فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والزُّمَر: جَمع زُمْرة، وهي الفوج من الناس المتبوعُ بفوج آخر، فلا يقال: مرت زمرة من الناس، إلاّ إذا كانت متبوعة بأخرى، وهذا من الألفاظ التي مدلولها شيء مقيّد.
وإنما جُعلوا زمرًا لاختلاف دَرَجات كفرهم، فإن كان المراد بالذين كفروا مشركي قريش المقصودين بهذا الوعيد كان اختلافهم على حسب شدة تصلبهم في الكفر وما يخالطه من حَدَب على المسلمين أو فظاظة، ومن محايدة للنبيء صلى الله عليه وسلم أو أَذىً، وإن كان المراد بهم جميع أهل الشرك كما تقتضيه حكاية الموقف مع قوله: {ألم يأتكم رُسُل} كان تعدد زمرهم على حسب أنواع إشراكهم.
و{حتى} ابتدائية و{إذا} ظرف لزمَان المستقبل يضمّن معنى الشرط غالبًا، أي سيقوا سوقًا ملازمًا لهم بشدته متصل بزمن مجيئهم إلى النار.
وجملة جواب {إذا} لأنها ضمنت معنى الشرط وأغنى ذكر {إذا} عن الإِتيان بلمّا التوقيتية، والتقدير: فلما جاءوها فتحت أبوابها، أي وكانت مغلقة لتفتح في وجوههم حين مجيئهم فجأة تهويلًا ورعبًا.
وقرأ الجمهور {فُتِّحَتْ} بتشديد التاء للمبالغة في الفتح.
وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف بتخفيف التاء على أصل الفعل.
والخزَنة: جمع خازن وهو الوكيل والبوَّاب غلب عليه اسم الخازن لأنه يقصد لخزن المال.
والاستفهام الموجه إلى أهل النار استفهام تقريري مستعمل في التوبيخ والزجر كما دل عليه قولهم بعده: {ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبِئس مثوى المتكبرين}.
و{منكم} صفة ل {رسل} والمقصود من الوصف التورك عليهم لأنهم كانوا يقولون: {أبشرًا منا واحدًا نتبعه} [القمر: 24]، والتلاوة: قراءة الرسالة والكتاب لأن القارىء يتلو بعض الكلام ببعض، وأصل الآيات: العلامات مثل آيات الطريق.
وأطلقت على الأقوال الدالة على الحق، والمراد بها هنا الأقوال الموحى بها إلى الرسل مثل صحف إبراهيم وموسى والقرآن، وأخصُّها باسم الآيات هي آيات القرآن لأنها استكملت كُنه الآيات باشتمالها على عظم الدلالة على الحق وإذ هي معجزات بنظمها ولفظها، وما عداه يسمى آيات على وجه المشاكلة كما في حديث الرجم: أن اليهودي الذي أحضر التوراة وضع يده على آية الرجم، ولأن في معاني كثير من القرآن والكتب السماوية ما فيه دلائل نظرية على الوحدانية والبعث ونحوها من الاستدلال.
وأسندت التلاوة إلى جميع الرسل وإن كان فيهم من ليس له كتاب، على طريقة التغليب.
وإضافة يوم إلى ضمير المخاطبين باعتبار كونهم فيه كقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع «كحُرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» فالإضافة قائمة مقام التعريف بأل العهدية.
وجوابهم بحرف {بلى} إقرار بإبطال المنفي وهو إتيان الرسل وتبليغهم فمعناه إثبات إتياننِ الرسل وتبليغِهم.
وكلمة {العذاب} هي الوعيد به على ألسنة الرسل كما في قول بعضهم في الآية الأخرى: {فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون} [الصافات: 31] أي تحققت فينا، فالتعريف في كلمة {العذاب} تعريف الجنس لإِضافتها إلى معرفة بلام الجنس، أي كلمات.
ومحل الاستدراك هو ما طوي في الكلام مما اقتضى أن تَحق عليهم كلمات الوعيد، وذلك بإعراضهم من الإِصغاء لأمر الرسل، فالتقدير: ولكن تَكَبَّرْنا وعانَدْنَا فحقت كلمة العذاب على الكافرين، وهذا الجواب من قبيل جواب المتندم المكروب فإنه يوجز جوابه ويقول لسائله أو لائمة: الأمرُ كما تَرى.
ولم يعطف فعل {قالوا} على ما قبله لأنه جاء في معرض المقاولة كما تقدم غير مرة انظر قوله تعالى: {أتجعل فيها من يفسد فيها} إلى قوله: {قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30].
وفعل {قيل} مبني للنائب للعلم بالفاعل إذ القائل: {ادخلوا أبواب جهنم} هم خزنتها.
ودخول الباب: وُلوجه لوصول ما وراءه قال تعالى: {ادخلوا عليهم الباب} [المائدة: 23] أي لِجُوا الأرضَ المقدسة، وهي أَرِيحا.
والمَثْوَى: محل الثواء وهو الإقامة، والمخصوص بالذم محذوف دل عليه ما قبله والتقدير: بئس مثوى المتكبرين جهنمُ ووصفوا ب {المتكبرين} لأنهم أعرضوا عن قبول الإسلام تكبرًا عن أن يتبعوا واحدًا منهم. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {الله خالق كُلّ شَىْء} من الأشياء الموجودة في الدنيا، والآخرة كائنًا ما كان من غير فرق بين شيء، وشيء وقد تقدّم تفسير هذه الآية في الأنعام {وَهُوَ على كُلّ شيء وَكِيلٌ} أي: الأشياء كلها موكولة إليه، فهو: القائم بحفظها، وتدبيرها من غير مشارك له.
{لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} المقاليد، واحدها مقليد، ومقلاد، أو لا واحد له من لفظه كأساطير، وهي: مفاتيح السماوات، والأرض، والرزق، والرحمة.
قاله مقاتل، وقتادة، وغيرهما.
وقال الليث: المقلاد الخزانة، ومعنى الآية: له خزائن السماوات، والأرض، وبه قال الضحاك، والسدّي.
وقيل: خزائن السماوات المطر، وخزائن الأرض النبات.
وقيل: هي عبارة عن قدرته سبحانه، وحفظه لها، والأوّل أولى.
قال الجوهري: الإقليد المفتاح، ثم قال: والجمع المقاليد.
وقيل: هي لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
وقيل غير ذلك.
{والذين كَفَرُواْ بئايات الله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} أي: بالقرآن، وسائر الآيات الدالة على الله سبحانه، وتوحيده، ومعنى الخاسرون: الكاملون في الخسران؛ لأنهم صاروا بهذا الكفر إلى النار.
{قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} الاستفهام للإنكار التوبيخي، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره، و{غير} منصوب ب {أعبد} وأعبد معمول؛ ل {تأمروني} على تقدير أن المصدرية، فلما حذفت بطل عملها، والأصل: أفتأمروني أن أعبد غير الله.
قاله الكسائي، وغيره.
ويجوز أن يكون غير منصوبًا بتأمروني، وأعبد بدل منه بدل اشتمال، وأن مضمرة معه أيضًا.
ويجوز أن يكون غير منصوبة بفعل مقدر، أي: أفتلزموني غير الله، أي: عبادة غير الله، أو أعبد غير الله أعبد.
أمره الله سبحانه أن يقول هذا للكفار لما دعوه إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام، وقالوا: هو دين آبائك.
قرأ الجمهور: {تأمروني} بإدغام نون الرفع في نون الوقاية على خلاف بينهم في فتح الياء، وتسكينها.
وقرأ نافع: {تأمروني} بنون خفيفة، وفتح الياء، وقرأ ابن عامر: {تأمرونني} بالفك، وسكون الياء.
{وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} أي: من الرسل {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} هذا الكلام من باب التعريض لغير الرسل، لأن الله سبحانه قد عصمهم عن الشرك، ووجه إيراده على هذا الوجه التحذير، والإنذار للعباد من الشرك، لأنه إذا كان موجبًا لإحباط عمل الأنبياء على الفرض، والتقدير، فهو محبط لعمل غيرهم من أممهم بطريق الأولى.
قيل: وفي الكلام تقديم، وتأخير، والتقدير: ولقد أوحي إليك لئن أشركت، وأوحي إلى الذين من قبلك كذلك.
قال مقاتل: أي أوحي إليك وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد والتوحيد محذوف، ثم قال: لئن أشركت يا محمد؛ ليحبطن عملك، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وقيل: إفراد الخطاب في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} باعتبار كل واحد من الأنبياء كأنه قيل: أوحي إليك، وإلى كل واحد من الأنبياء هذا الكلام، وهو: لئن أشركت، وهذه الآية مقيدة بالموت على الشرك كما في الآية الأخرى {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم} [البقرة: 217] وقيل: هذا خاص بالأنبياء؛ لأن الشرك منهم أعظم ذنبًا من الشرك من غيرهم، والأوّل أولى، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بتوحيده، فقال: {بَلِ الله فاعبد} وفي هذا ردّ على المشركين حيث أمروه: بعبادة الأصنام.
ووجه الردّ ما يفيده التقديم من القصر.
قال الزجاج: لفظ اسم الله منصوب ب {اعبد} قال: ولا اختلاف في هذا بين البصريين، والكوفيين.
وقال الفراء: هو منصوب بإضمار فعل، وروي مثله عن الكسائي، والأوّل أولى.
قال الزجاج: والفاء في: {فاعبد} للمجازاة.
وقال الأخفش: زائدة.
قال عطاء، ومقاتل: معنى {فاعبد} وحد، لأن عبادته لا تصح إلا بتوحيده {وَكُنْ مّنَ الشاكرين} لإنعامه عليك بما هداك إليه من التوحيد، والدعاء إلى دينه، واختصك به من الرسالة.
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} قال المبرد: أي ما عظموه حق عظمته، من قولك فلان عظيم القدر، وإنما وصفهم بهذا؛ لأنهم عبدوا غير الله، وأمروا رسوله بأن يكون مثلهم في الشرك.
وقرأ الحسن، وأبو حيوة، وعيسى بن عمر: {قدّروا} بالتشديد {والأرض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة} القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك، فأخبر سبحانه: عن عظيم قدرته بأن الأرض كلها مع عظمها، وكثافتها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه كما يقولون: هو في يد فلان، وفي قبضته للشيء الذي يهون عليه التصرّف فيه، وإن لم يقبض عليه، وكذا قوله: {والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} فإن ذكر اليمين للمبالغة في كمال القدرة كما يطوي الواحد منا الشيء المقدور له طيه بيمينه، واليمين في كلام العرب قد تكون بمعنى: القدرة، والملك.
قال الأخفش: بيمينه يقول: في قدرته، نحو قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم} [النساء: 3] أي: ما كانت لكم قدرة عليه، وليس الملك لليمين دون الشمال، وسائر الجسد، ومنه له سبحانه: {لأخَذْنَا مِنْهُ باليمين} [الحاقة: 45] أي: بالقوّة، والقدرة، ومنه قول الشاعر:
إذا ما راية نصبت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين

وقول الآخر:
ولما رأيت الشمس أشرق نورها ** تناولت منها حاجتي بيمين

وقول الآخر:
عطست بأنف شامخ وتناولت ** يداي الثريا قاعدًا غير قائم

وجملة: {والارض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} في محل نصب على الحال، أي: ما عظموه حق تعظيمه، والحال أنه متصف بهذه الصفة الدالة على كمال القدرة.
قرأ الجمهور برفع: {قبضته} على أنها خبر المبتدأ، وقرأ الحسن بنصبها، ووجهه ابن خالويه بأنه على الظرفية، أي: في قبضته.
وقرأ الجمهور: {مطويات} بالرفع على أنها خبر المبتدأ، والجملة في محل نصب على الحال كالتي قبلها، و{بيمينه} متعلق ب {مطويات} أو حال من الضمير في {مطويات} أو خبر ثانٍ، وقرأ عيسى، والجحدري بنصب: {مطويات} ووجه ذلك: أن {السموات} معطوفة على {الأرض} وتكون {قبضته} خبرًا عن الأرض، والسموات، وتكون {مطويات} حالًا، أو تكون {مطويات} منصوبة بفعل مقدّر، و{بيمينه} الخبر، وخصّ يوم القيامة بالذكر، وإن كانت قدرته شاملة، لأن الدعاوي تنقطع فيه كما قال سبحانه: {الملك يَوْمَئِذٍ للَّهِ} [الحج: 56]، وقال: {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4]، ثم نزّه سبحانه نفسه، فقال: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} به من المعبودات التي يجعلونها شركاء له مع هذه القدرة العظيمة، والحكمة الباهرة.
{وَنُفِخَ في الصور فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض} هذه هي: النفخة الأولى، والصور هو: القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، وقد تقدّم غير مرة، ومعنى صعق: زالت عقولهم، فخرّوا مغشيًا عليهم.
وقيل: ماتوا.
قال الواحدي: قال المفسرون: مات من الفزع، وشدة الصوت أهل السموات، والأرض.
قرأ الجمهور: {الصور} بسكون الواو، وقرأ قتادة، وزيد بن علي بفتحها جمع صورة، والاستثناء في قوله: {إِلاَّ مَن شَاء الله} متصل، والمستثنى جبريل، وميكائيل، وإسرافيل.
وقيل: رضوان، وحملة العرش، وخزنة الجنة، والنار {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} يجوز أن يكون {أخرى} في محل رفع على النيابة، وهي صفة لمصدر محذوف، أي: نفخة أخرى، ويجوز أن يكون في محل نصب، والقائم مقام الفاعل فيه {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} يعني: الخلق كلهم قيام على أرجلهم ينظرون ما يقال لهم، أو ينتظرون ذلك.
قرأ الجمهور: {قيام} بالرفع على أنه خبر، و{ينظرون} في محل نصب على الحال، وقرأ زيد بن عليّ بالنصب على أنه حال، والخبر: {ينظرون} والعامل في الحال ما عمل في إذا الفجائية.
قال الكسائي: كما تقول خرجت، فإذا زيد جالسًا.
{وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبّهَا} الإشراق الإضاءة، يقال: أشرقت الشمس: إذا أضاءت، وشرقت: إذا طلعت، ومعنى {بنور ربها} بعدل ربها، قاله الحسن، وغيره.
وقال الضحاك: بحكم ربها، والمعنى: أن الأرض أضاءت، وأنارت بما أقامه الله من العدل بين أهلها، وما قضى به من الحق فيهم، فالعدل نور، والظلم ظلمات.
وقيل: إن الله يخلق نورًا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض، فتشرق به غير نور الشمس، والقمر، ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقي، فإن الله سبحانه هو: نور السماوات، والأرض.
قرأ الجمهور: {أشرقت} مبنيًّا للفاعل، وقرأ ابن عباس، وأبو الجوزاء، وعبيد بن عمير على البناء للمفعول {ووضع الكتاب} قيل: هو: اللوح المحفوظ.
وقال قتادة: يعني: الكتب، والصحف التي فيها أعمال بني آدم، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله، وكذا قال مقاتل.
وقيل: هو من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه، أي: وضع الكتاب للحساب {وَجِىء بالنبيين} أي: جيء بهم إلى الموقف، فسئلوا عما أجابتهم به أممهم {والشهداء} الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} [البقرة: 143]، وقيل: المراد بالشهداء: الذين استشهدوا في سبيل الله، فيشهدون يوم القيامة لمن ذبّ عن دين الله.