فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: إن النار مجاز عن الضلال من باب إطلاق اسم المسبب على السبب والإنقاذ بدل الهداية من ترشيح المجاز أو مجاز عن الدعاء للإيمان والطاعة وليس بذاك، وجوز أن يكون الجزاء محذوفًا وجملة {فَأَنتَ تُنقِذُ} الخ مستأنفة مقررة للجملة الأولى والتقدير أفمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تخلصه أفأنت تنقذ من في النار.
ولا فرق بين الوجهين في أن الفاء في الأولى للعطف على محذوف ولا في كون المعنى على تنزيل استحقاق العذاب وهم في الدنيا منزلة دخولهم النار وتمثيل حاله عليه الصلاة والسلام في المبالغة في تحصيل هدايتهم بحال من يريد أن ينقذ من في النار منها، نعم الكلام على الأول جملة وعلى الثاني جملتان، واستظهر أبو حيان أن {مِنْ} موصولة مبتدأ والخبر محذوف، وحكي أن منهم من يقدره يتأسف عليه ومنهم من يقدره يتخلص منه ومنهم من يقدره فأنت تخلصه، ولا يخفى أن التقدير الأخير أولى، وذكر أن النحاة على أن الفاء في مثل هذا التركيب للعطف وموضعها قبل الهمزة لكن قدمت الهمزة لأن لها صدر الكلام وقال: إن القول بأن كلًا منهما في مكانه قول انفرد به الزمخشري فيما علمنا وفي المغني ترجيح القول بأن الهمزة مقدمة من تأخير وعليه يقدر المعطوف عليه ما أنت مالك أمرهم أو ما أخبر الله تعالى به واقع لا محالة أو كل كافر مستحق للعذاب أو نحو ذلك مما يناسب المعنى المراد.
{لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} استدراك بين ما يشبه النقيضين والضدين وهما المؤمنون والكافرون وأحوالهما، والمراد بالذين اتقوا الموصوفون بما عدد من الصفات الفاضلة، والغرف جمع غرفة وهي العلية أي لهم علالي كثيرة جليلة بعضها فوق بعض {مَّبْنِيَّةٌ} قيل: هو كالتمهيد لقوله تعالى: {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا} أي من تحت تلك الغرف الفوقانيات والتحتانيات {الأنهار} أي مبنية بناءًا يتأتى معه جري الأنهار من تحتها وذلك على خلاف علالي الدنيا فيفيد الوصف بذلك أنها سويت تسوية البناء على الأرض وجعلت سطحًا واحدًا يتأتى معه جري الأنهار عليه على أن مياه الجنة لما كانت منحدرة من بطنان العرش على ما في الحديث فهي أعلى من الغرف فلا عجب من جري الماء عليها فوقًا وتحتًا لكن لابد من وضع يتأتى معه الجري فالوصف المذكور لإفادة ذلك.
وقال بعض الأجلة: الظاهر أن هذا الوصف تحقيق للحقيقة وبيان أن الغرف ليست كالظلل حيث أريد بها المعنى المجازي على الاستعارة التهكمية، وقال بعض فضلاء إخواننا المعاصرين: فائدة التوصيف بما ذكر الإشارة إلى رفعة شأن الغرف حيث آذن أن الله تعالى بانيها وماذا عسى يقال في بناء بناه الله جل وعلا.
وأقول والله تعالى أعلم: وصفت الغرف بذلك للإشارة إلى أنها مهيأة معدة لهم قد فرغ من أمرها كما هو ظاهر الوصف لا أنها تبنى يوم القيامة لهم، وفي ذلك من تعظيم شأن المتقين ما فيه، وفي الآية على هذا رد على المعتزلة وكأن الزمخشري لذلك لم يحم حول هذا الوجه واقتصر على ما حكيناه أولًا مع أن ما قلناه أقرب منه فليحفظ.
{وَعَدَ الله} مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله فإنه وعد أي وعد {لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد} لما في خلفه من النقص المستحيل عليه عز وجل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} لما انتهى تهديد المشركين وموعظة الخلائق أجمعين ثُني عنان الخطاب إلى جانب المؤمنين فيما يختص بهم من البشارة مقابلة لنذارة المشركين.
والجملة معطوفة على جملة {قُلْ إنَّ الخاسرين الذين خسِرُوا أنفسهم} [غافر: 15] الآية.
والتعبير عن المؤمنين ب {الذين اجتنبوا الطاغوت} لما في الصلة من الإِيماء إلى وجه بناء الخبر وهو {لهُمُ البشرى} وهذا مقابل قوله: {ذلك يُخوفُ الله به عِباده} [الزمر: 16].
والطاغوت: مصدر أو اسم مصدر طَغا على وزن فَعَلُوت بتحريك العين بوزن رَحموتٍ وملوكت.
وفي أصله لغتان الواو والياء لقولهم: طغا طُغُوًّا مثل علوّ، وقولهم: طغوان وطغيان.
وظاهر القاموس أنه واوي، وإذ كانت لامه حرف علة ووقعت بعدها واوُ زِنةِ فَعلوت استثقلت الضمة عليها فقدموها على العين ليتأتّى قلبها ألفًا حيث تحركت وانفتح ما قبلها فصار طاغوت بوزن فَلَعُوت بتحريك اللام وتاؤُه زائدة للمبالغة في المصدر.
ومن العلماء من جعل الطاغوت اسمًا أعجميًا على وزن فَاعول مثل جالوت وطالوت وهارون، وذكره في الإتقان فيما وقع في القرآن من المعرّب وقال: إنه الكاهن بالحبشية.
واستدركه ابن حجر فيما زاده على أبيات ابن السبكي في الألفاظ المعرَّبة الواقعة في القرآن، وقد تقدم ذكره بأخصر مما هنا عند قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} في سورة [النساء: 51].
وأُطلق الطاغوت في القرآن والسنة على القوي في الكفر أوْ الظلم، فأطلق على الصّنم، وعلى جماعة الأصنام، وعلى رئيس أهل الكفر مثل كعب بن الأشرف.
وأما جمعه على طواغيت فذلك على تغليب الاسمية علمًا بالغلبة إذ جعل الطاغوت لواحد الأصنام وهو قليل، وهو هنا مراد به جماعة الأصنام وقد أجرى عليه ضمير المؤنث في قوله: {أن يعْبُدُوهَا} باعتبار أنه جمع لغير العاقل، وأجري عليه ضمير جماعة الذكور في قوله تعالى: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} في سورة [البقرة: 257] باعتبار أنه وقع خبرًا عن الأولياء وهو جمع مذكر، وباعتبار تنزيلها منزلة العقلاء في زعم عبادها.
و{أن يعبُدُوها} بدل من {الطَّاغُوتَ} بدل اشتمال.
والإِنابة: التوبة وتقدمت في قوله: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} في سورة [هود: 75].
والمراد بها هنا التوبة من كل ذنب ومعصية وأعلاها التوبة من الشرك الذي كانوا عليه في الجاهلية.
والبشرى: البشارة، وهي الإِخبار بحصول نفع، وتقدمت في قوله تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} في سورة [يونس: 64].
والمراد بها هنا: البشرى بالجنة.
وفي تقديم المسند من قوله: {لهُمُ البشرى} إفادة القصر وهو مثل القصر في {أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}.
وفرع على قوله: {لهُمُ البُشْرى}.
قوله: {فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنه} وهم الذين اجتنبوا الطاغوت، فعدل عن الإِتيان بضميرهم بأن يقال: فبشرهم، إلى الإِظهار باسم العِباد مضاف إلى ضمير الله تعالى، وبالصلة لزيادة مدحهم بصفتين أخريين وهما: صفة العبودية لله، أي عبودية التقرب، وصفة استماع القول واتباع أحسنه.
وقرأ العشرة ما عدا السوسي رَاويَ أبي عمرو كلمة عبادِ بكسر الدال دون ياء وهو تخفيف واجْتزاء بوجود الكسرة على الدال.
وقرأها السوسي بياء بعد الدال مفتوحة في الوصل وساكنة في الوقف، ونقل عنه حذف الياء في حالة الوقف وهما وجهان صحيحان في العربية كما في التسهيل، لكن اتفقت المصاحف على كتابة عبادِ هنا بدون ياء بعد الدال وذلك يوهن قراءة السوسي إلاّ أن يتأول لها بأنها من قبيل الأداء.
والتعريف في القَوْلَ تعريف الجنس، أي يستمعون الأقوال مما يدعو إلى الهدى مثلَ القرآن وإرشادَ الرسول صلى الله عليه وسلم ويستمعون الأقوال التي يريد أهلها صرفهم عن الإِيمان من ترهات أئمة الكفر فإذا استمعوا ذلك اتبعوا أحسنه وهو ما يدعو إلى الحق.
والمراد: يتبعون القول الحسن من تلك الأقوال، فاسم التفضيل هنا ليس مستعملًا في تفاوت الموصوف به في الفضل على غيره فهو للدلالة على قوة الوصف، مثل قوله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} [يوسف: 33].
أثنى الله عليهم بأنهم أهل نقد يميزون بين الهدى والضلال والحكمة والأوهام نُظّار في الأدلة الحقيقية نُقّاد للأدلة السفسطائية.
وفي الموصول إيماء إلى أن اتباع أحسن القول سبب في حصول هداية الله إياهم.
وجملة {أُولئِكَ الذينَ هداهُم الله} مستأنفة لاسترعاء الذهن لتلقي هذا الخبر.
وأكد هذا الاسترعاء بجعل المسند إليه اسم إشارة ليتميز المشار إليهم.
أكمل تميزه مع التنبيه على أنهم كانوا أحرياء بهذه العناية الربانية لأجل ما اتصفوا به من الصفات المذكورة قبل اسم الإِشارة وهي صفات اجتنابهم عبادة الأصنام مع الإِنابة إلى الله واستماعهم كلام الله واتباعهم إياه نابذين ما يلقي به المشركون من أقوال التضليل.
والإِتيان باسم الإشارة عقب ذكر أوصاف أو أخبارٍ طريقة عربية في الاهتمام بالحكم والمحكوم عليه فتارة يشار إلى المحكوم عليه كما هنا وتارة يشار إلى الخبر كما في قوله: {هذا وإن للطاغين لشر مئاب} في سورة [ص: 55].
وقد أفاد تعريف الجزأين في قوله: {أُولئكَ الذينَ هداهُم الله} قصر الهداية عليهم وهو قصر صفة على موصوف وهو قصر إضافي قصر تعيين، أي دون الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم.
ومعنى {هدَاهُمُ الله} أنهم نالوا هذه الفضيلة بأن خلق الله نفوسهم قابلة للهدى الذي يخاطبهم به الرسول صلى الله عليه وسلم فتهيأت نفوسهم لذلك وأقبلوا على سماع الهدى بشَرَاشِرهم وسعوا إلى ما يبلغهم إلى رضاه وطلبوا النجاة من غضبه.
وليس المراد بهدي الله إياهم أنه وجه إليهم أوامر إرشاده لأن ذلك حاصل للذين خوطبوا بالقرآن فأعرضوا عنه ولم يتطلبوا البحث عما يرضي الله تعالى فأصروا على الكفر.
وأشارت جملة {وأُولئِكَ هُم أُولوا الألبَابِ} إلى معنى تهيئهم للاهتداء بما فطرهم الله عليه من عقول كاملة، وأصل الخِلقة ميَّالة لفهم الحقائق غير مكترثة بالمألوف ولا مُرَاعاة الباطل، على تفاوت تلك العقول في مدى سرعة البلوغ للاهتداء، فمنهم من آمن عند أول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم مثل خديجة وأبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، ومنهم من آمن بُعيد ذلك أو بَعده، فأشير إلى رسوخ هذه الأحوال في عقولهم بذكر ضمير الفصل مع كلمة {أُولُوا} الدالة على أن الموصوف بها ممسك بما أضيفت إليه كملة {أُوْلُوا} وبما دل عليه تعريف {الألبابِ} من معنى الكمال، فليس التعريف فيه تعريف الجنس لأن جنس الألباب ثابت لجميع العقلاء.
وأشار إعادة اسم الإِشارة إلى تميزهم بهذه الخصلة من بين نظرائهم وأهل عصرهم.
وفيه تنبيه على أن حصول الهداية لابد له من فاعل وقابل، فأشير إلى الفاعل بقوله تعالى: {هداهم الله} وإلى القابل بقوله: {هُم أُولوا الألبابِ}.
وفي هذه الجملة من القصر ما في قوله: {أُولئِكَ الذينَ هداهُمُ الله}.
وقد دل ثناء الله على عباده المؤمنين الكمّل بأنهم أحرزوا صفة اتباع أحسن القول الذي يسمعونه، على شرف النظر والاستدلال للتفرقة بين الحق والباطل وللتفرقة بين الصواب والخطأ ولغلق المجال في وجه الشبهة ونفي تلبس السفسطة.
وهذا منه ما هو واجب على الأعيان وهو ما يكتسب به الاعتقاد الصحيح على قدر قريحة الناظر، ومنه واجب على الكفاية وهو فضيلة وكمال في الأعيان وهو النظر والاستدلال في شرائع الإسلام وإدراكُ دلائل ذلك والفقهُ في ذلك والفهم فيه والتهممُ برعاية مقاصده في شرائع العبادات والمعاملات، وآداب المعاشرة لإِقامة نظام الجامعة الإِسلامية على أصدق وجه وأكمله، وإلجامُ الخائضين في ذلك بعماية وغرور، وإلقامُ المتنطعين والملحدين.
ومما يتبع ذلك انتقاء أحسن الأدلة وأبلغغِ الأقوال الموصلة إلى هذا المقصود بدون اختلال ولا اعتلال بتهذيب العلوم ومؤلفاتها، فقد قيل: خذوا من كل علم أحسنه أخذًا من قوله تعالى هنا: {الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنَهُ}.
وعن ابن زيد نزلت في زيد بن عَمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها في جاهليتهم واتّبعوا أحسن ما بلغهم من القول.
وعن ابن عباس نزل قوله: {فبشّر عِبَادِ الذينَ يستَمِعونَ القولَ} الآية في عثمان وعبد الرحمان بن عوف وطلحة والزبير وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص جاؤوا إلى أبي بكر الصديق حين أسلم فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا.
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)} لما أفاد الحصر في قوله: {لهُم البشرى} [الزمر: 17] والحصران اللذان في قوله: {أُولئِكَ الذينَ هداهُم الله وأُولئِكَ هم أُولوا الألبابِ} [الزمر: 18] أنّ من سواهم وهم المشركون لا بشرى لهم ولم يهدهم الله ولا ألباب لهم لعدم انتفاعهم بعقولهم، وكان حاصل ذلك أن المشركين محرومون من حسن العاقبة بالنعيم الخالد لحرمانهم من الطاعة التي هي سببه فُرع على ذلك استفهام إنكاري مفيد التنبيه على انتفاء الطماعية في هداية الفريق الذي حقت عليه كلمة العذاب، وهم الذين قُصد إقصاؤهم عن البشرى، والهدايةِ والانتفاععِ بعقولهم، بالقصر المصوغة عليه صِيَغ القصر الثلاث المتقدمة كما أشرنا إليه.
وقَد جاء نظم الكلام على طريقة مبتكرة في الخبر المهتم به بأن يؤكد مضمونه الثابت للخبر عنه، بإثبات نقيضضِ أو ضدِّ ذلك المضمون لضد المخبر عنه ليتقرر مضمون الخبر مرتين مرةً بأصله ومرة بنقيضه أو ضده، لضد المخبر عنه كقوله تعالى: {هذا وإن للطاغين لشر مئاب} [ص: 55] عَقب قوله: {هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مئاب} [ص: 49].
ويكثر أن يقع ذلك بعد الإِتيان باسم إشارة للخبر المتقدم كما في الآية المذكورة أو للمخبر عنه كما في هذه السورة في قوله آنفًا: {أُولئِكَ الذين هداهُم الله} [الزمر: 18] فإنه بعد أن أشير إلى الموصوفين مرتين فرع عليه بعده إثبات ضد حكمهم لمن هم متصفون بضد حالهم.
وبهذا يَظهر حسن موقع الفاء لتفريع هذه الجملة على جملة {أُولئك الذين هداهم الله وأُولئك هم أُولوا الألبابِ} [الزمر: 18] لأن التفريع يقتضي اتصالًا وارتباطًا بين المفرَّع والمفرّع عليه وذلك، كالتفريع في قول لبيد:
أفتلك أم وحشيةٌ مَسْبُوعَة ** خَذَلت وهاديةُ الصِوار قِوامها

إذ فَرَّع تشبيهًا على تشبيه لاختلاف المشبه بهما.
وكلمة {العذَابِ} كلام وعيد الله إياهم بالعذاب في الآخرة.
ومعنى {حَقَّ} تحققت في الواقع، أي كانت كلمة العذاب المتوعَّد بها حقًّا غير كذب، فمعنى {حَقَّ} هنا تحقق، وحَقّ كلمة العذاب عليهم ضد هدي الله الآخرين، وكونُهم في النار ضد كون الآخرين لهم البشرى، وترتيبُ المتضادْين جرى على طريقة شِبه اللف والنشر المعكوس، نظير قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم اللَّه على قلوبهم} إلى قوله: {ولهم عذاب عظيم} [البقرة: 6- 7] بعد قوله: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} إلى قوله: {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} [البقرة: 4، 5]، فإن قوله: {ختم اللَّه على قلوبهم} ضد لقوله: {أولئك على هدى من ربهم} وقوله: {ولهم عذاب عظيم} ضد قوله: {أولئك هم المفلحون}.