فصل: (سورة الزمر: آية 46):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الزمر: آية 46]:

{قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} بعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بهم، وبشدّة شكيمتهم في الكفر والعناد، فقيل له: ادع اللّه بأسمائه العظمى، وقل: أنت وحدك تقدر على الحكم بيني وبينهم، ولا حيلة لغيرك فيهم. وفيه وصف لحالهم وإعذار لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتسلية له ووعيد لهم. وعن الربيع بن خثيم وكان قليل الكلام. أنه أخبر بقتل الحسين- رضى اللّه عنه، وسخط على قاتله- وقالوا: الآن يتكلم، فما زاد على أن قال: آه أوقد فعلوا؟ وقرأ هذه الآية. وروى أنه قال على أثره: قتل من كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجلسه في حجره ويضع فاه على فيه.

.[سورة الزمر: الآيات 47- 48]:

{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48)}.
{وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ} وعيد لهم لا كنه لفظاعته وشدّته، وهو نظير قوله تعالى في الوعد {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ} والمعنى: وظهر لهم من سخط اللّه وعذابه ما لم يكن قط في حسابهم ولم يحدءوا به نفوسهم. وقيل: عملوا أعمالا حسبوها حسنات، فإذا هي سيئات. وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال: ويل لأهل الرياء، ويل لأهل الرياء. وجزع محمد بن المنكدر عند موته فقيل له، فقال: أخشى آية من كتاب اللّه، وتلاها، فأنا أخشى أن يبدو لي من اللّه ما لم أحتسبه {وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا} أي سيئات أعمالهم التي كسبوها. أو سيئات كسبهم، حين تعرض صحائفهم، وكانت خافية عليهم، كقوله تعالى {أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} أو أراد بالسيآت: أنواع العذاب التي يجازون بها على ما كسبوا، فسماها سيئات، كما قال {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}.
{وَحاقَ بِهِمْ} ونزل بهم وأحاط جزاء هزئهم.

.[سورة الزمر: آية 49]:

{فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49)} التخويل: مختص بالتفضل. يقال: خولني، إذا أعطاك على غير جزاء عَلى عِلْمٍ أي على علم منى أنى سأعطاه، لما في من فضل واستحقاق. أو على علم من اللّه بى وباستحقاقى أو على علم منى بوجوه الكسب، كما قال قارون {عَلى عِلْمٍ عِنْدِي}. فإن قلت: لم ذكر الضمير في أُوتِيتُهُ وهو للنعمة؟ قلت: ذهابا به إلى المعنى، لأنّ قوله {نِعْمَةً مِنَّا} شيئا من النعم وقسما منها. ويحتمل أن تكون ما في إنما موصولة لا كافة، فيرجع إليها الضمير. على معنى: أن الذي أوتيته على علم {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} إنكار لقوله كأنه قال: ما خوّلناك ما خولناك من النعمة لما تقول، بل هي فتنة، أي: ابتلاء وامتحان لك، أتشكر أم تكفر؟ فإن قلت: كيف ذكر الضمير ثم أنثه؟ قلت: حملا على المعنى أوّلا، وعلى اللفظ آخرا، ولأن الخبر لما كان مؤنثا أعنى فِتْنَةٌ ساغ تأنيث المبتدإ لأجله لأنه في معناه، كقولهم: ما جاءت حاجتك. وقرئ: {بل هو فتنة} على وفق {إِنَّما أُوتِيتُهُ}. فإن قلت: ما السبب في عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها في أوّل السورة بالواو؟ قلت: السبب في ذلك أنّ هذه وقعت مسببة عن قوله {وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ} على معنى أنهم يشمئزون عن ذكر اللّه ويستبشرون بذكر الآلهة، فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأزّ من ذكره، دون من استبشر بذكره، وما بينهما من الاى اعتراض. فإن قلت: حق الاعتراض أن يؤكد المعترض بينه وبينه. قلت: ما في الاعتراض من دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ربه بأمر منه وقوله {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ} ثم ما عقبه من الوعيد العظيم: تأكيد لإنكار اشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى اللّه في الشدائد دون آلهتهم، كأنه قيل: قل يا رب لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترءون عليك مثل هذه الجرأة، ويرتكبون مثل هذا المنكر إلا أنت. وقوله {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} متناول لهم ولكل ظالم إن جعل مطلقا. أو إياهم خاصة إن عنيتهم به، كأنه قيل: ولو أنّ لهؤلاء الظالمين ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به. حين أحكم عليهم بسوء العذاب، وهذه الأسرار والنكت لا يبرزها إلا علم النظم، وإلا بقيت محتجبة في أكمامها. وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة وما هي إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو، كقولك: قام زيد وقعد عمرو. فإن قلت: من أي وجه وقعت مسببة؟ والاشمئزاز عن ذكر اللّه ليس بمقتض لالتجائهم إليه، بل هو مقتض لصدوفهم عنه. قلت: في هذا التسبيب لطف، وبيانه أنك تقول: زيد مؤمن باللّه، فإذا مسه ضر التجأ إليه، فهذا تسبيب ظاهر لا لبس فيه، ثم تقول: زيد كافر باللّه، فإذا مسه ضر التجأ إليه، فتجيء بالفاء مجيئك به ثمة، كأنّ الكافر حين التجأ إلى اللّه التجاء المؤمن إليه، مقيم كفره مقام الإيمان، ومجريه مجراه في جعله سببا في الالتجاء، فأنت تحكى ما عكس فيه الكافر. ألا ترى أنك تقصد بهذا الكلام الإنكار والتعجب من فعله؟.

.[سورة الزمر: الآيات 50- 52]:

{قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}.
الضمير في {قالَهَا} راجع إلى قوله {إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ} لأنها كلمة أو جملة من القول.
وقرئ: {قد قاله} على معنى القول والكلام، وذلك والذين من قبلهم: هم قارون وقومه، حيث قال: إنما أوتيته على علم عندي وقومه راضون بها، فكأنهم قالوها. ويجوز أن يكون في الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها {فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} من متاع الدنيا ويجمعون منه {مِنْ هؤُلاءِ} من مشركي قومك {سَيُصِيبُهُمْ} مثل ما أصاب أولئك، فقتل صناديدهم ببدر، وحبس عنهم الرزق، فقحطوا سبع سنين، ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين، فقيل لهم {أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا} أنه لا قابض ولا باسط إلا اللّه عزّ وجلّ. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ على اللهِ} بأن دعا له ولدًا وشريكًا {وكذَّبَ بالصِّدْق إِذْ جاءَهُ} وهو التوحيد والقرآن {ألَيْسَ في جهنَّمَ مَثْوىً للكافِرِينَ} أي: مَقَامٌ للجاحِدِين؟! وهذا استفهام بمعنى التقرير، يعني: إِنه كذلك.
قوله تعالى: {والَّذي جاءَ بالصِّدْقِ} فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله عليّ بن أبي طالب، وابن عباس، وقتادة، وابن زيد.
ثم في الصِّدق الذي جاء به قولان:
أحدهما: أنه لا إله إلا الله، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير.
والثاني: أنه القرآن، قاله قتادة.
وفي الذي صدَّق به ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا، هو جاء بالصِّدق، وهو صدَّق به، قاله ابن عباس، والشعبي.
والثاني: أنه أبو بكر، قاله علي بن أبي طالب.
والثالث: أنهم المؤمنون، قاله قتادة، والضحاك، وابن زيد.
والقول الثاني: أن الذي جاء بالصِّدق: أهل القرآن، وهو الصِّدق الذي يُجيبونَ به يوم القيامة، وقد أدّوا حَقّه، فَهُم الذين صدَّقوا به، قاله مجاهد.
والثالث: أن الذي جاء بالصِّدق الأنبياء، قاله الربيع، فعلى هذا، يكون الذي صدَّق به: المؤمِنون.
والرابع: أن الذي جاء بالصِّدق: جبريل، وصدَّق به: محمد، قاله السدي.
قوله تعالى: {أولئك هُمُ المُتَّقُونَ} أي: الذين اتَّقّوْا الشرك؛ وإِنما قيل: {هُم} لأن معنى الذي معنى الجمع، كذلك قال اللغويون، وأنشد أبو عبيدة، والزجاج:
فإنَّ الذي حانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهُمْ ** هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يا أُمَّ خالِدِ

قوله تعالى: {لِيُكَفِّرَ اللهُ عنهم} المعنى: أعطاهم ماشاؤوا ليكفِّر عنهم {أَسوأَ الذي عَملوا} أي: لِيَسْتُر ذلك بالمغفرة {وَيجْزِيَهم أَجرهم} بمحاسن أعمالهم لا بمساوئها.
قوله تعالى: {أَلَيْس اللهُ بكافٍ عَبْدَهُ} ذكر المفسِّرون أن مشركي مكة قالوا: يا محمد، ما تزال تذكرُ آلهتنا وتَعِيبُها، فاتَّق أن تصيبك بسوءٍ، فنزلت هذه الآية.
والمراد بعبده هاهنا: محمد صلى الله عليه وسلم.
وقرأ حمزة، والكسائي: {عِبَادَهُ} على الجمع، وهم الأنبياء، لأن الأمم قصدتْهم بالسُّوء؛ فالمعنى: أنه كما كفى الأنبياءَ قَبْلَكَ، يكفيك.
وقرأ سعد بن أبي وقاص، وأبو عمران الجوني: {بِكافي} مثبتة الياء {عَبْدِهِ} بكسر الدال والهاء من غير ألف.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو العالية، وأبو الجوزاء، والشعبي مِثْلَه، إِلاّ أنهم أثبتوا الألف في {عِبادِهِ}.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو جعفر، وشيبة، والأعمش: {بِكافٍ} بالتنوين، {عِبادَهُ} على الجمع.
وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء العطاردي: {يُكافِيْ} بياء مرفوعة قبل الكاف وياء ساكنة بعد الفاء {عِبادَهُ} على الجمع.
{وُخَوِّفونَكَ بالذين مِنْ دونِهِ} أي: بالذين يَعْبُدون مِن دونِهِ، وهم الأصنام.
ثُمَّ أَعْلَمَ بما بعد هذا أن الإِضلال والهداية إليه تعالى، وأنه منتقم ممن عصاه، ثم أخبر أنهم مع عبادتهم، يُقِرُّونَ أنه الخالق.
ثم أمر أن يُحْتَج عليهم بأن ما يعبُدون لا يَمْلِكُ كَشْفَ ضُرٍّ ولا جَلْبَ خَيْرِ.
وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: {كاشفاتٌ ضُرَّه} و{ممسكاتٌ رحمته} منوَّنًا.
والباقون: {كاشفاتُ ضُرِّه} و{ممسكاتُ رحمتِه} على الإِضافة.
قوله تعالى: {قل يا قوم اعملوا} ذكر بعض المفسرين أنها والآية التي تليها نُسخت بآية السيف.
قوله تعالى: {إِنّا أَنْزَلْنا عليكَ الكتابَ} يعني القرآن {للناس} أي: لجميع الخَلْقِ {بالحَقِّ} ليس فيه باطل.
وتمام الآية مفسَّر في آخر [يونس: 108]، وذكروا أنه منسوخ بآية السيف.
قوله تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها} أي: يَقْبِضُ الأرواحَ حين موت أجسادها {والَّتي لَمْ تَمُتْ} أي: ويتوفَّى التي لَمْ تَمُتْ {في منامها}.
{فيُمْسِكُ} أي: عن الجسد والنفس {التي قضى عليها الموت} وقرأ حمزة، والكسائي: {قُضِيَ} بضم القاف وفتح الياء، {الموتُ} بالرفع.
{ويُرْسِلُ الأُخرى} إِلى الجسد {إٍلى أَجَلٍ مُسَمّىً} وهو انقضاءُ العُمُر {إنَّ في ذلك لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ} في أمر البعث، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تلتقي أرواح الأحياء وأرواحُ الأموات في المنام، فيتعارفون ويتساءلون، ثم تُرَدُّ أرواحُ الأَحياءِ إلى أجسادها، فلا يُخطأُ بشيء منها، فذلك قوله: {إِن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} وقال ابن عباس في رواية أخرى: في ابنِ آدم نَفْسٌ وروحٌ، فبالنَّفس العقلُ والتمييزُ، وبالرُّوح النَّفَس والتحريك، فإذا نام العبدُ، قَبَضَ اللهُ نَفْسَه ولم يَقْبِض روحه وقال ابن جريج: في الإِنسان روح ونَفْسٌ، بينهما حاجز، فهو تعالى يَقْبِضُ النَّفْسَ عند النَّوم يَرُدُّها إِلى الجسد عند الانتباه، فإذا أراد إِماتةَ العبد في نومه، لم يَرُدَّ النَّفْسَ وقَبَض الرُّوح.
وقد اختلف العلماء، هل بين النَّفْس والرُّوح فَرْقٌ؟ على قولين قد ذكرتُهما في الوجوه والنظائر، وزدتُ هذه الآية شرحًا في باب التوفّي في كتاب النظائر، وذهب بعض العلماء إِلى أَن التوفيّ المذكور في حق النّائم هو نَوْمُه، وهذا اختيار الفراء وابن الأنباري؛ فعلى هذا، يكون معنى توفّي النائم: قبضُ نَفْسِه عن التصرُّف، وإِرسالُها: إِطلاقُها باليَقَظَة للتصرُّف.
قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذوا} يعني كُفَّارَ مكَّةَ.
وفي المراد بالشُّفعاءِ قولان:
أحدهما: أنَّها الأصنام، زعموا أنها تشفع لهم في حاجاتهم، قاله الأكثرون.
والثاني: الملائكة، قاله مقاتل.
{قُلْ أولَو كانوا لا يَمْلِكونَ شيئًا} من الشفاعة {ولا يَعْقِلونَ} أنَّكم تعبُدونهم؟! وجواب هذا الاستفهام محذوف، تقديره: أوَلَو كانوا بهذه الصفة تتخذونهم.
{قُلْ لله الشَّفاعةُ جميعًا} أي: لا يَمْلِكُها أَحَدٌ إِلاّ بتمليكه، ولا يشفع عنده أَحَدٌ إلاّ بإذنه.
قوله تعالى: {وإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشمأزَّتْ قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: انقبضتْ عن التوحيد، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني: استكبرتْ، قاله قتادة.
والثالث: نَفَرتْ، قاله أبو عبيدة، والزجاج.
قوله تعالى: {وإِذا ذُكِرَ الذين مِنْ دُونِه} يعني الأصنام {إذا هُمْ يَسْتَبْشِرونَ} يفرحون.
وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الأنعام: 14 73] [البقرة: 113] [الرعد: 18] إِلى قوله: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يَحْتَسِبون}.
قال السدي: ظَنَّوا أنّ أعمالَهم حسناتٍ، فبدت لهم سيئات.
وقال غيره: عَمِلوا أعمالًا ظنُّوا أنَّها تنفعُهم، فلم تنفع مع شِركهم.
قال مقاتل: ظهر لهم حين بُعثوا مالم يحتَسِبوا أنَّه نازلٌ بهم؛ فهذا القول يحتمل وجهين:
أحدهما: أنَّهم كانوا يرجون القُرْبَ من الله بعبادة الأصنام، فلمّا عُوقِبوا عليها، بدا لهم ما لم يكونوا يحتَسِبون.
والثاني: أنَّ البعثَ والجزاءَ لم يكن في حسابهم، وروي عن محمد بن المنكدر أنه جَزِع عند الموت وقال: أخشى هذه الآية أن يبدو لي مالا أحتَسِب.
قوله تعالى: {وحاقَ بهم} أي: نزل بهم {ما كانوا به يستهزؤنَ} أي: ما كانوا يُنْكِرونه ويكذِّبون به.
قوله تعالى: {فإذا مَسَّ الإِنسانَ ضُرٌ دعانا} قال مقاتل: هو أبو حذيفة ابن المغيرة، وقد سبق في هذه السورة نظيرها [الزمر: 8] وإنما كنّى عن النِّعمة بقوله: {أُوتيتُه} لأن المراد بالنِّعمة: الإنعام.
{على عِلْمٍ} عندي، أي: على خيرٍ عَلِمَهُ اللهُ عندي.
وقيل: على عِلْمٍ مِنَ الله بأنِّي له أهلٌ، قال الله تعالى: {بل هي} يعني النِّعمة التي أنعم اللهُ عليه بها {فِتْنَةٌ} أي: بلوى يُبْتَلى بها العبدُ لِيَشْكُرَ أو يكفُر، {ولكنَّ أكثرهم لا يَعْلَمونَ} أن ذلك استدراج لهم وامتحان.
وقيل: {بل هي} أي: المقالة التي قالها فتنةٌ.
{قد قالها} يعني تلك الكلمة، وهي قوله: {إِنما أُوتيتُة على عِلْمٍ} {الذين مِنَ قَبْلِهم} وفيهم قولان:
أحدهما: أنَّهم الًامم الماضية، قاله السدي.
والثاني: قارون، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {فما أغنى عنهم} أي: ما دفع عنهم العذاب {ما كانوا يَكْسِبونَ} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: من الكفر.
والثاني: من عبادة الأصنام.
والثالث: من الأموال.
{فأصابهم سيِّئاتُ ما كسَبوا} أي: جزاءُ سيِّئاتهم، وهو العذاب.
ثم أوعد كُفَّار مكَّة، فقال: {والذين ظَلَموا مِنْ هؤلاء سيُصيبُهم سيِّئاتُ ما كسَبوا وما هم بمُعْجِزينَ} أي: إِنهم لا يُعْجِزونَ الله ولا يَفوتونه.
قال مقاتل: ثم وعظهم لِيَعْلَموا وحدانيتَّه حين مُطِروا بعد سبع سنين، فقال: {أوَلَم يَعْلَموا أنَّ الله يَبْسُطُ الرِّزق لِمَنْ يشاءُ ويَقْدِرُ إن في ذلك} أي: في بَسْطِ الرِّزق وتقتيره {لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنونَ}. اهـ.