فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ألا خسىء من لا يستحى من ربه، فيظل قائما على حربه، على حين يبسط إليه ربه يده، ويظلله بربوبيته، ويمده بنعمه وفضله! فقوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} هو رحمة من رحمة اللّه، وإفساح لطريق النجاة، بالعودة إلى اللّه والمصالحة معه، في أية لحظة من لحظات الحياة، قبل أن تدنو ساعة الموت، وينقطع العمل، وينتقل الإنسان إلى الدار الآخرة بما مات عليه في الدنيا.
وعندئذ ينزل الإنسان منزله في الآخرة، بآخر منزل كان عليه في الدنيا.
{فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (88- الواقعة).
قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}.
أحسن ما أنزل إلى العباد من اللّه، هو كلمات اللّه، وهى القرآن الكريم.. فقد أنزل إلى العباد من اللّه نعم كثيرة، وخيرات موفورة، وأرزاق لا تحصى، ولكن أحسن ما أنزل إليهم من هذه النعم وتلك الخيرات، وهذه الأرزاق، هو هذا الكتاب، الذي به يعرف الإنسان قدر هذه النعم، وطعم هذه الخيرات.. فهو الميزان العدل الذي يقيم هذه النعم وتلك الخيرات على طريق الحق والإحسان، وبغير هذا الميزان تتحول هذه النعم إلى نقم في يد أصحابها، تفسد عليهم وجودهم، وتحرمهم الثمرة الطيبة المرجوّة منها.
وفى قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}.
إشارة إلى المبادرة بالرّجوع إلى اللّه، والتخلّي الفوري عن مشاعر الإمهال والتسويف، من يوم إلى يوم، إذ لا يدرى المرء متى يحين حينه، ويأتيه أجله.. فقد يؤخّر المرء التوبة إلى غد، ثم لا يأتى الغد إلّا وهو في عالم الموتى. وقد يؤخر التوبة من صبح يومه إلى مسائه، فلا يكون في المساء بين الأحياء. فالمراد بإتيان العذاب هنا، هو وقوع الموت بالعصاة والمذنبين قبل التوبة.. فإتيان الموت لهم وهم على تلك الحال، إتيان بالعذاب الذي يبدأ دخولهم فيه منذ لحظة الموت.. وهنا تكون الحسرة والندامة، حيث لا تنفع حسرة، ولا نجدى ندامة!.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
فهذه مقولات ثلاث، للذين أدركهم الموت وهم على كفرهم وضلالهم.
وهى بدل من قوله تعالى: {أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ}. أي واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن تقولوا في حسرة وندم هذه المقولات.
وكل مقولة من هذه المقولات الثلاث، يقولها الكافر الضال، في مرحلة من مراحل الآخرة.. من الموت.. إلى البعث.. إلى الحساب والجزاء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} أُطنبتْ آيات الوعيد بأفنانها السابقة إطنابًا يبلغ من نفوس سامعيها أيَّ مبلغ من الرعب والخوف، على رغْممِ تظاهرهم بقلة الاهتمام بها.
وقد يبلغ بهم وقعها مبلغَ اليأس من سَعيٍ ينجيهم من وعيدها، فأعقبها الله ببعث الرجاء في نفوسهم للخروج إلى ساحل النجاة إذا أرادوها على عادة هذا الكتاب المجيد من مداواة النفوس بمزيج الترغيب والترهيب.
والكلام استئناف بياني لأن الزواجر السابقة تثير في نفوس المواجَهين بها خاطر التساؤل عن مسالك النجاة فتتلاحم فيها الخواطر الملَكية والخواطر الشيطانية إلى أن يُرسي التلاحم على انتصار إحدى الطائفتين، فكان في إنارة السبيل لها ما يسهل خطو الحائرين في ظلمات الشك ويرتفق بها ويواسيها بعد أن أثخنتها جروح التوبيخ والزجر والوعيد ويضمد تلك الجراحة والحليمُ يزجُر ويلين وتثير في نفس النبي صلى الله عليه وسلم خشيةَ أن يحيط غضب الله بالذين دعاهم إليه فأعرضوا أو حببهم في الحق فأبغضوا فلعله لا يَفتح لهم باب التوبة ولا تقبل منهم بعد إعراضهم أوْبَة ولاسيما بعد أن أمره بتفويض الأمر إلى حكمه المشتَمِّ منه ترقبُ قطع الجدال وفصمِه فكان أمره لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يناديهم بهذه الدعوة تنفيسًا عليه وتفتيحًا لباب الأوْبة إليه فهذا كلام ينحل إلى استئنافين فجملة {قُل} استئناف لبيان ما ترقَّبَه أفضلُ النبيئين صلى الله عليه وسلم أي بلغ عني هذا القول.
وجملةُ {ياعبادي} استئناف ابتدائي من خطاب الله لهم.
وابتداء الخطاب بالنداء وعنواننِ العباد مؤذن بأن ما بعده إعداد للقبول وإطماع في النجاة.
والخطاب بعنوان {ياعبادي} مراد به المشركون ابتداءً بدليل قوله: {وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب} [الزمر: 54] وقوله: {وإن كنت لمن الساخرين} [الزمر: 56] وقوله: {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} [الزمر: 59].
فهذا الخطاب جرى على غير الغالب في مثله في عادة القرآن عند ذكر {عبادي} بالإِضافة إلى ضمير المتكلم تعالى.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قَتلوا وأَكثروا، وزنَوا وأكثروا، فأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرُنا أَن لما عملنا كفارة يعني وقد سمعوا آيات الوعيد لمن يعمل تلك الأعمال وإلا فمن أين علموا أن تلك الأعمال جرائم وهم في جاهلية فنزل: {والذين لا يدعون مع الله إلاهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق ولا يزنون} [الفرقان: 68] يعني إلى قوله: {إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا} [الفرقان: 70] ونزل: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه}.
وقد رويت أحاديث عدة في سبب نزول هذه الآية غير حديث البخاري وهي بين ضعيف ومجهول ويستخلص من مجموعها أنها جزئيات لعموم الآية وأن الآية عامة لخطاب جميع المشركين وقد أشرنا إليها في ديباجة تفسير السورة.
ومن أجمل الأخبار المروية فيها ما رواه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: لما اجتمعنا على الهجرة اتَّعدتُ أنا وهشامُ بن العاص السهمي، وعيّاش بن أبي ربيعة بن عتبة.
فقلنا: الموعد أَضَاةُ بني غِفَار، وقلنا: من تأخّرَ منّا فقد حُبس فليمضضِ صاحباه.
فأصبحتُ أنا وعياش بن عتبة وحُبس عنا هشام وإذا هو قد فُتِن فافتَتَنَ فكنا نقول بالمدينة: هؤلاء قد عَرفوا الله ثم افتتنوا لبلاء لحقهم لا نرى لهم توبة.
وكانوا هم يقولون هذا في أنفسهم، فأنزل الله: {قل ياعبادي الذين أسرفوا} إلى قوله: {مَثْوى للمتكبرين} [الزمر: 60] قال عمر فكتبتها بيدي ثم بعثتها إلى هشام.
قال هشام: فلما قدمتْ عليَّ خرجتُ بها إلى ذي طوَى فقلت: اللهم فهِّمنيها فعرفت أنها نزلت فينا فرجعتُ فجلست على بعيري فلحقت برسول الله. اهـ.
فقول عمر: فأنزل الله يريد أنه سمعه بعد أن هاجر وأنه مما نزل بمكة فلم يسمعه عمر إذ كان في شاغل تهيئة الهجرة فما سمعها إلا وهو بالمدينة فإن عمر هاجر إلى المدينة قبل النبي.
فالخطاب بقوله: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} تمهيد بإجمال يأتي بيانه في الآيات بعده من قوله: {وأنيبوا إلى ربكم} [الزمر: 54].
وبعد هذا فعموم عبادي وعموم صلة {الذين أسرفوا} يشمل أهل المعاصي من المسلمين وإن كان المقصود الأصلي من الخطاب المشركين على عادة الكلام البليغ من كثرة المقاصد والمعاني التي تفرغ في قوالب تسعُها.
وقرأ الجمهور {ياعبادي الذين أسرفوا} بفتح ياء المتكلم، وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب بإسكان الياء.
ولعل وجه ثبوت الياء في هذه الآية دون نظيرها وهو قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم} [الزمر: 10]، أن الخطاب هنا للذين أسرفوا وفي مقدمتهم المشركون وكلهم مظنة تطرق اليأس من رحمة الله إلى نفوسهم، فكان إثبات يا المتكلم في خطابهم زيادة تصريح بعلامة التكلُّم تقوية لنسبة عبوديتهم إلى الله تعالى إيماء إلى أن شأن الرب الرحمة بعباده.
والإِسراف: الإِكثار.
والمراد به هنا الإِسراف في الذنوب والمعاصي، وتقدم ذكر الإِسراف في قوله تعالى: {ولا تأكلوها إسرافًا} في سورة [النساء: 6] وقوله: {فلا يسرف في القتل} في سورة [الإسراء: 33].
والأكثر أن يعدّى إلى متعلِّقه بحرف {مِن} وتعديتُه هنا بعلى لأن الإِكثار هنا من أعمالٍ تتحملها النفس وتثقل بها وذلك متعارف في التبِعات والعدوان تقول: أكثرت على فلان، فمعنى {أسرفوا على أنفسهم} أنهم جلبوا لأنفسهم ما تثقلهم تبعته ليشمل ما اقترفوه من شرك وسيئات.
والقنوط: اليأس، وتقدم في قوله: {فلا تكن من القانطين} في سورة [الحِجر: 55].
وجملة {إن الله يغفر الذنوب جميعًا} تعليل للنهي عن اليأس من رحمة الله.
ومادة الغفر ترجع إلى الستر، وهو يقتضي وجود المستور واحتياجَه للستر فدل {يغْفِرُ الذُّنوب} على أن الذنوب ثابتة، أي المؤاخذة بها ثابتة والله يغفرها، أي يزيل المؤاخذة بها، وهذه المغفرة تقتضي أسبابًا أُجملت هنا وفصلت في دلائل أخرى من الكتاب والسنة منها قوله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} [طه: 82]، وتلك الدلائل يجمعها أن للغفران أسبابًا تطرأ على المذنب ولولا ذلك لكانت المؤاخذة بالذنوب عبثًا ينزه عنه الحكيم تعالى، كيف وقد سماها ذنوبًا وتوعد عليها فكان قوله: {إن الله يغفر الذنوب} دعوةً إلى تطلب أسباب هذه المغفرة فإذا طلبها المذنب عرف تفصيلها.
و{جميعًا} حال من {الذنوب} أي حال جميعها، أي عمومها، فيغفر كل ذنب منها إن حصلت من المذنب أسباب ذلك.
وسيأتي الكلام على كلمة جميع عند قوله تعالى: {والأرض جميعًا قبضته} في هذه السورة (67).
وجملة {إنه هو الغفور الرحيم} تعليل لجملة {يغفر الذنوب جميعًا} أي لا يُعجزه أن يغفر جميع الذنوب ما بلغ جميعها من الكثرة لأنه شديد الغفران شديد الرحمة.
فبطل بهذه الآية قول المرجئة إنه لا يضر مع الإِيمان شيء.
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)} لما فَتَح لهم باب الرجاء أَعقبه بالإرشاد إلى وسيلة المغفرة معطوفًا بالواو وللدلالة على الجمع بين النهي عن القنوط من الرحمة وبين الإِنابة جمعًا يقتضي المبادرة، وهي أيضًا مقتضى صيغة الأمر.
والإِنابة: التوبة ولما فيها وَفي التوبة من معنى الرجوع عُدّي الفِعلان بحرف إلى.
والمعنى: توبوا إلى الله مما كنتم فيه من الشرك بأن توحدوه.
وعطف عليه الأمر بالإسلام، أي التصديق بالنبي والقرآن واتباع شرائع الإِسلام.
وفي قوله: {مِن قَبللِ أن يأتيكم العذاب} إيذان بوعيد قريب إن لم يُنيبوا ويسلموا كما يلمح إليه فعل {يأتيكم}.
والتعريف في العَذَابُ تعريف الجنس، وهو يقتضي أنهم إن لم يُنيبوا ويسلموا يأتهم العذاب.
والعذاب منه ما يحصل في الدنيا إن شاءه الله وهذا خاص بالمشركين، وأما المسلمون فقد استعاذ لهم منه الرسول صلى الله عليه وسلم حين نزل: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} كما تقدم في سورة الأنعام (65)، ومن العذاب عذاب الآخرة وهو جزاء الكفر والكبائر.
وهذا الخطاب يأخذ كلُ فريق منه بنصيب، فنصيب المشركين الإِنابة إلى التوحيد واتّباعُ دين الإِسلام، ونصيب المؤمنين منه التوبة إذا أسرفوا على أنفسهم والإِكثار من الحسنات وأما الإسلام فحاصل لهم.
والنصر: الإِعانة على الغلبة بحيث ينفلتُ المغلوب من غلبة قاهره كرهًا على القاهر ولا نصير لأحد على الله.
وأما الشفاعة لأهل الكبائر فليست من حقيقة النصر المنفي وهذه الفقرة أكثر حظ فيها هو حظ المشركين.
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)} {أحسن ما أُنزِلَ} هو القرآن وهو معنى قوله: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر: 18].
والحظ للمشركين في هذه الآية لأن المسلمين قد اتّبعوا القرآن كما قال تعالى: {فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم اللَّه} [الزمر: 17، 18].
و{أحْسَنَ} اسم تفضيل مستعمل في معنى كامل الحسن، وليس في معنى تفضيل بعضه على بعض لأن جميع ما في القرآن حسن فهو من باب قوله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} [يوسف: 33].
وإضافة {أحْسَنَ} إلى {مَا أُنْزِل} من إضافة الصفة إلى الموصوف.
والعذاب المذكور في هذه هو العذاب المذكور قبلُ بنوعيه وكله بغتة إذ لا يتقدمه إشعار، فعذاب الدنيا يحلّ بغتة وعذاب الآخرة كذلك لأنه تظهر بوارقه عند البعث وقد أتاهم عذاب السيف يوم بدر ويأتيهم عذاب الآخرة يوم البعث. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} تقدم في غير آية كون الإنسان إذا مسه الضر التجأ إلى الله، مع اعتقادهم الأوثان وعبادتها.
فإذا أصابتهم شدة، نبذوها ودعوا رب السموات والأرض، وهذا يدل على تناقض آرائهم وشدة اضطرابها.
والإنسان جنس وضر مطلق، والنعمة عامة في جميع ما يسر، ومن ذلك إزالة الضر.
وقيل: الإنسان معين، وهو حذيفة بن المغيرة.
والظاهر أن ما في إنما كافة مهيئة لدخول إن على الجملة الفعلية، وذكر الضمير في {أوتيته} وإن كان عائدًا على النعمة، لأن معناها مذكر، وهو الأنعام أو المال، على قول من شرح النعمة بالمال، أو المعنى: شيئًا من النعمة، أو لأنها تشتمل على مذكر ومؤنث، فغلب المذكر.
وقيل: ما موصولة، والضمير عائد على ما، أي قال: إن الذي أوتيته على علم مني، أي بوجه المكاسب والمتاجر، قاله قتادة، وفيه إعجاب بالنفس وتعاظم مفرط.
أو على علم من الله فيّ واستحقاق جزائه عند الله، وفي هذا احتراز الله وعجز ومنّ على الله.
أو على علم مني بأني سأعطاه لما فيّ من فضل واستحقاق، بل هي فتنة إضراب عن دعواه أنه إنما أوتي على علم، بل تلك النعمة فتنة وابتلاء.