فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرئ {وَصَدَّقَ بِهِ} مبنيًّا للمفعول مشددًا.
{لَهُمْ مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبّهِمْ} بيان لما لأولئك الموصوفين بالمجيء بالصدق والتصديق به في الآخرة من حسن المآب بعد بيان ما لهم في الدنيا من حسن الأعمال أي لهم كل ما يشاؤونه من جلب المنافع ودفع المضار في الآخرة لا في الجنة فقط لما أن بعض ما يشاؤونه من تكفير السيئات والامن من الفزع الأكبر وسائر أهوال القيامة إنما يقع قبل دخول الجنة {ذلك} الذي ذكر من حصول كل ما يشاؤونه {جَزَاء المحسنين} أي الذي أحسنوا أعمالهم، والمراد بهم أولئك المحدث عنهم لكن أقيم الظاهر مقام الضمير تنبيهًا على العلة لحصول الجزاء، وقيل: المراد ما يعمهم وغيرهم ويدخلون دخولًا أوليًّا.
{لِيُكَفّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ} الخ متعلق بمحذوف أي ليكفر الله عنهم ويجزيهم خصهم سبحانه بما خص أو بما قبله باعتبار فحواه على ما قيل أي وعدهم الله جميع ما يشاؤونه من زوال المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد أسوأ الذي عملوا الخ، وليس ببعيد معنى عن الأول، وجوز أن يكون متعلقًا بقوله سبحانه: {وذلك جَزَاء المحسنين} [الزمر: 34] أي بما يدل عليه من الثبوت أو بالمحسنين كما قال أبو حيان فكأنه قيل: وذلك جزاء الذين أحسنوا أعمالهم ليكفر الله تعالى عنهم أسوأ الذي عملوه {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} ويعطيهم ثوابهم {بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وتقديم التكفير على إعطاء الثواب لأن درء المضار أهم من جلب المسار.
وأقيم الاسم الجليل مقام الضمير الراجع إلى {رَّبُّهُمْ} لإبراز كمال الاعتناء بمضمون الكلام، وإضافة {أَسْوَأَ وَأَحْسَنُ} إلى ما بعدهما من إضافة افعل التفضيل إلى غير المفضل عليه للبيان والتوضيح كما في الأشج أعدل بني مروان ويوسف أحسن أخوته، والتفضيل على ما قال الزمخشري للدلالة على أن الزلة المكفرة عندهم هي الأسوأ لاستعظامهم المعصية مطلقًا لشدة خوفهم، والحسن الذي يعملونه عند الله تعالى هو الأحسن لحسن إخلاصهم فيه.
وذلك على ما قرر في الكشف لأن التفضيل هنا من باب الزيادة المطلقة من غير نظر إلى مفضل عليه نظرًا إلى وصوله إلى أقصر الغاية الكمالية، ثم لما كانوا متقين كاملي التقي لم يكن في عملهم أسوأ إلا فرضًا وتقديرًا.
وقوله سبحانه: {بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} دون أحسن الذي كانوا يعملون يدل على أن حسنهم عند الله تعالى من الأحسن لدلالته على أن جميع أجرهم يجري على ذلك الوجه فلو لم يعملوا إلا الأحسن كان التفصيل بحسب الأمر نفسه ولو كان في العمل الأحسن والحسن وكان الجزاء بالأحسن بأن ينظر إلى أحسن الأعمال فيجري الباقي في الجزاء على قياسه دل أن الحسن عند المجازي كالأحسن، فصح على التقديرين أن حسنهم عند الله تعالى هو الأحسن، ويعلم من هذا أن لا اعتزال فيما ذكره الزمخشري كما توهمه أبو حيان، وأما قوله في الاعتراض عليه: إنه قد استعمل {أَسْوَأَ} في التفضيل على معتقدهم و{حُسْنُ} في التفضيل على ما هو عند الله عز وجل وذلك توزيع في أفعل التفضيل وهو خلاف الظاهر.
فقد يسلم إذا لم يكن في الكلام ما يؤذن بالمغايرة فحيث كان فيه هاهنا ذلك على ما قرر لا يسلم أن التوزيع خلاف الظاهر، وقيل: إن {أَسْوَأَ} على ما هو الشائع في أفعل التفضيل، وليس المراد أن لهم عملًا سيئًا وعملًا أسوأ والمكفر هو الأسوأ فإنهم المتقون الذين وإن كانت لهم سيئات لا تكون سيئاتهم من الكبائر العظيمة، ولا يناسب التعرض لها في مقام مدحهم بل الكلام كناية عن تكفير جميع سيئاتهم بطريق برهاني، فإن الأسوأ إذا كفر كان غيره أولى بالتكفير لا أن ذلك صدر منهم، ولا نسلم وجوب تحقق المعنى الحقيقي في الكناية وهو كما ترى، وقال غير واحد: أفعل على ما هو الشائع والأسوأ الكفر السابق على التقوى والإحسان، والمراد تكفير جميع ما سلف منهم قبل الإيمان من المعاصي بطريق برهاني.
وعلى هذا لا يتسنى تفسير {وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] بعلي كرم الله تعالى وجهه إذ لم يسبق له كفر أصلي ولا يكاد يعبر عن الكفر التبعي بأسوأ العمل، وقيل: أفعل ليس للتفضيل أصلًا فأسوأ بمعنى السيء صغيرًا كان أو كبيرًا كما هو وجه أيضًا في الأشج أعدل بني مروان، وأيد بقراءة ابن مقسم.
وحامد بن يحيى عن ابن كثير رواية عن البزي عنه {أسواء} بوزن أفعال جمع سوء، وأحسن عند أكثر أهل هذه الأقوال على بابه على معنى أنه تعالى ينظر إلى أحسن طاعاتهم فيجري سبحانه الباقي في الجزاء على قياسه لطفًا وكرمًا، وزعم الطبرسي أن الأحسن الواجب والمندوب والحسن المباح والجزاء إنما هو على الأولين دون المباح، وقيل: المراد يجزيهم بأحسن من عملهم وهو الجنة، وفيه ما فيه، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل في صلة الموصول الثاني دون الأول للإيذان باستمرارهم على الأعمال الصالحة بخلاف السيئة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} أفادت الفاء تفريع ما بعدها على ما قبلها تفريعَ القضاء عن الخصومة التي في قوله: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [الزمر: 31] إذ قد علمتَ أن الاختصام كُنِّيَ به عن الحكم بينهم فيما خالفوا فيه وأنكروه، والمعنى: يقضي بينكم يوم القيامة فيكون القضاء على من كذَب على الله وكذَّب بالصدق إذ جاءه إذ هو الذي لا أظلم منه، أي فيكون القضاء على المشركين إذْ كذَبوا على الله بنسبة الشركاء إليه والبنات، وكذَّبوا بالصْدق وهو القرآن، ومَا صْدَقُ ممَّن كذَّب على الله الفريقُ الذين في قوله: {وإنهم ميتون} [الزمر: 30] وهم المعنيون في قوله تعالى: {وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون} [الزمر: 24].
وقد كني عن كونهم مدينين بتحقيق أنهم أظلم لأن من العدل أنْ لا يُقَرَّ الظالم على ظلمه فإذا وصف الخصم بأنه ظالم عُلم أنه محكوم عليه كما قال تعالى حكاية عن داود: {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} [ص: 24].
وقد عُدل عن صَوْغ الحكم عليهم بصيغة الإِخبار إلى صوغه في صورة الاستفهام للإيماء إلى أن السامع لا يسعه إلاّ الجواب بأنهم أظلم.
فالاستفهام مستعمل مجازًا مرسلًا أو كناية مرادٌ به أنهم أظلم الظالمين وأنه لا ظالم أظلم منهم، فآل معناه إلى نفي أن يكون فريق أظلم منهم فإنهم أتوا أصنافًا من الظلم العظيم: ظلم الاعتداء على حرمة الرب بالكذب في صفاته إذ زعموا أن له شركاء في الربوبية، والكذب عليه بادعاء أنه أمرهم بما هم عليه من الباطل، وظُلم الرسول بتكذيبه، وظلم القرآن بنسبته إلى الباطل، وظلم المؤمنين بالأذى، وظلم حقائق العالم بقلبها وإفسادها، وظلم أنفسهم بإقحامها في العذاب الخالد.
وعدل عن الإتيان بضميرهم إلى الإِتيان بالموصول لما في الصلة من الإِيماء إلى وجه كونهم أظلم الناس.
وإنما اقتصر في التعليل على أنهم كذَبوا على الله وكذَّبوا بالصدق لأن هذين الكذبَيْن هما جُماع ما أتوا به من الظلم المذكور آنفًا.
والصدق: ضد الكذب.
والمراد بالصدق القرآن الذي جَاء به النبي، ومجيء الصدق إليهم: بلوغه إياهم، أي سماعهم إياه وفهمهم فإنه بلسانهم وجاء بأفصح بيان بحيث لا يُعرِض عنه إلا مكابر مُؤثِر حظوظ الشهوة والباطل على حظوظ الإِنصاف والنجاة.
وفي الجمع بين كلمة {الصدق} وفعل كَذَبَ محسن الطباق.
و{إذْ جاءَهُ} متعلق ب {كَذَبَ} و{إِذْ} ظرف زمن ماض وهو مشعر بالمقارنة بين الزمن الذي تدل عليه الجملةُ المضاف إليها، وحصول متعلقه، فقوله: {إذْ جاءَهُ} يدل على أنه كذَّب بالحق بمجرد بلوغه إياه بدون مهلة، أي بادر بالتكذيب بالحق عند بلوغه إياه من غير وقفة لإِعمال رؤية ولا اهتمام بمَيْز بين حق وباطل.
وجملة {أليس في جهنَّم مَثْوى للكافرين} مبينة لمضمون جملة {فمن أظلم ممن كَذَب على الله} أي أن ظلمهم أوجب أن يكون مثواهم في جهنم.
والاستفهام تقريري، وإنما وُجِّه الاستفهام إلى نفي ما المقصودُ التقريرُ به جريًا على الغالب في الاستفهام التقريري وهي طريقة إرخاء العنان للمقرَّر بحيث يُفتح له باب الإِنكار علمًا من المتكلم بأن المخاطب لا يَسعه الإِنكار فلا يلبث أن يقر بالإِثبات.
ويجوز أن يكون الاستفهام إنكاريًا ردًا لاعتقادهم أنهم ناجون من النار الدال عليه تصميمهم على الإِعراض عن التدبر في دعوة القرآن.
والكافرون: هم الذين كفروا بالله فأثبتوا له الشركاء أو كذبوا الرسل بعد ظهور دلالة صدقهم، والتعريف في {الكافرين} للجنس المفيد للاستغراق فشمل الكافرين المتحدث عنهم شمولًا أوليا.
وتكون الجملة مفيدة للتذييل أيضًا، ويكون اقتضاء مصير الكافرين المتحدث عنهم إلى النار ثابتًا بشبه الدليل الذي يعم مصير جميع الجنس الذي هم من أصنافه.
وليس في الكلام إظهار في مقام الإِضمار.
والمثوى: اسم مكان الثواء، وهو القرار، فالمثوى المقر.
{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)} الذي جاء بالصدق هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصدق: القرآن كما تقدم آنفًا في قوله: {وكذَّب بالصدق إذ جاءه} [الزمر: 32].
وجملة {وصدَّقَ بهِ} صلة موصولٍ محذوفٍ تقديره: والذي صدق به، لأن المصدق غير الذي جاء بالصدق، والقرينة ظاهرة لأن الذي صَدَّق غير الذي جاء بالصدق فالعطف عطف جملة كاملة وليس عطف جملة صِلة.
وضمير {بِهِ} يجوز أن يعود على {الصدق} ويجوز أن يعود على الذي {جَاءَ بالصِدْق} والتصديق بكليهما متلازم، وإذ قد كان المصدقون بالقرآن أو بالنبي صلى الله عليه وسلم من ثبت له هذا الوصف كان مرادًا به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم جماعة فلا تقع صفتهم صلة ل {الذي} لأن أصله للمفرد، فتعين تأويله بفريق، وقرينته {أولئك هم المتقون} وإنما أفرد عائد الموصول في قوله: {وصَدَّقَ} رعيًا للفظ {الذي} وذلك كله من الإِيجاز.
وروى الطبري بسنده إلى علي بن أبي طالب أنه قال: الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم والذي صدق به أبو بكر، وقاله الكلبي وأبو العالية، ومحمله على أن أبا بكر أول من صدّق النبي صلى الله عليه وسلم.
وجملة {أولئك هم المتقون} خبر عن اسم الموصول.
وجيء باسم الإشارة للعناية بتمييزهم أكمل تمييز.
وضمير الفصل في قوله: {هم المتقون} يفيد قصر جنس المتقين على {الذي جاء بالصدق وصدق به} لأنه لا متقي يومئذٍ غير الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكلهم متقون لأن المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وسلم لما أشرقت على نفوسهم أنوار الرسول صلى الله عليه وسلم تَطهرت ضمائرهم من كل سيئة فكانوا محفوظين من الله بالتقوى قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110].
والمعنى: أولئك هم الذين تحقق فيهم ما أريد من إنزال القرآن الذي أشير إليه في قوله: {لعلهم يتقون} [الزمر: 28].
وجملة {لهم ما يشاءون عند ربهم} مستأنفة استئنافًا بَيانيًا لأنهم لما قصر عليهم جنس المتقين كان ذلك مشعرًا بمزية عظيمة فكان يقتضي أن يَسأل السامع عن جزاء هذه المزية فبُين له أن لهم ما يشاؤون عند الله.
و{ما يشاءون} هو ما يريدون ويتمنون، أي يعطيهم الله ما يطلبون في الجنة.
ومعنى {عند ربِّهم} أن الله ادّخر لهم ما يبتغونه، وهذا من صيغ الالتزام ووعدِ الإِيجاببِ، يقال: لك عندي كذا أي ألتزِمُ لك بكذا، ثم يجوز أن الله يلهمهم أن يشاءوا ما لا يتجاوز قدرَ ما عَين الله من الدرجات في الجنة فإن أهل الجنة متفاوتون في الدرجات.
وفي الحديث: «إن الله يقول لأحدهم: تمنَّهْ، فلا يزال يتمنى حتى تنقطع به الأَماني فيقول الله لك ذلك وعشرةُ أمثاله معه».
ويجوز أن {مَا يَشاءُون} مما يقع تحت أنظارهم في قُصورهم ويحجب الله عنهم ما فوق ذلك بحيث لا يسألون إلا ما هو من عطاءِ أمثالهم وهو عظيم ويقلع الله من نفوسهم ما ليس من حظوظهم.
ويجوز أن {مَا يَشاءُون} كناية عن سعة ما يُعطَوْنَه كما ورد في الحديث «ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سَمِعَت ولا خطَر على قلب بشر» وهذا كما يقول من أسديتَ إليه بعمل عظيم: لكَ عليَّ حُكْمُك، أو لَك عندي ما تَسْأَل، وأنت تريد ما هو غاية الإِحسان لأمثاله.
وعُدل عن اسم الجلالة إلى وصف {رَبِّهم} في قوله: {عِندَ رَبِّهم} إيماء إلى أنه يعطيهم عطاءَ الربوبية والإِيثار بالخير.
ثم نوه بهذا الوعد بقوله: {ذلك جزاء المُحسنين} والمشار إليه هو ما يشاءون لِما تضمنه من أنه جزاء لهم على التصديق.
وأشير إليه باسم الإِشارة لتضمنه تعظيمًا لشأن المشار إليه.
والمراد بالمحسنين أولئك الموصوفون بأنهم المتقون، وكانَ مقتضى الظاهر أن يؤتى بضميرهم فيقال: ذلك جزاؤهم، فوقع الإِظهار في مقام الإِضمار لإِفادة الثناء عليهم بأنهم محسنون.
والإِحسان: هو كمال التقوى لأنه فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: «أن تعبد الله كأنك تراه» وأيُّ إحسان وأيُّ تقوى أعظمُ من نبذهم ما نشأوا عليه من عبادة الأصنام، ومن تحملهم مخالفة أهليهم وذويهم وعداوتهم وأذاهم، ومِن صبرهم على مصادرة أموالهم ومفارقة نسائهم تصديقًا للذي جاء بالصدق وإيثارًا لِرِضى الله على شهوة النفس ورضى العشِيرةَ.
وقوله: {ليُكَفِّر الله عنهُم أسْوَأ الَّذِي عَمِلوا} اللام للتعليل وهي تتعلق بفعل محذوف دل عليه قوله: {لهم ما يشاءون عند ربهم} والتقدير: وَعَدَهم الله بذلك والتزمَ لهم ذلك ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا.
والمعنى: أن الله وعدهم وعدًا مطلقًا ليكفر عنهم أسوأ ما عملوه، أي ما وعدهم بذلك الجزاء إلا لأنهُ أراد أن يكفر عنهم سيئات ما عملوا.
والمقصود من هذا الخبر إعلامهم به ليطمئنوا من عدم مؤاخذتهم على ما فرط منهم من الشرك وأحواله.
و{أسوَأَ} يجوز أن يكون باقيًا على ظاهر اسم التفضيل من اقتضاء مفضل عليه، فالمراد بأَسوأ عملهم هو أعظمهُ سُوءًا وهو الشرك، سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ الذنب أعظمُ؟ فقال: «أن تدعو لله نِدًّا وهو خَلَقَك» وإضافته إلى {الذي عملوا} إضافة حقيقية، ومعنى كون الشرك مما عملوا باعتبار أن الشرك عمل قلبي أو باعتبار ما يستتبعه من السجود للصنم، وإذا كَفَّر عنهم أسوأَ الذي عملوا كفَّر عنهم ما دونه من سيِّىء أعمالهم بدلالة الفَحوى، فأفاد أنه يكفر عنهم جميع ما عمِلوا من سيئات، فإن أريد بذلك ما سبَق قبلَ الإِسلام فالآية تعم كل من صدَّق بالرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن بعد أن كان كافرًا فإن الإِسلام يُجبّ ما قبله، وإن أريد بذلك ما عسى أن يعمله أحَدٌ منهم من الكبَائر في الإسلام كان هذا التكفير خصوصية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فضل الصحبة عظيم.