فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{قُلْ ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} يعني: أسرفوا بالذنوب على أنفسهم.
قرأ نافع، وابن كثير، وعاصم، وابن عامر، {قُلْ ياعبادى} بفتح الياء، والباقون بالإرسال.
وهما لغتان، ومعناهما واحد، {لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} أي: لا تيأسوا من مغفرة الله، {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا} الكبائر، وغير الكبائر إذا تبتم، {إِنَّهُ هُوَ الغفور} لمن تاب، {الرحيم} بعد التوبة لهم.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة.
قال: أصاب قوم في الشرك ذنوبًا عظامًا، فكانوا يخافون أن لا يغفر الله لهم، فدعاهم الله تعالى بهذه الآية: {قُلْ ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ}.
وقال مجاهد: {قُلْ ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} بقتل الأنفس في الجاهلية.
وقال في رواية الكلبي: نزلت الآية في شأن وحشي.
يعني: أسرفوا على أنفسهم بالقتل، والشرك، والزنى.
لا تيأسوا {مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا} لمن تاب.
وقال ابن مسعود: أرجى آية في كتاب الله هذه الآية.
وهكذا قال عبد الله بن عمرو بن العاص.
وروي عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: فيها عظة.
قوله تعالى: {وَأَنِيبُواْ إلى رَبّكُمْ} يعني: ارجعوا له، وأقبلوا إلى طاعة ربكم {وَأَسْلِمُواْ لَهُ} يعني: أخلصوا، وأقروا بالتوحيد، {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} أي: لا تمنعون مما نزل بكم، {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ} قال الكلبي: هذا القرآن أحسن ما أنزل إليهم يعني: اتبعوا ما أمرتم به.
ويقال: أحلوا، وحرموا حرامه، {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً} أي: فجأة، {وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} بنزوله، {أَن تَقُولَ نَفْسٌ} يعني: لكي لا تقول نفس.
ويقال: معناه اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم خوفًا، قبل أن تصيروا إلى حال الندامة.
وتقول نفس: {يَا حَسْرَتَى} يعني: يا ندامتا، {نَفْسٌ ياحسرتى على مَا فَرَّطَتُ في جَنبِ الله} يعني: تركت، وضيعت من طاعة الله.
وقال مقاتل: يعني ما ضيعت من ذكر الله.
ويقال: يا ندامتاه على ما فرطت في أمر الله.
{وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين} يعني: وقد كنت من المستهزئين بالقرآن في الدنيا.
ويقال: وقد كنت من اللاهين.
وقال أبو عبيدة: في جنب الله، وذات الله واحد.
{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى} يعني: قبل، أو تقول: لو أن الله هداني بالمعرفة، {لَكُنتُ مِنَ المتقين} أي: من الموحدين.
يعني: لو بيّن لي الحق من الباطل، لكنت من المؤمنين، {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب} يعني: من قبل أن تقول: {لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً} أي: رجعة إلى الدنيا {فَأَكُونَ مِنَ المحسنين} يعني: من الموحدين.
يقول الله تعالى: {بلى قَدْ جَاءتْكَ ءاياتى} يعني: القرآن، {فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت} أي: تكبرت، وتجبرت عن الإيمان بها، {وَكُنتَ مِنَ الكافرين}.
قرأ عاصم الجحدري: {بلى قَدْ جَاءتْكَ ءاياتى} يعني: القرآن.
{فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت} وَكُنْتِ، كلها بالكسر.
وهو اختيار ابن مسعود، وصالح، ومن تابعه من قراء سمرقند.
وإنما قرأ بالكسر، لأنه سبق ذكر النفس، والنفس تؤنث.
وقراءة العامة كلها بالنصب، لأنه انصرف إلى المعنى.
يعني يقال للكافر: {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله} يعني: قالوا: بأن لله شريكًا، {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} صار وجوههم رفعًا بالابتداء.
ويقال: معناه مسودة وجوههم {أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى لّلْمُتَكَبّرِينَ} أي: مأوى للّذين تكبروا عن الإيمان، {وَيُنَجّى الله الذين اتقوا بِمَفَازَتِهِمْ} يعني: ينجي الله الذين اتقوا الشرك من جهنم.
قال مقاتل، والكلبي: بأعمالهم الحسنة لا يصيبهم العذاب.
وقال القتبي: بمنجاتهم.
قرأ حمزة، والكسائي: {بِمَفَازَاتِهم} بالألف، وكذلك عاصم في رواية أبي بكر.
والباقون {بِمَفَازَتِهِمْ} بغير ألفِ والمفازة الفوز، والسعادة، والفلاح، والمفازات جمع.
{لاَ يَمَسُّهُمُ السوء} أي: لا يصيبهم العذاب {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} في الآخرة.
{الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي: حفيظ.
ويقال: كفيل بأرزاقهم، {لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} يعني: بيده مفاتيح السموات والأرض.
ويقال: خزائن السموات والأرض، وهو المطر، والنبات.
وقال القتبي: المقاليد: المفاتيح.
يعني: مفاتيحها، وخزائنها، وواحدها إقليد.
ويقال: إنها فارسية، معربة، إكليد.
{والذين كَفَرُواْ بئايات الله} يعني: بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، {أولئك هُمُ الخاسرون} يعني: اختاروا العقوبة على الثواب، {قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى} قرأ ابن عامر: {تأمرونني} بنونين، وقرأ نافع: {تَأْمُرُونّى} بنون واحدة، والتخفيف.
وقرأ الباقون: بنون واحدة، والتشديد، والأصل: تأمرونني بنونين، كما روي عن ابن عامر، إلا أنه أدغم إحدى النونين في الأخرى، وشدد، وتركها نافع على التخفيف.
{أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} يعني: أيها المشركون تأمروني أن أعبد غير الله {وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} يعني: الأنبياء بالتوحيد، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أي: ثوابك، وإن كنت كريمًا عليَّ.
فلو أشركت بالله، ليحبطنّ عملك {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} في الآخرة.
فكيف لو شرك غيرك، فالله تعالى علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشرك بالله، ولكنه أراد تنبيهًا لأمته، أنَّ من أشرك بالله، حبط عمله، وإن كان كريمًا على الله.
{بَلِ الله فاعبد} أي: استقم على عبادة الله، وتوحيده.
وقال مقاتل: بل الله فاعبد، أي: فوحد الله تعالى.
وقال الكلبي: يعني أطع الله تعالى، {وَكُنْ مّنَ الشاكرين} على ما أنعم الله عليك من النبوة، والإسلام، والرسالة.
ويقال: هذا الخطاب لجميع المؤمنين.
أمرهم بأن يشكروا الله تعالى على ما أنعم عليهم، وأكرمهم بمعرفته، ووفقهم لدينه، {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما عظموا الله حق عظمته، ولا وصفوه حق صفته، ولا عرفوا الله حق معرفته.
وذلك أن اليهود والمشركين، وصفوا الله تعالى بما لا يليق بصفاته، فنزل: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} وفيه تنبيه للمؤمنين، لكيلا يقولوا مثل مقالتهم، ويعظموا الله حق عظمته، ويصفوه حق صفته، {فَاطِرُ السماوات والأرض جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا وَمِنَ الأنعام أزواجا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11].
ثم قال: {والأرض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة} أي: في قدرته، وملكه، وسلطانه، لا سلطان لأحد عليها، وهذا كقوله: {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4].
وقال القتبي: {فِى قَبْضَتُهُ} أي: في ملكه، نحو قولك للرجل: هذا في يدك، وقبضتك.
أي في ملكك.
{والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} أي: بقدرته.
ويقال: في الآية تقديم.
معناه: {والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} يوم القيامة.
أي: في يوم القيامة.
ويقال: {بِيَمِينِهِ} يعني: عن يمين العرش.
وقال القتبي: {بِيَمِينِهِ} أي: بقدرته نحو قوله: {يا أيها النبى إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك اللاتى ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَاءَ الله عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ في أزواجهم وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 50] يعني: ما كانت لهم عليه قدرة.
وليس الملك لليمين دون الشمال.
ويقال: اليمين هاهنا الحلف، لأنه حلف بعزته، وجلاله، ليطوينّ السموات والأرض.
ثم نزّه نفسه، فقال تعالى: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: تنزيهًا لله تعالى.
يعني: ارتفع، وتعظم عما يشركون.
يعني: عما يصفون له من الشريك، {وَنُفِخَ في الصور} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه سُئِلَ عَنِ الصُّورِ فَقَالَ: «هُوَ الْقَرْنُ وَإِنَّ عِظَمَ دَائِرَتِهِ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةً، فَيُفْزِعُ الخَلْقَ، ثُمَّ يَنْفُخُ نَفْخَةً أُخْرَى، فَيَمُوتُ أهْلُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ، فَإذَا كَانَ وَقْتُ النَّفْخَةِ الثَّالِثَةِ، تَجَمَّعَتِ الأَرْوَاحُ كُلّهَا في الصُّور، ثُمَّ يَنْفُخُ النَّفْخةَ الثَّالِثَةَ، فَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ كُلُّها كَالنَّحلِ وَكَالزَّنَابِيرِ، وَتَأْتِي كُلُّ رُوح إلَى جَسَدِهَا» فذلك قوله تعالى: {فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض} يعني: يموت من في السموات، ومن في الأرض، {إِلاَّ مَن شَاء الله} يعني: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت.
ويقال: أرواح الشهداء.
وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: استثنى الله تعالى الشهداء حول العرش متقلدين بسيوفهم.
وقال بعضهم: النفخة نفختان.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُنْفَخُ فِي الصُّور ثَلاَثُ نَفَخَاتٍ: الأُوْلَى نَفْخَةُ الفَزَعِ؛ والثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعقِ، والثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ العَالَمِينِ» وهو قوله: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} أي: ينظرون ماذا يأمرهم.
ويقال: ينظرون إلى السماء كيف غيرت، وينظرون إلى الأرض كيف بدلت، وينظرون إلى الداعي كيف يدعوهم إلى الحساب، وينظرون فيما عملوا في الدنيا، وينظرون إلى الآباء والأمهات كيف ذهبت شفقتهم عنهم، واشتغلوا بأنفسهم، وينظرون إلى خصمائهم ماذا يفعلون بهم.
{وَأَشْرَقَتِ الأرض} يعني: أضاءت {بِنُورِ رَبّهَا} أي: بعدل ربها.
ويقال: وأشرقت وجوه من على الأرض بمعرفة ربها، وأظلم وجوه من على الأرض بنكرة ربها.
وقال بعضهم: هذا من المكتوم الذي لا يفسر.
{وَوُضِعَ الكتاب} يعني: ووضع الحساب.
ويقال: ووضع الكتاب في أيدي الخلق، في أيمانهم، وشمائلهم {وَجِىء بالنبيين والشهداء وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالحق} أي: بين الخلق بالعدل، بين الظالم والمظلوم، وبين الرسل، وقومهم، {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي: لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئًا.
{وَوُفّيَتْ} أي: وفرت، {كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} أي: جزاء ما عملت من خير، أو شر، {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} لأنه قد سبق ذكر قوله: {وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ} ثم أخبر أنه لم يدع الشهداء ليشهدوا بما يعلموا بل هو أعلم بما يفعلون، وإنما يدعو الشهداء لتأكيد الحجة عليهم.
ثم قال: {وَسِيقَ الذين كَفَرُواْ} أي: يساق الذين كفروا، {إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا} يعني: أمة أمة، فوجًا فوجًا، وواحدتها زمرة، {حتى إِذَا} يعني: جهنم، {جَاءوهَا فُتِحَتْ أبوابها} وقال أصحاب اللغة: جهنم في أصل اللغة جهنام.
وهي بئر لا قعر لها.
فحذفت الألف، وشددت النون، فسميت جهنم.
قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم: {فُتِحَتْ} بتخفيف التاء.
والباقون: بالتشديد.
فمن قرأ بالتشديد، فلتكثير الفعل.
ومن قرأ بالتخفيف، فعلى فعل الواحد.
وكذلك الاختلاف في الذي بعده.
{وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} أي: خزنة جهنم، وواحدها خازن.
وقال القتبي: الواو قد تزاد في الكلام، والمراد به حذفه، كقوله: {حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء: 96] يعني: اقترب، وكقوله: {وَسِيقَ الذين كفروا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حتى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أبوابها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايات رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذا قَالُواْ بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين} [الزمر: 71] يعني: قال لهم.
وهذا في كلام العرب ظاهر، كما قال امرؤ القيس.
فلما أجزنا ساحة الحي، وانتحى.
يعني: انتحى بغير واو.
ثم قال: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ} يعني: آدميًا مثلكم تفهمون كلامه {يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايات رَبّكُمْ} يعني: يقرؤون عليكم ما أوحي إليهم، {وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} يعني: أنهم يخوّفونكم بهذا اليوم، فكأنه يقول لهم: يا أشقياء ألم يأتكم رسل منكم؟ فأجابوه: {قَالُواْ بلى} فيقرون بذلك في وقت لا ينفعهم الإقرار، ولو كان قولهم: بلى في الدنيا، لكان ينفعهم.
ولكنهم قالوا: بلى في وقت لا ينفعهم.
{ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين} أي: وجبت كلمة العذاب في علم الله السابق، أنهم من أهل النار.
ويقال: وجبت كلمة العذاب، وهي قوله الله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} الأعراف: 18 وغيرها {قِيلَ ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا} أي: دائمين فيها، {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} أي: بئس موضع القرار لمن تكبر عن الإيمان.
ثم بيّن حال المؤمنين المطيعين، فقال تعالى: {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ} يعني: اتقوا الشرك، والفواحش، {إِلَى الجنة زُمَرًا} يعني: فوجًا فوجًا، بعضم قبل الحساب اليسير، وبعضهم بعد الحساب الشديد، على قدر مراتبهم، {حتى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها} يعني: وقد فتحت أبوابها، ويقال: {وَفُتِحَتْ أبوابها} قبل مجيئهم تكريمًا، وتبجيلًا لهم.
ويقال: الواو زيادة في الكلام.
ويقال: هذه الواو منسوقة على قوله: فتحت.
كما يقال في الكلام: دخل زيد، وعمرو، {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سلام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خالدين} أي: فزتم، ونجوتم.
ويقال: طابت لكم الجنة.
وقال: بعض أهل العربية: في الآية دليل على أن أبواب الجنة ثمانية، لأنه قد ذكر بالواو.
وإنما يذكر بالواو، إذا بلغ الحساب ثمانية، كما قال في آية أخرى: {سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بالغيب وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل ربى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظاهرا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22] فذكر الواو عند الثمانية، وكما قال: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عَنِ المنكر والحافظون لِحُدُودِ الله وَبَشِّرِ المؤمنين} [التوبة: 112] فذكرها كلها بغير واو فلما انتهى إلى الثمانية قال: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عَنِ المنكر والحافظون لِحُدُودِ الله وَبَشِّرِ المؤمنين} [التوبة: 112]، وقال في آية أخرى: {عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أزواجا خَيْرًا مِّنكُنَّ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5] ثم قال: عند الثمانية: {عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أزواجا خَيْرًا مِّنكُنَّ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5] وعرف أن أبواب جهنم سبعة بالآية.
وهي قوله: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} [الحجر: 44].
وقال أكثر أهل اللغة: ليس في الآية دليل، لأن الواو قد تكون عند الثمانية، وقد تكون عند غيرها، ولكن عرف أن أبوابها ثمانية بالأخبار، ثم إنهم لما دخلوا الجنة حمدوا الله تعالى: {وَقَالُواْ الحمد للَّهِ} يعني: الشكر لله، {الذى صَدَقَنَا وَعْدَهُ} يعني: أنجز لنا وعده على لسان رسله، {وَأَوْرَثَنَا الأرض} يعني: أنزلنا أرض الجنة، {نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاء} أي: ننزل في الجنة، ونستقر فيها، حَيْثُ نَشَاءُ ونشتهي، {فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} أي: ثواب الموحدين، المطيعين، {وَتَرَى الملائكة حَافّينَ} أي: ترى يا محمد الملائكة يوم القيامة محدقين، {مِنْ حَوْلِ العرش يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ} أي: يسبحونه، ويحمدونه.
{وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالحق} أي: بين الخلق.
وهو تأكيد لما سبق من قوله: {وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكتاب وَجِىءَ بالنبيين والشهداء وَقُضِىَ بَيْنَهُم بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [الزمر: 69] {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} يعني: لما قضي بينهم بالحق.
أي: بالعدل، وميزوا من الكفار حمدوا الله تعالى.
وقالوا: الحمد لله رب العالمين الذي قضى بيننا بالحق، ونجانا من القوم الظالمين.
وقال مقاتل: ابتدأ الدنيا بالحمد لله رب العالمين.
وهو قوله: {الحمد للَّهِ الذي خَلَق السموات والأرض} وختمها بقوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين}. اهـ.