فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واعلم أنا سواء قلنا المراد بالذي صدق به شخص معين، أو قلنا المراد منه كل من كان موصوفًا بهذه الصفة، فإن أبا بكر داخل فيه.
أما على التقدير الأول: فدخول أبي بكر فيه ظاهر، وذلك لأن هذا يتناول أسبق الناس إلى التصديق، وأجمعوا على أن الأسبق الأفضل إما أبو بكر وإما علي، وحمل هذا اللفظ على أبي بكر أولى، لأن عليًا عليه السلام كان وقت البعثة صغيرًا، فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت، ومعلوم أن إقدامه على التصديق لا يفيد مزيد قوة وشوكة.
أما أبو بكر فإنه كان رجلًا كبيرًا في السن كبيرًا في المنصب، فإقدامه على التصديق يفيد مزيد قوة وشوكة في الإسلام، فكان حمل هذا اللفظ إلى أبي بكر أولى.
وأما على التقدير الثاني: فهو أن يكون المراد كل من كان موصوفًا بهذه الصفة، وعلى هذا التقدير يكون أبو بكر داخلًا فيه.
المسألة الثالثة:
قال صاحب الكشاف قرئ {وصدق} بالتخفيف أي صدق به الناس، ولم يكذبهم يعني أداه إليهم كما نزل عليه من غير تحريف، وقيل صار صادقًا به أي بسببه، لأن القرآن معجزة، والمعجزة تصديق من الحكيم الذي لا يفعل القبيح فيصير المدعي للرسالة صادقًا بسبب تلك المعجزة وقرئ {وصدق}.
واعلم أنه تعالى أثبت للذي جاء بالصدق وصدق به أحكامًا كثيرة.
فالحكم الأول: قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ المتقون} وتقريره أن التوحيد والشرك ضدان، وكلما كان أحد الضدين أشرف وأكمل كان الضد الثاني أخس وأرذل، ولما كان التوحيد أشرف الأسماء كان الشرك أخس الأشياء، والآتي بأحد الضدين يكون تاركًا للضد الثاني، فالآتي بالتوحيد الذي هو أفضل الأشياء يكون تاركًا للشرك الذي هو أخس الأشياء وأرذلها، فلهذا المعنى وصف المصدقين بكونهم متقين.
الحكم الثاني: للمصدقين قوله تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء المحسنين} وهذا الوعد يدخل فيه كل ما يرغب المكلف فيه، فإن قيل لا شك أن الكمال محبوب لذاته مرغوب فيه لذاته، وأهل الجنة لا شك أنهم عقلاء فإذا شاهدوا الدرجات العالية التي هي للأنبياء وأكابر الأولياء عرفوا أنها خيرات عالية ودرجات كاملة، والعلم بالشيء من حيث إنه كمال، وخير يوجب الميل إليه والرغبة فيه، وإذا كان كذلك فهم يشاءون حصول تلك الدرجات لأنفسهم فوجب حصولها لهم بحكم هذه الآية، وأيضًا فإن لم يحصل لهم ذلك المراد كانوا في الغصة ووحشة القلب، وأجيب عنه بأن الله تعالى يزيل الحقد والحسد عن قلوب أهل الآخرة، وذلك يقتضي أن أحوالهم في الآخرة بخلاف أحوالهم في الدنيا، ومن الناس من تمسك بهذه الآية في أن المؤمنين يرون الله تعالى يوم القيامة، قالوا إن الذين يعتقدون أنهم يرون الله تعالى لا شك أنهم داخلون تحت قوله تعالى: {وَصَدَّقَ بِهِ} لأنهم صدقوا الأنبياء عليهم السلام، ثم إن ذلك الشخص يريد رؤية الله تعالى فوجب أن يحصل له ذلك لقوله تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبّهِمْ} فإن قالوا لا نسلم أن أهل الجنة يشاءون ذلك، قلنا هذا باطل لأن الرؤية أعظم وجوه التجلي وزوال الحجاب، ولا شك أنها حالة مطلوبة لكل أحد نظرًا إلى هذا الاعتبار، بل لو ثبت بالدليل كون هذا المطلوب ممتنع الوجود لعينه فإنه يترك طلبه، لا لأجل عدم المقتضى للطلب، بل لقيام المانع وهو كونه ممتنعًا في نفسه، فثبت أن هذه الشبهة قائمة والنص يقتضي حصول كل ما أرادوه وشاءوه فوجب حصولها.
واعلم أن قوله: {عِندَ رَبّهِمْ} لا يفيد العندية بمعنى الجهة والمكان بل بمعنى الصمدية والإخلاص كما في قوله تعالى: {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} [القمر: 55] واعلم أن المعتزلة تمسكوا بقوله: {وذلك جَزَاء المحسنين} على أن هذا الأجر مستحق لهم على إحسانهم في العبادة.
الحكم الثالث: قوله تعالى: {لِيُكَفّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فقوله: {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبّهِمْ} يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه وقوله: {لِيُكَفّرَ الله عَنْهُمْ} يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه، فقيل المراد أنهم إذا صدقوا الأنبياء عليهم فيما أوتوا فإن الله يكفر عنهم أسوأ أعمالهم وهو الكفر السابق على ذلك الإيمان، ويوصل إليهم أحسن أنواع الثواب، وقال مقاتل يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوىء، واعلم أن مقاتلًا كان شيخ المرجئة وهم الذين يقولون لا يضر شيء من المعاصي مع الإيمان، كما لا ينفع شيء من الطاعات مع الكفر، واحتج بهذه الآية فقال: إنها تدل على أن من صدق الأنبياء والرسل فإنه تعالى يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا، ولا جوز حمل هذا الأسوأ على الكفر السابق، لأن الظاهر من الآية يدل على أن التكفير إنما حصل في حال ما وصفهم الله بالتقوى وهو التقوى من الشرك، وإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد منه الكبائر التي يأتي بها بعد الإيمان، فتكون هذه الآية تنصيصًا على أنه تعالى يكفر عنهم بعد إيمانهم أسوأ ما يأتون به وذلك هو الكبائر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ} أي لا أحد أظلم {مِمَّن كَذَبَ علَى الله} فزعم أن له ولدًا وشريكًا {وَكَذَّبَ بالصدق} يعني القرآن {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ} استفهام تقرير {مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} أي مقام للجاحدين، وهو مشتق من ثَوَى بالمكان إذا أقام به يَثْوِي ثَوَاء وثُوِيًّا مثل مَضَى مَضَاء ومُضِيًّا، ولو كان من أَثْوَى لكان مُثْوًى.
وهذا يدّل على أن ثَوَى هي اللغة الفصيحة.
وحكى أبو عبيد أَثْوَى، وأنشد قول الأعشى:
أَثْوَى وقَصَّر لَيْلَةً لِيُزَوَّدَا ** ومَضَى وأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا

والأصمعي لا يعرف إلا ثَوَى، ويروى البيت أَثَوَى على الاستفهام.
وأَثْوَيتُ غيري يتعدى ولا يتعدّى.
قوله تعالى: {والذي جَاءَ بالصدق} في موضع رفع بالابتداء وخبره {أولئك هُمُ المتقون} واختلف في الذي جاء بِالصدق وصَدَّقَ بِهِ؛ فقال علي رضي الله عنه: {الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} النبي صلى الله عليه وسلم {وَصَدَّقَ بِهِ} أبو بكر رضي الله عنه.
وقال مجاهد: النبي عليه السلام وعليّ رضي الله عنه.
السّدي: الذي جاء بالصدق جبريل صلى الله عليه وسلم والذي صدّق به محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن زيد ومقاتل وقتادة: {الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْق} النبي صلى الله عليه وسلم {وَصَدَّقَ بِهِ} المؤمنون.
واستدلوا على ذلك بقوله: {أولئك هُمُ المتقون} كما قال: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
وقال النَّخَعي ومجاهد: {الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِه} المؤمنون الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة فيقولون: هذا الذي أعطيتُمونا قد اتبعنا ما فيه؛ فيكون {الَّذِي} على هذا بمعنى جمع كما تكون مَنْ بمعنى جمع.
وقيل: بل حذفت منه النون لطول الاسم، وتأوله الشعبي على أنه واحد.
وقال: {الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} محمد صلى الله عليه وسلم فيكون على هذا خبره جماعة؛ كما يقال لمن يُعظَّم هو فعلوا، وزيد فعلوا كذا وكذا.
وقيل: إن ذلك عام في كل من دعا إلى توحيد الله عز وجل؛ قاله ابن عباس وغيره، واختاره الطبري.
وفي قراءة ابن مسعود {وَالَّذِي جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَقُوا بِهِ} وهي قراءة على التفسير.
وفي قراءة أبي صالح الكوفي {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَقَ بِهِ} مخففًا على معنى وصدق بمجيئه به، أي صدق في طاعة الله عز وجل، وقد مضى في البقرة الكلام في الَّذِي وأنه يكون واحدًا ويكون جمعًا.
{لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ} أي من النعيم في الجنة، كما يقال: لك إكرام عندي؛ أي ينالك مني ذلك.
{ذَلِكَ جَزَاءُ المحسنين} الثناء في الدنيا والثواب في الآخرة.
قوله تعالى: {لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ} أي صدّقوا {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ}.
{أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ} أي يكرمهم ولا يؤاخذهم بما عملوا قبل الإسلام.
{وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} أي يثيبهم على الطاعات في الدنيا {بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وهي الجنة. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله} بأن أضاف إليه سبحانه وتعالى الشرك أو الولد {وَكَذَّبَ بالصدق} أي بالأمر الذي هو عين الحق ونفس الصدق وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم {إِذْ جَاءهُ} أي في أول مجيئه من غير تدبر فيه ولا تأمل فإذ فجائية كما صرح به الزمخشري لكن اشترط فيها في المغنى أن تقع بعد بينا أو بينما ونقله عن سيبويه فلعله أغلبي، وقد يقال: هذا المعنى يقتضيه السياق من غير توقف على كون إذ فجائية، ثم المراد أن هذا الكاذب والمكذب أظلم من كل ظالم {أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} أي لهؤلاء الذين افتروا على الله سبحانه وتعالى وسارعوا إلى التكذيب بالصدق، ووضع الظاهر موضع الضمير للتسيجل عليهم بالكفر، والجمع باعتبار معنى {مِنْ} كما أن الافراد في الضمائر السابقة باعتبارلفظها أو لجنس الكفرة فيشمل أهل الكتاب ويدخل هئلاء في الحكم دخولًا أوليًّا، وأيًّا ما كان فالمعنى على كفاية جهنم مجازاة لهم كأنه قيل: أليست جهنم كافية للكافرين مثوى كقوله تعالى: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} [المجادلة: 8] أي هي تكفي عقوبة لكفرهم وتكذيبهم، والكفاية مفهومة من السياق كما تقول لمن سألك شيئًا: ألم أنعم عليك تريد كفاك سابق أنعامي عليك، واستدل بالآية على تفكير أهل البدع لأنهم مكذبون بما علم صدقه.
وتعقب بأن {مَن كَذَّبَ} مخصوص بمن كذب الأنبياء شفاها في وقت تبليغهم لا مطلقًا لقوله تعالى: {إِذْ جَاءهُ} ولو سلم اطلاقه فهم لكونهم يتأولون ليسوا مكذبين وما نفوه وكذبوه ليس معلومًا صدقه بالضرورة إذ لو علم من الدين ضرورة كان جاحدة كافرًا كمنكر فرضية الصلاة ونحوها.
وقال الخفاجي: الأظهر أن المراد تكذيب الأنبياء عليهم السلام بعد ظهور المعجزات في أن ما جاؤوا به من عند الله تعالى لا مطلق التكذيب، وكأني بك تختار أن المتأول غير مكذب لكن لا عذر في تأويل ينفي ما علم من الدين ضرورة.
{والذى جَاء بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} الموصول عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس، وفسر الصدق بلا إله إلا الله، والؤمنون داخلون بدلالة السياق وحكم التبعية دخول الجند في قولك: نزل الأمير موضع كذا، وليس هذا من الجمع بين الحقيقة والمجاز في شيء لأن الثاني لم يقصد من حاق اللفظ، ولا يضر في ذلك أن المجيء بالصدق ليس وصفًا للمؤمنين الأتباع كما لا يخفى، والموصول على هذا مفرد لفظًا ومعنى، والجمع في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ المتقون} باعتبار دخول الأتباع تبعًا، ومراتب التقوى متفاوتة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلاها، وجوز أن يكون الموصول صفة لمحذوف أي الفوج الذي أو الفريق الذي الخ فيكون مفرد اللفظ مجموع المعنى فقيل: الكلام حينئذ على التوزيع لأن المجيء بالصدق على الحقيقة له عليه الصلاة والسلام والتصديق بما جاء به، وإن عمه وأتباعه صلى الله عليه وسلم لكنه فيهم أظهر فليحمل عليه للتقابل، وفي الكشف الأوجه أن لا يحمل على التوزيع غاية ما في الباب أن أحد الوصفين في أحد الموصوفين أظهر، وعليه يحمل كلام الزمخشري الموهم للتوزيع، وحمل بعضهم الموصول على الجنس فإن تعريفه كتعريف ذي اللام يكون للجنس والعهد، والمراد حينئذ به الرسل والمؤمنون.
وأيد إرادة ما ذكر بقراءة ابن مسعود {والذين مَعَاذِيرَهُ لاَ تُحَرّكْ بِهِ} وزعم بعضهم أنه أريد والذين فحذفت النون كما في قوله:
إن الذي حانت بفلج دماؤهم ** هم القوم كل القوم يا أم مالك

وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بصحيح لوجوب جمع الضمير في الصلة حينئذ كما في البيت ألا ترى أنه إذا حذفت النون من اللذان كان الضمير مثنى كقوله:
إن الذي حانت بفلج دماؤهم ** هم القوم كل القوم يا أم مالك

وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بصحيح لوجوب جمع الضمير في الصلة حينئذ كما في البيت ألا ترى أنه إذا حذفت النون من اللذان كان الضمير مثنى كقوله:
أبني كليب أن عمى اللذا ** قتلا وفككا الأغلالا

وقال علية وأبو العالية. والكلبي. وجماعة {الذى جَاء بالصدق} هو الرسول صلى الله عليه وسلم والذي صدق به هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه.
وأخرج ذلك ابن جرير والماوردي في معرفة الصحابة وابن عساكر من طريق أسيد بن صفوان وله صحبة عن علي كرم الله تعالى وجهه، وقال أبو الأسود ومجاهد في رواية وجماعة من أهل البيت وغيرهم: الذي صدق به هو علي كرم الله تعالى وجهه.
وأخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدى أنه قال: {الذى جَاء بالصدق} جبريل عليه السلام {وَصَدَّقَ بِهِ} هو النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: وعلى الأقوال الثلاثة يقتضي إضمار الذي وهو غير جائز على الأصح عند النحاة من أنه لا يجوز حذف الموصول وإبقاء صلته مطلقًا أي سواء عطف على موصول آخر أم لا.
ويضعفه أيضًا الأخبار عنه بالجمع.
وأجيب بأنه لا ضرورة إلى الإضمار ويراد بالذي الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق أو علي كرم الله تعالى وجههما معًا على أن الصلة للتوزيع، أو يراد بالذي جبريل عليه السلام والرسول صلى الله عليه وسلم معًا كذلك، وضمير الجمع قد يرجع إلى الاثنين وقد أريدا بالذي، ولا يخفى ما ذلك من التكلف والله تعالى أعلم بحال الأخبار، ولعل ذكر أبي بكر مثلا على تقدير الصحة من الاقتصار على بعض أفراد العام لنكتة وهي في أبي بكر رضي الله تعالى عنه كونه أول من آمن وصدق من الرجال، وفي علي كرم الله تعالى وجهه كونه أول من آمن وصدق من الصبيان، ويقال نحو ذلك على تقدير صحة خبر السدى ولا يكاد يصح لقوله تعالى فيما بعد {لِيُكَفّرَ} الخ، وبما ذكر يجمع بين الأخبار إن صحت ولا يعتبر في شيء منها الحصر فتدبر.
وقرأ أبو صالح وعكرمة بن سليمان {وَصَدَّقَ بِهِ} مخففًا أي وصدق به الناس ولم يكذبهم به يعني أداه إليهم كما نزل عليه من غير تحريف فالمفعول محذوف لأن الكلام في القائم به الصدق وفي الحديث الصدق، والكلام على العموم دون خصوصه عليه الصلاة والسلام فإن جملة القرآن حفظه الصحابة عنه عليه الصلاة والسلام وأدوه كما أنزل، وقيل: المعنى وصار صادقًا به أي بسببه لأن القرآن معجز والمعجز يدل على صدق النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فالوصف خاص، وقد تجوز في ذلك باستعمال {صَدَقَ} بمعنى صار صادقًا به ولا كناية فيه كما قيل؛ وقال أبو صالح: أي وعمل به وهو كما ترى.