فصل: الأحكام الشرعية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: ما هو حكم خطبة النساء؟

النساء في حكم الخِطْبة على ثلاثة أقسام:
أحدها: التي تجوز خطبتها تعريضًا وتصريحًا وهي التي ليست في عصمة أحد من الأزواج، وليست في العدة، لأنه لمّا جاز نكاحها جازت خطبتها.
الثاني: التي لا تجوز خطبتها لا تصريحًا، ولا تعرضًا وهي التي في عصمة الزوجية، فإنّ خطبتها وهي في عصمة آخر إفساد للعلاقة الزوجية وهو حرام، وكذلك حكم المطلّقة رجعيًا فإنها في حكم المنكوحة.
الثالث: التي تجوز خطبتها تعريضًا لا تصريحًا وهي المعتدة في الوفاة، وهي التي أشارت إليها الآية الكريمة: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النساء} ومثلها المعتدة البائن المطلّقة ثلاثًا فيجوز التعريض لها دون التصريح.
والدليل على حرمة التصريح ما قاله الشافعي رحمه الله: لمّا خُصّص التعريض بعدم الجناح، وجب أن يكون التصريح بخلافه وهذا الاستدلال دلّ عليه مفهوم المخالفة.

.الحكم الثاني: هل النكاح في العدة صحيح أم فاسد؟

حرّم الله النكاح في العدة، وأوجب التربص على الزوجة، سواءً كان ذلك في عدة الطلاق، أو في عدة الوفاة، وقد دلت الآية وهي قوله تعالى: {وَلاَ تعزموا عُقْدَةَ النكاح حتى يَبْلُغَ الكتاب أَجَلَهُ} على تحريم العقد على المعتدة، واتفق العلماء على أن العقد فاسد ويجب فسخه لنهي الله عنه. وإذا عقد عليها وبنى بها فُسخ النكاح، وحرمت على التأبيد عند مالك وأحمد فلا يحل نكاحها أبدًا عندهما لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك، ولأنه استحلّ ما لا يحل فعوقب بحرمانه، كالقاتل يعاقب بحرمانه من الميراث.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يُفسخ النكاح، فإذا خرجت من العدة كان العاقد خاطبًا من الخطاب، ولم يتأبد التحريم، لأنّ الأصل أنها لا تحرم إلا بدليل من كتابٍ، أو سنةٍ، أو إجماع، وليس في المسألة شيء من هذا، وقالوا: إنّ الزنى أعظم من النكاح في العدة، فإذا كان الزنى لا يحرمها عليه تحريمًا مؤبدًا، فالوطء بشبهة أحرى بعدم التحريم، وما نقل عن عمر فقد ثبت رجوعه عنه.

.قضاء عمر رضي الله عنه في الحادثة:

روى ابن المبارك بسنده عن مسروق أنه قال: بلغ عمر أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها، فأرسل إليهما ففرّق بينهما وعاقبهما، وقال: لا ينكحْها أبدًا، وجعل الصداق في بيت المال، وفشا ذلك بين الناس فبلغ عليًا كرم الله وجهه فقال: يرحم الله أمير المؤمنين! ما بال الصداق وبيت المال! إنما جهلا فينبغي أن يردهما السنة. قيل: فما تقول أنت فيهما؟ قال: لها الصداق بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما ولا جلد عليهما، وتكمل عدتها من الأول ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثم يخطبها إن شاء. فبلغ ذلك عمر فقال: يا أيها الناس ردّوا الجهالات إلى السنة.

.الحكم الثالث: ما هو حكم المطلقة قبل الدخول؟

وضحّت الآيات الكريمة أحكام المطلقات، وذكرت أنواعهنّ وهنّ كالتالي:
أولًا: مطّلقة مدخول لها، مسمّى لها المهر.
ثانيًا: مطلّقة غير مدخول بها، ولا مسمّى لها المهر.
ثالثًا: مطلّقة غير مدخول بها، وقد فرض لها المهر.
رابعًا: مطلّقة مدخول بها، وغير مفروض لها المهر.
فالأولى ذكر الله تعالى حكمها قبل هذه الآية، عدّتُها ثلاثة قروء، ولا يُسترد منها شيء من المهر {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء} [البقرة: 228] {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229].
والثانية: ذكر الله تعالى حكمها في هذه الآية، ليس لها مهرٌ، ولها المتعة بالمعروف لقوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النساء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] الآية كما أن هذه ليس عليها عدة باتفاق لقوله تالى في سورة الأحزاب [49] {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} والثالثة: ذكرها الله تعالى بعد هذه الآية، لها نصف المهر ولا عدة عليها أيضًا لقوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}.
والرابعة: ذكرها الله تعالى في سورة النساء [24] بقوله: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] فهذه يجب لها مهر المثل. قال الرازي ويدل عليه أيضًا القياس الجلي، فإن الأمة مجمعة على أن الموطوءة بشبهة لها مهر المثل، فالموطوءة بنكاح صحيح أولى بهذه الحكم.

.الحكم الرابع: هل المتعة واجبة لكل مطلّقة؟

دل قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ} على وجوب المتعة للمطلّقة قبل المسيس وقبل الفرض، وقد اختلف الفقهاء هل المتعة واجبة لكل مطلقة؟
فذهب الحسن البصري إلى أنها واجبة لكل واجبة لكل مطلّقة للعموم في قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بالمعروف حَقًّا عَلَى المتقين} [البقرة: 241].
وقال مالك: إنها مستحبة للجميع وليست واجبة لقوله تعالى: {حَقًّا عَلَى المتقين} [البقرة: 241] و{حَقًّا عَلَى المحسنين} ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين.
وذهب الجمهور الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنها واجبة للمطلّقة التي لم يفرض لها مهر، وأمّا التي فرض لها مهر فتكون المتعة لها مستحبة وهذا مروي عن ابن عمر وابن عباس وعلي وغيرهم، ولعله يكون الأرجح جمعًا بين الأدلة والله أعلم.
الحكم الخامس: ما معنى المتعة وما هو مقدارها؟
المتعة: ما يدفعه الزوج من مال أو كسوة أو متاع لزوجته المطلّقة، عونًا لها وإكرامًا، ودفعًا لوحشة الطلاق الذي وقع عليها، وتقديرُها مفوض إلى الاجتهاد.
قال مالك: ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ولا كثيرها.
وقال الشافعي: المستحب على الموسم خادم، وعلى المتوسط ثلاثون درهمًا، وعلى المقتر مقنعة.
وقال أبو حنيفة: أقلها درع وخمار وملحفة، ولا تزاد على نصف المهر.
وقال أحمد: هي درع وخمار بقدر ما تجزئ فيه الصلاة، ونقل عنه أنه قال: هي بقدر يسار الزوج وإعساره {عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ} وهي مقدرة باجتهاد الحاكم، ولعل هذا الرأي الأخير أرجح والله أعلم.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

1- جواز التعريض في خطبة المعتدة من الوفاة ومن الطلاق البائن.
2- حرمة عقد النكاح على المعتدّة في حالة العدة وفساد هذا العقد.
3- المتعة واجبة لكل مطلّقة لم يذكر لها مهر، ومستحبة لغيرها من المطلقات.
4- إباحة تطليق المرأة قبل المسيس إذا كانت ثمة ضرورةٌ ملحة.
5- المطلّقة قبل الدخول لها نصف المهر إذا كان المهر مذكورًا.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
شرع الباري جل وعلا المتعة للمطلّقة، وجعلها على قدر حال الرجل يسارًا وإعسارًا، وهذه المتعة واجبة للمطلّقة قبل الدخول، التي لم يُسمّ مهر، ومستحبة لسائر المطلقات. والحكمة في شرعها أنّ في الطلاق قبل الدخول امتهانًا للمرأة وسوء سمعة لها، وفيه إيهامٌ للناس بأن الزوج ما طلّقها إلاّ وقد رابه شيء منها في سلوكها وأخلاقها، فإذا هو متّعها متاعًا حسنًا تزول هذه الغضاضة، ويكون ذلك شهادة لها بأن سبب الطلاق كان من قِبَله، لا من قِبَلها، ولا علة فيها، فتحفظ بما كان لها من صيتٍ وشهرة طيبة، ويتسامع الناس فيقولون: إن فلانًا أعطى فلانة كذا وكذا فهو لم يطلقها إلا لعذر، وهو معترف بفضلها مقر بجميلها، فيكون هذا المتاع الحسن بمنزلة الشهادة بنزاهتها، ويكون أيضًا كالمرهم لجرح القلب، وجبر وحشة الطلاق.
وقد أمرنا الإسلام أن نحافظ على الأعراض بقدر الطاقة، وأن نصون كرامة الناس عن القيل والقال، ولهذا أمر حتى في حالة الطلاق الذي يسبّب في الغالب النزاع والبغضاء بأن لا ننسى الجميل والمودة والإحسان {وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] فإن الروابط في النكاح والمصاهرة روابط مقدسة، فينبغي لمن تزوج من أسرة ثم طلّق، ألاّ ينسى مودة أهل ذلك البيت وصلتهم، فأين نحن المسلمين من هدي هذا الكتاب المبين؟! وأين نحن من إرشاداته الحكيمة، وآدابه الفاضلة؟!. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال القشيري:

ذكر أن العفو أتم وأحسن، إمَّا من جهة المرأة في النصف المستحق لها، أو من قِبَل الزوج في النصف العائد إليه.
ثم قال جلّ ذكره: {وَلاَ تَنسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
يقال من أخذ بالفضل واقتصر على الفرض فعن قريب يخل بالفرض.
ويقال نسيان الفضل يقرب صاحبه من البخل، وإن من سُنَّةِ الكرام إذا خفيت عليهم مواضع الكرم أن يشحذوا بصائر الجود لتطالع لطائف الكرم فتتوفر دواعيهم في اقتناء أسباب الفضل. اهـ.

.قال السعدي:

رغب الله في العفو، وأن من عفا، كان أقرب لتقواه، لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر، ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف، وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة، لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب، وهو: أخذ الواجب، وإعطاء الواجب. وإما فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة، أو مخالطة، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم. اهـ.

.سؤال: لم لم تسقط النون من {يَعْفُونَ} مع دخول {أن} الناصبة للأفعال عليه؟

الجواب: إنما لم تسقط النون من {يَعْفُونَ} وإن دخلت عليه {أن} الناصبة للأفعال لأن {يَعْفُونَ} فعل النساء، فاستوى فيه الرفع والنصب والجزم، والنون في {يَعْفُونَ} إذا كان الفعل مسندًا إلى النساء ضمير جمع المؤنث، وإذا كان الفعل مسندًا إلى الرجال فالنون علامة الرفع فلذلك لم تسقط النون التي هي ضمير جمع المؤنث، كما لم تسقط الواو التي هي ضمير جمع المذكر، والساقط في {يَعْفُونَ} إذا كان للرجال الواو التي هي لام الفعل في {يَعْفُونَ} لا الواو التي هي ضمير الجمع، والله أعلم. اهـ.
المعنى: إلا أن يعفون المطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر، وتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته، ولا استمتع بي فكيف آخذ منه شيئًا. اهـ.