فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس، ثم قال: «إنكم كنتم أمواتًا فرد الله إليكم أرواحكم».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ليلة الوادي: «إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء».
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: «من يكلؤنا الليلة؟ فقلت: أنا. فنام، ونام الناس، ونمت، فلم نستيقظ إلا بحرِّ الشمس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن هذه الأرواح عارية في أجساد العباد، فيقبضها إذا شاء، ويرسلها إذا شاء».
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس، فأقام الصلاة ثم صلى بهم. ثم قال: «إذا رقد أحدكم فغلبته عيناه فليفعل هكذا.. فإن الله سبحانه وتعالى: {يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها}».
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43)} أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء} قال: الآلهة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث والنشور عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {قل لله الشفاعة جميعًا} قال: لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت} قال: إنقبضت قال: هو يوم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم {والنجم} عند باب الكعبة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} قال: قست ونفرت قلوب هؤلاء الأربعة الذين لا يؤمنون بالآخرة: أبو جهل بن هشام، والوليد بن عتبة، وصفوان، وأُبيّ بن خلف {وإذا ذكر الذين من دونه} اللات والعزى {إذا هم يستبشرون}.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} قال: نفرت قلوب الكافرين من ذكر الله سبحانه وتعالى قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت عمرو بن كلثوم الثعلبي وهو يقول:
إذا غض النفاق لها اشمأزت ** وولته عشورته زبونا

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} قال: استكبرت ونفرت {وإذا ذكر الذين من دونه} قال: الآلهة.
{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} أخرج مسلم وأبو داود والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل {فاطر السماوات والأرض} {عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون} اهدني لما اختلفت من الحق بإذنك انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ثم إذا خوّلناه نعمة منا} قال: أعطيناه {قال إنما أوتيته على علم} أي على شرف أعطانيه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ثم إذا خوّلناه نعمة منا} قال: أعطيناه. وعن قتادة في قوله: {إنما أوتيته على علم} قال: على خبر عندي {بل هي فتنة} قال: بلاء.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله: {قد قالها الذين من قبلهم} الأمم الماضية {والذين ظلموا من هؤلاء} قال: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {تَنزِيلُ} فيه وجهان، أحدهما: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه: هذا تنزيلُ. وقال الشيخ: وأقولُ إنه خبرٌ، والمبتدأ هو ليعودَ على قولِه: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} [ص: 87] كأنه قيل: وهذا الذِّكْرُ ما هو؟ فقيل: هو تنزيلُ الكتابِ. الثاني: أنه مبتدأٌ، والجارُّ بعده خبرُه أي: تنزيلُ الكتابِ كائنٌ من اللَّهِ. وإليه ذهب الزجاج والفراء.
قوله: {مِنَ اللَّهِ} يجوزُ فيه أوجهٌ:
أحدُها: أنه مرفوعُ المحلِّ خبرًا لتنزيل، كما تقدَّم تقريرُه.
الثاني: أنه خبرٌ بعد خبرٍ إذا جَعَلْنا {تنزيلُ} خبرَ مبتدأ مضمرٍ كقولك: هذا زيدٌ من أهل العراق. الثالث: أنَّه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هذا تنزيلٌ، هذا من الله.
الرابع: أنَّه متعلِّقٌ بنفسِ {تَنْزيل} إذا جَعَلْناه خبرَ مبتدأ مضمرٍ.
الخامس: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ {تنزيل} عَمِل فيه اسمُ الإِشارةِ المقدرُ، قاله الزمخشري. قال الشيخ: ولا يجوزُ أَنْ يكونَ حالًا عَمِلَ فيها معنى الإِشارةِ؛ لأنَّ معانيَ الأفعالِ لا تعمل إذا كان ما هي فيه محذوفًا؛ ولذلك رَدُّوا على أبي العباس قولَه في بيت الفرزدق:
وإذ ما مثلَهمْ بَشَرُ

إن مثلهم منصوبٌ بالخبرِ المحذوف وهو مقدرٌ: وإذ ما في الوجود في حالِ مماثلتِهم بَشَرٌ.
السادس: أنه حالٌ من {الكتاب} قاله أبو البقاء. وجاز مجيءُ الحالِ من المضاف إليه لكونِه مفعولًا للمضافِ؛ فإنَّ المضافَ مصدرٌ مضافٌ لمفعولِه. والعامَّةُ على رَفْع {تَنْزيلُ} على ما تقدَّم. وقرأ زيد ابن علي وعيسى وابن أبي عبلة بنصبِه بإضمارِ فِعْلٍ تقديرُه: الزَمْ أو اقْرَأ ونحوهما.
{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)}.
قوله: {بالحق} يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بالإِنزال أي: بسبب الحق، وأنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الفاعل أو المفعول وهو الكتاب، أي: مُلْتبسين بالحق أو ملتبسًا بالحقِّ. وفي قوله: {إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب} تكريرُ تعظيمٍ بسبب إبرازِه في جملةٍ أخرى مضافًا إنزالُه إلى المعظِّم نفسَه.
قوله: {مُخْلِصًا} حالٌ مِنْ فاعل اعبد، و{الدين} منصوبٌ باسمِ الفاعلِ. والفاءُ في {فاعبُدِ} للربطِ، كقولك: أَحْسَنَ إليك فلانٌ فاشْكُرْه. والعامَّةُ على نصبِ {الدينَ} كما تقدَّم. ورَفَعَه ابنُ أبي عبلة. وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّه مرفوعٌ بالفاعليةِ رافعُه {مُخْلِصًا} وعلى هذا فلابد مِنْ تجوُّزٍ وإضمارٍ. أمَّا التجوزُ فإسنادُ الإِخلاصِ للدين وهو لصاحبِه في الحقيقة. ونظيرُه قولُهم: شعرٌ شاعرٌ. وأمَّا الإِضمارُ فهو إضمارٌ عائدٌ على ذي الحالِ أي: مُخْلِصًا له الدينَ منك، هذا رَأْيُ البصريين في مثل هذا. وأمَّا الكوفيون فيجوزُ أَنْ يكونَ عندهم أل عوضًا مِن الضميرِ أي: مُخْلِصًا ديْنَك. قال الزمخشري: وحَقٌّ لمَنْ رَفَعه أَنْ يَقرأ {مُخْلَصًا} بفتحِ اللامِ لقولِه تعالى: {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ} [النساء: 146] حتى يطابقَ قولَه: {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} والخالِصُ والمُخْلَص واحدٌ إلاَّ أَنْ يصفَ الدينَ بصفةِ صاحبِه على الإِسنادِ المجازيِّ كقولِهم: شعرٌ شاعرٌ. والثاني: أَنْ يَتِمَّ الكلامُ على {مُخْلِصًا} وهو حالٌ مِنْ فاعلِ {فاعبدْ} و{له الدينُ} مبتدأٌ وخبرٌ، وهذا قولُ الفراء. وقد رَدَّه الزمخشري، وقال: فقد جاء بإعرابٍ رَجَع به الكلامُ إلى قولِك: {لله الدينُ} {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} قلت: وهذا الذي ذكره الزمخشريُّ لا يظهرُ فيه رَدٌّ على هذا الإِعرابِ.
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)}.
قوله: {والذين اتخذوا} يجوز فيه أوجهٌ:
أحدها: أن يكونَ {الدينُ} مبتدًا، وخبرُه قولٌ مضمرٌ حُذِف وبقي معمولُه وهو قولُه {ما نَعْبُدهم} والتقديرُ: يقولون ما نعبدهم.
الثاني: أن يكونَ الخبرُ قولَه: {إِنَّ الله يَحْكُمُ} ويكونُ ذلك القولُ المضمرُ في محلِّ نصبٍ على الحال أي: والذين اتَّخذوا قائلين كذا، إنَّ اللَّهَ يحكمُ بينهم. الثالث: أَنْ يكونَ القولُ المضمرُ بدلًا من الصلةِ التي هي {اتَّخذوا}. والتقديرُ: والذين اتخذوا قالوا ما نعبدُهم، والخبرُ أيضًا: {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} و{الذين} في هذه الأقوالِ عبارةٌ عن المشركين المتَّخِذين غيرَهم أولياءَ. الرابع: أن يكونَ {الذين} عبارةً عن الملائكةِ وما عُبِد من دونِ اللَّهِ كعُزَيْرٍ واللاتِ والعُزَّى، ويكونُ فاعلُ اتَّخَذَ عائدًا على المشركين. ومفعولُ الاتخاذِ الأولُ محذوفٌ، وهو عائدُ الموصولِ، والمفعولُ الثاني هو {أولياءَ}. والتقديرُ: والذين اتَّخذهم المشركون أولياءَ. ثم لك في خبرِ هذا المبتدأ وجهان، أحدهما: القولُ المضمرُ، التقدير: والذين اتَّخذهم المشركون أَوْلِياءَ يقول فيهم المشركون: ما نعبدهم إلاَّ. والثاني: أنَّ الخبرَ هي الجملةُ مِنْ قولِه: {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}.
وقُرِئ {ما نُعْبُدُهم} بضمِّ النونِ إتباعًا للباءِ، ولا يُعْتَدُّ بالساكن.
قوله: {زُلْفَى} مصدرٌ مؤكِّدٌ على غيرِ الصدرِ، ولكنه مُلاقٍ لعاملِه في المعنى، والتقدير: لَيُزْلِفُونا زُلْفى، أو لِيُقَرِّبونا قُربى. وجَوَّز أبو البقاء أَنْ تكونَ حالًا مؤكدة.
قوله: {كاذِبٌ كفَّارٌ} قرأ الحسنُ والأعرجُ ويُرْوى عن أنسٍ: {كذَّابٌ كَفَّارٌ} وزيد بن علي {كَذُوبٌ كفورٌ}.
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)}.
قوله: {يُكَوِّرُ اليل} في هذه الجملةِ وجهان، أظهرُهما: أنَّها مستأنفةٌ أخبر تعالى بذلك. الثاني: أنها حالٌ، قاله أبو البقاء. وفيه ضعفٌ؛ من حيث إن تكويرَ أحدِهما على الآخر، إنما كان بَعْدَ خَلْقِ السماواتِ والأرضِ، إلاَّ أَنْ يُقال: هي حالٌ مقدرةٌ، وهو خلافُ الأصلِ.
والتكويرُ: اللفُّ واللَّيُّ. يقال: كارَ العِمامةَ على رأسه وكَوَّرها. ومعنى تكويرِ الليلِ على النهارِ وتكويرِ النهارِ على الليل على هذا المعنى: أنَّ الليلَ والنهارَ خِلْفَةٌ يذهب هذا ويَغْشى مكانه هذا، وإذا غَشِيَ مكانه فكأنما لَفَّ عليه وأَلْبَسَه كما يُلَفُّ اللباسُ على اللابِسِ، أو أنَّ كلَّ واحدٍ منهما يُغَيِّب الآخر إذا طرأ عليه، فشُبِّه في تَغْييبه إياه بشيءٍ ظاهرٍ لَفَّ عليه ما غَيَّبه عن مطامحِ الأبصار، أو أنَّ هذا يَكُرُّ على هذا كُرورًا متتابِعًا، فَشُبِّه ذلك بتتابع أكوارِ العِمامة بعضِها على بعضٍ. قاله الزمخشريُّ، وهو أوفقُ للاشتقاقِ من أشياءَ قد ذُكِرَتْ. وقال الراغب: كَوْرُ الشيءِ إدارتُه وضَمُّ بعضِه إلى بعضٍ كَكَوْر العِمامةِ. وقوله: {يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار} إشارةٌ إلى جَرَيانِ الشمسِ في مطالعها وانتقاصِ الليل والنهار وازديادِهما، وكَوَّره إذا أَلْقاه مجتمعًا. واكتار الفرسُ: إذا رَدَّ ذَنبَه في عَدْوِه. وكُوَّارَةُ النَّحْلِ معروفةٌ. والكُوْر: الرَّحْلُ. وقيل: لكل مِصْرٍ كُوْرَة، وهي البُقْعَةُ التي يَجْتمع فيها قُرىً ومحالُّ.
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)}.
قوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا} في ثم هذه أوجهٌ، أحدها: أنها على بابها من الترتيب بمُهْلة، وذلك أنه يُرْوى أنه تعالى أخرجَنا من ظهرِ آدمَ كالذَّرِّ ثم خَلَق حواءَ بعد ذلك بزمانٍ. الثاني: أنها على بابها أيضًا ولكنْ لمَدْركٍ آخرَ: وهو أن يُعْطَفَ بها ما بعدها على ما فُهِم من الصفة في قولِه: {واحدة} إذ التقدير: من نفسٍ وَحَدَتْ أي انفَرَدَتْ ثم جَعَلَ منها زَوْجَها. الثالث: أنَّها للترتيب في الأخبار لا في الزمان الوجوديِّ كأنه قيل: كان مِنْ أمرها قبل ذلك أن جعل منها زوجَها. الرابع: أنها للترتيبِ في الأحوالِ والرُّتَبِ. قال الزمخشري: فإنْ قلت: وما وجهُ قولِه: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وما يُعطيه من التراخي؟ قلت: هما آيتان من جملةِ الآياتِ التي عَدَّدها دالًا على وحدانيَّتِه وقُدْرَتِه بتشعيب هذا الخلقِ الفائتِ للحَصْرِ من نفسِ آدمَ عليه السلام وخَلْقِ حواء من قُصَيْراه، إلاَّ أَن إحداهما جعلها اللَّهُ عادةً مستمرةً، والأخرى لم تَجْرِ بها العادةُ ولم تُخْلَقْ أنثى غيرُ حواءَ من قُصيرى رجلٍ، فكانَتْ أَدخلَ في كَوْنها آيةً وأَجْلَبَ لعَجَبِ السامعِ، فعطفَها ب ثم على الآية الأولى للدلالةِ على مباينَتِها فضلًا ومزيةً، وتراخيها عنها فيما يرجِعُ إلى زيادةِ كونِها آيةً فهي من التراخي في الحالِ والمنزلةِ لا من التراخي في الوجودِ.
قوله: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام} عطف على {خَلَقَكم} والإِنزالُ يَحتمل الحقيقةَ. يُرْوى أنه خَلَقها في الجنةِ ثم أَنْزَلَها، ويُحتملُ المجازُ، وله وجهان، أحدهما: أنها لم تَعِشْ إلاَّ بالنبات والماء، والنباتُ إنما يعيش بالماء، والماءُ يَنْزِلُ من السحاب أطلق الإِنزالَ عليها وهو في الحقيقةِ يُطْلَقُ على سببِ السببِ كقولِه:
أَسْنِمَةُ الآبالِ في رَبابَهْ

وقوله:
صار الثريدُ في رُؤوسِ العِيْدانْ

وقوله:
إذا نَزَل السماءُ بأرضِ قَوْمٍ ** رَعَيْناه وإنْ كانوا غِضابا

والثاني: أنَّ قضاياه وأحكامَه مُنَزَّلَةٌ من السماءِ من حيث كَتْبُها في اللوحِ المحفوظِ، وهو أيضًا سبَبٌ في إيجادِها.
قوله: {يَخْلُقكم} هذه الجملةُ استئنافيةٌ، ولا حاجةَ إلى جَعْلِها خبرَ مبتدأ مضمرٍ، بل اسُتُؤْنفت للإِخبار بجملةٍ فعلية. وقد تقدَّم خلافُ القراءِ في كسرِ الهمزةِ وفتحِها وكذا الميمُ.
قوله: {خَلْقًا} مصدرٌ ل {يَخْلُق} و{مِّن بَعْدِ خَلْقٍ} صفةٌ له، فهو لبيانِ النوعِ من حيث إنه لَمَّا وُصِفَ زاد معناه على معنى عاملِه. ويجوز أن يتعلَّقَ {مِّن بَعْدِ خَلْقٍ} بالفعل قبلَه، فيكون {خَلْقًا} لمجرد التوكيد.
قوله: {ظُلُمات} متعلقٌ بخَلْق الذي قبله، ولا يجوز تعلُّقُه ب {خَلْقًا} المنصوبِ؛ لأنه مصدرٌ مؤكِّدٌ، وإن كان أبو البقاء جَوَّزه، ثم مَنَعَه بما ذكرْتُ فإنه قال: وفي متعلِّقٌ به أي ب {خَلْقًا} أو بخلق الثاني؛ لأنَّ الأولَ مؤكِّدٌ فلا يعملُ ولا يجوزُ تعلُّقُه بالفعلِ قبله؛ لأنه قد تعلَّقَ به حرفٌ مثلُه، ولا يتعلَّق حرفان متحدان لفظًا ومعنًى إلاَّ بالبدليةِ أو العطفِ.
فإنْ جَعَلْتَ {في ظلمات} بدلًا مِنْ {فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} بدلَ اشتمالٍ؛ لأن البطونَ مشتملةٌ عليها، وتكونُ بدلًا بإعادة العاملِ، جاز ذلك، أعني تعلُّقَ الجارَّيْن ب {يَخْلُقكم}. ولا يَضُرُّ الفصلُ بين البدلِ والمبدلِ منه بالمصدرِ لأنه مِنْ تتمةِ العاملِ فليس بأجنبي.
قوله: {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ} يجوزُ أَنْ يكونَ {الله} خبرًا ل {ذلكم} و{ربُّكم} نعتٌ للَّهِ أو بدلٌ منه. ويجوز أَنْ يكونَ {الله} بدلًا مِنْ {ذلكم} و{ربُّكم} خبرُه.
قوله: {له المُلْكُ} يجوز أَنْ يكونَ مستأنفًا، ويجوزُ أَنْ يكونَ خبرًا بعد خبر، وأَنْ يكونَ {الله} بدلًا مِنْ {ذلكم} و{ربُّكم} نعتٌ لله أو بدلٌ منه، والخبرُ الجملةُ مِنْ {له الملكُ}. ويجوزُ أَنْ يكون الخبرُ نفسَ الجارِّ والمجرور وحدَه و{المُلْكُ} فاعلٌ به، فهو من بابِ الإِخبارِ بالمفرد.