فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة الزمر:
{تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}.
وقوله: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ} ترفع {تنزيل} بإضمار: هذا تنزيل، كما قال: {سُورَةٌ أَنْزلْنَاهَا} ومعناه: هذه سورة أنزلناها وإِن شئتَ جَعَلت رَفعه بمِن. والمعنى: من الله تنزيل الكتاب ولو نصبته وأنت تأمر باتباعه ولزومه كان صَوَابًا؛ كما قالَ الله {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} أي الزمُوا كتابَ الله.
{إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}.
وقوله: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} منصوب بوقوع الإخلاص عَليه. وكذلك مَا أشبهه في القرآن مثل {مُخْلِصِينَ لَهُ الدينَ} ينصب كما في هَذَا. ولو رفعت {الدين} بِلَهُ، وجعَلت الإخلاص مُكتفِيًا غير واقعٍ؛ كأنك قلت: اعبد الله مُطيعًا فَلَه الدين.
{أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}.
وقوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} {الذين} في موضع رفع بِقول مضمر. والمعْنى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يقولون لأوليائهم وهى الأصْنام: ما نعبدكم إلاّ لتقرّبونا إلى الله. وكذلك هي في حَرف أُبىّ وهى حرف عبد الله {قالُوا ما نعبدهم} والحكاية إذا كانت بالقول مضمرًا أو ظاهرًا جاز أن يجعَل الغائب كالمخاطَب، وأن تتركه كالغائب، كقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَيُغْلَبُونَ} و{سَتُغْلَبُونَ} بالياء والتاء عَلَى ما وصفتُ لكَ.
{خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا اله إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}.
وقوله: {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يقول القائل: كيف قال: {خَلَقَكُمْ} لبنى آدم. ثم قال: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} والزوج مخلوق قبل الوَلد؟ ففى ذلكَ وجهان من العربيّة:
أحدهما: أن العرب إذا أخبرت عن رَجل بفعلين رَدّوا الآخر بِثُمَّ إذا كان هو الآخر في المعْنى. وربّما جَعَلوا {ثُمَّ} فيما معناه التقديم وَيَجْعَلون ثم من خبر المتكلّم. من ذلكَ أن تقول: قد بلغنى ما صنعت يَومك هذا، ثمّ ما صَنعت أمس أعجبُ. فهذا نَسَق من خبر المتكلّم. وَتقول: قد أعطيتكَ اليوم شيئًا، ثم الذي أعطيتك أمس أكثر، فهذا من ذلكَ.
وَالوجه الآخر: أن تجعل خَلْقَه الزوج مردودًا على وَاحدة كأنه قال: خلقكم من نفسٍ وَحدها، ثمّ جَعَل منها زوجهَا. ففى وَاحدةٍ مَعْنى خَلْقها وَاحدة.
قال: أنشدنى بعض العرب:
أعددتَه للخَصْم ذى التعدّى ** كوّحتَه منك بُدون الجَهْد

ومعناه الذي إذا تعدى كوَّحتَه، وكوَّحَته: غلبته.
{إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
وقوله: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} يقول: يرضى الشكر لكم. وهذا مِثْل قوله: {فأخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمانًا} أي فزادهم قولُ الناس، فإن قال قائل: كيف قال: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} وقد كفروا؟ قلتُ: إنه لا يرضى أن يكفرو. فمعنى الكفر: أن يكفروا. وليسَ معناه الكفر بعينه. ومثله ممّا يبيّنه لك أن تقول: لست أحبّ الإساءة، وإنى لأحب أن يسىء فلان فيُعذَّب فهذا ممّا يبيّن لك مَعناه.
{وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}.
وقوله: {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} يقول: ترك الذي كان يدعوه إذا مسَّه، الضر يريد الله تعالى. فإن قلت: فهلاّ قيل: نسىَ من كانَ يَدعُو؟ قلت: إن ما قد تكون في موضع مَن قال الله {قُلْ يأيُّهَا الكافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنْتُم عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} يعنى الله. وقال: {فانكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء} فهذا وجه. وبه جاء التفسير، ومثله {أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىّ} وقد تكون {نسىَ ما كان يدعُو إليْه} يراد: نسىَ دعاءه إلى الله من قبل. فإن شئتَ جعلت الهَاء التي في {إليه} لِما وإن شئت جَعَلتَها لله وكلّ مستقيم.
وقوله: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} فهذا تهدُّد وليس بَأمر محض. وكذلك قوله: {فتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وَمَا أشبهه.
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجدًّا وَقَآئِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}.
وقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} قرأها يحيى بن وَثّاب بالتخفيف. وذُكر ذلك عن نافع وحمزة وفسّروهَا يريد: يا من هو قانت. وهو وجه حسَن، العرب تدعو بألف، كما يدعون بيَا. فيقولون: يا زيدُ أقبل، وأَزيدُ أقبل. قال الشاعر:
أبنى لبُيََنْىَ لستم بيدٍ ** إلاّ يدٍ ليسَت لها عَضُد

وقال الآخر:
أضمر بن ضمرةَ ماذا ذكَرْ ** تَ مِن صِرْمة أُخذت بالمُرارِ

وهو كثير في الشعر فيكون المعنى مردودًا بالدعَاء كالمنسُوق، لأنه ذكر الناسىَ الكافر، ثم قَصّ قصة الصالح بالنداء، كما تقول في الكلام: فلان لا يصَلّى ولا يَصُوم فيا من يصَلّى ويصوم أبشر فهذا هو مَعناه. والله أعْلَم.
وقد تكون الألِف استفهامًا بتأويل أم لأن العرب قد تضع أمْ في موضع الألِف إذا سَبَقها كلام، قد وصفت منْ ذلك ما يُكتفى به. فيكون المعْنى أمَن هو قانت خفيف كالأوّل الذي ذُكر بالنسيان والكفر.
ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألِف. وهوالوجه: أن تجعَل أم إذا كانت مردودة عَلَى مَعْنىً قد سَبَق قلتها بأم. وقد قرأ بها الحسن وعاصم وأبو جعفر المدنىّ. يريدون: أَمْ مَن. والعرب تقول: كان هَذَا حين قلت: أأخوك أم الذئب. تقال هذه الكلمة بعد المغرب إذا رأيت الشخص فلم تَدْر ما هو. ومنه قولك: أَفَتِلك أم وَحْشِيّة، وقولك أذلِك أم جَأْب يطارد أُتُنا.
فإن قال قائِل فأين جواب {أمّن هُوَ} فقد تبيَّن في الكلام أنه مضمر، وقد جرى معناه في أوّل الكلمة، إذ ذكر الضالّ ثم ذكر المهتدى بالاستفهام فهو دليل على أنه يريد: أهذا مثل هذا أو أهذا أفضل أم هذا. ومن لم يعْرف مذاهب العرب ويتبيَّن له المعْنى في هذا وشبهِه لم يكتفِ ولم يشتف؛ ألا ترى قول الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رَسُوله ** سواكَ ولكن لم نجد لك مَدْفعَا

أنّ معناه: لو أتانا رسولُ غيرِك لدفعْنَاهُ، فعلم المعنى ولم يُظهر. وجرى قوله: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإِسْلاَمِ} عَلَى مثل هذا.
وقوله: {آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجدًّا وَقَآئِمًا} نُصِب على قوله: يقنت سَاجدًّا مرّةً وقائمًا مَرّةً، أي مطيع في الحالين. ولو رُفع كما رُفعَ القانت كان صَوابًا. والقنوت: الطاعة.
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ}.
وقوله: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ}.
يقال: كيفَ اجتمع اسْتفهامان في مَعْنىً واحدٍ؟ يقال: هذا ممّا يراد به استفهامٌ واحدٌ؛ فيسبِق الاستفهام إلى غير موضعه يُردّ الاستفهام إلى موضعه الذي هو له. وإِنّما المعنى- والله أعْلم-: أفأنت تُنقذ من حَقّت عَليه كلمة العذاب. ومثله من غير الاستفهام قوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُون} فردّ {أنكم} مَرّتين، والمعْنى- والله أعْلم-: أيعِدكُم أنّكم مخرَجون إذا متّم وكنتم ترابًا. ومثله قوله: {لاَ تَحْسَبَنّ الذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنّهُمْ} فرَدّ {تحسبَنّ} مرّتين؛ ومعناهما- والله أعْلم- لا تَحسَبنّ الذينَ يفرحُون بمَا أَتَوْا بمفازة من العَذاب. ومثله كثير في التنزيل وغَيره من كلام العرب.
{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.
وقوله: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} و{عن ذكر الله} كلّ صَواب. تقول: اتّخمتُ منْ طعَامٍ أكلته وعن طَعَام أكلته، سَوَاءً في المعْنى. وكأنّ قوله: قسَت مِنْ ذكره أنهم جَعَلوه كذِبًا فأقسى قلوبهم: زادهَا قَسْوَة. وكأن مَن قال: قست عنه يريد: أعرضت عنه.
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
وقوله: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} أى غير مختلف لا ينقض بعضه بعضًا.
وقوله: {مَّثَانِيَ} أي مكرّرًا يكرّر فيه ذكر الثواب والعقاب.
وقوله: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} تقشعرّ خوفًا من آية العذاب إِذا نزلت {ثُمَّ تَلِينُ} عند نزل آية رَحمة.
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ}.
وقوله: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
يقال: إن الكافر تنطلق به الخَزَنة إلى النار مغلولًا، فيُقذَف به في النارِ، فلا يتّقيها إلاّ بوجهه وَجَوابه من المضمر الذي ذكرتُ لك.
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
وقوله: {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} مختلفون. هَذَا مَثَل ضربه الله للكافر والمؤمن. فجعلَ الذي فيه شركاء الذي يَعبد الآلهةَ المختلفة.
وقوله: {وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ} هو المؤمن الموحِّد. وقد قرأ العوامّ {سَلَمًا} وسَلَمٌ وَسالم متقاربان في المعْنى، وكأنّ {سلما} مصدر لقولكَ: سَلِم لهُ سَلَمًا والعرب تقولُ: رَبِحَ رِبحًْا ورَبحًَا، وسَلِمَ سِلمًا وسَلَمًا وسلامة. فسالم من صفة الرّجل، وسَلَمَ مصدرٌ لذلك. والله أعلم.
حدّثنا أبو العبّاس قال: حدّثنا محمد، قال: حدثنا الفراء قال: حدَّثنى أبو إسْحَاق التيمىّ- وليسَ بصاحب هُشيم- عن أبى رَوْق عن إبراهيم التيمىّ عن ابن عباس أنه قرأ {ورَجُلًا سَالمًا} قال الفراء: وحدثنى ابن عُيَيْنَةَ عن عبدالكريم الجزرى عن مجاهد أنه قرأ {سالمًا}.
وقوله: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} ولم يقل مثلَين، لأنهما جميعًا ضُرِبا مثلا واحدًا، فجرى المَثَل فيهما بالتوحيد ومثله {وجَعَلْنَا ابنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ آيَةً} ولم يقل: آيتين؛ لأن شأنهما وَاحد. ولو قيل مَثَلين أو آيتين كانَ صَوابَا؛ لأنهما اثنانِ في اللفظ.
{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
قوله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} {الذي} غير موقَّت، فكأنه في مذهب جماعٍ فىالمعنى. وفى قراءة عبد الله: {والذين جاءوا بالصّدق وصَدّقوا به} فهذا دَليل أنَّ الذي في تأويل جَمْعٍ.
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
وقوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} قرأها يحيى بن وثّاب وأبو جعفر المدنى {أليس الله بكافٍ عباده} على الجمع. وقرأها لناس {عَبْدَهُ} وذلك أن قريشًا قالت للنبىّ صلى الله عليْه وسلم: أما تخاف أن تَخْبِلَكَ آلهتُنا لعيبكَ إيّاها! فأنزل الله {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} محمّدا صَلى الله عليه وسلم، فكيفَ يخوِّفونكَ بمن دونه. والذين قالوا {عِبَادَهُ} قالوا: قد هَمَّت أممم الأنبياء بهم، ووعَدُوهم مِثلَ هذا، فقالوا لشعيب {إنْ نقُولُ إلاّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بسُوءٍ} فقال الله {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عبادَهُ} أي محمدًا عَلَيْه السلام والأنبيَاء قبله. وكلّ صواب.
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}.
وقوله: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} {مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} نوَّن فيهمَا عَاصم والحسن وشَيْبَة المدنىّ. وَأضَاف يحيى بن وثّاب. وكلّ صَوَاب. ومثله {إنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} و{بالِغٌ أمْرَهُ} و{مُوهِنُ كَيْدِ الكافِرِينَ} و{مُوهِنٌ كَيْدَ الكافِرِين} وللإِضافة مَعْنى مضّى مِنَ الفعل. فإذا رأيتَ الفعْل قد مَضَى في المعْنى فآثر الإضافة فيه، تقول أخوك أَخَذ حقه، فتقول هَا هُنَا: أخوكَ آخذُ حَقِّه. ويقبح أن تقول: آخذٌ حقَّه. فإِذا كان مستقبلًا لم يقع بعدُ قلت: أخوك آخِذٌ حقَّه عن قليل، وآخذُ حقِّه عن قليل: ألا ترى أنك لا تقول: هذا قاتلٌ حمزة مُبغَّضًا، لأن معنَاه مَاضٍ فقبح التنوين؛ لأنه اسم.
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} وَالمعنى فيه يتوفّى الأنفس حينَ موتها، ويتوفّى التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها. ويقال: إن توفِّيهَا نومُها. وهو أحبّ الوجهين إلىَّ لقوله: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}.
ولقوله: {وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُمْ بالليلِ} وتقرأ {قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} {وقُضِى عَليها الموتُ}.
{فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
وقوله: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} خرجَت {هى} بالتأنيث لتأنيث الفتنة. ولو قيل: بل هو فتنة لكان صَوَابًا؛ كما قال: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّى} ومثله كثير في القرآن. وكذلك قوله: {قَدْ قَالَهَا الذينَ منْ قَبْلِهِم} أنثت إرادة الكلمة ولو قيل: قد قَاله الذين منْ قبلهم كان صَوَابا. ومثله في الكلام أن تقول: قد فعَلتهَا وفعَلتَ ذاك: ومثله. قوله: {وَفَعَلْتَ فَعْلتك التي فعَلْتَ} يجوز مكانها لو أتى: وفعَلت فِعلكَ.