فصل: فوائد بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

.قال أبو حيان:

تضمنت هذه الآية الكريمة أنواعًا من الفصاحة، وضروبًا من علم البيان والبلاغة.
الالتفات: في: وأن تعفوا، ولا تنسوا؛ والعدول عن الحقيقة إلى المجاز في: الذي بيده عقدة النكاح، عبر عن الإيجاب والقبول بالعقدة التي تعقد حقيقة، لما في ذلك القول من الارتباط لكل واحد من الزوجين بالآخر. اهـ.

.قال في صفوة التفاسير:

البلاغة:
1- {والوالدات يرضعن} أمر أخرج مخرج الخبر، مبالغة في الحمل على تحقيقه، أي ليرضعن كالآية السابقة {والمطلقات يتربصن}.
2- {أن تسترضعوا أولادكم} فيه إيجاز بالحذف أي تسترضعوا المراضع لأولادكم، كما أن فيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لأن ما قبله {فإن أرادا فصالا} وفائدة هذا الالتفات هز مشاعر الآباء شفقة على الأبناء، ورحمة بهم!
3- {ولا تعزموا عقدة النكاح} ذكر العزم للمبالغة في النهي عن مباشرة النكاح، فإذا نهي عنه، كان النهي عن الفعل من باب أولى.
4- {ما لم تمسوهن} كنى تعالى بالمس عن الجماع تأديبا وتعليما للعباد، في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون به.
5- {وأن تعفوا} و{لا تنسوا الفضل} الخطاب عام للرجال والنساء ولكنه ورد بطريق التغليب.
6- {واعلموا أن الله} إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة والروعة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}.
قوله تعالى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ} هذه الجملة في موضع نصب على الحال، وذو الحال يجوز أن يكون ضمير الفاعل، وأن يكون ضمير المفعول؛ لأنَّ الرباط موجودٌ فيهما، والتقدير: وإن طلقتموهن فارضين لهن، أو مفروضًا لهنَّ، و{فَرِيضَة} فيها الوجهان المتقدمان.
والفاء في {فَنِصْفُ} جواب الشرط، فالجملة في محلِّ جزمٍ؛ جوابًا للشرط، وارتفاع {نِصْفُ} على أحد وجهين: إمَّا الابتداء، والخبر حينئذٍ محذوفٌ، وإن شئت قدَّرته قبله، أي: فعليكم أو فلهنَّ نصف، وإن شئت بعده، أي: فنصف ما فرضتم عليكم- أو لهنَّ- وإمَّا على خبر مبتدأ محذوف، تقديره: فالواجب نصف.
وقرأت فرقةٌ: فَنِصْفَ بالنصب على تقدير: فَادْفَعُوا، أَوْ أَدُّوا، وقال أبو البقاء: ولو قُرِئَ بالنصبِ، لكان وجهه فَأَدَّوا نِصْفَ فكأنه لم يطَّلع عليها قراءة مرويَّةً.
والجمهور على كسر نون {نِصْف}، وقرأ زيدٌ وعليٌّ، ورواها الأصمعيُّ قراءة عن أبي عمرو: {فَنُصْف} بضمِّ النون هنا، وفي جميع القرآن، وهما لغتان، وفيه لغةٌ ثالثة: نَصِيف بزيادة ياءٍ، ومنه الحديث: «مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ».
والنَّصيف- أيضًا-: القناع، قاله القرطبي، والنِّصف: الجزء من اثنين، يقال: نصف الماء القدح، أي: بَلَغَ نِصْفَهُ، ونَصَفَ الإزار السّاق، وكلُّ شيءٍ بلغ نصف غيره، فقد نصفه.
و{مَا} في {مَا فَرَضْتُمْ} بمعنى الَّذِي، والعائدُ محذوف لاستكمالِ الشروطِ، ويضعفُ جعلُها نكرةً موصوفةً.
قوله تعالى: {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ} في هذا الاستثناء وجهان:
أحدهما: أن يكونَ استثناءً منقطعًا، قال ابن عطيَّة وغيره: لأنَّ عَفْوَهُنَّ عَنِ النِّصْفِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَخْذِهِنَّ.
والثاني: أنه متصلٌ، لكنه من الأحوال؛ لأَنَّ قوله: {فنصفُ ما فَرَضْتُمْ} معناه: فالواجبُ عليكم نصفُ ما فَرَضْتُمْ في كلِّ حال، إلا في حال عَفْوِهِنَّ، فإنه لا يجب، وإليه نَحَا أبو البقاء، وهذا ظاهرٌ، ونظيرُه: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] وقال أبو حيان إِلاَّ أَنَّ مَنْ مَنَعَ أَنْ تَقعَ أَنْ وصلتُها حالًا، كسيبويه؛ فإنه يمنعُ ذلك، ويكونُ حينئذٍ منقطعًا.
وقرأ الحسن {يَعْفُونَهُ} بهاء مضمومةٍ وفيها وجهان:
أحدهما: أنها ضميرٌ يعودُ على النِّصف، والأصلُ: إِلاّض أَنْ يَعْفُونَ عَنْهُ، فحُذِف حرفُ الجَرِّ، فاتصل الضميرُ بالفعلِ.
والثاني: أنها هاءُ السكتِ والاستراحةِ، وإنما ضَمَّها؛ تشبيهًا بهاءِ الضميرِ، كقول الآخر الطويل:
هُمُ الفَاعِلُونَ الخَيْرَ والآمِرُونَهُ

على أحدِ التأويلين في البَيت أيضًا.
وقرأ ابن أبي إسحاق: {تَعْفُونَ} بتاءِ الخطابِ، ووجهها الالتفاتُ من ضميرِ الغَيبة إلى الخطابِ، وفائدةُ هذا الالتفاتِ التحضيضُ على عَفْوِهنَّ، وأنه مندوبٌ.
و{يَعْفُونَ} منصوبٌ ب {أَنْ} تقديرًا؛ فإنَّه مبنيٌّ؛ لاتصاله بنونِ الإِناثِ، هذا رأيُ الجمهور، وأمَّا ابن درستويه، والسُّهَيْليُّ: فإنه عندهما معربٌ، وقد فَرَّق الزمخشريُّ وأبو البقاء بين قولك: الرِّجَالُ يَعْفُونَ والنِّسَاءُ يَعْفُونَ وإنْ كان هذا من الواضحاتِ بأنَّ قولك الرِّجَالُ يَعْفُونَ الواو فيه ضميرُ جماعة الذكور، وحُذف قبلها واوٌ أخرى هي لام الكلمة، فإن الأصل: يَعْفُوونَ، فاسْتُقْقلت الضمةُ على الواوِ الأولى، فحُذِفت، فبقيت ساكنةً، وبعدها واو الضمير أيضًا ساكنةٌ، فحُذِفت الواو الأولى؛ لئلاَّ يلتقي ساكنان، فوزنهُ يَعْفُونَ، والنونُ علامة الرفع؛ فإنه من الأمثلةِ الخمسةِ- وأَنَّ قولك: النِّسَاءُ يَعْفُونَ، الواوُ لامُ الفعل، والنون ضميرُ جماعةِ الإِناثِ، والفعل معها مبنيٌّ، لا يظهرُ للعامِل فيه أَثَرٌ قال شهاب الدين: وقد ناقش الشيخ الزمخشريُّ بأنَّ هذا من الواضحات التي بأدنى قراءة في هذا العلم تُعْرَفُ، وبأنه لم يبيِّنْ حذف الواو من قولك: الرِّجَالُ يَعْفُونَ، وأنه لم يذكُرْ خلافًا في بناء المضارع المتَّصلِ بنون الإناث، وكُلُّ هذا سهلٌ لا ينبغي أن يُناقَشَ بمثله.
وقوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَاْ الذي} أَوْ هنا فيها وجهان:
أحدهما: هي للتنويع.
والثاني: أنها للتخيير، والمشهورُ فتحُ الواو؛ عطفًا على المنصوبِ قبله، وقرأ الحسن بسكونها واستثقل الفتحة على الواو، فقدَّرها كما يقدِّرها في الألف، وسائرُ العرب على استخفافها، ولا يجوز تقديرها إلا في ضرورةٍ؛ كقوله- هو عامر بن الطُّفَيل- الطويل:
فَمَا سَوَّدَتْني عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ ** أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُوْ بَأُمِّ وَلاَ أَبِ

ولمَّا سكَّن الواوَ، حُذِفَت للساكن بعدها، وهو اللامُ من الَّذِي، وقال ابنُ عطية والذي عندي أنه استثقل الفتحةَ على واو متطرِّفةٍ قبلها متحرِّكٌ؛ لقلِّةِ مجيئها في كلامهم وقال الخليل: لم يجئ في الكلام واوٌ مفتوحةٌ متطرفةٌ قبلها فتحةٌ إلا قولهم عَفْوَة جمع عَفْو، وهو ولدُ الحِمَارِ، وكذلك الحركة- ما كانت- قبل الواو المفتوحةِ فإنَّها ثقيلةٌ انتهى.
قال أبو حيَّان: فقوله: لقلَّةِ مجيئها، يعني مفتوحةً، مفتوحًا ما قبلَها، وهذا الذي ذكره فيه تفصيلٌ، وذلك أنَّ الحركةَ قبلها: إمَّا أَنْ تكونَ ضمةً، أو كسرةً، أو فتحةً، فإنْ كانَتْ ضمَّةً: فإمَّا أَنْ يكونَ ذلك في اسم أو فعلٍ، فإنْ كان في فعلٍ، فهو كثيرٌ، وذلك جميعُ أمثلةِ المضارع الداخلِ عليها حرف نصبٍ؛ نحو: لَنْ يَغْزُوَ، والذي لحِقَه نونُ التوكيد منها؛ نحو هلَ يَغْزُوَنَّ، وكذلك الأمر؛ نحو: اغْزُوَنَّ، وكذا الماضي على فَعُلَ في التعجب؛ نحو: سَرُوَ الرَّجُل؛ حتى إن ذوات الياء تُرَدُّ إلى الواو في التعجُّب، فيقولون: لَقَضُوَ الرَّجُلُ، على ما قُرِّرَ في بابِ التصريف، وإنْ كان ذلك في اسم: فإمَّا أن يكونَ مبنيًّا على هاءِ التأنيث، فيكثر أيضًا؛ نحو: عَرْقُوة وتَرْقُوة وقمحدوة، وإنْ كان قبلها فتحة، فهو قليل؛ كما ذكر الخليل، وإن كان قبلها كسرةٌ، قُلِبت الواوُ ياءً؛ نحو: الغازي والغازية، وشَذَّ من ذلك أَفْرِوَة جمع فَرِوَة، وهي مَيْلَغَةُ الكَلْب، وسَوَاسِوَة وهم: المستوون في الشَّرِّ، ومَقَاتِوَة جمع مُقْتَو، وهو السائسُ الخادِمُ، وتَلَخَّصَ من هذا أنَّ المراد بالقليل واوٌ مفتوحةٌ متطرِّفة مفْتُوحٌ ما قبلها في اسمٍ غير ملتبسٍ بتاءِ التأنيثِ، فليس قولُ ابن عطية والَّذي عندي إلَى آخره بظاهر.
والمرادُ بقوله: {الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح} قيل: الزوجُ، وقيلَ: الولِيُّ وأل في النكاح للعهدِ، وقيل بدلٌ من الإِضافةِ، أي: نكاحُه؛ كقوله: الطويل:
لَهُمْ شِيمَةٌ لَمْ يُعْطِهَا اللهُ غَيْرَهُمْ ** مِنَ الجُودِ وَالأَحْلاُمُ غَيْرُ عَوَازِبِ

أي: أحلامُهم، وهذا رأيُ الكوفيِّين.
وقال بعضهم: في الكلامِ حذفٌ، تقديره: بيده حِلُّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ؛ كما قيل ذلك في قوله: {وَلاَ تعزموا عُقْدَةَ النكاح} [البقرة: 235]، أي عَقْدَ عُقْدَةِ النكاح، وهذا يؤيِّد أنَّ المرادَ الزَّوْجُ.
قوله تعالى: {وَأَن تعفوا أَقْرَبُ}: {أَنْ تَعْفُوا} في محلِّ رفع بالابتداء؛ لأنه في تأويل عَفْوُكُمْ، وأَقْرَبُ خبره، وقرأ الجمهور {تَعْفُوا} بالخطاب، والمرادُ الرجالُ والنساءُ، فغلَّبَ المذكَّر لأنه الأصلُ، والتأنيث، قلتَ: قَائِمَة فاللفظ الدالُّ على المذكر هو الأَصل، والدالُّ على المؤنَّثِ فرعٌ عليه، وأمَّا المعنى: فلأَنَّ الكمال للذُّكور، والنُّقصانَ للإِناثِ؛ فلهذا متى اجتمع المذكرُ، والمؤنثُ- غُلِّب التذْكير، والظاهِرُ أنه للأزواج خاصَّةً؛ لأنهم المخاطبون في صدر الآيةِ، وعلى هذا فيكونُ التفاتًا من غائبٍ، وهو قوله: {الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح}- على قولنا إنَّ المرادَ به الزوجُ- وهو المختارُ- إلى الخطابِ الأولِ في صدرِ الآية، وقرأ الشَّعبيُّ وأبو نهيك {يَعْفُوا} بياء من تحت، قال أبو حيَّان جعله غائبًا، وجُمِع على معنى: {الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح}؛ لأنه للجنس لا يُراد به واحدق يعني أنَّ قوله: {وَأْنْ يَعْفُوا} أصله يَعْفُوُونَ، فلمَّا دخل الناصبُ، حُذِفت نونُ الرفعِ، ثم حُذِفَت الواوُ التي هي لامُ الكلمةِ، وهذه الباقية هي ضميرُ الجماعةِ، جُمِعَ على معنى الموصُول؛ لأنه وإِنْ كان مفردًا لفظًا، فهو مجموعٌ في المعنى؛ لأنه جنسٌ، ويظهر فيه وجهٌ آخرُ، وهو أن تكونَ الواوُ لامَ الكلمةِ، وفي هذا الفعل ضميرٌ مفردٌ يعودُ على الذي بيده عُقدةُ النِّكَاح، إلا أنه قَدَّر الفتحةَ في الواوِ استثقالًا؛ كما تقدَّم في قراءةِ الحسن، تقديره: وأَنْ يَعْفُو الذي بيده عقدةُ النِّكاح.
قوله: {للتقوى} متعلِّقٌ ب {أَقْرَبُ} وهي هنا للتعديةِ، وقيلَ: بل هي للتعليل، و{أَقْرَبُ} تتعدَّى تارةً باللام، كهذه الآيةِ، وتارةً بإِلَى؛ كقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16]، وليست إِلَى بمعنى اللام، وقيل: بل هي بمعناها، وهذا مذهبُ الكوفيين، أعنى التجوُّزَ في الحروفِ، ومعنى اللامِ وإِلَى في هذا الموضع يتقارَبُ.
وقال أبو البقاء: يجوزُ في غير القرآن: أَقْرَبُ مِنَ التقوَى، وإِلَى التقْوَى، إلاَّ أَنَّ اللامَ هنا تَدُلُّ على معنًى غير معنى إِلَى، وغير معنى مِنْ، فمعنى اللامِ: العفو أَقربُ مِنْ أَجْلِ التقوى، واللام تدلُّ على علَّة قُرب العفو، وإذا قلتَ: أقربُ إلى التقوى، كان المعنى: يقاربُ التقوى؛ كما تقول: أَنْتَ أَقْرَبُ إِلَيَّ، وأَقْرَبُ مِنَ التَّقْوَى يقتضي أن يكون العفو والتقوَى قريبَيْن، ولكنَّ العفوَ أشدُّ قُربًا من التقوَى، وليس معنى الآية على هذا. انتهى.
فجعل اللام للعلة، لا للتعدية، وإِلَى للتعدية.
واعلم أَنَّ فِعْلَ التعجُّب، وأفعلَ التفضيلِ يتعدَّيان بالحرفِ الذي يتعدَّى به فعلهما قبل أن يكونَ تعجُّبًا وتفضيلًا؛ نحو: مَا أَزْهَدَنِي فِيهِ وَهُوَ أَزْهَدُ فِيهِ، وإِنْ كان من متعدٍّ في الأصلِ: فإِنْ كان الفعلُ يُفهم علمًا أو جَهْلًا، تعدَّيا بالباءِ؛ نحو: هُوَ أَعْلَمُ بالفِقْهِ، وإِنْ كان لا يفهم ذلك، تعدَّيا باللامِ، نحو: مَا أَضْرَبَكَ لِزَيْدٍ وأَنْتَ أَضْرَبُ لِعَمرو إِلاَّ في باب الحُبِّ والبُغْضِ، فإنهما يتعَدَّيان إلى المفعول بفي، نحو: مَا أَحَبَّ زَيْدًا فِي عَمرو، وَأَبْغَضَهُ فِي خَالِدٍ، وهو أَحَبُّ في بكرٍ، وأَبْغَضُ في خَالِدٍ وإلى الفاعل المعنويِّ بإِلَى، نحو زَيْدٌ أَحَبُّ إِلَى عمرو من خالِدٍ، ومَا أَحَبَّ زَيْدًا إِلَى عَمْرو، أي: إِنَّ عَمْرًا يُحِبُّ زَيْدًا، وهذه قاعدةٌ جليلةٌ.
والمفضَّلُ عليه في الآيةِ الكريمةِ محذوفٌ، تقديرُه: أقربُ للتقوَى من تَرْكِ العَفْوِ، والياءُ في التقوَى بدلٌ من واو، وواوها بدلٌ من ياءٍ؛ لأنها من وَقَيْتُ أَقِي وِقَايَةً، وقد تقدَّم ذلك أوَّلَ السورة.
قوله: {وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} قرأ الجمهور بضمِّ الواو مِنْ {تَنْسَوا}؛ لأنها واوٌ ضمير، وقرأ ابن يعمر بكسرها تشبيهًا بواو لَوْ كما ضَمّوا الواو من لَو؛ تشبيهًا بواو الضمير، وقال أبو البقاء في واوِ {تَنْسَوا} من القراءات ووجوهها ما ذكرناه في {اشتروا الضلالة} [البقرة: 16]، وكان قد قَدَّم فيها خمسَ قراءاتٍ، فظاهرُ كلامه عودُها كلِّها إلى هنا، إلاَّ أنه لم يُنْقَل هنا إلا الوجهان اللذان ذَكَرْتُهما.
وقرأ علي رضي الله عنه: {وَلاَ تَنَاسَوا} قال ابن عطيَّة: وهي قراءة متمكِّنةٌ في المعنى؛ لأنه موضعُ تَنَاسٍ، لا نِسْيَانٍ، إلاَّ على التشبيه، وقال أبو البقاء: على باب المفاعلةِ، وهي بمعنى المتاركةِ، لا بمعنى السهو، وهو قريبٌ من قولِ ابن عطيَّة.
قوله تعالى: {بَيْنَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه منصوبٌ ب {تَنْسَوا}.
والثاني: أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الفضل، أي كائنًا بينَكثمْ، والأولُ أَوْلَى؛ لأنَّ النهيَ عن فِعْلٍ يكونُ بينَهم أبلغ من فعلٍ لا يكونُ بينَهُم والمرادُ بالفضلِ، أي: إفضال بعضكم لى بعض بإعطاء الرجل تمامَ الصداقِ، أو تركِ المرأَةِ نصيبها، حثَّهما جميعًا على الإحسان، ثم ختم الآية بما يجري مجرى التهديد، فقال: {إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
قال القرطبي: هذا خبرٌ في ضمنه الوعد للمحسنين، والحِرمانُ لغير المحسنين، أي: لا يخفى عليه عفوكم، واستقضاؤكم. اهـ. باختصار.