فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا} ثم بيَّنه فقال: {رجُلًا فيه شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ} قال ابن قتيبة: أي: مختلِفون، يَتَنازعُون ويَتَشاحُّون فيه، يقال: رجُلٌ شَكِسٌ.
وقال اليزيدي: الشَّكسِ من الرجال: الضَّيِّق الخُلُق.
قال المفسِّرون: وهذا مَثَل ضربه اللهُ للمؤمِن والكافر، فإن الكافر يعبُد آلهةً شتَّى فمثَّله بعبدٍ يملكه جماعة يتافسون في خدمته، ولا يقدرون أن يبلُغ رضاهم أجمعين؛ والمؤمن يعبُد اللهَ وحده، فمثَّله بعبدٍ لرجل واحد، قد عَلِم مقاصدَه وعَرَفَ الطريق إلى رضاه، فهو في راحة من تشاكس الخُلَطاء فيه، فذلك قوله: {سالِمًا لرجُل} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو إٍِلاّ عبد الوارث في غير رواية القزَّاز، وأبان عن عاصم {ورجُلا سالِمًا} بألف وكسر اللام وبالنصب والتنوين فيهما؛ والمعنى: ورجُلًا خالصًا لرجُل قد سَلِم له من غير مُنازِع.
ورواه عبد الوارث إلاّ القزاز كذلك، إلاّ أنه رفع الاسمين، فقال: {ورجُلٌ سالِمٌ لرجُلٍ}.
وقرأ ابن أبي عبلة {سِلْمُ لِرَجُلٍ} بكسر السين ورفع الميم.
وقرأ الباقون: {ورجُلًا سَلَمًا} بفتح السين واللام وبالنصب فيهما والتنوين.
والسَّلَم، بفتح السين واللام، معناه الصُّلح، والسِّلم، بكسرِ السين مثله.
قال الزجاج: من قرأ: {سِلْمًا} و{سَلْمًا} فهما مصدران وُصِفَ بهما، فالمعنى: ورجُلًا ذا سِلْمٍ لرجُل وذا سَلْمٍ لرجُل؛ فالمعنى: ذا سِلْم؛ والسَّلْم: الصُّلح، والسِّلْم، بكسر السين مِثْلُه.
وقال ابن قتيبة: من قرأ {سَلَمًا لِرَجُلٍ} أراد: سلَّم إليه فهو سِلْمٌ له.
وقال أبو عبيدة: السِّلْم والسَّلم الصُّلح.
قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا} هذا استفهام معناه الإِنكار، أي: لا يستويان، لأن الخالص لمالك واحدٍ يَستحقُّ من معونته وإِحسانه ما لا يستحقُّه صاحب الشُّركاء المتشاكسين.
وقيل: لا يستويان في باب الرّاحة، لأنه هذا قد عرف الطريق إِلى رضى مالكه، وذاك متحيّر بين الشُّركاء.
قال ثعلب: وإِنما قال: {هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا} ولمَيُقْل: مَثَلَيْنِ، لأنهما جميعًا ضُرِبا مَثَلًا واحدًا، ومِثْلُه: {وجَعَلْنا ابْن مَريمَ وأُمَّه آيةً} [المؤمنون: 50]، ولم يَقُلْ: آيتين، لأن شأنهما واحد، وتم الكلام هاهنا.
ثم قال: {الحمدُ لله} أي: له الحمد دون غيره من المعبودِين {بَلْ أكثرُهم لا يَعْلَمونَ} والمراد بالأكثر الكُلّ.
ثم أخبر نبيَّه بما بعد هذا الكلام أنه يموت، وأن الذين يكذِّبونه يموتون، وأنهم يجتمعون للخُصومة عند الله عز وجل، المُحِقُّ والمُبطلُ، والمظلومُ والظالمُ.
وقال ابن عمر: نزلتْ هذه الآية وما ندري ما تفسيرها، وما نرى أنها نزلتْ إلاّ فينا وفي أهل الكتابين، حتى قُتِل عثمان، فعرفتُ أنها فينا نزلتْ وفي لفظ آخر: حتى وقعت الفتنة بين عليّ ومعاوية. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {تنزيل الكتاب} أي هذا الكتاب وهو القرآن تنزيل {من الله العزيز الحكيم} أي لا من غيره {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} أي لم ننزله باطلًا لغير شيء {فاعبد الله مخلصًا له الدين} أي الطاعة {ألا لله الدين الخالص} أي شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل لا يستحق الدين الخالص إلا الله وقيل يعني الخالص من الشرك وما سوى الخالص ليس بدين الله الذي أمر به لأن رأس العبادات الإخلاص في التوحيد واتباع الأوامر واجتناب النواهي {والذين اتخذوا من دونه} أي من دون الله {أولياء} يعني الأصنام {ما نعبدهم} أي قالوا ما نعبدهم {إلا ليقربونا إلى الله زلفى} يعني قربة وذلك أنهم كانوا إذا قيل لهم من خلقكم وخلق السموات والأرض ومن ربكم قالوا الله فقيل لهم فما معنى عبادتكم الأصنام فقالوا ليقربونا إلى الله زلفى وتشفع لنا عنده {إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون} أي من أمر الدين {إن الله لا يهدي} أي لا يرشد لدينه {من هو كاذب} أي من قال إن الآلهة تشفع له {كفار} أي باتخاذه الآلهة دون الله تعالى: {لو أراد الله أن يتخذ ولدًا لاصطفى} أي لاختار {مما يخلق ما يشاء} يعني الملائكة ثم نزه نفسه فقال تعالى: {سبحانه} أي تنزيهًا له عن ذلك وعما لا يليق بطهارة قلبه {وهو الواحد} أي في ملكه الذي لا شريك له ولا ولد {القهار} أي الغالب الكامل القدرة.
قوله تعالى: {خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل} يعني يغشى هذا هذا، وقيل يدخل أحدهما على الآخر وقيل ينقص من أحدهما ويزيد في الآخر فما نقص من الليل زاد في النهار وما نقص من النهار زاد في الليل ومنتهى النقصان تسع ساعات ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة وقيل الليل والنهار عسكران عظيمان يكرّ أحدهما على الآخر وذلك بقدرة قادر عليهما قاهر لهما {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى} يعني إلى يوم القيامة {ألا هو العزيز الغفار} معناه أن خلق هذه الأشياء العظيمة يدل على كونه سبحانه وتعالى عزيزًا كامل القدرة مع أنه غفار عظيم الرحمة والفضل والإحسان {خلقكم من نفس واحدة} يعني آدم {ثم جعل منها زوجها} يعني حواء، ولما ذكر الله تعالى قدرته في خلق السموات والأرض وتكوير الليل على النهار ثم أتبعه بذكر خلق الإنسان عقبه بذكر خلق الحيوان فقال تعالى: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} يعني الإبل والبقر والغنم والمعز والمراد بالأزواج الذكر والأنثى من هذه الأصناف، وفي تفسير الإنزال وجوه.
قيل إنه هنا بمعنى الإحداث والإنشاء وقيل إن الحيوان لا يعيش إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء وهو ينزل من السماء فكان التقدير أنزل الماء الذي تعيش به الأنعام وقيل إن أصول هذه الأصناف خلقت في الجنة ثم أنزلت إلى الأرض {يخلقكم في بطون أمهاتكم} لما ذكر الله تعالى أصل خلق الإنسان ثم أتبعه بذكر الأنعام عقبه بذكر حالة مشتركة بين الإنسان والحيوان وهي كونها مخلوقة في بطون الأمهات وإنما قال في بطون أمهاتكم لتغليب من يعقل ولشرف الإنسان على سائر الخلق {خلقًا من بعد خلق} يعني نطفة ثم علقة ثم مضغة {في ظلمات ثلاث} قال ابن عباس ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة وقيل ظلمة الصلب وظلمة الرحم وظلمة البطن {ذلكم الله ربكم} أي الذي خلق هذه الأشياء ربكم {له الملك} أي لا لغيره {لا إله إلا هو} أي لا خالق لهذا الخلق ولا معبود لهم إلا الله تعالى: {فأنى تصرفون} أي عن طريق الحق بعد هذا البيان.
قوله: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم} يعني أنه تعالى ما كلف المكلفين ليجر إلى نفسه نفعًا أو ليدفع عن نفسه ضررًا وذلك لأنه تعالى غني عن الخلق على الإطلاق فيمتنع في حقه جر المنفعة ودفع المضرة ولأنه لو كان محتاجًا لكان ذلك نقصانًا والله تعالى منزه عن النقصان فثبت بما ذكرنا أنه غني عن جميع العالمين فلو كفروا وأصروا عليه فإن الله تعالى غني عنهم ثم قال الله تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} يعني أنه تعالى وإن كان لا ينفعه إيمان ولا يضره كفر إلا أنه لا يرضى لعباده الكفر قال ابن عباس لا يرضى لعباده المؤمنين بالكفر وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {وإذا مس الإنسان ضر} أي بلاء وشدة {دعا ربه منيبًا} أي راجعًا {إليه} مستغيثًا به {ثم إذا خوله} أي أعطاه {نعمة منه نسي} أي ترك {ما كان يدعو إليه من قبل} والمعنى نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه {وجعل لله أندادًا} يعني الأصنام {ليضل عن سبيله} أي ليرد عن دين الله تعالى: {قل} أي لهذا الكافر {تمتع بكفرك قليلًا} أي في الدنيا إلى انقضاء أجلك {إنك من أصحاب النار} قيل نزلت في عتبة بن ربيعة وقيل في أبي حذيفة المخزومي وقيل هو عام في كل كافر {أمن هو قانت} قيل فيه حذف مجازه كمن هو غير قانت، وقيل مجازه الذي جعل لله أندادًا أخير أم من هو قانت.
وقيل معنى الآية تمتع بكفرك إنك من أصحاب النار ويا من هو قانت أنت من أصحاب الجنة.
قال ابن عباس: نزلت في أبي بكر وعمر.
وعن ابن عمر: أنها نزلت في عثمان.
وقيل: إنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان وقيل: الآية عامة في كل قانت وهو المقيم على الطاعة، وقال ابن عمر: القنوت قراءة القرآن وطول القيام، وقيل: القانت القائم بما يجب عليه {آناء الليل} أي ساعات الليل أوله ووسطه وآخره {ساجدًّا وقائمًا} أي في الصلاة وفيه دليل على ترجيح قيام الليل على النهار وأنه أفضل منه وذلك لأن الليل أستر فيكون أبعد عن الرياء ولأن ظلمة الليل تجمع الهم وتمنع البصر عن النظر إلى الأشياء، وإذا صار القلب فارغًا عن الاشتغال بالأحوال الخارجية رجع إلى المطلوب الأصلي وهو الخشوع في الصلاة ومعرفة من يصلى له، وقيل لأن الليل وقت النوم ومظنَّة الراحة فيكون قيامه أشقّ على النفس فيكون الثواب فيه أكثر {يحذر} أي يخاف {الآخرة ويرجوا رحمة ربه} قيل المغفرة وقيل الجنة وفيه فائدة وهي أنه قال في مقام الخوف يحذر الآخرة فلم يضف الحذر إليه تعالى، وقال في مقام الرجاء ويرجو رحمة ربه وهذا يدل على أن جانب الرجاء أكمل وأولى أن ينسب إلى الله تعالى ويعضد.
هذا ما روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له «كيف نجدك» قال أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله تعالى ما يرجو منه وآمنه مما يخاف» أخرجه الترمذي {قل هل يستوي الذين يعلمون} أي ما عند الله من الثواب والعقاب {والذين لا يعلمون} ذلك، وقيل: الذين يعلمون عمار وأصحابه.
قوله: {قل} يا محمد {إني أمرت أن أعبد الله مخلصًا له الدين} أي مخلصًا له التوحيد أي لا أشرك به شيئًا {وأمرت لأن أكون أول المسلمين} أي من هذه الأمة قيل أمره أولًا بالإخلاص وهو من عمل القلب ثم أمره ثانيًا بعمل الجوارح لأن شرائع الله تعالى لا تستفاد إلا من الرسول صلّى اللّه عليه وسلم وهو المبلغ فكان هو أول الناس شروعًا فيها فخص الله سبحانه وتعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلم بهذا الأمر لينبه على أن غيره أحق بذلك فهو كالترغيب لغيره {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي صلّى اللّه عليه وسلم ما حملك على هذا الذي أتيتنا به ألا تنظر إلى ملة أبيك وجدك وقومك فتأخذ بها فأنزل الله تعالى هذه الآيات ومعنى الآية زجر الغير عن المعاصي لأنه مع جلالة قدره وشرف طهارته ونزاهته ومنصب نبوته إذا كان خائفًا حذرًا من المعاصي فغيره أولى بذلك {قل الله أعبد مخلصًا له ديني} فإن قلت ما معنى التكرار في قوله: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصًا له الدين} وفي قوله: {قل الله أعبد مخلصًا له ديني}.
قلت هذا ليس بتكرار لأن الأول الإخبار بأنه مأمور من جهة الله تعالى بالإتيان بالعبادة والإخلاص، والثاني أنه إخبار بأنه أمر أن يخص الله تعالى وحده بالعبادة ولا يعبد أحدًا غيره مخلصًا له دينه، لأن قوله: {أمرت أن أعبد الله} لا يفيد الحصر وقوله: {الله أعبد} يفيد الحضر والمعنى الله أعبد ولا أعبد أحدًا غيره ثم أتبعه بقوله: {فاعبدوا ما شئتم من دونه} ليس أمرًا بل المراد منه الزجر والتهديد والتوبيخ ثم بين كمال الزجر بقوله: {قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم} يعني أزواجهم وخدمهم {يوم القيامة} قال ابن عباس: وذلك أن الله تعالى جعل لكل إنسان منزلًا وأهلًا في الجنة فمن عمل بطاعة الله تعالى كان ذلك المنزل والأهل ومن عمل بمعصية الله تعالى دخل النار وكان ذلك المنزل والأهل لغيره ممن عمل بطاعة الله تعالى فخسر نفسه وأهله ومنزله وقيل خسران النفس بدخول النار وخسران الأهل بأن يفرق بينه وبين أهله {ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار} أي أطباق وسرادقات {ومن تحتهم ظلل} أي فراش ومهاد وقيل أحاطت النار بهم من جميع الجهات والجوانب.
فإن قلت الظلة ما فوق الإنسان فكيف سمي ما تحته بالظلة، قلت فيه وجوه الأول أنه من باب إطلاق اسم أحد الضدين على الآخر.
الثاني أن الذي تحته من النار يكون ظلة لآخر تحته في النار لأنها دركات.
الثالث أن الظلة التحتانية لما كانت مشابهة للظلة الفوقانية في الإيذاء والحرارة سميت باسمها لأجل المماثلة والمشابهة {ذلك يخوف الله به عباده} أي المؤمنين لأنهم إذا سمعوا حال الكفار في الآخرة خافوا فأخلصوا التوحيد والطاعة لله وهو قوله تعالى: {يا عباد فاتقون} أي فخافون.
{والذين اجتنبوا الطاغوت} يعني الأوثان {أن يعبدوها وأنابوا إلى الله} أي رجعوا إلى عبادة الله تعالى بالكلية وتركوا ما كانوا عليه من عبادة غيره {لهم البشرى} أي في الدنيا وفي الآخرة أما في الدنيا فالثناء عليهم بصالح أعمالهم وعند نزول الموت وعند الوضع في القبر، وأما في الآخرة فعند الخروج من القبر وعند الوقوف للحساب وعند جواز الصراط وعند دخول الجنة وفي الجنة ففي كل موقف من هذه المواقف تحصل لهم البشارة بنوع من الخير والراحة والروح والريحان {فبشر عبادي الذين يستمعون القول} يعني القرآن {فيتبعون أحسنه} أي أحسن ما يؤمرون به فيعملون به وهو أن الله تعالى ذكر في القرآن الانتصار من الظالم وذكر العفو عنه والعفو أحسن الأمرين وقيل ذكر العزائم والرخص فيتبعون الأحسن وهو العزائم وقيل يستمعون القرآن وغيره من الكلام فيتبعون القرآن لأنه كله حسن وقال ابن عباس لما أسلم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه جاءه عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا فنزلت فيهم {فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} وقيل نزلت هذه الآية في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله وهم زيد بن عمرو وأبو ذر وسلمان الفارسي {أولئك الذين هداهم الله} أي إلى عبادته وتوحيده {وأولئك هم أولوا الألباب أفمن حق عليه كلمة العذاب} قال ابن عباس: سبق في علم الله تعالى أنه في النار وقيل كلمة العذاب قوله: {لأملأن جهنم} وقيل قوله هؤلاء في النار ولا أبالي {أفأنت تنقذ من في النار} أي لا تقدر عليه، قال ابن عباس: يريد أبا لهب وولده {لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية} أي منازل في الجنة رفيعة وفوقها منازل هي أرفع منها {تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد} أي وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدًا لا يخلفه، ق عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم فقالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» قوله الغابر أي الباقي في الأفق أي في ناحية المشرق أو المغرب.
قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه} أي أدخل ذلك الماء {ينابيع في الأرض} أي عيونًا وركايا ومسالك ومجاري في الأرض كالعروق في الجسد قال الشعبي كل ماء في الأرض فمن السماء نزل {ثم يخرج به} أي بالماء {زرعًا مختلفًا ألوانه} أي مثل أصفر وأخضر وأحمر وأبيض وقيل أصنافه مثل البر والشعير وسائر أنواع الحبوب {ثم يهيج} أي ييبس {فتراه} أي بعد خضرته ونضرته {مصفرًا ثم يجعله حطامًا} أي فتاتًا متكسرًا {إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب} {أَفمن شرح الله صدره} أي وسعه {للإسلام} وقبول الحق كمن طبع الله تعالى على قلبه فلم يهتد {فهو على نور من ربه} أي على يقين وبيان وهداية.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن مسعود قال تلا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} قلنا يا رسول الله كيف انشراح صدره قال «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح» قلنا يا رسول الله فما علامات ذلك قال «الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت» {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} القسوة جمودة وصلابة تحصل في القلب.