فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قلت كيف يقسو القلب عن ذكر الله وهو سبب لحصول النور والهداية؟
قلت إنهم كلما تلي ذكر الله على الذين يكذبون به قست قلوبهم عن الإيمان به وقيل إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر كدرة العنصر بعيدة عن قبول الحق فإن سماعها لذكر الله لا يزيدها إلا قسوة، وكدورة كحر الشمس يلين الشمع ويعقد الملح فكذلك القرآن يلين قلوب المؤمنين عن سماعه ولا يزيد الكافرين إلا قسوة قال مالك بن ديار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة {أولئك في ضلال مبين} قيل: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفي أبي بن خلف، وقيل: في علي وحمزة وفي أبي لهب وولده وقيل في رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم وفي أبي جهل.
قوله: {الله نزل أحسن الحديث} يعني القرآن وكونه أحسن الحديث لوجهين أحدهما من جهة اللفظ والآخر من جهة المعنى، أما الأول فلأن القرآن من أفصح الكلام وأجزله وأبلغه وليس هو من جنس الشعر ولا من جنس الخطب والرسائل بل هو نوع يخالف الكل في أسلوبه، وأما الوجه الثاني وهو كون القرآن من أحسن الحديث لأجل المعنى فلأنه كتاب منزه عن التناقض والاختلاف مشتمل على أخبار الماضين وقصص الأولين وعلى أخبار الغيوب الكثيرة وعلى الوعد والوعيد والجنة والنار {كتابًا متشابهًا} أي يشبه بعضه بعضًا في الحسن ويصدق بعضه بعضًا {مثاني} أي يثني فيه ذكر الوعد والوعيد والأمر والنهي والأخبار والأحكام {تقشعر} أي تضطرب وتشمئز {منه جلود الذين يخشون ربهم} والمعنى تأخذهم قشعريرة وهي تغيير يحدث في جلد الإنسان عند ذكر الوعيد والوجل والخوف.
وقيل المراد من الجلود القلوب أي قلوب الذين يخشون ربهم {ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} أي لذكر الله تعالى قيل إذا ذكرت آيات الوعيد والعذاب اقشعرت جلود الخائفين لله وإذا ذكرت آيات الرعد والرحمة لانت جلودهم وسكنت قلوبهم وقيل حقيقة المعنى أن جلودهم تقشعر عند الخوف وتلين عند الرجاء.
{أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} أي شدته {يوم القيامة} قيل يجر على وجه في النار وقيل يرمى به في النار منكوسًا فأول شيء تمسه النار وجهه، وقيل هو الكافر يرمى به منكوسًا في النار مغلولة يداه إلى عنقه وفي عنقه صخرة من كبريت مثل الجبل العظيم فتشعل النار في تلك الصخرة وهي في عنقه فحرها ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها عنه للأغلال التي في يديه وعنقه ومعنى الآية أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن هو آمن العذاب {وقيل للظالمين} أي تقول لهم الخزنة {ذوقوا ما} أي وبال ما {كنتم تكسبون} أي في الدنيا من المعاصي {كذب الذين من قبلهم} أي من قبل كفار مكة كذبوا الرسل {فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} يعني وهم غافلون آمنون من العذاب {فأذاقهم الله الخزي} أي العذاب والهوان {في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون} أي يتعظون {قرآنًا عربيًا} أي فصيحًا أعجز الفصحاء والبلغاء عن معارضته {غير ذي عوج} أي منزهًا عن التناقض، وقال ابن عباس: غير مختلف.
وقيل: غير ذي لبس وقيل: غير مخلوق ويروى ذلك عن مالك بن أنس وحكي عن سفيان بن عيينة عن سبعين من التابعين إن القرآن ليس بخالق ولا مخلوق {لعلهم يتقون} أي الكفر والتكذيب فإن قلت ما الحكمة في تقديم التذكر في الآية الأولى على التقوى في هذه الآية.
قلت سبب تقديم التذكر أن الإنسان إذا تذكر وعرف ووقف على فحوى الشيء واختلط بمعناه واتقاه واحترز منه.
قوله تعالى: {ضرب الله مثلًا رجلًا فيه شركاء متشاكسون} أي متنازعون مختلفون سيئة أخلاقهم والشكس السيء الخلق المخالف للناس لا يرضى بالإنصاف {ورجلًا سلمًا لرجل} أي خالصًا له فيه ولا منازع؛ والمعنى واضرب يا محمد لقومك مثلًا وقل لهم ما تقولون في رجل مملوك قد اشترك فيه شركاء بينهم اختلاف وتنازع كل واحد يدعي أنه عبده وهم يتجاذبونه في مهن شتى فإذا عنت لهم حاجة يتدافعونه فهو متحير في أمره لا يدري أيهم يرضي بخدمته وعلى أيهم يعتمد في حاجاته وفي رجل آخر مملوك قد سلم لمالك واحد يخدمه على سبيل الإخلاص وذلك السيد يعين خادمه في حاجاته فأي هذين العبدين أحسن حالًا وأحمد شأنًا، وهذا مثل ضربه الله تعالى للكافر الذي يعبد آلهة شتى والمؤمن الذي يعبد الله وحده فكان حال المؤمن الذي يعبد إلهًا واحدًا أحسن وأصلح من حال الكافر الذي يعبد آلهة شتى وهو قوله تعالى: {هل يستويان مثلًا} وهذا استفهام إنكار أي لا يستويان في الحال والصفة قال تعالى: {الحمد لله} أي لله الحمد كله وحده دون غيره من المعبودين، وقيل لما ثبت أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الحق بالدلائل الظاهرة والأمثال الباهرة قال: الحمد لله على حصول هذه البينات وظهور هذه الدلالات {بل أكثرهم لا يعلمون} أي المستحق للعبادة هو الله تعالى وحده لا شريك له.
قوله تعالى: {إنك ميت} أي ستموت {وإنهم ميتون} أي سيموتون وذلك أنهم كانوا يتربصون برسول الله صلّى اللّه عليه وسلم موته فأخبر الله تعالى أن الموت يعمهم جميعًا فلا معنى للتربص وشماتة الفاني بالفاني وقيل نعى إلى نبيه نفسه وإليكم أنفسكم والمعنى أنك ميت وإنهم ميتون وإن كنتم أحياء فإنكم في عداد الموتى {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قال ابن عباس يعني المحق والمبطل والظالم والمظلوم عن عبد الله بن الزبير قال: لما نزلت {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قال الزبير: يا رسول الله أتكون علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا قال: «نعم» فقال: إن الأمر إذًا لشديد.
أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وقال ابن عمر رضي الله عنهما عشنا برهة من الدهر وكنا نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قلنا كيف نختصم وديننا واحد وكتابنا واحد حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت أنها فينا نزلت وعن أبي سعيد الخدري وفي هذه الآية كنا نقول ربنا واحد وديننا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيف قلنا نعم هو هذا وعن إبراهيم لما نزلت هذه الآية ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قالوا كيف نختصم ونحن إخوان فلما قتل عثمان قالوا هذه خصومتنا خ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال «من كان عنده مظلمة لأخيه من عرض أو مال فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه» م عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قاتل إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن، يقضي ما عليه أخذت من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار». اهـ.

.قال ابن جزي:

{تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله} {تَنزِيلُ} مبتدأ وخبره: {مِنَ الله} أو خبره ابتداء مضمر تقديره: ها تنزيل، و{مِنَ الله} على هذا الوجه يتعلق بتنزيل، أو يكون خبرًا بعد خبر أو خبر مبتدأ آخر محذوف، والكتاب هنا القرآن أو السورة واختار ابن عطية أن يراد به جنس الكتب المنزلة وأما الكتاب الثاني فهو القرآن باتفاق {بالحق} يحتمل معنيين أحدهما أن يكون معناه متضمنًا الحق، والثاني أن يكون معناه بالاستحقاق والوجوب {مُخْلِصًا لَّهُ الدين} قيل: معناه من حق ومن واجبه أن يكون له الدين الخالص، ويحتمل أن يكون معناه: إن الدين الخالص هو دين الله وهو الإسلام، الذي شرعه لعباده ولا يقبل غيره، معنى الخالص: الصافي من شوائب الشرك، وقال قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله، وقال الحسن: هو الإسلام وهذا أرجح لعمومه.
{والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يريد بالأولياء الشركاء المعبودين، ويحتمل أن يريد بالذين اتخذوا الكفار العابدين لهم، أو الشركاء المعبودين، والأول أظهر؛ لأنه يحتاج على الثاني إلى حذف الضمير العائد على الذين تقديره: الذين اتخذوهم، ويكون ضمير الفاعل في اتخذوا عائدًا على غير مذكور، وارتفاع الذين على الوجهين بالابتداء وخبره إما قوله: {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أو المحذوف المقدر قبل قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ} لأن تقديره: يقولون ما نعبدهم. والأول أرجح؛ لأ، المعنى به أكمل {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى} هذه الجملة في موضع معمول قول محذوف، والقول في موضع الحال أو في موضع بدل من صلة الذين، وقرأ ابن مسعود: {قالوا ما نعبدهم} بإظهار القول أي يقول الكفار: ما نعبد هؤلاء الآلهة إلا ليقربونا إلى الله ويشفعوا لنا عنده، ويعني بذلك الكفار الذين عبدوا الملائكة، أو الذين عبدوا الأصنام، أو الذين عبدوا عيسى أو عزير، فإن جميعهم قالوا هذه المقالة. معنى زلفى: قربى فهو مصدر من يقربونا {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} إشارة إلى كذبهم في قولهم: ليقربونا إلى الله وقوله: لا يهدي في تأويله وجهان: أحدهما لا يهديه في حال كفره والثاني أن ذلك مختصّ بمن قضى عليه بالموت على الكفر، أعاذنا الله من ذلك. وهذا تأويل: لا يهدي القوم الظالمين والكافرين حيثما وقع.
{لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} الولد يكون على وجهين: أحدهما بالولادة الحقيقية وهذا محال على الله تعالى؛ لا يجوز في العقل والثاني التبني بمعنى الاختصاص والتقريب، كما يتخذ الإنسان ولد غيره ولدًا لإفراط محبته له، وذلك ممتنع على الله بإخبار الشرع فإن قوله: {وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] يعم نفي الوجهين، فمعنى الآية على ما أشار إليه ابن عطية: لو أراد الله أن يتخذ ولدًا على وجه التبني لاصطفى لذلك مما يخلق من موجوداته ومخلوقاته، ولكنه لم يرد ذلك ولا فعله، وقال الزمخشري: معناه لو أراد الله اتخاذ الولد لا متنع ذلك، ولكنه يصطفي من عباده من يشاء على وجه الاختصاص والتقريب، لا على وجه اتخاذه ولدًا، فاصطفى الملائكة وشرفهم بالتقريب، فحسب الكفار أنه أولاده، ثم زادوا على ذلك أن جعلوهم إناثًا، فأفرطوا في الكفر والكذب على الله وملائكته.
{سُبْحَانَهُ هُوَ الله الواحد القهار} نزه تعالى نفسه من اتخاذ الولد، ثم وصف نفسه بالواحد؛ لأن الوحدانية تنافي اتخاذ الولد لأنه لو كان له ولد لكان من جنسه، ولا جنس له لأنه واحد، ووصف نفسه بالقهار؛ ليدل على نفي الشركاء والأنداد، لأن كل شيء مقهور تحت قهره تعالى، فكيف يكون شريكًا له؟ ثم أتبع ذلك بما ذكره من خلقه السموات والأرض وما بينهما، ليدل على وحدانيته وقدرته وعظمته.
{يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار} التكوير اللف والليّ، ومنه: كوّر العمامة التي يلتوي بعضها على بعض وهو هنا استعارة، ومعناه على ما قال ابن عطية: يعيد من هذا على هذا، فكأن الذي يطيل من النهار أو الليل يصير منه على الآخر جزءًا فيستره، وكأن الذي ينقص يدخل في الذي يطول فيستتر فيه. ويحتمل أن يكون المعنى أن كل واحد منهما يغلب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في ستره له بثوب يلف على الآخر {لأَجَلٍ مُّسَمًّى} يعني يوم القيامة.
{خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني آدم عليه السلام {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حواء خلقها من ضلع آدم، فإن قيل: كيف عطف قوله: {ثُمَّ جَعَلَ} على خلقكم بثم التي تقتضي الترتيب المهلة، ولا شك أن خلقة حواء كانت قبل خلقة بني آدم؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول وهو المختار أن العطف إنما هو على معنى قوله: {وَاحِدَةٍ} لا على خلقكم كأنه قال: خلقكم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها بعد وحدتها الثاني: أن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الوجود. الثالث: أنه يعني بقوله: {خَلَقَكُمْ} إخراج بني آدم من صلب أبيهم كالذر وذلك كان قبل خلقه حواء.
{وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} يعني المذكورة في الأنعام من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن البقر اثنين وسماها أزواجًا لأن الذكر زوج الأنثى والأنثى زوج الذكر. وأما {أَنزَلَ} ففيه ثلاثة أوجه: الأول أن الله خلق أول هذه الأزواج في السماء ثم أنزلها. الثاني أن معنى أنزل قضى وقسم، فالإنزال عبارة عن نزول أمره وقضائه. الثالث أنه أنزل المطر الذي ينبت به النبات الذي تعيش منه هذه الأنعام فعبّر بإنزالها عن إنزال أرزاقها وهذا بعيد {خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ} يعني أن الإنسان يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن يتم خلقه، ثم ينفخ فيه الروح {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} هي البطن والرحم والمشيمة، وقيل: صلب الأب والرحم والمشيمة، والأول أرجح لقوله: {بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} ولم يذكر الصلب.
{إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ} أي لا يضره كفركم.
{وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} تأويل الأشعرية هذه الآية على وجهين: أحدها أن الرضا بمعنى الإرادة، ويعني بعباده من قضى الله له الإيمان والوفاة عليه. فهو كقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42، الإسراء: 65ِ]، والآخر أن الرضا غير الإرادة، والعبادة على هذا العموم أي لا يرضى الكفر لأحد من البشر، وإن كان قد أراد أن يقع من بعضهم فهو لم يرضه دينًا ولا شرعًا. وأراده وقوعًا ووجودًا أم المعتزلة فإن الرضا عندهم بمعنى الإرادة والعباد على هذا على العموم جريًا على قاعدتهم في القدر وأفعال العباد {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} هذا عموم، والشكر الحقيقي يتضمن الإيمان {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ} ذكر في الإسراء.
{وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ} الآية: يراد بالإنسان هنا الكافر بدليل قوله: {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا} والقصد بهذه الآية عتاب وإقامة حجة، فالعتاب على الكفر وترك دعاء الله، وإقامة الحجة على الإنسان بدعائه إلى الله، في الشدائد، فإن قيل: لم قال هنا {وَإِذَا مَسَّ} بالواو وقال بعدها {فَإِذَا مَسَّ} [الزمر: 49] بالفاء؟ فالجواب: أن الذي بالفاء مسبب عن قوله: {اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} [الزمر: 45] فجاء بفاء السببية قاله الزمخشري وهو بعيد {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ} خوله أعطاه والنعمة هنا يحتمل أن يريد بها كشف الضر المذكور، أو أي نعمة كانت {نَسِيَ مَا كَانَ يدعوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} يحتمل أن تكون ما مصدرية أي نسي دعاءه، أو تكون بمعنى الذي والمراد بها الله تعالى.
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} بتخفيف الميم على إدخال همزة الاستفهام على من وقيل: هي همزة النداء والاول أظهر، وقرئ بتشديدها على إدخال أم على من ومن مبتدأ وخبره محذوف وهو المعادل وتقديره أم من هو قانت كغيره، وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو ما ذكر قبله وما ذكر بعده، وهو وقوله: {هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ} والقنوت هنا بمعنى الطاعة والصلاة بالليل، وآناء الليل ساعاته.
{قُلْ ياعباد الذين آمَنُواْ} الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة، ومعناها التأنيس لهم والتنشيط على الهجرة {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ} يحتمل أن يتعلق في هذه الدنيا بأحسنوا، والمعنى الذين أحسنوا في الدنيا لهم الآخرة، أو يتعلق بحسنه، والحسنة على هذا حسن الحال والعافية في الدنيا والأول أرجح {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} يراد البلاد المجاورة للأرض التي هاجروا منها، والمقصود من ذلك الحض على الهجرة.
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} هذا يحتمل وجهين أحدهما أن الصابر يوفي أجره ولا يحاسب على أعماله، فهو من الذين يدخلون الجنة بغير حساب الثاني أن أجر الصابرين بغير حصر بل أكثر من أن يحصر بعدد أو وزن وهذا قول الجمهور.