فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله عز وجل: {أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء العذاب} يعني: أفمن يدفع بوجهه شدة سوء العذاب، وجوابه مضمر.
يعني: هل يكون حاله كحال من هو في الجنة.
يعني: ليس الضال الذي تصل النار إلى وجهه، كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه، ليسا سواء.
وقال أهل اللغة: أصل الاتقاء في اللغة، الإوتقاء، وهو التستر.
يعني: وجهه إلى النار كالذي لا يفعل ذلك به.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: {أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء العذاب} يعني: يجر على وجهه في النار، وهذا كقوله: {إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في ءاياتنا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يلقى في النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتى ءَامِنًا يَوْمَ القيامة اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] ويقال: {أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء العذاب} معناه: أنه يلقى في النار مغلولًا، لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه، {يَوْمَ القيامة وَقِيلَ لِلظَّلِمِينَ} يعني: للكافرين، {ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} من التكذيب.
قوله عز وجل: {كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني من قبل قومك، رسلهم، {فأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} يعني: لا يعلمون، ولا يحتسبون، وهم غافلون.
{فَأَذَاقَهُمُ الله الخزى} العذاب {فَأَذَاقَهُمُ الله الخزى في الحياة الدنيا} يعني: أعظم مما عذبوا به في الدنيا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} ولكنهم لا يعلمون.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ في هذا القرءان مِن كُلّ مَثَلٍ} يعني: بيّنا في هذا القرآن من كل شيء.
وقد بيّن بعضه مفسرًا، وبعضه مبهمًا مجملًا، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي: لكي يتعظوا {قُرْءانًا عَرَبِيًّا} يعني: أنزلناه قرآنًا عربيًا بلغة العرب {غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} يعني: ليس بمختلف، ولكنه مستقيم.
ويقال: غير ذي تناقض.
ويقال: غير ذي عيب.
ويقال: {غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} أي: غير مخلوق.
قال أبو الليث رحمه الله: حدثنا محمد بن داود.
قال: حدثنا محمد بن أحمد بإسناده.
قال: حدثنا أبو حاتم الداري، عن سليمان بن داود العتكي، عن يعقوب بن محمد بن عبد الله الأشعري، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: في قوله تعالى: {قُرْءانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} قال: غير مخلوق {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي: لكي يتقوا الشرك {ضَرَبَ الله مَثَلًا} أي: بيّن شبهًا {رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون} أي: عبدًا بين موالي مختلفين يأمره، هذا بأمر، وينهاه هذا عنه.
ويقال: {متشاكسون} أي: مختلفون، يتنازعون، {وَرَجُلًا سَلَمًا لّرَجُلٍ} أي: خالصًا لرجل لا شركة فيه لأحد.
قرأ ابن كثير، وأبو عمر، {سَالِمًا} بالألف، وكسر اللام.
والباقون {قِيلًا سلاما} بغير ألف، ونصب السين.
فمن قرأ: {سَالِمًا} فهو اسم الفاعل على معنى سلم، فهو سالم.
ومعناه: الخالص.
ومن قرأ {سلاما} فهو مصدر.
فكأنه أراد به رجلًا ذا سلم لرجل.
ومعنى الآية: هل يستوي من عبد آلهة مختلفة، كمن عبد ربًا واحدًا.
وقال قتادة: الرجل الكافر، والشركاء الشياطين، والآلهة، وَرَجُلًا سَلَمًا.
المؤمن يعمل لله تعالى وحده.
وقال بعضهم: هذه المثل للراغب، والزاهد.
فالراغب شغلته أمور مختلفة، فلا يتفرغ لعبادة ربه.
فإذا كان في العبادة، فقلبه مشغول بها، والزاهد قد يتفرغ عن جميع أشغال الدنيا، فهو يعبد ربه خوفًا وطمعًا، {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} يعني: عنده في المنزلة يوم القيامة.
{الحمد للَّهِ} قال مقاتل: {الحمد للَّهِ} حين خصهم.
ويقال: {الحمد للَّهِ} على تفضيل من اختاره، على من اشتغل بما دونه.
ويقال: يعني: قولوا الحمد لله، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أَنَّ عبادة رب واحد، خير من عبادة أرباب شتى.
ويقال: {لاَّ يَعْلَمُونَ} أنهما لا يستويان.
ويقال: {لاَّ يَعْلَمُونَ} توحيد ربهم.
{إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} ذلك أن كفار قريش قالوا: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} [الطور: 30]، يعني: ننتظر موت محمد عليه السلام فنزل: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} يعني: أنت ستُموت، وهم سيموتون.
ويقال: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} يعني: إنك لميت لا محالة، وإنهم لميتون لا محالة، والشيء إذا قرب من الشيء سمي باسمه.
فالخلق كلهم إذا كانوا بقرب من الموت، فكل واحد منهم يموت لا محالة، فسماهم ميتين.
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} أي: تتكلمون بحججكم.
الكافر مع المؤمن، والظالم مع المظلوم.
فإن قيل: قد قال في آية أخرى: {قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد} [ق: 28] قيل له: إن في يوم القيامة ساعات كثيرة، وأحوالها مختلفة، مرة يختصمون، ومرة لا يختصمون.
كما أنه قال: فهم لا يتساءلون، وقال في آية أخرى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] يعني: في حال يتساءلون، وفي حال لا يتساءلون، وهذا كما قال في موضع آخر: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْألُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39] وقال في آية أخرى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] وكما قال في آية أخرى: لا يتكلمون، وفي آية أخرى أنهم يتكلمون، ونحو هذا كثير في القرآن.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لاَ تَزَال الخُصومَة بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتى تَتَخَاصَم الرُّوح والجَسَد، فَيَقُول الجَسَد: إِنَّمَا كُنْتُ بِمَنْزِلَةِ جِذع مُلْقَى، لاَ أَسْتَطِيع شَيْئًا وَتَقُولُ الرُّوح: إِنَّمَا كُنْتُ رِيحًا، لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعْمَلَ شَيْئًا فَضُرِبَ لَهُما مَثَلُ الأعْمَى والمُقْعَد، فَحَمَلَ الأَعْمَى المُقْعَد، فَيَدُلَّهُ المُقْعَد بِبَصَرِهِ، وَيَحْمِله الأعْمَى بِرجْلَيه».
وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أنس قال: سألت أبا العالية عن قوله: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ} ثم قال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فكيف هذا؟ قال: أما قوله: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ} فهو لأهل الشرك، وأما قوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فهو لأهل القبلة، يختصمون في مظالم ما بينهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {تنزيل الكتاب} والكتاب هو القرآن سمي بذلك لأنه مكتوب.
{من الله العزيز الحكيم} فيه وجهان:
أحدهما: العزيز في ملكه الحكيم في أمره.
الثاني: العزيز في نقمته الحكيم في عدله. قوله عز وجل: {فاعبد الله مخلصًا له الدين} فيه وجهان:
أحدهما: أنه الإخلاص بالتوحيد، قاله السدي.
الثاني: إخلاص النية لوجهه، وفي قوله: {له الدين} وجهان:
أحدهما: له الطاعة، قاله ابن بحر.
الثاني: العبادة.
{ألا لله الدين الخالص} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: شهادة أن لا إله إلا الله، قاله قتادة.
الثاني: الإسلام، قاله الحسن.
الثالث: ما لا رياء فيه من الطاعات.
{والذين اتخذوا من دونه أولياء} يعني آلهة يعبدونها.
{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} قال كفار قريش هذه لأوثانهم وقال من قبلهم ذلك لمن عبدوه من الملائكة وعزير وعيسى، أي عبادتنا لهم ليقربونا إلى الله زلفى، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الزلفى الشفاعة في هذا الموضع، قاله قتادة.
الثاني: أنها المنزلة، قاله السدي.
الثالث: أنها القرب، قاله ابن زيد.
قوله عز وجل: {يكوِّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يحمل الليل على النهار، ويحمل النهار على الليل، قاله ابن عباس.
الثاني: يغشى الليل على النهار فيذهب ضوءَه، ويغشى النهارعلى الليل فيذهب ظلمته، قاله قتادة.
الثالث: هو نقصان أحدهما عن الآخر، فيعود نقصان الليل في زيادة النهار ونقصان النهار في زيادة الليل، قاله الضحاك.
ويحتمل رابعًا: يجمع الليل حتى ينتشر النهار، ويجمع النهار حتى ينتشر الليل.
قوله عز وجل: {خلقكم من نفسٍ واحدة} يعني من آدم.
{ثم جعل منها زوجها} يعني حواء. فيه وجهان:
أحدهما: أنه خلقها من ضلع الخَلْف من آدم وهو أسفل الأضلاع، قاله الضحاك.
الثاني: أنه خلقها من مثل ما خلق منه آدم، فيكون معنى قوله: {جعل منها} أي من مثلها، قاله ابن بحر.
{وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} قال قتادة: من الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، كل واحد زوج.
وفي قوله: {أنزل} وجهان:
أحدهما: يعني جعل، قاله الحسن.
الثاني: أنزلها بعد أن خلقها في الجنة، حكاه ابن عيسى.
{يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق} فيه وجهان:
أحدهما: نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظامًا ثم لحمًا، قاله قتادة والسدي.
الثاني: خلقًا في بطون أمهاتكم من بعد خلقكم في ظهرآدم، قاله السدي.
ويحتمل ثالثًا: خلقًا في ظهر الأب ثم خلقًا في بطن الأم ثم خلقًا بعد الوضع.
{في ظلمات ثلاث} فيه وجهان:
أحدهما: ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة.
الثاني: ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم، حكاه ابن عيسى.
ويحتمل ثالثًا: أنها ظلمة عتمة الليل التي تحيط بظلمة المشيمة مظلمة الأحشاء وظلمة البطن.
قوله عز وجل: {وإذا مس الإنسان ضُرٌّ دعا ربَّهُ منيبًا إليه} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مخلصًا إليه، قاله الضحاك.
الثاني: مستغيثًا به، قاله السدي.
الثالث: مقبلًا عليه، قاله الكلبي وقطرب.
{ثم إذا خوّله منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل} فيه وجهان:
أحدهما: إذا أصابته نعمة ترك الدعاء، قاله الكلبي.
الثاني: إذا أصابته نعمة ترك الدعاء، قاله الكلبي.
الثاني: إذا أصابته عافية نَسي الضر. والتخويل العطية العظيمة من هبة أو منحة، قال أبو النجم:
أعطى فلم يبخل ولم يبخلِ ** كوم الذّرى من خول المخوِّلِ

قوله عز وجل: {أمَّن هو قانتٌ} في الألف التي في {أمّن} وجهان:
أحدهما: أنها ألف استفهام.
الثاني: ألف نداء.
وفي قانت أربعة أوجه:
أحدها: أنه المطيع، قاله ابن مسعود.
الثاني: أنه الخاشع في صلاته، قاله ابن شهاب.
الثالث: القائم في صلاته، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: أنه الداعي لربه.
{آناء الليل} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: طرف الليل، قاله ابن عباس.
الثاني: ساعات الليل، قاله الحسن.
الثالث: ما بين المغرب والعشاء، قاله منصور.
{ساجدًّا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه} قال السدي: يحذر عذاب الآخرة ويرجوا نعيم الجنة.
وفيمن أريد به هذا الكلام خمسة أقاويل:
أحدها: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه يحيى بن سلام.
الثاني: أبو بكر، قاله ابن عباس في رواية الضحاك عنه.
الثالث: عثمان بن عفان، قاله ابن عمر.
الرابع: عمار بن ياسر وصهيب وأبو ذر وابن مسعود، قاله الكلبي.
الخامس: أنه مرسل فيمن كان على هذه الحال قانتًا آناء الليل.
فمن زعم أن الألف الأولى استفهام أضمر في الكلام جوابًا محذوفًا تقديره: أمن هو قانت آناء الليل ساجدًّا وقائمًا كمن جعل لله أندادًا؟ قاله يحيى. وقال ابن عيسى: المحذوف من الجواب: كمن ليس كذلك.
ومن زعم أن الألف للنداء لم يضمر جوابًا محذوفًا، وجعل تقدير الكلام: أمن هو قانت آناء الليل ساجدًّا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.
{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هل يستوي الذين يعلمون هذا فيعملون به والذين لا يعلمون هذا فلا يعملون به، قاله قتادة.