فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الرابعة:
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم {يا عِبَادِى} بفتح الياء والباقون وعاصم في بعض الروايات بغير فتح وكلهم يقفون عليه بإثبات الياء لأنها ثابتة في المصحف، إلا في بعض رواية أبي بكر عن عاصم أنه يقف بغير ياء، وقرأ أبو عمرو والكسائي تقنطوا بكسر النون والباقون بفتحها وهما لغتان، قال صاحب الكشاف، وفي قراءة ابن عباس، وابن مسعود {يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا لِمَن يَشَاء}.
ثم قال تعالى: {وأنيبوا إلى ربكم} قال صاحب الكشاف أي وتوبوا إليه وأسلموا له أي وأخصلوا له العمل، وإنما ذكر الإنابة على أثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة وللدلالة على أنها شرط فيها لازم لا تحصل بدونه، وأقول هذا الكلام ضعيف جدًّا لأن عندنا التوبة عن المعاصي واجبة فلم يلزم من ورود الأمر بها طعن في الوعد بالمغفرة، فإن قالوا لو كان الوعد بالمغفرة حاصلًا قطعًا لما احتيج إلى التوبة، لأن التوبة إنما تراد لإسقاط العقاب، فإذا سقط العقاب بعفو الله عنه فلا حاجة إلى التوبة، فنقول هذا ضعيف لأن مذهبنا أنه تعالى وإن كان يغفر الذنوب قطعًا ويعفو عنها قطعًا إلا أن هذا العفو والغفران يقع على وجهين تارة يقع ابتداء وتارة يعذب مدة في النار ثم يخرجه من النار ويعفو عنه، ففائدة التوبة إزالة هذا العقاب، فثبت أن الذي قاله صاحب الكشاف ضعيف ولا فائدة فيه.
ثم قال: {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ} واعلم أنه تعالى لما وعد بالمغفرة أمر بعد هذا الوعد بأشياء فالأول: أمر بالإنابة وهو قوله تعالى: {وَأَنِيبُواْ إلى رَبّكُمْ} والثاني: أمر بمتابعة الأحسن، وفي المراد بهذا الأحسن وجوه الأول: أنه القرآن ومعناه واتبعوا القرآن والدليل عليه قوله تعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كتابا} [الزمر: 23] الثاني: قال الحسن معناه، والتزموا طاعة الله واجتنبوا معصية الله، فإن الذي أنزل على ثلاثة أوجه، ذكر القبيح ليجتنب عنه، والأدون لئلا يرغب فيه، والأحسن ليتقوى به ويتبع الثالث: المراد بالأحسن الناسخ دون المنسوخ لأن الناسخ أحسن من المنسوخ، لقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] ولأن الله تعالى لما نسخ حكمًا وأثبت حكمًا آخر كان اعتمادنا على المنسوخ.
ثم قال: {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} والمراد منه التهديد والتخويف والمعنى أنه يفجأ العذاب وأنتم غافلون عنه، واعلم أنه تعالى لما خوفهم بالعذاب بيّن تعالى أن بتقدير نزول العذاب عليهم ماذا يقولون فحكى الله تعالى عنهم ثلاثة أنواع من الكلمات فالأول: قوله تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحسرتى على مَا فَرَّطَتُ في جَنبِ الله وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {أَن تَقُولَ} مفعول له أي كراهة أن تقول: {ياحسرتى على مَا فَرَّطَتُ في جَنبِ الله} وأما تنكير لفظ النفس ففيه وجهان الأول: يجوز أن تراد نفس ممتازة عن سائر النفوس لأجل اختصاصها بمزيد إضرار بما لا ينفي رغبتها في المعاصي والثاني: يجوز أن يراد به الكثرة، وذلك لأنه ثبت في علم أصول الفقه أن الحكم المذكور عقيب وصف يناسبه يفيد الظن بأن ذلك الحكم معلل بذلك الوصف، فقوله: {يا حسرتا} يدل على غاية الأسف ونهاية الحزن وأنه مذكور عقيب قوله تعالى: {على مَا فَرَّطَتُ في جَنبِ الله} والتفريط في طاعة الله تعالى يناسب شدة الحسرة وهذا يقتضي حصول تلك الحسرة عند حصول هذا التفريط، وذلك يفيد العموم بهذا الطريق.
المسألة الثانية:
القائلون بإثبات الأعضاء لله تعالى استدلوا على إثبات الجنب بهذه الآية، واعلم أن دلائلنا على نفي الأعضاء قد كثرت، فلا فائدة في الإعادة، ونقول بتقدير أن يكون المراد من هذا الجنب عضوًا مخصوصًا لله تعالى، فإنه يمتنع وقوع التفريط فيه، فثبت أنه لابد من المصير إلى التأويل وللمفسرين فيه عبارات، قال ابن عباس يريد ضيعت من ثواب الله، وقال مقاتل ضيعت من ذكر الله، وقال مجاهد في أمر الله، وقال الحسن في طاعة الله، وقال سعيد بن جبير في حق الله، واعلم أن الإكثار من هذه العبارات لا يفيد شرح الصدور وشفاء الغليل، فنقول: الجنب سمي جنبًا لأنه جانب من جوانب ذلك الشيء والشيء الذي يكون من لوازم الشيء وتوابعه يكون كأنه جند من جنوده وجانب من جوانبه فلما حصلت هذه المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وبين ما يكون لازمًا للشيء وتابعًا له، لا جرم حسن إطلاق لفظ الجنب على الحق والأمر والطاعة قال الشاعر:
أما تتقين الله جنب وامق ** له كبد حرا عليك تقطع

المسألة الثالثة:
قال صاحب الكشاف قرئ {يا حسرتي} على الأصل و{يا حسرتاي} على الجمع بين العوض والمعوض عنه.
أما قوله تعالى: {وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين} أي أنه ما كان مكتفيًا بذلك التقصير بل كان من المستهزئين بالدين، قال قتادة لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها، ومحل {وَإِن كُنتُ} نصب على الحالة كأنه قال: فرطت في جنب الله وأنا ساخر أي فرطت في حال سخريتي.
النوع الثاني: من الكلمات التي حكاها الله تعالى عن أهل العذاب أنهم يذكرونه بعد نزول العذاب عليهم قوله: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى لَكُنتُ مِنَ المتقين}.
النوع الثالث: قوله: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المحسنين} وحاصل الكلام أن هذا المقصر أتى بثلاثة أشياء أولها: الحسرة على التفريط في الطاعة وثانيها: التعلل بفقد الهداية وثالثها: بتمني الرجعة، ثم أجاب الله تعالى عن كلامهم بأن قال بفقد الهداية باطل، لأن الهداية كانت حاصرة والأعذار زائلة، وهو المراد بقوله: {بلى قَدْ جَاءتْكَ ءاياتى فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت وَكُنتَ مِنَ الكافرين} وههنا مسائل:
المسألة الأولى:
قال الزجاج بلى جواب النفي وليس في الكلام لفظ النفي إلا أنه حصل فيه معنى النفي، لأن معنى قوله: {لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى} أنه ما هداني، فلا جرم حسن ذكر لفظة {بلى} بعده.
المسألة الثانية:
قال الواحدي رحمه الله: القراءة المشهورة واقعة على التذكير في قوله: {بلى قَدْ جَاءتْكَ ءاياتى فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت وَكُنتَ مِنَ الكافرين} لأن النفس تقع على الذكر والأنثى فخوطب بالذكر، وروى الربيع بن أنس عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على التأنيث، قال أبو عبيد لو صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان حجة لا يجوز لأحد تركها ولكنه ليس بمسند، لأن الربيع لم يدرك أم سلمة، وأما وجه التأنيث فهو أنه ذكر النفس ولفظ النفس ورد في القرآن في أكثر الأمر على التأنيث بقوله: {سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى} [طه: 96] و{إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء} [يوسف: 53] و{يا أيتها النفس المطمئنة} [الفجر: 27].
المسألة الثالثة:
قال القاضي هذه الآيات دالة على صحة القول بالقدر من وجوه الأول: أنه لا يقال: فلان أسرف على نفسه على وجه الذم إلا لما يكون من قبله، وذلك يدل على أن أفعال العباد تحصل من قبلهم لا من قبل الله تعالى، وثانيها: أن طلب الغفران والرجاء في ذلك أو اليأس لا يحسن إلا إذا كان الفعل فعل العبد، وثالثها: إضافة الإنابة والإسلام إليه من قبل أن يأتيه العذاب وذلك لا يكون إلا مع تمكنه من محاولتهما مع نزول العذاب، ومذهبهم أن الكافر لم يتمكن قط من ذلك ورابعها: قوله تعالى: {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ} وذلك لا يتم إلا بما هو المختار للاتباع وخامسها: ذمه لهم على أنهم لا يشعرون بما يوجب العذاب وذلك لا يصح إلا مع التمكن من الفعل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} وإن شئت حذفت الياء؛ لأن النداء موضع حذف.
النحاس: ومن أجلّ ما روي فيه ما رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: لما اجتمعنا على الهجرة، اتّعدتُ أنا وهشام بن العاصي بن وائل السَّهْمي، وعَيَّاش بن أبي ربيعة بن عُتْبة، فقلنا: الموعد أضاة بني غفار، وقلنا: من تأخر منا فقد حُبِس فليمض صاحبه، فأصبحت أنا وعياش بن عتبة وحُبس عنا هشام، وإذا به قد فُتن فافتتن، فكنا نقول بالمدينة: هؤلاء قد عرفوا الله عز وجل وآمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم، ثم افتتنوا لبلاءٍ لحقهم لا نرى لهم توبة، وكانوا هم أيضًا يقولون هذا في أنفسهم، فأنزل الله عز وجل في كتابه: {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} إلى قوله تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 60] قال عمر: فكتبتها بيدي ثم بعثتها إلى هشام.
قال هشام: فلما قدمت عليّ خرجت بها إلى ذي طُوًى فقلت: اللهم فهمنيها فعرفت أنها نزلت فينا، فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان قوم من المشركين قَتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، فقالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم أو بعثوا إليه: إن ما تدعو إليه لحسن أوَ تخبرنا أن لنا توبة؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} ذكره البخاري بمعناه.
وقد مضى في آخر الفرقان.
وعن ابن عباس أيضًا نزلت في أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له، وكيف نهاجر ونُسْلم وقد عبدنا مع الله إلهًا آخر وقتلنا النفس التي حرم الله! فأنزل الله هذه الآية.
وقيل: إنها نزلت في قوم من المسلمين أسرفوا على أنفسهم في العبادة، وخافوا ألاّ يتقبل منهم لذنوب سبقت لهم في الجاهلية.
وقال ابن عباس أيضًا وعطاء: نزلت في وحشِيّ قاتل حمزة؛ لأنه ظن أن الله لا يقبل إسلامه: وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: أتَى وَحْشيّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا محمد أتيتك مستجيرًا فأجرني حتى أسمع كلام الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد كنت أحبّ أن أراك على غير جوار فأما إذ أتيتني مستجيرًا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله» قال: فإني أشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله وزنيت، هل يقبل الله مني توبة؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] إلى آخر الآية فتلاها عليه؛ فقال أرى شرطًا فلعلي لا أعمل صالحًا، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله.
فنزلت: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48] فدعا به فتلا عليه؛ قال: فلعلي ممن لا يشاء أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله.
فنزلت: {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} فقال: نعم الآن لا أرى شرطًا، فأسلم وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن شَهْر بن حَوْشَب عن أسماء: أنها سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ: {قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم}.
وفي مصحف ابن مسعود {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاءُ}.
قال أبو جعفر النحاس: وهاتان القراءتان على التفسير، أي يغفر الله لمن يشاء.
وقد عرف الله عز وجل من شاء أن يغفر له، وهو التائب أو من عمل صغيرة ولم تكن له كبيرة، ودلّ على أنه يريد التائب ما بعده {وَأَنيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} فالتائب مغفور له ذنوبه جميعًا، يدل على ذلك {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} [طه: 82] فهذا لا إشكال فيه.
وقال عليّ بن أبي طالب: ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} وقد مضى هذا في سبحان.
وقال عبد الله بن عمر: وهذه أرجى آية في القرآن فردّ عليهم ابن عباس وقال أرجى آية في القرآن قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] وقد مضى في الرعد.
وقرئ {وَلاَ تَقْنِطُوا} بكسر النون وفتحها.
وقد مضى في الحجر بيانه.
قوله تعالى: {وأنيبوا إلى رَبِّكُمْ} أي ارجعوا إليه بالطاعة.
لما بين أن من تاب من الشرك يغفر له أمر بالتوبة والرجوع إليه، والإنابة الرجوع إلى الله بالإخلاص.
{وَأَسْلِمُواْ لَهُ} أي اخضعوا له وأطيعوا {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب} في الدنيا {ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} أي لا تمنعون من عذابه.
وروي من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من السعادة أن يطيل الله عمر المرء في الطاعة ويرزقه الإنابة، وإن من الشقاوة أن يعمل المرء ويعجب بعمله».
قوله تعالى: {واتبعوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ}.
{أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ} هو القرآن وكله حسن، والمعنى ما قال الحسن: التزموا طاعته، واجتنبوا معصيته.
وقال السدّي: الأحسن ما أمر الله به في كتابه.
وقال ابن زيد: يعني المحكمات، وكِلوا علم المتشابه إلى عالمه.
وقال: أنزل الله كتبًا التوراة والإنجيل والزبور، ثم أنزل القرآن وأمر باتباعه فهو الأحسن وهو المعجز.
وقيل: هذا أحسن لأنه ناسخ قاض على جميع الكتب وجميع الكتب منسوخة.
وقيل: يعني العفو؛ لأن الله تعالى خيّر نبيه عليه السلام بين العفو والقصاص.
وقيل: ما علّم الله النبيّ عليه السلام وليس بقرآن فهو حسن؛ وما أوحى إليه من القرآن فهو الأحسن.
وقيل: أحسن ما أنزل إليكم من أخبار الأمم الماضية. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ يا عِبَادِى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} أي أفرطوا في المعاصي جانين عليها، وأصل الإسراف الإفراط في صرف المال ثم استعمل فيما ذكر مجازًا بمرتبتين على ما قيل، وقال الراغب: هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر وهذا ظاهر في أنه حقيقة فيما ذكرنا وهو حسن.
وضمن معنى الجناية ليصح تعديه بعلى والمضمن لا يلزم فيه أن يكون معناه حقيقيًا، وقيل: هو مضمن معنى الحمل، وحمل غير واحد الإضافة في {عِبَادِى} على العهد أو على التشريف، وذهبوا إلى أن المراد بالعباد المؤمنون وقد غلب استعماله فيهم مضافًا إليه عز وجل في القرآن العظيم فكأنه قيل: أيها المؤمنون المذنبون {لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} أي لا تيأسوا من مغفرته سبحانه وتفضله عز وجل على أن المغفرة مدرجة في الرحمة أو أن الرحمة مستلزمة لها لأنه لا يتصور الرحمة لمن لم يغفر له، وتعليل النهي بقوله تعالى: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا} يقتضي دخولها في المعلل، والتذييل بقوله سبحانه: {إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} كالصريح في ذلك، وجوز أن يكون في الكلام صنعة الاحتباك كأنه قيل: لا تقنطوا من رحمة الله ومغفرته إن الله يغفر الذنوب جميعًا ويرحم، وفيه بعد، وقالوا: المراد بمغفرة الذنوب التجافي عنها وعدم المؤاخذة بها في الظاهر والباطن وهو المراد بسترها، وقيل: المراد بها محوها من الصحائف بالكلية مع التجافي عنها وأن الظاهر إطلاق الحكم وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر كيف لا وقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48] ظاهر في الإطلاق فيما عدا الشرك، ويشهد للإطلاق أيضًا أمور، الأول: نداؤهم بعنوان العبودية فإنها تقتضي المذلة وهي أنسب بحال العاصي إذا لم يتب واقتضاؤها للترحم ظاهر.