فصل: المطلب الثالث: خطر الرياء وآثاره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المطلب الثالث: خطر الرياء وآثاره:

الرياء خطره عظيم جدا على الفرد والمجتمع والأمة؛ لأنه يحبط العمل والعياذ بالله ويظهر خطره في الأمور الآتية:
1- الرياء أخطر على المسلمين من المسيح الدجال: قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟: الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل».
2- الرياء أشد فتكا من الذئب في الغنم، قال صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد من حرص المرء على المال والشرف لدينه».
وهذا مثل ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين فيه أن الدين يفسد بالحرص على المال وذلك بأن يشغله عن طاعة الله، وبالحرص على الشرف في الدنيا بالدين، وذلك إذا قصد الرياء والسمعة.
3- خطورة الرياء على الأعمال الصالحة خطر عظيم؛ لأنه يذهب بركتها، ويبطلها والعياذ بالله: {كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين} [البقرة: 264].
هذه هي آثار الرياء تمحق العمل الصالح محقا في وقت لا يملك صاحبه قوة ولا عونا ولا يستطيع لذلك ردا.
قال تعالى: {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} [البقرة: 266].
فهذا العمل الصالح أصله كالبستان العظيم كثير الثمار، فهل هناك أحد يحب أن تكون له هذه الثمار والبستان العظيم ثم يرسل عليها الرياء فيمحقها محقا، وهو في أشد الحاجة إليها!!
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» وفي الحديث: «إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة، ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك».
4- يسبب عذاب الآخرة ولهذا أول من تسعر بهم النار يوم القيامة: قارئ القرآن، والمجاهد، والمتصدق بماله، الذين فعلوا ذلك ليقال: فلان قارئ، فلان شجاع، فلان كريم متصدق. ولم تكن أعمالهم خالصة لله تعالى.
5- الرياء يورث الذل والصغار والهوان والفضيحة، قال صلى الله عليه وسلم: «من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به».
6- الرياء يحرم ثواب الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «بشر هذه الأمة بالسناء والدين، والرفعة، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب».
7- الرياء سبب في هزيمة الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم» وهذا يبين أن الإخلاص لله سبب في نصر الأمة على أعدائها وأن الرياء سبب في هزيمة الأمة!
8- الرياء يزيد الضلال، قال الله تعالى عن المنافقين: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} [البقرة: 9- 10].

.المطلب الرابع: أنواع الرياء ودقائقه:

أبواب الرياء كثيرة نعوذ بالله من ذلك وهذه الأنواع على النحو الآتي:
1- أن يكون مراد العبد غير الله، ويريد ويحب أن يعرف الناس أنه يفعل ذلك، ولا يقصد الإخلاص مطلقا نعوذ بالله من ذلك، فهذا نوع من النفاق.
2- أن يكون قصد العبد ومراده لله تعالى فإذا اطلع عليه الناس نشط في العبادة وزينها وهذا شرك السرائر، قال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر» قالوا: يا رسول الله: وما شرك السرائر؟ قال: «يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه فذلك شرك السرائر».
3- أن يدخل العبد في العبادة لله ويخرج منها لله فعرف بذلك ومدح فسكن قلبه إلى ذلك المدح ومنى النفس بأن يحمدوه ويمجدوه، وينال ما يريده من الدنيا، وهذا السرور والرغبة في الازدياد منه والحصول على مطلوبه يدل على رياء خفي.
4- وهناك رياء بدني: كمن يظهر الصفار والنحول، ليري الناس بذلك أنه صاحب عبادة قد غلب عليه خوف الآخرة. وقد يكون الرياء بخفض الصوت وذبول الشفتين ليدل الناس على أنه صائم.
5- رياء من جهة اللباس أو الزي: كمن يلبس ثيابا مرقعة؛ ليقول الناس إنه زاهد في الدنيا، أو من يلبس لباسا معينا يرتديه ويلبسه طائفة من الناس يعدهم الناس علماء فيلبس هذا اللباس ليقال عالم.
6- الرياء بالقول: وهو على الغالب رياء أهل الدين بالوعظ والتذكير، وحفظ الأخبار والآثار لأجل المحاورة والمجادلة والمناظرة، وإظهار غزارة العلم.
7- الرياء بالعمل كمراءاة المصلي بطول الصلاة والركوع والسجود، وإظهار الخشوع، والمراءاة في الصوم والحج والصدقة.
8- الرياء بالأصحاب والزائرين: كالذي يكلف أن يستزير عالما؛ ليقال إن فلانا قد زار فلانا، ودعوة الناس لزيارته كي يقال: إن أهل الدين يترددون عليه.
9- الرياء بذم النفس بين الناس، ويريد بذلك أن يري الناس أنه متواضع عند نفسه فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به وهذا من دقائق أبواب الرياء.
10- ومن دقائق الرياء وخفاياه: أن يخفي العامل طاعته بحيث لا يريد أن يطلع عليها أحد ولا يسر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدءوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه، وأن يسامحوه في البيع والشراء، فإن لم يجد ذلك وجد ألما في نفسه، كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي أخفاها.
11- ومن دقائق الرياء أن يجعل الإخلاص وسيلة لما يريد من المطالب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «حكي أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يوما تفجرت الحكمة من قلبه على لسانه. قال: فأخلصت أربعين يوما، فلم يتفجر شيء فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي: إنك أخلصت للحكمة لم تخلص لله» وذلك أن الإنسان قد يكون مقصوده نيل الحلم والحكمة، أو نيل تعظيم الناس له ومدحهم له، أو غير ذلك من المطالب. وهذا لم يحصل بالإخلاص لله وإرادة وجهه؛ وإنما حصل هذا العمل لنيل ذلك المطلوب.

.المطلب الخامس: أقسام الرياء وأثره على العمل:

الرياء أعاذنا الله منه أقسام ودركات ينبغي لكل مسلم أن يعرف هذه الأقسام؛ ليهرب منها وهي على النحو الآتي:
1- أن يكون العمل رياء محضا، ولا يراد به إلا مراءاة المخلوقين كحال المنافقين: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142]، وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة، وهذا العمل لا شك في بطلانه وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة، والعياذ بالله.
2- أن يكون العمل لله ويشاركه الرياء من أصله- أي من أوله إلى آخره- فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه وحبوطه أيضا.
3- أن يكون أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء أثناء العبادة فهذه العبادة لا تخلو من حالين:
أ- أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها، فأولها صحيح بكل حال وآخرها باطل. مثل ذلك: إنسان عنده عشرون ريالا يريد أن يتصدق بها، فتصدق بعشرة خالصة لله، ثم طرأ عليه الرياء في العشرة الباقية، فالصدقة الأولى صحيحة مقبولة، والثانية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص.
ب- أن يرتبط أول العبادة بآخرها فلا يخلو الإنسان حينئذ من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون هذا الرياء خاطرا ثم دفعه الإنسان ولم يسكن إليه، وأعرض عنه وكرهه، فإنه لا يضره بغير خلاف، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا».
الأمر الثاني: أن يسترسل معه الرياء ويطمئن إليه ولا يدافعه ويحبه فتبطل جميع العبادة على الصحيح؛ لأن أولها مرتبط بآخرها، مثال ذلك من ابتدأ الصلاة مخلصا بها لله تعالى ثم طرأ عليه الرياء في الركعة الثانية واسترسل معه إلى نهاية صلاته، ولم يدافعه فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها.
4- أن يكون الرياء بعد الانتهاء من العبادة.
وأما إذا عمل المسلم العمل لله خالصا ثم ألقى الله الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك، ففرح بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك لم يضره ذلك، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يعمل العمل لله من الخير ثم يحمده الناس عليه، فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن».

.المطلب السادس: أسباب الرياء ودوافعه:

أصل الرياء حب الجاه والمنزلة، ومن غلب على قلبه حب هذا صار مقصور الهم على مراعاة الخلق، مشغوفا بالتردد إليهم، والمراءاة لهم ولا يزال في أقواله وأفعاله وتصرفاته ملتفتا إلى كل ما يعظم منزلته عند الناس، وهذا أصل الداء والبلاء، فإن من رغب في ذلك احتاج إلى الرياء في العبادات، واقتحام المحظورات. وهذا باب غامض لا يعرفه إلا العلماء بالله، العارفون به، المحبون له.
وإذا فصل هذا السبب والمرض الفتاك رجع إلى ثلاثة أصول:
1- حب لذة الحمد والثناء والمدح.
2- الفرار من الذم.
3- الطمع فيما في أيدي الناس (43).
ويشهد لهذا ما جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».
فقوله «يقاتل شجاعة» أي ليذكر ويشكر ويمدح ويثنى عليه.
وقوله «يقاتل حمية» أي يأنف أن يغلب ويقهر أو يذم.
وقوله «يقاتل رياء» أي ليرى مكانه وهذا هو لذة الجاه والمنزلة في القلوب.
وقد يرغب الإنسان في المدح ولكنه يحذر من الذم كالجبان بين الشجعان، فإنه يثبت ولا يفر، لئلا يذم، وقد يفتي الإنسان بغير علم حذرا من الذم بالجهل، فهذه الأمور الثلاثة هي التي تحرك إلى الرياء وتدعو إليه فاحذرها!

.المطلب السابع: طرق تحصيل الإخلاص وعلاج الرياء:

قد عرف أن الرياء محبط للعمل، وسبب لغضب الله ومقته، وأنه من المهلكات، وأشد خطرا على المسلم من المسيح الدجال.
ومن هذه حاله فهو جدير بالتشمير عن ساق الجد في إزالته وعلاجه، وقطع عروقه وأصوله. ومن هذا العلاج الذي يزيل الرياء ويحصل الإخلاص بإذن الله تعالى ما يأتي:
1- معرفة أنواع العمل للدنيا، وأنواع الرياء، وأقسامه، ودوافعه، وأسبابه ثم قطعها وقلع عروقها وتقدمت هذه الدوافع والأسباب.
2- معرفة عظمة الله تعالى، بمعرفة: أسمائه، وصفاته، وأفعاله معرفة صحيحة مبنية على فهم الكتاب والسنة، على مذهب أهل السنة والجماعة؛ فإن العبد إذا عرف أن الله وحده هو الذي ينفع ويضر، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، إذا عرف ذلك وعلم بأن الله هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له فسيثمر ذلك إخلاصا وصدقا مع الله. فلابد من معرفة أنواع التوحيد كلها معرفة صحيحة سليمة.
3- معرفة ما أعده الله في الدار الآخرة من نعيم وعذاب، وأهوال الموت، وعذاب القبر؛ فإن العبد إذا عرف ذلك وكان عاقلا هرب من الرياء إلى الإخلاص.
4- الخوف من خطر العمل للدنيا والرياء المحبط لعمل؛ فإن من خاف أمرا بقي حذرا منه فينجو؛ ومن خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزلة. فينبغي للمرء بل يجب عليه إذا هاجت رغبته إلى آفة حب الحمد والمدح أن يذكر نفسه بآفات الرياء، والتعرض لمقت الله. ومن عرف فقر الناس وضعفهم استراح كما قال بعض السلف: جاهد نفسك في دفع أسباب الرياء عنك، واحرص أن يكون الناس عندك كالبهائم والصبيان فلا تفرق في عبادتك بين وجودهم وعدمهم، وعلمهم بها أو غفلتهم عنها واقنع بعلم الله وحده.
وبالله وحده ثم بالخوف من حبوط العمل نجا أهل العلم والإيمان من الرياء وحبوط العمل، فعن محمد بن لبيد رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء».