فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الجمهور: {ليُضل} بضم الياء، وقرأها الباقون: أبو عمرو وعيسى وابن كثير وشبل بفتحها ثم أمر تعالى نبيه أن يقول لهم على جهة التهديد قولًا يخاطب به واحدًا منهم: {تمتع بكفرك} أي تلذذ به واصنع ما شئت، والقليل: هو عمر هذا المخطاب، ثم أخبره أنه {من أصحاب النار} أي من سكانها والمخلدين فيها.
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجدًّا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة: {أمَن} بتخفيف الميم، وهي قراءة أهل مكة والأعمش وعيسى وشيبة بن نصاح، ورويت عن الحسن، وضعفها الأخفش وأبو حاتم. وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي والحسن والأعرج وقتادة وأبو جعفر: {أمّن} بتشديد الميم، فأما القراءة الأولى فلها وجهان، أحدهما: وهو الأظهر أن الألف تقرير واستفهام، وكأنه يقول: أهذا القانت خير أم هذا المذكور الذي يتمتع بكفره قليلًا وهو من أصحاب النار؟ وفي الكلام حذف يدل عليه سياق الآيات مع قوله آخرًا: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} ونظيره قول الشاعر امرىء القيس: الطويل:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله ** سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

ويوقف على هذا التأويل على قوله: {رحمة ربه}. والوجه الثاني: أن يكون الألف نداء، والخطاب لأهل هذه الأوصاف، كأنه يقول: أصحاب هذه الصفات {قل هي يستوي} فهذا السؤال ب {هل} هو للقانت، ولا يوقف على التأويل على قوله: {رحمة ربه} وهذا معنى صحيح، إلا أنه أجنبي من معنى الآيات قبله وبعده، وضعفه أبو علي الفارسي. وقال مكي: إنه لا يجوز عند سيبويه، لأن حرف النداء لا يسقط مع المبهم وليس كما قال مكي، أما مذهب سيبويه في أن حرف النداء لا يسقط مع الميم، فنعم، لأنه يقع الإلباس الكثير بذلك، وأما أن هذا الموضع سقط فيه حرف النداء فلا، والألف ثابتة فيه ظاهرة، وأما القراءة بتشديد الميم فإنها: أم دخلت على: من والكلام على هذه القراءة لا يحتمل إلا المعادلة بين صنفين، فيحتمل أن يكون ما يعادل أم متقدمًا في التقدير، كأنه يقول: أهذا الكافر خير أم من، ويحتمل أن تكون أم قد ابتدأ بها بعد إضراب مقدر ويكون المعادل في آخر الكلام، والأول أبين.
والقانت: المطيع، وبهذا فسر ابن عباس رضي الله عنه، والقنوت في كلام العرب: يقع على القراءة وعلى طول القيام في الصلاة، وبهذا فسرها ابن عمر رضي الله عنه، وروي عن ابن عباس أنه قال: من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في سواد الليل ساجدًّا أو قائمًا، ويقع القنوت على الدعاء وعلى الصمت عبادة. وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القنوت: الطاعة. وقال جابر بن عبد الله: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت» والآناء: الساعات، واحدها: أني كمعى ومنه قولهم: لن يعدو شيء أناه، ومنه قوله تعالى: {غير ناظرين إناء} [الأحزاب: 53] على بعض التأويلات في ذلك ويقال في واحدها أيضًا: أنى على وزن قفى، ويقال فيه أيضًا: إني بكسر الهمزة وسكون النون، ومنه قول الهذلي: البسيط.
حلو ومر كعطف القدح مرته ** في كل إني حداه الليل ينتعل

وقرأ الضحاك: {ساجدٌ وقائمٌ} بالرفع فيهما.
وقوله تعالى: {يحذر الآخرة} معناه يحذر حالها وهولها. وقرأ سعيد بن جبير: {يحذر عذاب الآخرة} و{أولو} معناه أصحاب الألباب، واحدهم: ذو.
وقرأ جمهور القراء: {قل يا عبادي} بفتح الياء. وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش: {يا عبادي} بياء ساكنة. وقرأ أبو عمرو أيضًا وعاصم والأعمش وابن كثير: {يا عباد} بغير ياء في الوصل.
ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة. ووعد تعالى بقوله: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة} ويحتمل أن يكون قوله: {في هذه الدنيا} متعلقًا ب {أحسنوا} فكأنه يريد أن الذين يحسنون في الدنيا لهم حسنة في الآخرة وهي الجنة والنعيم، قاله مقاتل، ويحتمل أن يريد: أن الذين يحسنون لهم حسنة في الدنيا وهي العاقبة والظهور وولاية الله تعالى، قاله السدي. وكان قياس قوله أن يكون في هذه الدنيا متأخرًا ويجوز تقديمه، والأول أرجح أن الحسنة هي في الآخرة.
{وأرض الله} يريد بها البلاد المجاورة التي تقتضيها القصة التي في الكلام فيها، وهذا حض على الهجرة، ولذلك وصف الله الأرض بالسعة. وقال قوم: أراد بالأرض هنا الجنة، وفي هذا القول تحكم لا دليل عليه.
ثم وعد تعالى على الصبر على المكاره والخروج عن الوطن ونصرة الدين وجميع الطاعات: بأن الأجر يوفى {بغير حساب} وهذا يحتمل معنيين، أحدهما: أن الصابر يوفى أجره ثم لا يحاسب عن نعيم ولا يتابع بذنوب، فيقع {الصابرون} في هذه الآية على الجماعة التي ذكرها النبي عليه السلام أنها تدخل الجنة دون حساب في قوله: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون وجوههم على صورة القمر ليلة البدر» الحديث على اختلاف ترتيباته. والمعنى الثاني: أن أجور الصابرين توفى بغير حصر ولا وعد، بل جزافًا، وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى، ومنه قول الشاعر طويس المغني: الكامل:
ما تمنعي يقضى فقد تعطينه ** في النوم غير مسرد محسوب

وإلى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين حتى قال قتادة: ليس ثم والله مكيال ولا ميزان، وفي بعض الحديث أنه لما نزلت: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261] قال النبي عليه السلام: اللهم زد أمتي فنزلت بعد ذلك: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة} [البقرة: 245]، فقال: اللهم زد أمتي حتى أنزلت: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} فقال: رضيت يا رب.
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)} أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية بأن يصدع للكفار فيما أمر به من عبادة ربه.
وقوله: {وأمرت} لأن معناه: وأمرت بهذا الذي ذكرت لكي أكون أول من أسلم من أهل عصري وزمني، فهذه نعمة من الله عليه وتنبيه منه.
وقوله: {أخاف إن عصيت} فعل معلق بشرط وهو العصيان، وقد علم أنه عليه السلام معصوم منه، ولكنه خطاب للأمة يعمهم حكمه ويحفهم وعيده.
وقوله تعالى: {قل الله أعبد} تأكيد للمعنى الأول وإعلام بامتثاله كله للأمر، وهذا كله نزل قبل القتال لأنها موادعات.
وقوله: {فاعبدوا ما شئتم من دونه} صيغة أمر على جهة التهديد كنحو قوله: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] وقوله: {تمتع بكفرك} [الزمر: 8]، وهذا كثير، و{الذين} في قوله: {الذين خسروا أنفسهم} في موضع رفع خبر، لأن قوله: {وأهليهم} قيل معناه أنهم خسروا الأهل الذي كان يكون لهم لو كانوا من أهل الجنة، فهذا كما لو قال: خسروا أنفسهم ونعيمهم، أي الذي كان يكون بهم، وقيل أراد الأنفس والأهلين الذين كانوا في الدنيا، لأنهم صاروا في عذاب النار، ليس لهم نفوس مستقرة ولا بدل من أهل الدنيا، ومن له في الجنة قد صار له إما أهله وإما غيرهم على الاختلاف فيما يؤثر في ذلك فهو على كل حال لا خسران معه بتة.
{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} هذه صفة حال أهل جهنم. والظلة: ما غشي وغم كالسحابة وسقف البيت ونحوه، فأما ما فوقهم فكونه ظلة بين، وأما ما تحتهم فقالت فرقة: سمي ظلة لأنه يتلهب ويصعد مما تحتهم شيء كثير ولهب حتى يكون ظلة، فإن لم يكن فوقهم شيء لكفى فرع الذي تحتهم في أن يكون ظلة، وقالت فرقة: جعل ما تحتهم ظلة، لأنه فوق آخرين، وهكذا هي حالهم إلا الطبقة الأخيرة التي في القعر.
وقوله: {عباده} يريد جميع العالم خوفهم الله النار وحذرهم منها، فمن هدي وآمن نجا، ومن كفر حصل فيما خوف منه. واختلفت القراءة في قوله: {عباد} وقد تقدم نظيره.
وقوله تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت} الآية، قال ابن زيد: إن سبب نزولها زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري، والإشارة إليهم، وقال ابن إسحاق: الإشارة بها إلى عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد والزبير، وذلك أنه لما أسلم أبو بكر سمعوا ذلك فجاؤوه، فقالوا أسلمت؟ قال نعم، وذكرهم بالله فآمنوا بأجمعهم فنزلت فيهم هذه الآية، وهي على كل حال عامة في الناس إلى يوم القيامة يتناولهم حكمها. و{الطاغوت} كل ما يعبد من دون الله. و{الطاغوت} أيضًا: الشيطان، وبه فسر هنا مجاهد والسدي وابن زيد، وأوقعه هنا على جماعة الشياطين، ولذلك أنث الضمير بعد.
وقوله تعالى: {الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه} كلام عام في جميع الأقوال، وإنما القصد الثناء على هؤلاء ببصائر هي لهم وقوام في نظرهم حتى أنهم إذا سمعوا قولًا ميزوه واتبعوا أحسنه.
واختلف المفسرون في العبارة عن هذا، فقالت فرقة: أحسن القول كتاب الله، أي إذا سمعوا الأقاويل وسمعوا القرآن اتبعوا القرآن. وقالت فرقة: القول هو القرآن و{أحسنه} ما فيه من عفو وصفح واحتمال على صبر ونحو ذلك. وقال قتادة: أحسن القول طاعة الله، وهذه أمثلة وما قلناه أولًا يعمها.
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)} أسقط العلامة التي في الفعل المسند إلى الكلمة لوجهين: أحدهما الحائل الذي بين الفعل والفاعل، ولو كان متصلًا به لم يحسن ذلك، والثاني أن الكلمة غير مؤنث حقيقي، وهذا أخف وأجوز من قولهم: حضر القاضي يومًا امرأة، لأن التأنيث هنا حقيقي. وقالت فرقة: في هذا الكلام محذوف أختصره لدلالة الظاهرة عليه تقديرًا: {أفمن حق عليه كلمة العذاب} تتأسف أنت عليه أو نحو هذا من التقدير، ثم استأنف توقيف النبي صلى الله عليه وسلم على أنه يريد أن ينقذ من في النار، أي ليس هذا إليك. وقالت فرقة: الألف في قوله: {أفأنت} إنما هي مؤكدة زادها لطول، وإنما معنى الآية: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟ لكنه زاد الألف الثانية توكيدًا للأمر، وأظهر الضمير العائد تشهيرًا لهؤلاء القوم وإظهارًا لخسة منازلهم، وهذا كقول الشاعر عدي بن زيد العبادي: الخفيف:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء

فإنما أظهر الضمير تنبيهًا على عظم الموت، وهذا كثير، ثم استفتح إخبارًا آخر ب {لكن} وهذه معادلة وتخصيص على التقوى لمن فكر وازدجر.
وقوله تعالى: {من تحتها} أي من تحت الغرف، وعادلت {غرف من فوقها غرف} ما تقدم من الظلل فوقهم وتحتهم. والغرف: ما كان من المساكين مرتفعًا عن الأرض، في الحديث: «إن أهل الجنة ليتراءون الغرف من فوقهم كما يتراءون الكواكب الذي في الأفق» و: {وعدَ الله} نصب على المصدر، ونصبه إما بفعل مضمر من لفظه، وإما بما تضمن الكلام قبل من معنى الوعد على الاختلاف الذي للنحاة في ذلك. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى} أي: بترك إخلاص العبادة له، وتوحيده، والدعاء إلى ترك الشرك، وتضليل أهله {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وهو: يوم القيامة.
قال أكثر المفسرين: المعنى: إني أخاف إن عصيت ربي بإجابة المشركين إلى ما دعوني إليه من عبادة غير الله.
قال أبو حمزة اليماني، وابن المسيب: هذه الآية منسوخة بقوله: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وفي هذه الآية دليل على أن الأمر للوجوب، لأن قبله: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله} [الزمر: 11]، فالمراد: عصيان هذا الأمر {قُلِ الله أَعْبُدُ} التقديم مشعر بالاختصاص، أي: لا أعبد غيره لا استقلالًا، ولا على جهة الشركة، ومعنى {مُخْلِصًا لَّهُ دِينِى} أنه خالص لله غير مشوب بشرك، ولا رياء، ولا غيرهما، وقد تقدّم تحقيقه في أول السورة.
قال الرازي: فإن قيل: ما معنى التكرير في قوله: {قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصًا لَّهُ الدين} [الزمر: 11]، وقوله: {قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِى} قلنا: ليس هذا بتكرير، لأن الأوّل: إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإيمان، والعبادة، والثاني إخبار بأنه أمر أن لا يعبد أحدًا غير الله {فاعبدوا مَا شِئْتُمْ} أن تعبدوه {مِن دُونِهِ} هذا الأمر للتهديد، والتقريع، والتوبيخ كقوله: {اعملوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، وقيل: إن الأمر على حقيقته، وهو منسوخ بآية السيف، والأوّل أولى {قُلْ إِنَّ الخاسرين الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة} أي: إن الكاملين في الخسران هم هؤلاء، لأن من دخل النار، فقد خسر نفسه، وأهله.
قال الزجاج: وهذا يعني به الكفار، فإنهم خسروا أنفسهم بالتخليد في النار، وخسروا أهليهم، لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة، وجملة: {أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين} مستأنفة لتأكيد ما قبلها، وتصديرها بحرف التنبيه للإشعار بأن هذا الخسران الذي حلّ بهم قد بلغ من العظم إلى غاية ليس فوقها غاية، وكذلك تعريف الخسران، ووصفه بكونه مبينًا، فإنه يدلّ على أنه الفرد الكامل من أفراد الخسران؛ وأنه لا خسران يساويه، ولا عقوبة تدانيه.
ثم بيّن سبحانه هذا الخسران الذي حلّ بهم، والبلاء النازل عليهم بقوله: {لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار} الظلل عبارة عن أطباق النار، أي: لهم من فوقهم أطباق من النار تلتهب عليهم {وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} أي: أطباق من النار، وسمي ما تحتهم ظللًا؛ لأنها تظلّ من تحتها من أهل النار، لأن طبقات النار صار في كلّ طبقة منها طائفة من طوائف الكفار، ومثل هذه الآية قوله: {لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41]، وقوله: {يَوْمَ يغشاهم العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت: 55]، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم ذكره من وصف عذابهم في النار، وهو: مبتدأ، وخبره قوله: {يُخَوّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} أي: يحذرهم بما توعد به الكفار من العذاب؛ ليخافوه، فيتقوه، وهو: معنى {ياعباد فاتقون} أي: اتقوا هذه المعاصي الموجبة لمثل هذا العذاب على الكفار، ووجه تخصيص العباد بالمؤمنين أن الغالب في القرآن إطلاق لفظ العباد عليهم.
وقيل: هو للكفار، وأهل المعاصي.
وقيل: هو عامّ للمسلمين، والكفار.
{والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا} الموصول مبتدأ، وخبره قوله: {لَهُمُ البشرى} والطاغوت بناء مبالغة في المصدر كالرحموت، والعظموت، وهو: الأوثان، والشيطان.
وقال مجاهد، وابن زيد: هو: الشيطان.
وقال الضحاك، والسدّي: هو: الأوثان.
وقيل: إنه الكاهن.
وقيل: هو اسم أعجمي مثل طالوت، وجالوت.
وقيل: إنه اسم عربيّ مشتق من الطغيان.
قال الأخفش: الطاغوت جمع، ويجوز أن يكون واحده مؤنثًا، ومعنى اجتنبوا الطاغوت: أعرضوا عن عبادته، وخصوا عبادتهم بالله عزّ وجلّ، وقوله: {أَن يَعْبُدُوهَا} في محل نصب على البدل من الطاغوت، بدل اشتمال، كأنه قال: اجتنبوا عبادة الطاغوت، وقد تقدّم الكلام على تفسير الطاغوت مستوفى في سورة البقرة، وقوله: {وَأَنَابُواْ إِلَى الله} معطوف على اجتنبوا، والمعنى: رجعوا إليه، وأقبلوا على عبادته معرضين عما سواه {لَهُمُ البشرى} بالثواب الجزيل، وهو: الجنة.