فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كما تقول: رأيت رجلًا حسنًا شمائل، وفائدة تثنيته وتكرره رسوخه في النفوس، إذ هي أنفر شيء عن سماع الوعظ والنصيحة.
والظاهر حمل القشعريرة على الحقيقة، إذ هو موجود عند الخشية، محسوس يدركه الإنسان من نفسه، وهو حاصل من التأثر القلبي.
وقيل: هو تمثيل تصوير لإفراط خشيتهم، والمعنى: أنه حين يسمعونه يتلي ما فيه من آيات الوعيد، عرتهم خشية تنقبض منها جلودهم.
ثم إذا ذكروا لله ورحمته لانت جلودهم، أي زال عنها ذلك التقبض الناشىء عن خشية القلوب بزوال الخشية عنها، وضمن تلين معنى تطمئن جلودهم لينة غير منقبضة، وقلوبهم راجية غير خاشية، ولذلك عداه بإلى.
وكان في ذكر القلوب في هذه الجملة دليل على تأثرها عند السماع، فاكتفى بقشعريرة الجلود عن ذكر خشية القلوب لقيام المسبب مقام السبب.
فلما ذكر اللين ذكرهما، وفي ذكر اللين دليل على المحذوف الذي هو رحمة الله، كما كان في قوله: {إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} دليل بقوله: {وجلت} عن ذكر المحذوف، أي إذا ذكر وعيد الله وبطشه.
وقال العباس بن عبد المطلب: قال النبي عليه السلام: «من اقشعر جلده من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها» وقال ابن عمر: وقد رأى ساقطًا من سماع القرآن فقال: إنا لنخشى الله، وما نسقط هؤلاء يدخل الشيطان في جوف أحدهم.
وقالت أسماء بنت أبي بكر: كان أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم عند سماع القرآن، قيل لها: إن قومًا اليوم إذا اسمعوا القرآن خر أحدهم مغشيًا عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وقال ابن سيرين: بيننا وبين هؤلاء الذين بصرعون عند قراءة القرآن أن يجعل أحدهم على حائط باسطًا رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن كله، فإن رمى بنفسه فهو صادق.
والإشارة بذلك إلى الكتاب، أو إلى ذينك الوصفين من الاقشعرار واللين، أي أثر هدى الله.
{أفمن يتقي} أي يستقبل، كما قال الشاعر:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولته واتقتنا باليد

أي: استقبلتنا بيدها لتقي بيدها وجهها أن يرى.
والظاهر حمل بوجهه على حقيقته.
لما كان يلقي في النار مغلولة يداه إلى رجليه مع عنقه، لم يكن له ما يتقي به النار إلا وجهه.
قال مجاهد: يجر على وجهه في النار، ويجوز أن يعبر بالوجه عن الجملة.
وقيل: المعنى وصف كثرة ما ينالهم من العذاب، يتقيه أولًا بجوارحه، فيتزيد حتى يتقيه بوجهه الذي هو أشرف جوارحه، وفيه جواب، وهو غاية العذاب.
قال ابن عطية: وهذا المعنى عندي أبين بلاغة.
في هذا المضمار يجري قول الشاعر:
يلقي السيوف بوجهه وبنحره ** ويقيم هامته مقام المغفر

لأنه إنما أراد عظم جرأته عليها، فهو يلقاها بكل مجن، وبكل شيء عنه، حتى بوجهه وبنحره. انتهى.
و{سوء العذاب} أشده، وخبر من محذوف قدره الزمخشري: كمن أمن العذاب، وابن عطية: كالمنعمين في الجنة.
{وقيل للظالمين} أي قال ذلك خزنة النار، {ذوقوا ما كنتم} أي وبال ما كنتم {تكسبون} من الأعمال السيئة.
{كذب الذين من قبلهم} تمثيل لقريش بالأمم الماضية، وما آل إليه أمرهم من الهلاك.
{فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} من الجهة التي لا يشعرون أن العذاب يأتيهم من قبلها، ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها.
كانوا في أمن وغبطة وسرور، فإذا هم معذبون مخزيون ذليلون في الدنيا من ممسوخ ومقتول ومأسور ومنفي.
ثم أخبر أن ما أعدلهم في الآخرة أعظم.
وانتصب {قرآنًا عربيًا} على الحال، وهي حال مؤكدة، والحال في الحقيقة هو عربيًا، وقرآنا توطئة له.
وقيل: انتصب على المدح، ونفى عنه العوج، لأنه مستقيم يرى من الاختلاف والتناقض.
وقال عثمان بن عفان: غير مضطرب.
وقال ابن عباس: غير مختلف.
وقال مجاهد: غير ذي لبس.
وقال السدي: غير مخلوق.
وقيل: غير ذي لحن.
قال الزمخشري: فإن قلت: فهلا قيل مستقيمًا أوغير معوج؟ قلت: فيه فائدتان: إحدهما: نفى أن يكون فيه عوج قط، كما قال: {ولم يجعل له عوجًا} والثاني: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان.
وقيل: المراد بالعوج: الشك واللبس، وأنشد:
وقد أتاك يقينًا غير ذي عوج ** من الإله وقول غير مكذوب

انتهى.
ولما ذكر تعالى أنه ضرب في القرآن {من كل مثل} أي محتاج إليه، ضرب هنا مثلًا لعابد آلهة كثيرة، ومن يعبد الله وحده، ومثل برجل مملوك اشترك فيه ملاك سيئو الأخلاق، فهو لا يقدر أن يوفي كل واحد منهم مقصوده، إذ لا يتغاضى بعضهم لبعض لمشاحتهم، وطلب كل منهم أن يقضي حاجته على التمام، فلا يزال في عناء وتعب ولوم من كل منهم.
ورجل آخر مملوك جميعه لرجل واحد، فهو معني بشغله لا يشغله عنه شيء، ومالكه راض عنه إن قد خلص لخدمته وبذل جهده في قضاء حوائجه، فلا يلقى من سيده إلا إحسانًا، وتقدم الكلام في نصب المثل وما بعده.
وقال الكسائي: انتصب رجلًا على إسقاط الخافض، أي مثلًا لرجل، أو في رجل فيه، أي في رقه مشتركًا، وفيه صلة لشركاء.
وقرأ عبد الله، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والزهري، والحسن: بخلاف عنه؛ والجحدري، وابن كثير وأبو عمرو: {سالما} اسم فاعل من سلم، أي خالصًا من الشركة.
وقرأ الأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو رجاء، وطلحة، والحسن: بخلاف عنه؛ وباقي السبعة: {سلما} بفتح السين واللام.
وقرأ ابن جبير: {سلما} بكسر السين وسكون اللام، وهما مصدر أن وصف بهما مبالغة في الخلوص من الشركة.
وقرئ: {ورجل سالم} برفعهما.
وقال الزمخشري: أي وهناك رجل سالم لرجل.
انتهى، فجعل الخبر هناك.
ويجوز أن يكون ورجل مبتدأ، لأنه موضع تفصيل، إذ قد تقدم ما يدل عليه، فيكون كقول امرىء القيس:
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له ** بشقّ وشق عندنا لم يحوّل

وقال الزمخشري: وإنما جعله رجلًا ليكون أفطن لما شقى به أو سعد، فإن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك.
وانتصب مثلًا على التمييز المنقول من الفاعل، إذ التقدير: هل يستوي مثلهما؟ واقتصر في التمييز على الواحد، لأنه المقتصر عليه أو لا في قوله: {ضرب الله مثلًا} ولبيان الجنس.
وقرئ: {مثلين} فطابق حال الرجلين.
وقال الزمخشري: ويجوز فيمن قرأ {مثلين} أن يكون الضمير في يستويان للمثلين، لأن التقدير مثل رجل، والمعنى: هل يستويان فيما يرجع إلى الوصفية؟ كما يقول: كفى بهما رجلين. انتهى.
والظاهر أنه يعود الضمير في يستويان إلى الرجلين، فأما إذا جعلته عائدًا إلى المثلين اللذين ذكر أن التقدير مثل رجل ورجل، فإن التمييز إذ ذاك يكون قد فهم من المميز الذي هو الضمير، إذ يصير التقدير: هل يستوي المثلان مثلين؟ قل: {الحمد لله} أي الثناء والمدح لله لا لغيره، وهو الذي ثبتت وحدانيته، فهو الذي يجب أن يحمد، {بل أكثرهم لا يعلمون} فيشركون به غيره.
ولفظة الحمد لله تشعر بوقوع الهلاك بهم بقوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} ولما لم يلتفتوا إلى هذه الدلائل الباهرة، أخبر الجميع بأنهم ميتون وصائرون إليه، وأن اختصامكم يكون بين يديه يوم القيامة، وهو الحكم العدل، فيتميز المحق من المبطل، وهو عليه السلام وأتباعه المحقون الفائزون بالظفر والغلبة، والكافرون هم المبطلون.
فالضمير في وإنك خطاب للرسول، وتدخل معه أمته في ذلك.
والظاهر عود الضمير في {وإنهم} على الكفار، وغلب ضمير الخطاب في {إنك} على ضمير الغيبة في إنهم، ولذلك جاء {تختصمون} بالخطاب، فتحتج أنت عليهم بأنك قد بلغت، وكذبوا واجتهدت في الدعوة، ولجوا في العناد.
وقال أبو العالية: هم أهل القبلة، يختصمون بينهم يوم القيامة في مظالمهم.
وأبعد من ذهب إلى أن هذا الخصام سببه ما كان في قتل عثمان، وما جرى بين علي ومعاوية بسبب ذلك، رضى الله عنهم.
وقيل: يختصم الجميع، فالكفار يخاصم بعضهم بعضًا حتى يقال لهم: لا تختصموا لدي.
والمؤمنون يتلقون الكافرين بالحجج، وأهل القبلة يكون بينهم الخصام.
وقرأ ابن الزبير، وابن أبي إسحاق، وابن محيصن، وعيسى، واليماني، وابن أبي غوث، وابن أبي عبلة: {إنك مائت وإنهم مائتون} وهي تشعر بحدوث الصفة؛ والجمهور: {ميت} و{ميتون} وهي تشعر بالثبوت واللزوم كالحي. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قول الله تبارك وتعالى: {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله} يعني: القرآن صار رفعًا بالابتداء، وخبره من الله تعالى.
أي: نزل الكتاب من عند الله {العزيز} بالنقمة {الحكيم} في أمره.
ومعناه: نزل جبريل بهذا القرآن من عند الله {العزيز الحكيم} وقال بعضهم: صار رفعًا لمضمر فيه.
ومعناه: هذا الكتاب تنزيل.
قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} يعني: أنزلنا إليك جبريل بالكتاب {بالحق} {فاعبد الله مُخْلِصًا لَّهُ الدين} يعني: استقم على التوحيد، وعلى عبادة الله تعالى مخلصًا، وإنما خاطبه، والمراد به قومه.
يعني: وحدوا الله تعالى، ولا تقولوا مع الله شريكًا.
ثم قال: {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} يعني: له الولاية، والوحدانية.
ويقال: له الدين الخالص، والخالص هو دين الإسلام.
فلا يقبل غيره من الأديان، لأن غيره من الأديان ليس هو بخالص سوى دين الإسلام.
قوله عز وجل: {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} يعني: عبدوا من دونه أربابًا، وأوثانًا، {مَا نَعْبُدُهُمْ} على وجه الإضمار.
قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ} يعني: يقولون ما نعبدهم.
وروي عن عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، أنهما كانا يقرآن {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} قالوا: {مَا} بالياء، وقراءة العامة {مَا نَعْبُدُهُمْ} على وجه الإضمار، لأن في الكلام دليلًا عليه {نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} يعني: ليشفعوا لنا، ويقربونا عند الله.
ويقال: {لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} يعني: منزلة.
يقول الله تعالى: {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} يعني: يقضي بينهم يوم القيامة {فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الدين.
ثم قال عز وجل: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى} أي: لا يرشد إلى دينه {مَنْ هُوَ كاذب كَفَّارٌ} في قوله: الملائكة بنات الله وعيسى ابن الله {كَفَّارٌ} يعني: كفروا بالله بعبادتهم إياهم.
ويقال: معناه لا يوفق لتوحيده من هو كاذب على الله، حتى يترك كذبه، ويرغب في دين الله.
{لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} كما قلتم {لاصطفى} يعني: لاختار من الولد {مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء} من خلقه إن فعل ذلك.
ثم قال: {سبحانه} نزه نفسه عن الولد، وعن الشرك، {هُوَ الله الواحد القهار} يعني: الذي لا شريك له {القهار} يعني: القاهر لخلقه.
ثم بيّن ما يدل على توحيده، ويعجز عنه المخلوقون.
قوله عز وجل: {خُلِقَ السموات والأرض بالحق} يعني: للحق، ولم يخلقهما باطلًا لغير شيء {يُكَوّرُ الليل عَلَى النهار} قال مجاهد: يعني: يدهور الليل على النهار {وَيُكَوّرُ النهار عَلَى الليل} يعني: يدور النهار على الليل.
وقال مقاتل {يُكَوّرُ} يعني: يسلط عليه، وهو انتقاص كل واحد منهما من صاحبه.
وقال الكلبي: {يُكَوّرُ} يعني: يزيد من النهار في الليل، فيكون اللَّيل أطول من النهار، ويزيد من الليل في النهار، فيكون النهار أطول من الليل.
هذا يأخذ من هذا، وهذا يأخذ من هذا.
وقال القتبي {يُكَوّرُ} يعني: يدخل هذا على هذا.
وأصل التكوير اللف، والجمع، ومنه كور العمامة ومنه قوله: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] {وَيُكَوّرُ النهار عَلَى الليل} {وَسَخَّرَ الشمس والقمر} يعني: ذلل ضوء الشمس، والقمر، للخلق {كُلٌّ يَجْرِى لاِجَلٍ مُّسَمًّى} يعني: إلى أقصى منازله.
ويقال: إلى يوم القيامة.
{إِلاَّ هُوَ العزيز} يعني: {العزيز} بالنقمة لمن لم يتب {الغفار} لمن تاب.
ويقال: {العزيز} في ملكه.
{الغفار} لخلقه بتأخير العذاب.
قوله عز وجل: {خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة} يعني: من نفس آدم عليه السلام {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} حواء {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنعام ثمانية أزواج} يعني: ثمانية أصناف.