فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما بين تعالى كيفية عقاب القاسية قلوبهم في الآخرة وبين كيفية وقوعهم في العذاب قال تعالى: {كذب الذين} وأشار إلى قرب زمان المعذبين من زمانهم بإدخال الجار فقال تعالى: {من قبلهم} أي: من قبل كفار مكة أي: مثل سبأ وقوم تبع كذبوا رسلهم في إتيان العذاب {فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} أي: من جهة لا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها.
{فأذاقهم الله} أي: الذي له القدرة الكاملة {الخزي} أي: الذل والهوان من المسخ والقتل وغيرهما {في الحياة الدنيا} أي: العاجلة الدنيئة {ولعذاب الآخرة} أي: المعد لهم {أكبر} أي: من ذلك الذي وقع بهم في الدنيا {لو كانوا} أي: المكذبون {يعلمون} أي: عذابها ما كذبوا ولكن لا علم لهم أصلًا إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلًا.
ولما ذكر تعالى هذه الفوائد الكثيرة في هذه المطالب بين أن هذه البينات بلغت حد الكمال والتمام فقال تعالى: {ولقد ضربنا} أي: جعلنا {للناس} أي: عامة لأن رسالته صلى الله عليه وسلم عامة {في هذا القرآن} أي: الجامع لكل علم وكل خير {من كل مثل} أي: يحتاج إليه الناظر في أمر دينه {لعلهم يتذكرون} أي: يتعظون به وقرأ نافع وقالون وابن كثير وعاصم بإظهار الدال عند الضاد والباقون بالإدغام. وقوله تعالى: {قرآنًا عربيًا} فيه ثلاثة أوجه؛ أحدها: أن يكون منصوبًا على المدح لأنه لما كان نكرة امتنع إتباعه للقرآن، ثانيها: أن ينتصب بيتذكرون أي: يتذكرون قرآنًا، ثالثها: أن ينتصب على الحال من القرآن على أنها حال مؤكدة وتسمى حالًا موطئة لأن الحال في الحقيقة عربيًا وقرآنًا توطئة له نحو جاء زيد رجلًا صالحًا {غير ذي عوج} أي: مستقيمًا بريئًا من التناقض والاختلاف نعت لقرآنًا أو حال أخرى.
فإن قيل: هلا قيل: مستقيمًا أو غير معوج؟
أجيب: بأن في ذلك فائدتين إحداهما: نفي أن يكون فيه عوج قط كما قال تعالى: {ولم يجعل له عوجًا} ثانيتهما: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان، وقيل: المراد بالعوج الشك واللبس قال القائل:
وقد أتاك يقين غير ذي عوج ** من الإله وقول غير مكذوب

{لعلهم يتقون} أي: الكفر.
تنبيه:
وصف تعالى القرآن بثلاث صفات؛ أولها: كونه قرآنًا والمراد كونه متلوًا في المحاريب إلى قرب قيام الساعة، ثانيها: كونه عربيًا أي: أنه أعجز الفصحاء والبلغاء عن معارضته كما قال تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله} ثالثها: كونه غير ذي عوج، قال مجاهد: غير ذي لبس وقال ابن عباس رضي الله عنهما: غير مختلف، وقال السدي: غير مخلوق، ويروى ذلك عن مالك بن أنس، وحكى شقيق وابن عيينة عن سبعين من التابعين: أن القرآن ليس بخالق ولا مخلوق.
ولما شرح الله تعالى وعيد الكفار مثل لما يدل على فساد مذهبهم وقبيح طريقتهم بقوله تعالى: {ضرب الله} أي: الذي له الملك كله {مثلًا} أي: للمشركين والموحدين وقوله تعالى: {رجلًا} بدل من مثلًا وقوله تعالى: {فيه شركاء} يجوز أن تكون الجملة من مبتدأ وخبر في محل نصب صفة ل {رجلًا} ويجوز أن يكون الوصف الجار وحده وشركاء فاعل به قال ابن عادل: وهو أولى لقربه من المفرد وقوله تعالى: {متشاكسون} صفة لشركاء والتشاكس التخالف وأصله سوء الخلق وعسره وهو سبب التخالف أي: متنازعون مختلفون سيئة أخلاقهم يقال: رجل شكس وشرس إذا كان سيء الخلق مخالفًا للناس لا يرضى بالإنصاف {ورجلًا سلمًا} أي: خالصًا من نزاع {لرجل} أي: خالصًا له لا شريك له فيه. ولا منازع، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بألف بعد السين وكسر اللام بعدها، والباقون بغير ألف وفتح اللام وهو الذي لا ينازع فيه من قولهم: هو لك سلم أي: مسلم لا منازع لك فيه.
وقوله تعالى: {هل يستويان} استفهام إنكار أي: لا يستويان وقوله تعالى: {مثلًا} تمييز والمعنى اضرب لقومك مثلًا وقل لهم: ما تقولون في رجل مملوك لشركاء بينهم اختلاف وتنازع وكل واحد يدعي أنه عبده فهم يتجاذبونه حوائجهم وهو متحير في أمره، وكلما أرضى أحدهم غضب الباقون وإذا احتاج إليهم فكل واحد يرده إلى الآخر فبقي متحيرًا لا يعرف أيهم أولى أن يطلب رضاه وأيهم يعينه في حاجاته فهو بهذا السبب في عذاب أليم. وآخر له مخدوم واحد يخدمه على سبيل الإخلاص وذلك المخدوم يعينه على مهماته فأي هذين العبدين أحسن حالًا، لا شك أن هذا أقرب إلى الصلاح من حال الأول، فإن الأول: مثل المشرك والثاني: مثل الموحد، وهذا المثال في غاية الحسن في تقبيح المشرك وتحسين الموحد.
فإن قيل: هذا المثال لا ينطبق على عبادة الأصنام لأنها جمادات فليس بينها منازعة ولا تشاكس؟
أجيب: بأن عبدة الأصنام يختلفون، منهم من يقول: هذه الأصنام تماثيل الكواكب السبعة فهم في الحقيقة إنما يعبدون الكواكب السبعة وهم يثبتون بينها منازعة ومشاكسة ألا ترى أنهم يقولون: زحل هو النحس الأعظم والمشتري هو: السعد الأعظم، ومنهم من يقول: هذه الأصنام تماثيل الأرواح الفلكية والقائلون بهذا القول زعموا أن كل نوع من أنواع حوادث هذا العالم يتعلق بروح من الأرواح السماوية، وحينئذ يحصل بين تلك الأرواح منازعة ومشاكسة فيكون المثال مطابقًا، ومنهم من يقول: هذه الأصنام تماثيل لأشخاص من العلماء والزهاد مضوا فهم يعبدون هذه التماثيل ليصير أولئك الأشخاص من العلماء والزهاد شفعاء لهم عند الله تعالى، والقائلون بهذا القول تزعم كل طائفة منهم أن المحق هو ذلك الرجل الذي هم على دينه وأن من سواه مبطل، وعلى هذا التقدير أيضًا ينطبق المثال.
ولما بطل القول بإثبات الشركاء والأنداد وثبت أنه لا إله إلا هو الواحد الأحد الحق قال الله تعالى: {الحمد} أي: الإحاطة بأوصاف الكمال {لله} أي: كل الحمد لله الذي لا مكافئ له فلا يشاركه فيه على الحقيقة سواه لأنه المنعم بالذات والمالك على الإطلاق {بل أكثرهم} أي: أهل مكة {لا يعلمون} أي: ما يصيرون إليه من العذاب فيشركون به غيره من فرط جهلهم وقول البغوي والمراد بالأكثر الكل ليس بظاهر.
ولما كان كفار مكة يتربصون موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الله تعالى بأن الموت يجمعهم جميعًا بقوله تعالى: {إنك ميت} أي: ستموت وخصه الله تعالى بالخطاب لأن الخطاب إذا كان للرأس كان أصدع لأتباعه فكل موضع كان للأتباع، وخص فيه صلى الله عليه وسلم بالخطاب دونهم فهم المخاطبون في الحقيقة على وجه أبلغ {وإنهم ميتون} أي: سيموتون فلا معنى للتربص وشماتة الفاني بالفاني.
فائدة:
قال الفراء: الميت بالتشديد من لم يمت وسيموت، والميت: بالتخفيف من فارقته الروح ولذلك لم يخفف هنا. وقوله تعالى: {ثم إنكم} فيه تغليب المخاطب على الغائب {يوم القيامة عند ربكم} أي: المربي لكم بالخلق والرزق {تختصمون} فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت وكذبوا واجتهدت في الإرشاد والتبليغ فلجوا في التكذيب والعناد ويعتذرون بالأباطيل يقول الأتباع أطعنا سادتنا وكبراءنا وتقول السادات أغوتنا آباؤنا الأقدمون والشياطين، ويجوز أن يكون المراد به الاختصام العام وجرى عليه الجلال المحلي وهو أولى وإن رجح الأولَ الكشافُ، لما روي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال: لما نزلت هذه الآية قال: يا رسول الله أتكون علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا قال: «نعم» فقال: إن الأمر إذًا لشديد، وقال ابن عمر: عشنا برهة من الدهر وكنا نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين، قلنا: كيف نختصم وديننا واحد وكتابنا واحد حتى رأينا بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفنا أنها فينا نزلت. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه الآية قال: كنا نقول: ربنا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: هو هذا. وعن إبراهيم النخعي قال: لما نزلت قالت الصحابة كيف نختصم ونحن إخوان فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا: هذه خصومتنا. وعن أبي العالية: نزلت في أهل القبلة.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له أخذ من سيئاته فجعلت عليه». وعن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد كان شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيقضي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار». اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا} لما ذكر سبحانه الآخرة، ووصفها بوصف يوجب الرغبة فيها، والشوق إليها أتبعه بذكر الدنيا، ووصفها بوصف يوجب الرغبة عنها، والنفرة منها، فذكر تمثيلًا لها في سرعة زوالها، وقرب اضمحلالها مع ما في ذلك من ذكر نوع من أنواع قدرته الباهرة، وصنعه البديع، فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} أي: من السحاب مطرًا {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأرض} أي: فأدخله، وأسكنه فيها، والينابيع جمع ينبوع من نبع الماء ينبع، والينبوع عين الماء، والأمكنة التي ينبع منها الماء، والمعنى: أدخل الماء النازل من السماء في الأرض، وجعله فيها عيونًا جارية، أو جعله في ينابيع، أي: في أمكنة ينبع منها الماء، فهو على الوجه الثاني منصوب بنزع الخافض.
قال مقاتل: فجعله عيونًا، وركايا في الأرض {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} أي: يخرج بذلك الماء من الأرض زرعًا مختلفًا ألوانه من أصفر، وأخضر، وأبيض، وأحمر، أو من برّ، وشعير، وغيرهما إذا كان المراد بالألوان الأصناف {ثُمَّ يَهِيجُ} يقال: هاج النبت يهيج هيجًا إذا تمّ جفافه.
قال الجوهري: يقال: هاج النبت هياجًا: إذا يبس، وأرض هائجة يبس بقلها، أو اصفّر، وأهاجت الريح النبت أيبسته.
قال المبرد: قال الأصمعي: يقال: هاجت الأرض تهيج: إذا أدبر نبتها، وولى.
قال: وكذلك هاج النبت.
{فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} أي: تراه بعد خضرته، ونضارته، وحسن رونقه مصفرًّا قد ذهبت خضرته، ونضارته {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حطاما} أي: متفتتًا منكسرًا، من تحطم العود إذا تفتت من اليبس {إِنَّ في ذَلِكَ لذكرى لأُِوْلِى الألباب} أي: فيما تقدّم ذكره تذكير الأهل العقول الصحيحة، فإنهم الذين يتعقلون الأشياء على حقيقتها، فيتفكرون، ويعتبرون، ويعلمون بأن الحياة الدّنيا حالها كحال هذا الزرع في سرعة التصرم، وقرب التقضي، وذهاب بهجتها، وزوال رونقها، ونضارتها، فإذا أنتج لهم التفكر، والاعتبار العلم بذلك لم يحصل منهم الاغترار بها، والميل إليها، وإيثارها على دار النعيم الدائم، والحياة المستمرة، واللذة الخالصة، ولم يبق معهم شك في أن الله قادر على البعث، والحشر، لأن من قدر على هذا قدر على ذلك.
وقيل: هو مثل ضربه الله للقرآن، ولصدور من في الأرض.
والمعنى: أنزل من السماء قرآنًا، فسلكه في قلوب المؤمنين، ثم يخرج به دينًا بعضه أفضل من بعض، فأما المؤمن، فيزداد إيمانًا ويقينًا، وأما الذي في قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الزرع، وهذا بالتغيير أشبه منه بالتفسير.
قرأ الجمهور: {ثم يجعله} بالرفع عطفًا على ما قبله، وقرأ أبو بشر بالنصب بإضمار أن، ولا وجه لذلك.
ثم لما ذكر سبحانه أن في ذلك لذكرى لأولي الألباب، ذكر شرح الصدر للإسلام، لأن الانتفاع الكامل لا يحصل إلا به، فقال: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام} أي: وسعه لقبول الحقّ، وفتحه للاهتداء إلى سبيل الخير.
قال السدّي: وسع صدره للإسلام للفرح به، والطمأنينة إليه، والكلام في الهمزة، والفاء كما تقدم في: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب} [الزمر: 19]، ومن مبتدأ، وخبرها محذوف تقديره كمن قسا قلبه، وحرج صدره، ودلّ على هذا الخبر المحذوف قوله: {فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ} والمعنى: أفمن وسع الله صدره للإسلام، فقبله، واهتدى بهديه {فَهُوَ} بسبب ذلك الشرح {على نُورٍ مّن رَّبّهِ} يفيض عليه كمن قسا قلبه لسوء اختياره، فصار في ظلمات الضلالة، وبليات الجهالة.
قال قتادة: النور كتاب الله به يؤخذ، وإليه ينتهي.
قال الزجاج: تقدير الآية: أفمن شرح الله صدره كمن طبع على قلبه، فلم يهتد لقسوته {فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ الله} قال الفراء، والزجاج: أي عن ذكر الله كما تقول: أتخمت عن طعام أكلته، ومن طعام أكلته، والمعنى: أنه غلظ قلبه، وجفا عن قبول ذكر الله، يقال: قسا القلب إذا صلب، وقلب قاس، أي: صلب لا يرقّ، ولا يلين.
وقيل: معنى من ذكر الله من أجل ذكره الذي حقه أن تنشرح له الصدور، وتطمئن به القلوب.
والمعنى: أنه إذا ذكر الله اشمأزوا، والأول أولى، ويؤيده قراءة من قرأ {عن ذكر الله} والإشارة بقوله: {أولئك} إلى القاسية قلوبهم، وهو: مبتدأ، وخبره {فِى ضلال مُّبِينٍ} أي: ظاهر واضح.
ثم ذكر سبحانه بعض أوصاف كتابه العزيز، فقال: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} يعني: القرآن، وسماه حديثًا؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدّث به قومه، ويخبرهم بما ينزل عليه منه.
وفيه بيان أن أحسن القول المذكور سابقًا هو: القرآن، وانتصاب {كتابا} على البدل من أحسن الحديث، ويحتمل أن يكون حالًا منه {متشابها} صفة ل {كتابًا} أي: يشبه بعضه بعضًا في الحسن، والأحكام، وصحة المعاني، وقوة المباني، وبلوغه إلى أعلى درجات البلاغة، وقال قتادة: يشبه بعضه بعضًا في الآي، والحروف.
وقيل: يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه، و{مَّثَانِيَ} صفة أخرى لكتابًا، أي: تثنى فيه القصص، وتتكرر فيه المواعظ، والأحكام.
وقيل: يثنى في التلاوة، فلا يملّ سامعه، ولا يسأم قارئه.
قرأ الجمهور: {مثاني} بفتح الياء، وقرأ هشام عن ابن عامر، وبشر بسكونها تخفيفًا، واستثقالًا لتحريكها، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي: هو مثاني، وقال الرازي: في تبيين مثاني أن أكثر الأشياء المذكورة في القرآن متكرّرة زوجين زوجين مثل الأمر والنهي والعامّ والخاصّ، والمجمل والمفصل، وأحوال السماوات والأرض، والجنة والنار، والنور والظلمة، واللوح والقلم، والملائكة والشياطين، والعرش والكرسي، والوعد والوعيد، والرجاء والخوف، والمقصود من ذلك البيان: بأن كلّ ما سوى الحقّ زوج، وأن الفرد الأحد الحقّ هو: الله، ولا يخفى ما في كلامه هذا من التكلف، والبعد عن مقصود التنزيل {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} هذه الجملة يجوز أن تكون صفة ل {كتابًا} وأن تكون حالًا منه، لأنه وإن كان نكرة، فقد تخصص بالصفة، أو مستأنفة لبيان ما يحصل عند سماعه من التأثر لسامعيه، والاقشعرار التقبض، يقال: اقشعرّ جلده: إذا تقبض، وتجمع من الخوف.