فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروي عن الحسن أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال: هذا مُتَمَنٍّ.
ولا يقف على قوله: {رَحْمَةَ رَبِّهِ} من خفف {أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ} على معنى النداء؛ لأن قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} متصل إلا أن يقدر في الكلام حذف وهو أيسر، على ما تقدم بيانه.
قال الزجاج: أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذلك لا يستوي المطيع والعاصي.
وقال غيره: الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فهو بمنزلة من لم يعلم.
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الألباب} أي أصحاب العقول من المؤمنين.
قوله تعالى: {قُلْ يا عباد الذين آمَنُواْ} أي قل يا محمد لعبادي المؤمنين {اتقوا رَبَّكُمْ} أي اتقوا معاصيه والتاء مبدلة من واو وقد تقدم.
وقال ابن عباس: يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة.
ثم قال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ} يعني بالحسنة الأولى الطاعة وبالثانية الثواب في الجنة.
وقيل: المعنى للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا، يكون ذلك زيادة على ثواب الآخرة، والحسنة الزائدة في الدنيا الصحة والعافية والظفر والغنيمة.
قال القُشَيري: والأول أصح؛ لأن الكافر قد نال نعم الدنيا.
قلت: وينالها معه المؤمن ويزاد الجنة إذا شكر تلك النعم.
وقد تكون الحسنة في الدنيا الثناء الحسن، وفي الآخرة الجزاء.
{وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} فهاجروا فيها ولا تقيموا مع من يعمل بالمعاصي.
وقد مضى القول في هذا مستوفى في النساء.
وقيل: المراد أرض الجنة؛ رغّبهم في سعتها وسعة نعيمها؛ كما قال: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض} [آل عمران: 133] والجنة قد تسمى أرضًا؛ قال الله تعالى: {وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74] والأول أظهر فهو أمر بالهجرة.
أي ارحلوا من مكة إلى حيث تأمنوا.
الماوردي: يحتمل أن يريد بسعة الأرض سعة الرزق؛ لأنه يرزقهم من الأرض فيكون معناه ورزق الله واسع وهو أشبه؛ لأنه أخرج سعتها مخرج الامتنان.
قلت: فتكون الآية دليلًا على الانتقال من الأرض الغالية، إلى الأرض الراخية؛ كما قال سفيان الثوري: كن في موضع تملأ فيه جرابك خبزًا بدرهم.
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي بغير تقدير.
وقيل: يزاد على الثواب؛ لأنه لو أعطي بقدر ما عمل لكان بحساب.
وقيل: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي بغير متابعة ولا مطالبة كما تقع المطالبة بنعيم الدنيا.
و{الصَّابِرُونَ} هنا الصائمون؛ دليله قوله عليه الصلاة والسلام مخبرًا عن الله عز وجل: «الصوم لي وأنا أجزي به» قال أهل العلم: كل أجر يكال كيلًا ويوزن وزنًا إلا الصوم فإنه يُحْثَى حَثْوًا ويُغْرَف غَرْفًا؛ وحكي عن علي رضي الله عنه.
وقال مالك بن أنس في قوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال: هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها.
ولا شك أن كل من سلّم فيما أصابه، وترك ما نهي عنه، فلا مقدار لأجره.
وقال قتادة: لا والله ما هناك مكيال ولا ميزان، حدثني أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تنصب الموازين فيؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين وكذلك الصلاة والحج ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصبّ عليهم الأجر بغير حساب قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل».
وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أدّ الفرائض تكن من أعبد الناس وعليك بالقنوع تكن من أغنى الناس، يا بُني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتَى بأهل البلاء فلا يُنصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان يُصبّ عليهم الأجر صبًّا» ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
ولفظ صابر يمدح به وإنما هو لمن صبر عن المعاصي، وإذا أردت أنه صبر على المصيبة قلت صابر على كذا؛ قاله النحاس.
وقد مضى في البقرة مستوفى. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ} من مرض وغيره من المكاره {دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} راجعًا ممن كان يدعوه في حالة الرخاء من دون الله عز وجل لعلمه بأنه بمعزل من القدرة على كشف ضره وهذا وصف للجنس بحال بعض أفراده كقوله تعالى: {إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، واستظهر أبو حيان أن المراد بالإنسان جنس الكافر، وقيل: هو معين كعتبة بن ربيعة {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مّنْهُ} أي أعطاه نعمة عظيمة من جنابه من الخول بفتحتين وهو تعهد الشيء أي الرجوع إليه مرة بعد أخرى واطلق على العطاء لما إن المعطي الكريم يتعهد من هو ربيب احسانه ونشو امتنانه بتكرير العطاء عليه مرة بعد أخرى، وقال بعضهم: معنى دخولة في الأصل أعطاه خولا بفتحتين أي عبيدًا وخدمًا أو أعطاه ما يحتاج إلى تعهده والقيام عليه ثم عمم لمطلق العطاء، وجوز الزمخشري كونه من خال يخول خولًا بسكون الواو إذا افتخر، واعترض بأنه صرح في الصحاح أن خال بمعنى افتخر يائي والخيلاء بمعنى التكبر يدل عليه دلالة بينة، وأيضًا خول متعد إلى مفعولين وأخذه منه لا يقضي أن يتعدى للمفعول الثاني.
وأجيب عن الأول بأن الزمخشري من أئمة النقل وقد ثبت عنده وأصله من الخال الذي هو العلامة، وقد نقل فيه الواو والياء ثم قيل لسيما الجمال والخير خال من ذلك وأخذ منه الخيال وأما الاختيال بمعنى التكبر فهو مأخوذ من الخيال لأنه خال نفسه فوق قدره أو جعل لنفسه خال الخير كما يقال: أعجب الرجل فقد وضح أن الاشتقاق يناسبهما ولا ينكر ثبوت الياء بدليل الخيلاء لكن لا مانع من ثبوت الياء أيضًا وليس الاختيال مأخوذًا من الخيلاء بل الخيلاء هو الاسم منه فلا يصلح مانعًا لكن يصلح مثبتًا للياء، وعن الثاني بأنه ليس المراد أن خول مضعف خال بمعنى افتخر حتى يشكل تعديته للمفعول الثاني بل أنه موضوع في اللغة لمعنى أعطى وما ذكر بيان لما أخذ اشتقاقه وأصل معناه الملاحظ في وضعه له ومثله كثير فاصل خوله جعله مفتخرًا بما أنعم عليه ثم قطع النظر عنه وصار بمعنى أعطاه مطلقًا {نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ} أي نسي الضر الذي كان يدعو الله تعالى إلى إزالته وكشفه {مِن قَبْلُ} التخويل فما واقعة على الضر ودعا من الدعوة وهو يتعدى بإلى يقال دعا المؤذن الناس إلى الصلاة ودعا فلان الناس إلى مأدبته والدعوة مجاز عن الدعاء، والمعنى على اعتبار المضاف كما أشير إليه، ويجوز أن يراد بما معنى من للدلالة على الوصفية والتفخيم واقعًا عليه تعالى كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذكر والانثى} [الليل: 3] وقوله سبحانه: {وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3] والدعاء على ظاهره وتعديته بإلى لتضمينه معنى الإنابة أو التضرع والابتهال، والمعنى نسى ربه الذي كان يدعو منيبًا أو متضرعًا إليه وهو وجه لا بأس به، وما قيل من أنه تكلف إذ لا يقال دعا إليه بمعنى دعاه ولا حاجة إلى جعل ما بمعنى من مردود لحسن موقف التضمين واستعمال ما في مقام التفخيم.
وفي الإرشاد أن في ذلك الجعل إيذانًا بأن نسيانه بلغ إلى حيث لا يعرف مدعوه ما هو فضلًا من أن يعرفه من هو، وقيل: ما مصدرية أي نسي كونه يدعو، وقيل: هي نافية وتم الكلام عند قوله تعالى: {نَسِىَ} أي نسي ما كان فيه من الضر ثم نفي أن يكون دعاء هذا الكافر خالصًا لله تعالى من قبل أي من قبل الضر ولا يخفى ما فيه {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا} شركاء في العبادة، والظاهر من استعمالاتهم اطلاق الأنداد على الشركاء مطلقًا، وفي البحر أندادًا أي أمثالًا يضاد بعضها ويعارض، قال قتادة: أي الرجال يطيعهم في المعصية، وقال غيره أوثانًا {لِيُضِلَّ} الناس بذلك {عَن سَبِيلِهِ} عز وجل الذي هو التوحيد.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو، وعيسى {لِيُضِلَّ} بفتح الياء أي ليزداد ضلالًا أو ليثبت عليه وإلا فاصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور، واللام لام العاقبة كما في قوله تعالى: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ} [القصص: 8] بيد أن هذا أقرب إلى الحقيقة لأن الجاعل هاهنا قاصد بجعله المذكور حقيقة الإضلال والضلال وأن لم يعرف بجهله إنهما اضلال وضلال وأما آل فرعون فهم غير قاصدين بالتقاطهم العداوة أصلًا.
{قُلْ} تهديدًا لذلك الجاعل وبيانًا لحاله ومآله {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} أي تمتعًا قليلًا أو زمانًا قليلًا {إِنَّكَ مِنْ أصحاب} أي ملازميها والمعذبين فيها على الدوام، وهو تعليل لقلة التمتع وفيه من الاقناط من النجاة وذم الكفر ما لا يخفى كأنه قيل: إذ قد أبيت ما أمرت به من الإيمان والطاعة فمن حقك أن تؤمر بتركه لتذوق عقوبته.
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الليل} الخ من تمام الكلام المأمور به في قول، وأم إما متصلة قد حذف معادلها ثقة بدلالة مساق الكلام عليه كأنه قيل له تأكيدًا للتهديد وتهكمًا به أأنت أحسن حالًا ومآلا أم من هو قائم بمواجب الطاعات ودائم على وظائف العبادات في ساعات الليل التي فيها العبادة أقرب إلى القبول وأبعد عن الرياء حالتي السراء والضراء لا عند مساس الضر فقط كدأ بك حال كونه {ساجدا وَقَائِمًا} وإلى كون المحذوف المعادل الأول ذهب الأخفش ووافقه غير واحد ولا بأس به عند ظهور المعنى لكن قال أبو حيان: إن مثل ذلك يحتاج إلى سماع من العرب، ونصب {ساجدا وَقَائِمًا} على الحالية كما أشير إليه أي جامعًا بين الوصفين المحمودين وصاحب الحال الضمير المستتر في {قَانِتٌ}.
وجوز كون الحال من ضمير {يَحْذَرُ} الآتي قدم عليه ولا داعي لذلك.
وقرأ الضحاك {ساجد وقائم} برفع كل على أنه خبر بعد خبر، وجوز أبو حيان كونه نعتًا لقانت وليس بذاك، والواو كما أشير إليه للجمع بين الصفتين، وترك العطف على {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} قيل لأن القنوت مطلق العبادة فلم يكن مغايرًا للسجود والقيام فلم يعطفا عليه بخلاف السجود والقيام فإنهما وصفان متغايران فلذا عطف أحدهما على الآخر، وتقديم السجود على القيام لكونه أدخل في معنى العبادة، وذهب المعظم إلى أنه أفضل من القيام لحديث «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» وقوله تعالى: {يَحْذَرُ الآخرة} حال أخرى على التداخل أو الترادف أو استئناف وقع جوابًا عما نشأ من حكاية حاله كأنه قيل ما باله يفعل ذلك؟ فقيل: يحذر الآخرة أي عذاب الآخرة كما قرأ به ابن جبير.
{وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ} فينجو بذلك مما يحذره ويفوز بما يرجوه كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضمير الراجي لا أنه يحذر ضر الدنيا ويرجو خيرها فقط، واما منقطعة وما فيها من الاضراب للانتقال من التبكيت بتكليف الجواب الملجيء إلى الاعتراف بما بينهما من التباين البين كأنه قيل: بل أمن هو قانت الخ، وقدر الزمخشري كغيره مثلك أيها الكافر.
وقال النحاس: أم بمعنى بل ومن بمعنى الذي والتقدير بل الذي هو قانت الخ أفضل مما قبله.
وتعقبه في البحر بأنه لا فضل لمن قبله حتى يجعل هذا أفضل بل يقدر الخبر من أصحاب الجنة لدلالة مقابلة أعني {إنك مِنْ أصحاب النار} [الزمر: 8] عليه ولا يبعد أن يقدر أفضل منك ويكون ذلك من باب التهكم.
وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والأعمش وعيسى وشيبة والحسن في رواية {مِن} بتخفيف الميم وضعفها الأخفش وأبو حاتم ولا التفات إلى ذلك، وخرجت على إدخال همزة الاستفهام التقريري على من والمقابل محذوف أي الذي هو قانت الخ خير أم أنت أيها الكافر، ومثله في حذف المعادل قوله:
دعاني إليها القلب إني لأمره ** سميع فما أدرى أرشد طلابها

فإنه أراد أم غي، وقال الفراء: الهمزة للنداء كأنه قيل يا من هو قانت وجعل قوله تعالى: {قُلْ} خطابًا له، وضعف هذا القول أبو علي الفارسي وهو كذلك، وقوله تعالى: {قُلْ} على معنى قل له أيضًا بيانًا للحق وتصريحًا به وتنبيهًا على شرف العلم والعمل {هَلْ يَسْتوي الَّذينَ يَعْلُمونَ} فيعملون بمقتضى علمهم ويقنتون الليل سجدًّا وركعًا يحذرون الآخرة ويرجون رحمة ربهم فيعملون بمقتضى علمهم ويقنتون الليل سجدًّا وركعًا يحذرون الآخرة ويرجون رحمة ربهم {والذين لاَ يَعْلَمُونَ} فيعلمون بمقتضى جهلهم وضلالهم كدأبك أيها الكافر الجاعل لله تعالى أندادًا والاستفهام للتنبيه على أن كون الأولين في أعلى معارج الخير وكون الآخرين في أقصى مدارج الشر من الظهور بحيث لا يكاد يخفى على أحد من منصف ومكابر، ويعلم مما ذكرنا أن المراد بالذين يعلمون العاملون من علماء الديانة وصرح بإرادة ذلك بعض الأجلة على تقديري الاتصال والانقطاع وأن الكلام تصريح بنفي المساواة بين القانت وغيره المضمنة من حرفي الاستفهام أعني الهمزة وأم على الاتصال أو من التشبيه على الانقطاع وعلى قراءة التخفيف أيضًا قال: وإنما عدل إلى هذه العبارة دلالة على أن ذلك مقتضى العلم وأن العلم الذي لا يترتب عليه العمل ليس بعلم عند الله تعالى سواء جعل من باب إقامة الظاهر مقام المضمر للاشعار المذكور أو استئناف سؤال تبكيتي توضيحًا للأول من حيث التصريح ومن حيث إنهم وصفوا بوصف آخر يقتضي اتصافهم بتلك الأوصاف ومباينتهم لطبقة من لا يتصف.
وهذا أبلغ وأظهر لفظًا لقوله تعالى: {قُلْ} وجوز أن يكون الكلام واردًا على سبيل التشبيه فيكون مقررًا لنفي المساواة لا تصريحًا بمقتضى الأول أي كما لا استواء بين العالم وغيره عندكم من غير ريبة فكذلك ينبغي أن لا يكون لكم ارتياب في نفي المساواة بين القانت المذكور وغيره، وكونه للتصريح بنفي المساواة وحمل الذين يعلمون على العاملين من علماء الديانة على ما سمعت مما لا لا ينبغي أن يختار غيره لتكثير الفائدة، وأما من ارتاب في ذلك الواضح فلا يبعد منه الارتياب في هذا الواضح أيضًا فجوابه أن الاستنكاف عن الجهل مركوز في الطباع بخلاف الأول، ويشعر كلام كثير أن قوله تعالى: {أَم مَّنْ هُوَ} الخ غير داخل في حيز القول والمعنى عليه كما في الأول بتغيير يسير لا يخفى، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه تلا {أَم مَّنْ هُوَ قَانِتٌ} الآية فقال: نزلت في عثمان بن عفان، وأخرج ابن سعد في طبقاته، وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس أنها نزلت في عمار بن ياسر، وأخرج جويبر عنه أنها نزلت في عمار وابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة، وعن عكرمة الاقتصار على عمار، وعن مقاتل المراد بمن هو قانت عمار وصهيب وابن مسعود وأبو ذر، وفي رواية الضحاك عن ابن عباس: أبو بكر وعمر، وقال يحيى بن سلام: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن المراد المتصف بذلك من غير تعيين ولا يمنع من ذلك نزولها فيمن علمت وفيها دلالة على فضل الخوف والرجاء، وقد أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في الموت فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو وأخاف فقال عليه الصلاة والسلام: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الذي يرجو وآمنه الذي يخاف، وفيها رد على من ذم العبادة خوفًا من النار ورجاء الجنة وهو الإمام الرازي كما قال الجلال السيوطي، نعم العبادة لذلك ليس إلا مذمومة بل قال بعضهم بكفر من قال: لولا الجنة والنار ما عبدت الله تعالى على معنى نفي الاستحقاق الذاتي، وفيها دلالة أيضًا على فضل صلاة الليل وأنها أفضل من صلاة النهار، ودل قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِى} الخ على فضل العلم ورفعة قدره وكون الجهل بالعكس.