فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{جنات عَدْنٍ} عطف بيان {لَحُسْنَ مَئَابٍ} وهو من الأعلام الغالبة لقوله: {جنات عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ بالغيب} وانتصب عنها.
{مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} على الحال والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل، وقرئتا مرفوعتين على الابتداء والخبر أو أنهما خبران لمحذوف.
{مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بفاكهة كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} حالان متعاقبان أو متداخلان من الضمير في لهم لا من المتقين للفصل، والأظهر أن يدعون استئناف لبيان حالهم فيها ومتكئين حال من ضميره، والاقتصار على الفاكهة للإشعار بأن مطاعمهم لمحض التلذذ، فإن التغذي للتحلل ولا تحلل ثمة.
{وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف} لا ينظرون إلى غير أزواجهن.
{أَتْرَابٌ} لذات لهم فإن التحاب بين الأقران أثبت، أو بعضهن لبعض لا عجوز فيهن ولا صبية، واشتقاقه من التراب فإنه يمسهن في وقت واحد.
{هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب} لآجاله فإن الحساب علة الوصول إلى الجزاء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء ليوافق ما قبله.
{إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} انقطاع.
{هذا} أي الأمر هذا أو هذا كما ذكر أو خذ هذا.
{وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ مَئَابٍ}.
{جَهَنَّمَ} إعرابه ما سبق.
{يَصْلَوْنَهَا} حال من جهنم.
{فَبِئْسَ المهاد} المهد والمفترش، مستعار من فراش النائم والمخصوص بالذم محذوف وهو {جَهَنَّمَ} لقوله: {لَهُم مّن جَهَنَّمَ مهادا} {هذا فَلْيَذُوقُوهُ} أي ليذوقوا هذا فليذوقوه، أو العذاب هذا فليذوقوه، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره: {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} وهو على الأولين خبر محذوف أي هو {حَمِيمٍ} والغساق ما يغسق من صديد أهل النار من غسقت العين إذا سال دمعها، وقرأ حفص وحمزة والكسائي {غَسَّاق} بتشديد السين.
{وَءَاخَرُ} أي مذوق أو عذاب آخر، وقرأ البصريان {وأخرى} أي ومذوقات أو أنواع عذاب أخر.
{مِن شَكْلِهِ} من مثل هذا المذوق أو العذاب في الشدة، وتوحيد الضمير على أنه لما ذكر أو للشراب الشامل للحميم والغساق أو للغساق.
وقرئ بالكسر وهو لغة.
{أزواج} أجناس خبر ل {ءَاخَرُ} أو صفة له أو للثلاثة، أو مرتفع بالجار والخبر محذوف مثل لهم.
{هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} حكاية ما يقال للرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار واقتحمها معهم فوج تبعهم في الضلال، والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها.
{لاَ مَرْحَبًا بِهِمْ} دعاء من المتبوعين على أتباعهم أو صفة ل {فَوْجٌ} أو حال أي مقولًا فيهم لا مرحبًا أي ما أتوا بهم رحبًا وسعة.
{إِنَّهُمْ صَالُو النار} داخلون النار بأعمالهم مثلنا.
{قَالُواْ} أي الأتباع للرؤساء.
{بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ} بل أنتم أحق بما قلتم، أو قيل لنا لضلالكم وإضلالكم كما قالوا: {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} قدمتم العذاب أو الصلي لنا بإِغوائنا وإغرائنا على ما قدمتموه من العقائد الزائغة والأعمال القبيحة.
{فَبِئْسَ القرار} فبئس المقر جهنم.
{قَالُواْ} أي الأتباع أيضًا.
{رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا في النار} مضاعفًا أي ذا ضعف وذلك أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين كقوله: {رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} {وَقَالُواْ} أي الطاغوت.
{مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ الأشرار} يعنون فقراء المسلمين الذين يسترذلون ويسخرون بهم.
{أتخذناهم سُخْرِيًّا} صفة أخرى ل {رِجَالًا} وقرأ الحجازيان وابن عامر وعاصم بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم، وقرأ نافع وحمزة والكسائي {سُخْرِيًّا} بالضم وقد سبق مثله في المؤمنين.
{أَمْ زَاغَتْ} مالت.
{عَنْهُمُ الأبصار} فلا نراهم {أَمْ} معادلة ل {مَا لَنَا لاَ نرى} على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم كأنهم قالوا: أليسوا ها هنا أم زاغت عنهم أبصارنا، أو لاتخذناهم على القراءة الثانية بمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم تحقيرهم، فإن زيغ الأبصار كناية عنه على معنى إنكارهما على أنفسهم، أو منقطعة والمراد الدلالة على أن استرذالهم والاستسخار منهم كان لزيغ أبصارهم وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم.
{إِنَّ ذلك} الذي حكيناه عنهم.
{لَحَقُّ} لابد أن يتكلموا به ثم بين ما هو فقال: {تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} وهو بدل من لحق أو خبر محذوف، وقرئ بالنصب على البدل من ذلك.
{قُلْ} يا محمد للمشركين.
{إِنَّمَا أَنَاْ مُنذِرٌ} أنذركم عذاب الله.
{وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله الواحد} الذي لا يقبل الشركة والكثرة في ذاته.
{القهار} لكل شيء يريد قهره.
{رَبُّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} منه خلقها وإليه أمرها.
{العزيز} الذي لا يغلب إذا عاقب.
{الغفار} الذي يغفر ما يشاء من الذنوب لمن يشاء، وفي هذه الأوصاف تقرير للتوحيد ووعد ووعيد للموحدين والمشركين، وتثنية ما يشعر بالوعيد وتقديمه لأن المدعو به هو الإِنذار.
{قُلْ هُوَ} أي ما أنبأتكم به من أني نذير من عقوبة من هذه صفته وأنه واحد في ألوهيته، وقيل ما بعده من نبأ آدم.
{نَبَأٌ عَظِيمٌ}.
{أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} لتمادي غفلتكم فإن العاقل لا يعرض عن مثله كيف وقد قامت عليه الحجج الواضحة، أما على التوحيد فما مرَّ وأما على النبوة فقوله: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} فإن إخباره عن تقاول الملائكة وما جرى بينهم على ما ورد في الكتب المتقدمة من غير سماع ومطالعة كتاب لا يتصوّر إلا بالوحي، و{إِذْ} متعلق ب {عِلْمٍ} أو بمحذوف إذ التقرير من علم بكلام الملأ الأعلى.
{إِن يوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أي لأنما كأنه لما جوز أن الوحي يأتيه بين بذلك ما هو المقصود به تحقيقًا لقوله: {إِنَّمَا أَنَاْ مُنذِرٌ} ويجوز أن يرتفع بإسناد يوحى إليه، وقرئ {إِنَّمَا} بالكسر على الحكاية.
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة إِنّى خالق بَشَرًا مّن طِينٍ} بدل من {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} مبين له فإن القصة التي دخلت إذ عليها مشتملة على تقاول الملائكة وإبليس في خلق آدم عليه السلام، واستحقاقه للخلافة والسجود على ما مر في البقرة، غير أنها اختصرت اكتفاء بذلك واقتصارًا على ما هو المقصود منها، وهو إنذار المشركين على استكبارهم على النبي عليه الصلاة والسلام بمثل ما حاق بإبليس على استكباره على آدم عليه السلام، هذا ومن الجائز أن يكون مقاولة الله تعالى إياهم بواسطة ملك، وأن يفسر {الملأ الأعلى} بما يعم الله تعالى والملائكة.
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} عدلت خلقته.
{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} وأحييته بنفخ الروح فيه، وإضافته الى نفسه لشرفه وطهارته.
{فَقَعُواْ لَهُ} فخروا له.
{ساجدين} تكرمة وتبجيلًا له وقد مر من الكلام فيه في البقرة.
{فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}.
{إِلاَّ إِبْلِيسَ استكبر} تعظم.
{وَكَانَ} وصار.
{مِنَ الكافرين} باستنكاره أمر الله تعالى واستكباره عن المطاوعة، أو كان منهم في علم الله تعالى.
{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} خلقته بنفسي من غير توسط كأب وأم، والثنية لما في خلقه من مزيد القدرة واختلاف الفعل، وقرئ على التوحيد وترتيب الإنكار عليه للإشعار بأنه المستدعي للتعظيم، أو بأنه الذي تشبث به في تركه وهو لا يصلح مانعًا إذ للسيد أن يستخدم بعض عبيده لبعض سيما وله مزيد اختصاص.
{أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} تكبرت من غير استحقاق أو كنت ممن علا واستحق التفوق، وقيل استكبرت الآن أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين، وقرئ {اسْتَكْبَرْتَ} بحذف الهمزة لدلالة {أَمْ} عليها أو بمعنى الإخبار.
{قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ} إبداء للمانع وقوله: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} دليل عليه وقد سبق الكلام فيه.
{قَالَ فاخرج مِنْهَا} من الجنة أو من السماء، أو من الصورة الملكية.
{فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مطرود من الرحمة ومحل الكرامة.
{وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إلى يَوْمِ الدين قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} مر بيانه في الحجر.
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ} فبسلطانك وقهرك.
{لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} الذين أخلصهم الله لطاعته وعصمهم من الضلالة، أو أخلصوا قلوبهم لله على اختلاف القراءتين.
{قَالَ فالحق والحق أَقُولُ} أي فأحق الحق وأقوله، وقيل الحق الأول اسم الله نصبه بحذف حرف القسم كقوله:
إِنَّ عَلَيْكَ الله أَنْ تُبَايِعَا

وجوابه {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} وما بينهما اعتراض وهو على الأول جواب محذوف والجملة تفسير ل {الحق} المقول، وقرأ عاصم وحمزة برفع الأول على الابتداء أي الحق يميني أو قسمي، أو الخبر أي أنا {الحق} وقرئا مرفوعين على حذف الضمير من أقول كقوله: كله لم أصنع.
ومجرورين على إضمار حرف القسم في الأول وحكاية لفظ المقسم به في الثاني للتأكيد، وهو سائغ فيه إذا شارك الأول وبرفع الأول وجره ونصب الثاني وتخريجه على ما ذكرناه، والضمير في منهم للناس إذ الكلام فيهم والمراد بمنك من جنسك ليتناول الشياطين، وقيل للثقلين وأجمعين تأكيد له أو للضميرين.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أي على القرآن أو تبليغ الوحي.
{وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} المتصفين بما ليسوا من أهله على ما عرفتم من حالي فأنتحل النبوة، وأتقول القرآن.
{إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة.
{للعالمين} للثقلين.
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} وهو ما فيه من الوعد والوعيد، أو صدقه بإتيان ذلك.
{بَعْدَ حِينِ} بعد الموت أو يوم القيامة أو عند ظهور الإِسلام وفيه تهديد.
عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة ص كان له بوزن كل جبل سخره الله لداود عشر حسنات، وعصمه الله أن يصر على ذنب صغير أو كبير». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)} التفسير: وجه النظم كأنه تعالى يقول: يا محمد اصبر على سفاهة قومك فإنه ما كان في الدنيا أكثر مالًا أو جاهًا من داود وسليمان، ولم يكن أكثر بلاء ومحنة من أيوب، ومع ذلك لم يبق حالهما وحاله على نسق واحد، فالصبر مفتاح الفرج.
{وأيوب} عطف بيان وإذ معمول فعل آخر أو بدل اشتمال من أيوب أي زمان بلائه وكان معاصرًا ليعقوب، وامرأته ليا بنت يعقوب، ونداؤه دعاؤه والجار محذوف أي دعاه بأني مسني على الحكاية وإلا لقال بأنه مسه والنصب والنصيب كالرشد والرشد، والنصب بالفتح والسكون على أصل المصدر، وضمة الصاد لا تباع النون كقفل وقفل. ومعنى الكل التعب والمشقة. قيل: الضر في البدن والعذاب في ذهاب المال والأهل وللناس في بلائه قولان: الأول أن الذي نزل به كان من الشيطان وقد مرّ تقريره في الأنبياء ومجمله ما روي أن إبليس سأل ربه فقال: هل في عبيدك من لو سلطتني عليه يمتنع مني؟ فقال: نعم، عبدي أيوب. قال: فسلطني على ماله فكان يجيئه ويقول: هلك من مالك كذا فيقول: الله أعطى والله أخذ ثم يحمد الله. فقال: يا رب إن أيوب لا يبالي بماله فسلطني على ولده. فجاء وزلزل الدار فهلك أولاده بالكلية فجاء وأخبره به فلم يلتفت إليه فقال: يا رب إنه لا يبالي بماله وولده فسلطني على جسده فأذن فيه، فنفخ في جلد ايوب وحدثت أسقام عظيمة وآلام شديدة فمكث في ذلك البلاء سبع سنين أو ثمان عشرة، وصار بحيث استقذره أهل بلده فخرج إلى الصحراء وما كان يقرب منه أحد فجاء الشيطان إلى امرأته وقال: إن استعاذ بي زوجك خلصته من هذا البلاء فاشارت غلى أيوب بذلك فغضب لذلك- أو لوجوه أخر سبق ذكرها في سورة الأنبياء- وحلف إن عافه الله ليجلدنها مائة جلدة وعند ذلك دعا ربه شاكيًا إليه لأمنه كقول يعقوب {إنما اشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] فأجاب دعاءه وأوحى إليه {أركض} أي اضرب {برجلك} الأرض. عن قتادة: هي أرض الجابية من قرى الشام فأظهر الله تعالى من تحت رجله عينًا باردة طيبة فاغتسل منها فأذهب الله عنه كل داء في ظاهره وباطنه وردّ عليه أهله وماله.
القول الثاني: إن الشيطان لا قدرة له على إيقاع الناس في الأمراض والآفات وإلا لوقع في العالم مفاسد ولم يدع صالحًا إلا نكبه، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة.
فالمراد بمس الشيطان هو الأحزان الحاصلة في قلبه بسبب وساوسه من تعظيم ما نزل به من البلاء وإغرائه على الجزع والقنوط من روح الله إلى غير ذلك مما مر ذكره في سورة الأنبياء. ولناصر القول الأول أن يقول: سلمنا أن الشيطان باستقلاله لا يقدر على المفاسد ولكنه لم لا يجوز أن يقدر على المفاسد ولكنه لم لا يجوز أن يقدر بعد الالتماس والتسليط؟. ولنعد إلى تفسير ما يختص بالمقام. قوله: {مغتسل بارد} أي هذا مكان يغتسل فيه أي بمائة ويشرب منه، والظاهر أنها كانت عينًا واحدة عذبة باردة، وروى بعضهم أنه نبعت عينان ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها فبرأ ظاهره، وضرب رجله اليسرى فنبعت عين باردة فشرب منها فزال ما في بطنه من القروح. وزعم أن تقدير الكلام هذا مغتسل وشراب بارد. وقوله: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} قيل: أحياهم الله بأعيانهم وزاد مثلهم من أولاده. وقيل: من أولاد أولاده. وقيل: كانوا قد غابوا عنه وتفرقوا فجمع الله شملهم. وقيل: كانوا مرضى فشفاهم الله والأول اصح. وقوله: {رحمة منا وذكرى} مفعول لهما فكانت الهبة رحمة له وتذكيرًا لذوي العقول حتى لو ابتلوا بما ابتلي به صبروا كما صبر فيفوزوا كما فاز. وإنما لم يقل هاهنا {رحمة من عندنا} [الأنبياء: 84] مع أنه أبلغ اكتفاء بما مر في سورة الأنبياء وفي قوله: {وذكرى لأولي الألباب} مع قوله في الأنبياء {وذكرى للعابدين} [الآية: 84] إشارة إلى أن ذا اللب هو الذي يعبد الله. وتخصص كل من السورتين بما خص لرعاية الفاصلة قوله: {وخذ} معطوف على {اركض} والضغث الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو سنبلة. قال مجاهد: هو لأيوب خاصة. وعن قتادة: هو عام في هذه الأمة. والصحيح أنه باق في المريض والمعذور لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمخدج وقد زنى بأمة فقال: خذوا عثكالًا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة حلل الله يمين أيوب بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها. ومعنى {وجدناه صابرًا} علمنا منه الصبر.