنه أبصارنا، ومعنى زاغت عنهم مالت فلم نرهم. الثاني أن يكون معادلًا لقولهم: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} والمعنى اتخذناهم سُخريًا.
و{أم زاغت الأبصار} على هذا: مالت عن النظر إليهم إحتقارًا لهم. الثالث أن تكون أم منقطعة بمعنى بل والهمزة فلا تعادل شيئًا ما قبلها.
{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ} الإشرة إلى ما تقدم من حكاية أقوال أهل النار ثم فسره بقوله: {تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} وإعراب تخاصم بدل من حق أو خبر مبتدأ مضمر.
{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} النبأ: الخبر، ويعني به ما تضمنته الشريعة من التوحيد والرسالة والدار الآخرة، وقيل: هو القرآن، وقيل: هو يوم القيامة والأول أعم وأرجح.
{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} الملأ الأعلى هم الملائكة ومقصد الآية الاحتجاج على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر بأمور لم يكن يعلمها قبل ذلك، والضمير في يختصمون للملأ الأعلى، واختصامهم هو في قصة آدم حين قال لهم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} [البقرة: 30] حسبما تضمنته قصته في مواضع من القرآن، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقال: «يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى فقال: لا أدري قال في الكفارات وهي إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد» الحديث بطوله، وقيل: الضمير في {يختصمون} للكفار: أي يختصمون في الملأ الأعلى فيقول بعضهم هم بنات الله، ويقول آخرون: هم آلهة تعبد، وهذا بعيد.
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ} إذ بدل من إذ يختصمون، وقد ذكرنا في البقرة معنى سجود الملائكة لآدم، ومعنى كفر إبليس وذكرنا في [الحجر: 29] معنى قوله تعالى: {مِن رُّوحِي}.
{قَالَ يا إبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} الضمير في قال الله عز وجل، وبيديّ من المتشابه الذي ينبغي الإيمان به، وتسليم علم حقيقته إلى الله، وقال المتأوّلون: هو عبارة عن القدرة، وقال القاضي أبو بكر بن الطيب إن اليد والعين والوجه صفات زائدة على الصفات المقترّرة، قال ابن عطية: وهذا قول مرغوب عنه، وحكى الزمخشري: أن معنى خلقت بيدي خلقت بغير واسطة {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} دخلت همزة الاستفهام على ألف الوصل فحذفت ألف الوصل، وأم هنا معادلة، والمعنى أستكبرت الآن أم كنت قديمًا ممن يعلوا ويستكبر، وهذا على وجه التوبيخ له.
{رَجِيمٌ} أي لعين مطرود.
{إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} يعني القيامة، وقد تقدم الكلام على ذلك في الحجر.
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} الباء للقسم، أقسم إبليس بعزة الله أن يغوي بني آدم.
{قَالَ فالحق والحق أَقُولُ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} الضمير في قال هنا: لله تعالى، والحق الأول مقسم به وهو منصوب بفعل مضمر كقولك: الله لأفعلن، وجوابه: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} بالرفع وهو مبتدأ، أو خبر مبتدأ مضمر تقديره: الحق يميني، وأما الحق الثاني فهو مفعول بأقول وقوله: {والحق أَقُولُ} جملة اعتراض بين القسم وجوابه على وجه التأكيد للقسم {وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين} أي الذين يتصنعون ويتحيلون بما ليسوا من أهله.
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ} هذا وعيد لتعلمن صدق خبره بعد حين، والحين يوم القيامة أو موتهم أو ظهور الإسلام يوم بدر وغيره. اهـ.

.قال النسفي:

{واذكر عِبَادَنَا} {عَبْدَنَا} مكي.
{إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ} فمن جمع ف {إِبْرَاهِيمَ} ومن بعده عطف بيان على {عِبَادِنَا} ومن وحد ف {إبراهيم} وحده عطف بيان له، ثم عطف ذريته على {عَبْدَنَا} ولما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملًا لا تتأتى فيه المباشرة بالأيدي، أو كان العمال جذمًا لا أيدي لهم وعلى هذا ورد قوله: {أُوْلِى الأيدى والأبصار} أي أولي الأعمال الظاهرة والفكر الباطنة كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ولا يجاهدون في الله ولا يتفكرون أفكار ذوي الديانات في حكم الزمني الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم والمسلوبي العقول الذين لا استبصار لهم، وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله ولا من المستبصرين في دين الله وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما {إِنَّا أخلصناهم} جعلناهم لنا خالصين {بِخَالِصَةٍ} بخصلة خالصة لا شوب فيها.