فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واستدل به بعضهم على أن الجاهل لا يكافىء العالمة كما أنه لا يكافىء بنت العالم، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب} كلام مستقل غير داخل عند الكافة في الكلام المأمور وارد من جهته تعالى بعد الأمر بما تضمن القوارع الزاجرة عن الكفر والمعاصي لبيان عدم تأثيرها في قلوب الكفرة لاختلال عقولهم كما في قوله:
عوجوا فحيوا لنعمي دمنة الدار ** ماذا تحيون من نؤى وأحجار

وهو أيضًا كالتوطئة لأفراد المؤمنين بعد بالخطاب والاعراض عن غيرهم أي إنما يتعظ بهذه البيانات الواضحة أصحاب العقول الخالصة عن شوائب الخلل وأما هؤلاء فبمعزل عن ذلك.
وقرئ {يُذْكَرِ} بالادغام.
{قُلْ يا عِبَادِ الذين ءامَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ} أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذكر المؤمنين ويحملهم على التقوى والطاعة إثر تخصيص التذكر بأولي الألباب وفيه إيذان بأنهم هم أي قل لهم قولي هذا بعينه وفيه تشريف لهم باضافتهم إلى ضمير الجلالة ومزيد اعتناء بشأن المأمور به فإن نقل عين أمر الله تعالى أدخل في إيجاب الامتثال به، وقوله تعالى: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} إلى آخره تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به، والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو خبر مقدم وقوله سبحانه: {فِى هذه الدنيا} متعلق بأحسنوا واسم الإشارة للاحضار، وقوله تبارك وتعالى: {حَسَنَةٌ} مبتدأ وتنوينه للتفخيم أي للمحسنين في الدنيا حسنة في الآخرة أي حسنة والمراد بها الجنة، وقوله عزو جل: {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} جملة معترضة ازاحة لما عسى أن يتوهم من التعلل في التفريط بعدم التمكن في الوطن من رعاية الأوامر والنواهي على ما هي عليه، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} من تتمة الاعتراض فكأنه قيل: اتقوا ربكم فإن للمحسنين في هذه الدنيا الجنة في الأخرى ولا عذر للمفرطين في الإحسان بعدم التمكن في الأوطان فإن أرض الله تعالى واسعة وبلاده كثيرة فليتحولوا إن لم يتمكنوا عنها وليهاجروا إلى ربهم لنيل الرضوان فإن لهم في جنب ذلك ما يتقاصر عنه الجنة ويستلذ له كل محنة وكأنه لما أزاح سبحانه علتهم بأن في أرض الله تعالى سعة وقع في خلدهم هل نكون نحن ومن يتمكن من الإحسان في بلدته فارغ البال رافغ الحال سواء بسواء فأجيبوا إنما يوفى الصابرون الذين صبروا على الهجرة ومفارقة المحاب والاقتداء بالأنبياء والصالحين أجرهم بغير حساب، وأصله إنما توفون أجوركم بغير حساب على الخطاب وعدل عنه إلى المنزل تنبيهًا على أن المقتضى لذلك صبرهم فيفيد أنكم توفون أجوركم بصبركم كما وفى أجر من قبلكم بصبرهم وهو محمول على العموم شامل للصبر على كل بلاء غير مخصوص بالصبر على المهاجرة لكنه إنما جيء به في الآية لذلك وليشمل الصابرين على ألم المهاجرة شمولًا أوليا، والجار والمجرور في موضع الحال إما من الأجر أي إنما يوفون أجرهم كائنًا بغير حساب وذلك بأن يغرف لهم غرفًا ويصب عليهم صبا، واما من الصابرين أي إنما يوفون ذلك كائنين بغير حساب عليه، والمراد على الوجهين المبالغة في الكثرة وهو المراد بقول ابن عباس لا يهتدي إليه حساب الحساب ولا يعرف، وجوز جعل احال من الصابرين على معنى لا يحاسبون أصلًا، والمتبادر ما يفيد المبالغة في كثرة الأجر، ومعنى القصر ما يوفى الصابرون أجرهم إلا بغير حساب جعل الجار والمجرور حالًا من المنصوب أو المرفوع لأن القصر في الجزء الأخير، وفيه من الاعتناء بأمر الأجر ما فيه، وأما اختصاصه بالصابرين دون غيرهم فمن ترتب الحكم على المشتق، هذا ونقل عن السدى أن قوله تعالى: {فِى هذه الدنيا} متعلق بحسنة من حيث المعنى فقيل هو حينئذ حال من {حَسَنَةٌ} ورد بأنها مبتدأ ولا يجوز الحال منه على الصحيح، فإن قيل: يلتزم جعلها فاعل الظرف قيل: لا يتسنى إلا على مذهب الأخفش وهو ضعيف.
وقيل حال من الضمير المستتر في الخبر الراجع إلى {حَسَنَةٌ} وقال الزمخشري: هو بيان لحسنة والتقدير هي في الدنيا، والمراد بها الصحة والعافية أي للمحسنين صحة وعافية في الدنيا، قال في الكشف: وإنما آثر كونه بيانًا مع جواز كونه حالًا عن الضمير الراجع إلى {حَسَنَةٌ} في الخبر لأن المعنى على البيان لا على التقييد بالحال وذلك لأن المعنى على هذا الوجه أن للمحسنين جزاء يسيرًا في الدنيا هو الصحة والعافية وإنما توفية أجورهم في الآخرة ولو قيد بالحال لم يلائم على ما لا يخفى، وحق قوله تعالى: {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} على هذا أن يكون اعتراضًا إزاحة لما قد يختلج في بعض النفوس من خلاف ذلك الجزاء بواسطة اختلاف الهواء والتربة وغير ذلك مما يؤدي إلى آفات في البدن فقيل وأرض الله تعالى واسعة فلا يعدم أحد محلًا يناسب حاله فليتحول عنه إليه إن لم يلائمه ثم يكون فيه تنبيه على أن من جعل الأرض ذات الطول والعرض قطعًا متجاورات تكميلًا لانتعاشهم وارتياشهم يجب أن تقابل نعمه بالشكر ليعدوا من المحسنين ثم قيل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون} أي توفية الأجر لهؤلاء المحسنين إنما يكون في الآخرة والذي نالوه في الدنيا عاجل حظهم وأما الأجر الموفى بغير حساب فذلك للصابرين، ومن سلبناه تلك العاجلة تمحيصًا له وتقريبًا وفي ذلك تسلية لأهل البلاء وتنشيط للعباد على مكابدة العبادات وتحريض على ملازمة الطاعات ثم قال: وهذا أيضًا وجه حسن دقيق والرجحان للأول من وجوه:
أحدها: أن الاعتراض لإزاحة العلة في التفريط أظهر لأنه المقصود من السياق على ما يظهر من قوله تعالى: {اتقوا رَبَّكُمُ}.
الثاني: أنه المطابق لما ورد في التنزيل من نحو {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فتهاجروا فِيهَا} [النساء: 97] {إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فاعبدون} [العنكبوت: 56] الثالث: أن تعلق الظرف بالمذكور المتقدم هو الوجه ما لم يصرف صارف.
الرابع: أنه على ذلك التقدير ليس بمطرد ولا أكثري فإن الحسنة بذلك المعنى في شأن المخالفين أتم والقول بأنها استدراج في شأنهم لا حسنة ليس بالظاهر فقد قال سبحانه: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هذه} [الأعراف: 131] انتهى، ولعمري أن ما رجحه بالترجيح حقيق وما استحسنه واستدقه ليس بالحسن ولا الدقيق، والذي نقله الطبرسي عن السدي تفسير الحسنة في الدنيا بالثناء الحسن والذكر الجميل والصحة والسلامة، وفسرها بعضهم بولاية الله تعالى وعليه فليس للمخالفين منها نصيب، وفي الآية أقوال أخر فعن عطاء أرض الله تعالى المدينة قال أبو حيان: فعلى هذا يكون {أَحْسَنُواْ} هاجروا و{حَسَنَةٌ} راحة من الأعداء، وقال قوم: أرض الله تعالى الجنة، وتعقبه ابن عطية بأنه تحكم لا دليل عليه.
وقال أبو مسلم: لا يمتنع ذلك لأنه تعالى أمر المؤمنين بالتقوى ثم بين سبحانه أنه من اتقى له في الآخرة الحسنة وهي الخلود في الجنة ثم بين جل شأنه أن أرض الله واسعة لقوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاء} [الزمر: 74] وقوله تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السموات والأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] والرجحان لما سمعت أولًا، واختير فيه شمول الحسنة لحسنات الدنيا والآخرة، والمراد بالإحسان الإتيان بالأعمال الحسنة القلبية والقالبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره في حديث جبريل عليه السلام: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» والآية على ما في بعض الآثار نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة وفيها من الدلالة على فضل الصابرين ما فيها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} هذا مثال لتقلب المشركين بين إشراكهم مع الله غيره في العبادة، وبين إظهار احتياجهم إليه، فذلك عنوان على مبلغ كفرهم وأقصاه.
والجملة معطوفة على جملة {ذلكم الله رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ} [الزمر: 6] الآية لاشتراك الجملتين في الدلالة على أن الله منفرد بالتصرف مستوجب للشكر، وعلى أن الكفر به قبيح، وتَتَضمن الاستدلال على وحدانية إلهية بدليل من أحوال المشركين به فإنهم إذا مسهم الضر لجأوا إليه وحده، وإذا أصابتهم نعمة أعرضوا عن شكره وجعلوا له شركاء.
فالتعريف في {الإنْسَانَ} تعريف الجنس ولكن عمومه هنا عموم عرفي لفريق من الإِنسان وهم أهل الشرك خاصة لأن قوله: {وجَعَلَ لله أندَادًا} لا يتفق مع حال المؤمنين.
والقول بأن المراد: انسان معيّن وأنه عتبة بن ربيعة، أو أبو جهل، خروج عن مهيع الكلام، وإنما هذان وأمثالهما من جملة هذا الجنس.
وذكر الإِنسان إظهار في مقام الإِضمار لأن المقصود به المخاطبون بقوله: {خلقكم من نفس واحدة} إلى قوله: {فَيُنَبِئكم بما كُنتمُ تَعْمَلُون} [الزمر: 6، 7]، فكان مقتضى الظاهر أن يقال: وإذا مسكم الضر دعوتم ربكم الخ، فعدل إلى الإِظهار لما في معنى الإِنسان من مراعاة ما في الإِنسانية من التقلب والاضطراب إلا من عصمه الله بالتوفيق كقوله تعالى: {ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيًا} [مريم: 66]، وقوله: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه} [القيامة: 3] وغير ذلك ولأن في اسم الإِنسان مناسبة مع النسيان الآتي في قوله: {نسي ما كان يدعو إليه من قبل}.
وتقدم نظير لهذه الآية في قوله: {وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه} في سورة [الروم: 33].
والتخويل: الإِعطاء والتمليك دون قصد عوض.
وعينُه واو لا محالة.
وهو مشتق من الخَوَل بفتحتين وهو اسم للعبيد والخدم، ولا التفات إلى فعل خال بمعنى: افتخر، فتلك مادة أخرى غير ما اشتق منه فعل خَوَّل.
والنسيان: ذهول الحافظة عن الأمر المعلوم سابقًا.
ومَا صْدَق {ما} في قوله: {مَا كَانَ يَدْعُوا إلَيْهِ مِن قَبْلُ} هو الضر، أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إليه، أي إلى كشفه عنه، ومفعول {يَدْعُوا} محذوف دل عليه قوله: {دَعَا رَبَّهُ} وضمير {إلَيْهِ} عائد إلى {ما} أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إليه، أي إلى كشفه.
ويجوز أن يكون {ما} صادقًا على الدعاء كما تدل عليه الصلة ويكون الضمير المجرور ب إلى عائدًا إلى {رَبَّهُ} أي نسي الدعاء، وضُمّن الدعاء معنى الابتهال والتضرع فعُدي بحرف إلى.
وعائد الصلة محذوف دل عليه فعل الصلة تفاديًا من تكرر الضمائر.
والمعنى: نسي عبادة الله والابتهال إليه.
والأنداد: جمع نِدّ بكسر النون، وهو الكفء، أي وزاد على نسيان ربه فجعل له شركاء.
واللام في قوله: {لّيُضِلَّ عن سبيلِهِ} لام العاقبة، أي لام التعليل المجازي لأن الإِضلال لما كان نتيجة الجعل جاز تعليل الجعل به كأنه هو العلة للجاعل.
والمعنى: وجعل لله أندادًا فَضل عن سبيل الله.
وقرأ الجمهور {لّيُضِلَّ} بضم الياء، أي ليضل الناس بعد أن أضل نفسه إذ لا يضل الناس إلا ضَالّ.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بفتح الياء، أي ليَضل هو، أي الجاعل وهو إذا ضلّ أضل الناس.
{سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أصحاب}.
استئناف بياني لأن ذكر حالة الإِنسان الكافر المعرض عن شكر ربه يثير وصفها سؤال السامع عن عاقبة هذا الكافر، أي قل يا محمد للإِنسان الذي جعل لله أندادًا، أي قل لكل واحد من ذلك الجنس، أو روعي في الإِفراد لفظُ الإِنسان.
والتقدير: قل تمتعوا بكفركم قليلًا إنكم من أصحاب النار.
وعلى مثل هذين الاعتبارين جاء إفراد كاف الخطاب بعد الخبر عن الإِنسان في قوله تعالى: {يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر} في سورة [القيامة: 10- 12].
والتمتع: الانتفاع الموقّت، وقد تقدم عند قوله تعالى: {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} في سورة [الأعراف: 24].
والباء في {بِكُفْرِكَ} ظرفية أو للملابسة وليست لتعدية فعل التمتع.
ومتعلِّق التمتع محذوف دل عليه سياق التهديد.
والتقدير: تمتع بالسلامة من العذاب في زمن كفرك أو متكسبًا بكفرك تمتعًا قليلًا فأنت آئل إلى العذاب لأنك من أصحاب النار.
ووصف التمتع بالقليل لأن مدة الحياة الدنيا قليل بالنسبة إلى العذاب في الآخرة، وهذا كقوله تعالى: {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} [التوبة: 38].
وصيغة الأمر في قوله: {تَمَتَّعْ} مستعملة في الإِمهال المراد منه الإِنذار والوعيد.
وجملة {إنَّكَ من أصحابب النَّارِ} بيان للمقصود من جملة {تَمَتَّع بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} وهو الإِنذار بالمصير إلى النار بعد مدة الحياة.
و{من} للتبعيض لأن المشركين بعض الأمم والطوائف المحكوم عليها بالخلود في النار.
وأصحاب النار: هم الذين لا يفارقونها فإن الصحبة تشعر بالملازمة، فأصحاب النار: المخلّدون فيها.
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اليل ساجدا وَقَآئِمًا يَحْذَرُ الاخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ} قرأ نافع وابن كثير وحمزة وَحْدَهم {أَمَنْ} بتخفيف الميم على أن الهمزة دخلت على مَن الموصولة فيجوز أن تكون الهمزة همزة استفهام ومَن مبتدأ والخبر محذوف دل عليه الكلام قبله من ذكر الكافر في قوله: {وجعَلَ لله أندَادًا} إلى قوله: {من أصحَاببِ النَّارِ} [الزمر: 8].
والاستفهام إنكاري والقرينة على إرادة الإِنكار تعقيبه بقوله: {قُلْ هل يسْتَوي الذين يعلمُونَ والذين لا يعلَمُونَ} لظهور أن هل فيه للاستفهام الإِنكاري وبقرينة صلة الموصول.
تقديره: أَمَن هو قانت أفضل أم من هو كافر؟ والاستفهام حينئذٍ تقريري ويقدر له معادل محذوف دل عليه قوله عقبه: {قُلْ هل يسْتَوي الذين يعلمُونَ والذين لا يعلَمُونَ}.
وجعل الفراء الهمزة للنداء ومن هو قانت: النبي، ناداه الله بالأوصاف العظيمة الأربعة لأنها أوصاف له ونداء لمن هم من أصحاب هذه الأوصاف، يعني المؤمنين أن يقولوا: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وعليه فإفراد {قل} مراعاة للفظ مَن المنادَى.
وقرأ الجمهور {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} بتشديد ميم مَن على أنه لفظ مركب من كلمتين أم ومَن فأدغمت ميم أم في ميم مَن.
وفي معناه وجهان:
أحدهما: أن تكون أم معادلة لهمزة استفهام محذوفة مع جملتها دلت عليها أم لاقتضائها معادلًا.
ودل عليها تعقيبه ب {هل يسْتَوي الذين يعلمُونَ والذين لا يعلَمُونَ} لأن التسوية لا تكون إلا بين شيئين.
فالتقدير: أهذا الجاعل لله أندادًا الكافر خير أمَّنْ هو قانت، والاستفهام حقيقي والمقصود لاَزمه، وهو التنبيه على الخطأ عند التأمل.
والوجه الثاني: أن تكون أم منقطعة لمجرد الإِضراب الانتقالي.
وأم تقتضي استفهامًا مقدرًا بعدها.