فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} أي: افترى عليه بنسبة الشريك والولد: {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ} أي: بالأمر الذي هو عين الحق: {إِذْ جَاءهُ} أي: حضر عنده دليله وبرهانه، فرفضه ورده على قائله، أي: لا أحد من المتخاصمين أظلم ممن حاله ذلك؛ لأنه أظلم من كل ظالم: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} أي: لهؤلاء الذين افتروا على الله سبحانه، وسارعوا إلى التكذيب بالحق.
{وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} أي: جاء بدليل التوحيد، وآمن به فلم يعتد بشبهة تقابله، يعني النبي صلّى الله عليه وسلم، ومن تبعه: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} أي: الموصوفون بالتقوى التي هي أجل الرغائب. ولذا كان جزاؤهم أن يقيهم الله ما يكرهون، كما قال سبحانه: {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} أي: الذين أحسنوا أعمالهم وأصلحوها: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} أي: نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يعصمه من كل سوء، ويدفع عنه كل بلاء في مواطن الخوف: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ} يعني الأوثان التي عبدوها من دونه تعالى، وهذه تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عما قالت له قريش: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا، ويصيبك مضرتها لعيبك إياها. كما قال قوم هود: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود: 54].
{وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ} أي: من غفل عن كفايته تعالى، وعصمته له عليه الصلاة والسلام، وخوفه بما لا ينفع، ولا يضر أصلًا: {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ} أي: يصرفه عن مقصده، أو يصيبه بسوء يخل بسلوكه؛ إذ لا راد لفضله، ولا معقب لحكمه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ} أي: ينتقم من أعدائه لأوليائه.
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} لما تقرر في الفِطَر والعقول من استيقان ذلك، ولوضوح الدليل عليه: {قُلْ} أي: تبكيتًا لهم: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} أي: نفعه وخيره، كلا، فإنها لا تضر ولا تنفع: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} أي: في جميع أمورهم، لا على غيره، لعلمهم بأن كل ما سواه تحت قهره.
{قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي: حالتكم التي أنتم عليها، من العداوة، ومناصبة الحق: {إِنِّي عَامِلٌ} أي: على مكانتي، فحذف للاختصار، والمبالغة في الوعيد، والإشعار بأن حاله لا تزال تزداد قوة، بنصر الله عز وجل وتأييده. ولذلك توعدهم بكونه منصورًا عليهم في الدارين، بقوله تعالى: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} أي: دائم، وقد أخزاهم الله يوم بدر: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 127].
{إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ} أي: لأجلهم، ولأجل حاجتهم إليه، وافتقارهم إلى بيان مراشدهم: {فَمَنِ اهْتَدَى} أي: بدلائله: {فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} أي: لتجبرهم على الهدى؛ إذ ما عليك إلا البلاغ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94].
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} أي: مفارقتها، بإبطال تصرفها فيها بالكلية: {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أي: ويتوفى التي لم يحن موتها في منامها، بإبطال تصرفها بالحواس الظاهرة: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} أي: فلا يردها إلى بدنها إلى يوم القيامة: {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: وهو نوم آخر، أو موت: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: فيما ذكر من التوفي على الوجهين: {لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي: في كيفية تعلقها بالأبدان، وتوفيها عنها.
{أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} أي: هو مالكها لا يستطيع أحد شفاعة ما، إلا أن يكون المشفوع له مرتضى، والشفيع مأذونًا له، وكلاهما مفقود ها هنا: {لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ} أي: دون آلهتهم: {اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ} أي: فرادى، أو مع ذكر الله تعالى: {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أي: يفرحون بذلك؛ لفرط افتتانهم بها، ونسيانهم حق الله تعالى. ولقد بولغ في الأمرين حيث بيّن الغاية فيهما، فإن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورًا حتى تنبسط له بشرة وجهه، والاشمئزاز أن يمتلئ غمًا حتى ينقبض أديم وجهه.
{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي: التجئ إلى الله بالدعاء بأسمائه الحسنى، وقل: أنت وحدك تقدر على الحكم بيني وبينهم. والمقصود بيان حالهم، ووعيدهم، وتسلية حبيبه الأكرم، وأن جدّه وسعيه معلوم مشكور عنده تعالى، وتعليم العباد الالتجاء إلى الله تعالى، والدعاء بأسمائه الحسنى، والاستعانة بالتضرع، والابتهال على دفع كيد العدو.
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} أي: نزل بهم جزاؤه.
{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَاْن ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} أي: مني بوجوه الكسب والتحصيل: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} أي: ابتلاء له، أيشكر تلك النعمة، فيصرفها فيما خلقت له، فيسعد. أو يكفرها فيشقى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} أي: كما قال قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي: فما دفع عنهم ما كسبوه بذلك العلم من متاع الدنيا.
{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: بأن الكل منه سبحانه، ومن آياته في ذلك- كما قال المهايمي- أنه تعالى قوي بذاته، له تقويه من يشاء، وتضعيف من يشاء. ومنها أنه فيّاض بذاته لا يتوقف فيضه على الشفعاء. ومنها أنه فاعل بذاته لا يتوقف فعله على سبب وواسطة. اهـ.

.قال سيد قطب:

{فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين} سؤال للتقرير. فليس هنالك من هو أظلم ممن كذب على الله فزعم أن له بنات وأنه له شركاء؛ وكذب بالصدق الذي جاء به رسوله؛ فلم يصدق بكلمة التوحيد. إنه الكفر. وفي جهنم مثوى للكافرين. على سبيل التقرير الذي يرد في صورة سؤال لزيادة الإيضاح والتوكيد.
هذا طرف من الخصومة فأما الطرف الآخر فهو الذي جاء بالصدق من عند الله. وصدق به فبلغه عن عقيدة واقتناع. ويشترك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الصفة كل الرسل قبله. كما يشاركه فيها كل من دعا إلى هذا الصدق وهو مقتنع به مؤمن بأنه الحق، يشارك قلبه لسانه فيما يدعو إليه.
{أولئك هم المتقون}.
ويتوسع في عرض صفة المتقين هؤلاء وما أعده لهم من جزاء: {لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين}.
وهو تعبير جامع، يشمل كل ما يخطر للنفس المؤمنة من رغائب، ويقرر أن هذا {لهم} عند ربهم، فهو حقهم الذي لا يخيب ولا يضيع.
{ذلك جزاء المحسنين}.
ذلك ليحقق الله ما أراده لهم من خير ومن كرامة، ومن فضل يزيد على العدل يعاملهم به، متفضلًا محسنًا: {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون}.
فالعدل أن تحسب الحسنات وتحسب السيئات؛ ثم يكون الجزاء.
والفضل هو هذا الذي يتجلى به الله على عباده المتقين هؤلاء أن يكفر عنهم أسوأ أعمالهم فلا يبقى لها حساب في ميزانهم. وأن يجزيهم أجرهم بحساب الأحسن فيما كانوا يعملون، فتزيد حسناتهم وتعلو وترجح في الميزان.
إنه فضل الله يؤتيه من يشاء. كتبه الله على نفسه بوعده. فهو واقع يطمئن إليه المتقون المحسنون.
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)} هذه الجولة أوسع مقاطع السورة. وهي تتناول حقيقة التوحيد من جوانب متعددة في لمسات متنوعة. تبدأ بتصوير حقيقة القلب المؤمن وموقفه بإزاء قوى الأرض واعتداده بالقوة الوحيدة؛ واعتماده عليها دون مبالاة بسواها من القوى الضئيلة الهزيلة. ومن ثم ينفض يده من هذه القوى الوهمية ويكل أمره وأمر المجادلين له إلى الله يوم القيامة؛ ويمضي في طريقه ثابتًا واثقًا مستيقنًا بالمصير.
يتلو هذا بيان وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه ليس وكيلًا على العباد في هداهم وضلالهم. إنما الله هو المسيطر عليهم؛ الآخذ بناصيتهم في كل حالة من حالاتهم. وليس لهم من دونه شفيع فإن لله الشفاعة جميعًا. وإليه ملك السماوات والأرض. وإليه المرجع والمصير.
ثم يصف المشركين وانقباض قلوبهم عند ذكر كلمة التوحيد وانبساطها عند ذكر كلمة الشرك. ويعقب على هذا بدعوى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إعلان كلمة التوحيد خالصة، وترك أمر المشركين لله. ويصورهم يوم القيامة وهم يودون لو يفتدون بملء الأرض ومثله معه. وقد تكشف لهم من الله ما يذهل ويخيف!
ذلك. وهم يدعون الله وحده إذا أصابهم الضر. فإذا وهبهم منه نعمة ادعوا دعاوي عريضة وقال قائلهم: إنما أوتيته على علم عندي! الكلمة التي قالها الذين من قبلهم فأخذهم الله القادر على أن يأخذ هؤلاء. وما هم بمعجزين. وما كان بسط الرزق وقبضه إلا سنة من سنن الله، تجري وفق حكمته وتقديره وهو وحده الباسط القابض: {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}.
{أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم}.
هذه الآيات الأربع تصور منطق الإيمان الصحيح، في بساطته وقوته، ووضوحه، وعمقه. كما هو في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما ينبغي أن يكون في قلب كل مؤمن برسالة، وكل قائم بدعوة. وهي وحدها دستوره الذي يغنيه ويكفيه، ويكشف له الطريق الواصل الثابت المستقيم.
وقد ورد في سبب نزولها أن مشركي قريش كانوا يخوفون رسول الله صلى الله عليه وسلم من آلهتهم، ويحذرونه من غضبها، وهو يصفها بتلك الأوصاف المزرية بها، ويوعدونه بأنه إن لم يسكت عنها فستصيبه بالأذى.
ولكن مدلول هذه الآيات أوسع وأشمل. فهي تصور حقيقة المعركة بين الداعية إلى الحق وكل ما في الأرض من قوى مضادة. كما تصور الثقة واليقين والطمأنينة في القلب المؤمن، بعد وزن هذه القوى بميزانها الصحيح.
{أليس الله بكاف عبده}؟
بلى! فمن ذا يخيفه، وماذ يخيفه؟ إذا كان الله معه؟ وإذا كان هو قد اتخذ مقام العبودية وقام بحق هذا المقام؟ ومن ذا يشك في كفاية الله لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده؟
{ويخوفونك بالذين من دونه}.
فكيف يخاف؟ والذين من دون الله لا يخيفون من يحرسه الله. وهل في الأرض كلها إلا من هم دون الله؟
إنها قضية بسيطة واضحة، لا تحتاج إلى جدل ولا كد ذهن.. إنه الله. ومَن هم دون الله. وحين يكون هذا هو الموقف لا يبقى هنالك شك ولا يكون هناك اشتباه.
وإرادة الله هي النافذة ومشيئته هي الغالبة. وهو الذي يقضي في العباد قضاءه. في ذوات أنفسهم، وفي حركات قلوبهم ومشاعرهم: {ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل}.
وهو يعلم من يستحق الضلالة فيضله، ومن يستحق الهدى فيهديه. فإذا قضى بقضائه هكذا أو هكذا فلا مبدل لما يشاء.
{أليس الله بعزيز ذي انتقام} بلى. وإنه لعزيز قوي. وإنه ليجازي كلًا بما يستحق. وإنه لينتقم ممن يستحق الانتقام. فكيف يخشى أحدًا أو شيئًا من يقوم بحق العبودية له، وهو كافله وكافيه؟
ثم يقرر هذه الحقيقة في صورة أخرى منتزعة من منطقهم هم أنفسهم، ومن واقع ما يقررونه من حقيقة الله في فطرتهم: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون}.
لقد كانوا يقررون حين يسألون أن الله هو خالق السماوات والأرض. وما تملك فطرة أن تقول غير هذا، وما يستطيع عقل أن يعلل نشأة السماوات والأرض إلا بوجود إرادة عليا. فهو يأخذهم ويأخذ العقلاء جميعًا بهذه الحقيقة الفطرية الواضحة.. إذا كان الله هو خالق السماوات والأرض. فهل يملك أحد أو شيء في هذه السماوات والأرض أن يكشف ضرًا أراد الله أن يصيب به عبدًا من عباده؟ أم يملك أحد أو شيء في هذه السماوات والأرض أن يحبس رحمة أراد الله أن تنال عبدًا من عباده؟
والجواب القاطع: أن لا.. فإذا تقرر هذا فما الذي يخشاه داعية إلى الله؟ ما الذي يخشاه وما الذي يرجوه؟ وليس أحد بكاشف الضر عنه؟ وليس أحد بمانع الرحمة عنه؟ وما الذي يقلقه أو يخيفه أو يصده عن طريقه؟
إنه متى استقرت هذه الحقيقة في قلب مؤمن فقد انتهى الأمر بالنسبة إليه.
وقد انقطع الجدل. وانقطع الخوف وانقطع الأمل. إلا في جناب الله سبحانه. فهو كاف عبده وعليه يتوكل وحده: {قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون}.