فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ} بنفع.
{هَلْ هُنَّ ممسكات رَحْمَتِهِ} فيمسكنها عني، وقرأ أبو عمرو {كاشفات ضُرّهِ} {ممسكات رَحْمَتِهِ} بالتنوين فيهما ونصب ضره ورحمته.
{قُلْ حَسْبِىَ الله} كافيًا في إصابة الخير ودفع الضر إذ تقرر بهذا التقرير أنه القادر الذي لا مانع لما يريده من خير أو شر. روي أن النبي عليه الصلاة والسلام سألهم فسكتوا فنزل ذلك، وإنما قال: {كاشفات} و{ممسكات} على ما يصفونها به من الأنوثة تنبيهًا على كمال ضعفها.
{عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون} لعلمهم بأن الكل منه تعالى.
{قُلْ يا قَوْمِ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} على حالكم، اسم للمكان استعير للحال كما استعير هنا وحيث من المكان للزمان، وقرئ {مكاناتكم}.
{إِنّى عامل} أي على مكانتي فحذف للاختصار والمبالغة في الوعيد، والإشعار بأن حاله لا يقف فإنه تعالى يزيده على مر الأيام قوة ونصرة ولذلك توعدهم بكونه منصورًا عليهم في الدارين فقال: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
{مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} فإن خزي أعدائه دليل غلبته، وقد أخزاهم الله يوم بدر.
{وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دائم وهو عذاب النار.
{إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب لِلنَّاسِ} لأجلهم فإنه مناط مصالحهم في معاشهم ومعادهم.
{بالحق} متلبسًا به.
{فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ} إذ نفع به نفسه.
{وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} فإن وباله لا يتخطاها.
{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى وإنما أمرت بالبلاغ وقد بلغت.
{الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتى لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا} أي يقبضها عن الأبدان بأن يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها إما ظاهرًا وباطنًا وذلك عند الموت، أو ظاهرًا لا باطنًا وهو في النوم.
{فَيُمْسِكُ التي قضى عَلَيْهَا الموت} ولا يردها إلى البدن، وقرأ حمزة والكسائي {قُضِيَ} بِضَم القاف وكسر الضاد والموت بالرفع.
{وَيُرْسِلُ الأخرى} أي النائمة إلى بدنها عند اليقظة.
{إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} هو الوقت المضروب لموته وهو غاية جنس الإرسال. وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن في ابن آدم نفسًا وروحًا بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها النفس والحياة، فيتوفيان عند الموت وتتوفى النفس وحدها عند النوم قريب مما ذكرناه.
{إِنَّ في ذَلِكَ} من التوفي والإِمساك والإِرسال.
{لاَيَاتٍ} دالة على كمال قدرته وحكمته وشمول رحمته.
{لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في كيفية تعلقها بالأبدان وتوفيها عنها بالكلية حين الموت، وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها، وما يعتريها من السعادة والشقاوة والحكمة في توفيها عن ظواهرها وإرسالها حينًا بعد حين إلى توفي آجالها.
{أَمِ اتخذوا} بل اتخذت قريش.
{مِن دُونِ الله شُفَعَاءَ} تشفع لهم عند الله.
{قُلْ أَوَ لَّوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ} ولو كانوا على هذه الصفة كما تشاهدونهم جمادات لا تقدر ولا تعلم.
{قُل لِلَّهِ الشفاعة جَمِيعًا} لعله رد لما عسى يجيبون به وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون هي تماثيلهم، والمعنى أنه مالك الشفاعة كلها لا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه ورضاه، ولا يستقل بها ثم قرر ذلك فقال: {لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} فإنه مالك الملك كله لا يملك أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه ورضاه.
{ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يوم القيامة فيكون الملك له أيضًا حينئذ.
{وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ} دون آلهتهم.
{اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} انقبضت ونفرت.
{وَإِذَا ذُكِرَ الذين مِن دُونِهِ} يعني الأوثان.
{إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} لفرط افتتانهم بها ونسيانهم حق الله، ولقد بالغ في الأمرين حتى بلغ الغاية فيهما، فإن الاستبشار أن يمتلىء قلبه سرورًا حتى تنبسط له بشرة وجهه، والاشمئزاز أن يمتلىء غمًا حتى ينقبض أديم وجهه، والعامل في {إِذَا ذُكِرَ} العامل في إذا المفاجأة.
{قُلِ اللهم فَاطِرَ السموات والأرض عالم الغيب والشهادة} التجىء إلى الله بالدعاء لما تحيرت في أمرهم وضجرت من عنادهم وشدة شكيمتهم، فإنه القادر على الأشياء والعالم بالأحوال كلها.
{أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فأنت وحدك تقدر أن تحكم بيني وبينهم.
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا في الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوء العذاب يَوْمَ القيامة} وعيد شديد وإقناط كلي لهم من الخلاص.
{وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} زيادة مبالغة فيه وهو نظير قوله تعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم} في الوعد.
{وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} سيئات أعمالهم أو كسبهم حين تعرض صحائفهم.
{وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} وأحاط بهم جزاؤه.
{فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا} إخبار عن الجنس بما يغلب فيه، والعطف على قوله: {وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ} بالفاء لبيان مناقضتهم وتعكيسهم في التسبب بمعنى أنهم يشمئزون عن ذكر الله وحده ويستبشرون بذكر الآلهة، فإذا مسهم ضر دعوا من اشمأزوا من ذكره دون من استبشروا بذكره، وما بينهما اعتراض مؤكد لإنكار ذلك عليهم.
{ثُمَّ إِذَا خولناه نِعْمَةً مّنَّا} أعطيناه إياه تفضلًا فإن التخويل مختص به.
{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ} مني بوجوه كسبه، أو بأني سأعطاه لما لي من استحقاقه، أو من الله بي واستحقاقي، والهاء فيه لما إن جعلت موصولة وإلا فللنعمة والتذكير لأن المراد شيء منها.
{بَلْ هي فِتْنَةٌ} امتحان له أيشكر أم يكفر، وهو رد لما قاله وتأنيث الضمير باعتبار الخير أو لفظ ال {نعمة} وقرئ بالتذكير.
{ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك، وهو دليل على أن الإِنسان للجنس.
{قَدْ قَالَهَا الذين مِن قَبْلِهِمْ} الهاء لقوله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ} لأنها كلمة أو جملة، وقرئ بالتذكير {والذين مِن قَبْلِهِمْ} قارون وقومه فإنه قال ورضي به قومه {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من متاع الدنيا.
{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} جزاء سيئات أعمالهم أو جزاء أعمالهم، وسماه سيئة لأنه في مقابلة أعمالهم السيئة رمزًا إلى أن جميع أعمالهم كذلك.
{والذين ظَلَمُواْ} بالعتو.
{مِنْ هَؤُلاَءِ} المشركين و{مِنْ} للبيان أو للتبعيض.
{سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُواْ} كما أصاب أولئك، وقد أصابهم فإنهم قحطوا سبع سنين وقتل ببدر صناديدهم.
{وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} بفائتين.
{أَوَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} حيث حبس عنهم الرزق سبعًا ثم بسط لهم سبعًا.
{إِنَّ في ذلك لآيات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بأن الحوادث كلها من الله بوسط أو غيره. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

ثم إنه تعالى بين نوعًا آخر من قبائح أفعالهم بقوله تعالى: {فمن} أي: لا أحد {أظلم} أي: منهم هكذا كان الأصل، ولكن قال تعالى: {ممن كذب} تعميمًا {على الله} أي: الذي الكبرياء رداؤه والعظمة إزاره بنسبة الولد والشريك إليه {وكذب} أي: أوقع التكذيب لكل من أخبره {بالصدق} أي: بالأمر الذي هو الصدق بعينه وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {إذ جاءه} أي: فاجأه بالتكذيب لما سمع من غير وقفة ولا إعمال روية بتمييز بين حق وباطل كما يفعل أهل النصفة فيما يستمعون، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال عند الجيم والباقون بالإدغام، ثم أردف ذلك بالوعيد فقال: {أليس في جهنم} أي: النار التي تلقى داخلها بالتجهم والعبوسة كما كان يلقى الحق وأهله {مثوى} أي: مأوى {للكافرين} أي: لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق، واللام في للكافرين إشارة إليهم والاستفهام بمعنى التقرير.
ولما ذكر من افترى وكذب ذكر مقابله وهو الذي جاء بالصدق وصدق به بقوله تعالى: {والذي جاء بالصدق} قال قتادة ومقاتل: هو النبي صلى الله عليه وسلم {وصدق به} هم المؤمنون فالذي بمعنى الذين ولذلك روعي معناه فجمع في قوله تعالى: {أولئك} أي: العالو الرتبة {هم المتقون} أي: الشرك كما روعي معنى من في قوله تعالى: {للكافرين} فإن الكافرين ظاهر واقع موقع الضمير، إذ الأصل مثوى لهم وكما في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} ثم قال: {ذهب الله بنورهم} قال الزمخشري: ويجوز أن يريد الفوج أو الفريق الذي جاء بالصدق وصدق به وهم الرسول الذي جاء بالصدق وصحابته رضي الله تعالى عنهم الذين صدقوا به ا.ه قال أبو حيان: وفيه توزيع للصلة والفوج هو الموصول فهو كقولك: جاء الفريق الذي شرف وشرف، والأظهر عدم التوزيع بل المعطوف على الصلة صلة لمن له الصلة الأولى، وقيل: بل الأصل والذين جاء بالصدق فحذفت النون تخفيفًا كقوله تعالى: {كالذي خاضوا} قال ابن عادل: وهذا وهم إذ لو قصد ذلك لجاء بعده ضمير الجمع فكان يقال: والذي جاؤوا كقوله تعالى: {كالذي خاضوا} ويدل عليه أن نون التثنية إذا حذفت عاد الضمير مثنى كقوله:
أبني كليب إن عميّ اللذا ** قتلا الملوك وفككا الأغلالا

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: والذي جاء بالصدق يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلا إله إلا الله وصدق به الرسول أيضًا بلغه إلى الخلق. وقال السدي: والذي جاء بالصدق جبريل عليه السلام جاء بالقرآن وصدق به محمد صلى الله عليه وسلم تلقاه بالقبول، وقال أبو العالية والكلبي: والذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق به أبو بكر رضي الله عنه، وقال عطاء: والذي جاء بالصدق الأنبياء وصدق به الأتباع، وقال الحسن: هم المؤمنون صدقوا به في الدنيا وجاؤوا به في الآخرة وقوله تعالى: {لهم ما يشاؤون} أي: من أنواع الكرامات {عند ربهم} أي: في الجنة يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه {ذلك} أي: هذا الجزاء {جزاء المحسنين} لأنفسهم بإيمانهم. وقوله تعالى: {ليكفر الله عنهم} يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه ومعنى تكفيرها أن يسترها عليهم بالمغفرة.
تنبيه:
في تعلق هذه اللام وجهان أحدهما: أنها متعلقة بمحذوف أي: يسر لهم ذلك ليكفر، ثانيهما: أنها متعلقة بنفس المحسنين كأنه قيل: الذين أحسنوا ليكفر أي: لأجل التكفير وقوله تعالى: {أسوأ الذي} أي: العمل الذي {عملوا} فيه مبالغة فإنه إذا كفر غيره أولى بذلك أو للإيذان بأن الشيء الذي يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرة هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية أو أنه بمعنى السيء كما جرى عليه الجلال المحلي كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان أي: عادلاهم إذ ليس المراد به التفضيل، والناقص هو محمد الخليفة سمي به؛ لأنه نقص أعطية القوم والأشج هو عمر بن عبد العزيز سمي به لشجة أصابت رأسه.
{ويجزيهم أجرهم} أي: ويعطيهم ثوابهم {بأحسن الذي} أي: العمل الذي {كانوا يعملون} أي: فيعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها في زيادة الأجر لحسن إخلاصهم فيها وهذا أولى من قول الجلال المحلي إنه بمعنى الحسن. وقوله تعالى: {أليس الله} أي: الجامع لصفات الكمال كلها المنعوت بنعوت العظمة والجلال {بكاف عبده} أي: الخالص له استفهام إنكار للنفي مبالغة في الإثبات، وقرأ حمزة والكسائي بكسر العين وفتح الباء الموحدة وألف بعدها على الجمع، وقرأ الباقون بفتح العين وسكون الباء على الإفراد، فقراءة الإفراد محمولة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الجمع على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن قومهم قصدوهم بالسوء كما قال الله تعالى: {وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه} وكفاهم الله تعالى شر من عاداهم ويحتمل أن يراد بقراءة الإفراد: الجنس فتساوي قراءة الجمع وقيل: المراد أن الله تعالى كفى نوحًا عليه السلام الغرق وإبراهيم عليه السلام الحرق ويونس عليه السلام بطن الحوت فهو سبحانه وتعالى كافيك يا محمد كما كفى هؤلاء الرسل قبلك.
{ويخوفونك} أي: عباد الأصنام {بالذين من دونه} وذلك أن قريشًا خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم معاداة الأوثان، وقالوا: لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون فأنزل الله تعالى هذه الآية، وروي: أنه صلى الله عليه وسلم بعث خالدًا إلى العزى ليكسرها فقال له سادتها أي: خادمها: لا تدركها أحذركها يا خالد إن لها شدة لا يقوم لها شيء، فعمد خالد إليها فهشم أنفها فنزلت هذه الآية.
ولما شرح الله الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ختم الكلام بخاتمة هي: الفصل فقال تعالى شأنه {ومن يضلل الله} أي: الذي له الأمر كله {فما له من هاد} أي: يهديه إلى الرشاد.
{ومن يهد الله فما له من مضل} أي: فهذه الدلائل والبينات لا تنفع إلا إذا خص الله العبد بالهداية والتوفيق إذ لا راد لفعله كما قال تعالى: {أليس الله} أي: الذي بيده كل شيء {بعزيز} أي: غالب على أمره {ذي انتقام} أي: من أعدائه بلى هو كذلك، وفي هذا تهديد للكفار.
ولما بين تعالى وعيد المشركين ووعد الموحدين عاد إلى إقامة الدليل على تزييف طريق عبدة الأوثان وهذا الترتيب مبني على أصلين الأول: أن هؤلاء المشركين مقرون بوجود الإله القادر العالم الحكيم الرحيم وهو المراد من قوله تعالى: {ولئن سألتهم} أي: من شئت منهم فرادى أو مجموعين واللام لام القسم {من خلق السموات} أي: على ما لها من الاتساع والعظمة والارتفاع {والأرض} أي: على ما لها من العجائب وفيها من الانتفاع {ليقولن الله} أي: وحده لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية قال بعض العلماء: العلم بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم علم متفق عليه بين جمهور الخلائق لا نزاع بينهم فيه، وفطرة العقل شاهدة بصحة هذا العلم فإن من تأمل في عجائب بدن الإنسان وما فيه من أنواع الحكم الغريبة والمصالح العجيبة علم أنه لابد من الاعتراف بالإله القادر الحكيم الرحيم، والأصل الثاني: أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر وهو المراد من قوله تعالى: {قل أفرأيتم} أي: بعد ما تحققتم أن خالق العالم هو الله تعالى: {ما تدعون} أي: تعبدون {من دون الله} أي: الذي هو ذو الجلال والإكرام {إن أرادني الله} أي: الذي لا راد لأمره {بضر} أي: بشدة بلاء {هل هن كاشفات ضره} أي: لا نقدر على ذلك {أو أرادني برحمة} أي: بعافية وبركة {هل هن ممسكات رحمته} أي: لا تقدر على ذلك فثبت أنه لابد من الإقرار بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم، قال مقاتل: فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكتوا، وقرأ أبو عمرو بتنوين التاء من {كاشفات} و{ممسكات} ونصب الراء من {ضره} ورفع الهاء ونصب التاء من {رحمته} والباقون بغير تنوين فيهما وكسر الراء والهاء من {ضره} والتاء والهاء من {رحمته} وإذا كانت هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر كانت عبادة الله تعالى كافية والاعتماد عليه كافيًا وهو المراد من قوله تعالى: {قل حسبي الله} أي: ثقتي به واعتمادي {عليه يتوكل المتوكلون} أي: يثق الواثقون، فإن قيل: لِمَ قال تعالى: {كاشفات} {وممسكات} على التأنيث بعد قوله تعالى: {ويخوفونك بالذين من دونه}؟