فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أن تقول نفس} أي لئلا تقول وقيل معناه بادروا واحذروا أن تقول وقيل خوف أن تصيروا إلى حال أن تقول نفس {يا حسرتى} أي يا ندمي ويا حزني والتحسر الاغتمام والحزن على ما فات {على ما فرطت في جنب الله} أي على ما قصرت في طاعة الله، وقيل في أمر الله وقيل في حق الله وقيل على ما ضيعت في ذات الله وقيل معناه على ما قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله تعالى: {وإن كنت لمن الساخرين} أي المستهزئين بدين الله وبكتابه وبرسوله وبالمؤمنين قيل لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر بأهلها {أو تقول لو أن الله هداني} أي أرشدني إلى دينه وطاعته {لكنت من المتقين} أي الشرك {أو تقول حين ترى العذاب} أي عيانًا {لو أن لي كرة} أي رجعة إلى الدنيا {فأكون من المحسنين} أي الموحدين ثم أجاب الله تعالى هذا التأويل بأن الأعذار زائلة والتعليل باطل.
{بلى قد جاءتك آياتي} يعني القرآن {فكذبت بها} أي قلت ليست من الله {واستكبرت} أي تكبرت عن الإيمان بها {وكنت من الكافرين ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله} أي زعموا أن له ولدًا وشريكًا وقيل هم الذين يقولون الأشياء إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل {وجوههم مسودة} قيل هو سواد مخالف لسائر أنواع السواد {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} أي عن الإيمان.
قوله تعالى: {وينجي الله الذين اتقوا} أي الشرك {بمفازتهم} أي الطرق التي تؤديهم إلى الفوز والنجاة وقرئ {بمفازاتهم} أن ينجيهم بفوزهم بالأعمال الحسنة من النار {لا يمسهم السوء} أي لا يصيبهم المكروه {ولا هم يحزنون الله خالق كل شيء} أي مما هو كائن أو يكون في الدنيا والآخرة {وهو على كل شيء وكيل} أي إن الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها {له مقاليد السموات والأرض} أي مفاتيح خزائن السموات والأرض واحدها مقلاد مثل مفتاح وقيل إقليد على غير قياس قيل هو فارسي معرب قال الراجز:
لم يؤذها الديك بصوت تغريد ** ولم يعالج غلقها بإقليد

والمعنى أن الله تعالى مالك أمرها وحافظها وهو من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الله الذي يملك مقاليدها، وقيل مقاليد السموات خزائن الرحمة والرزق والمطر ومقاليد الأرض النبات {والذين كفروا بآيات الله} أي جحدوا بآياته الظاهرة الباهرة {أولئك هم الخاسرون}.
قوله: {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} وذلك أن كفار قريش دعوه إلى دين آبائه فوصفهم بالجهل لأن الدليل القاطع قد قام بأنه هو المستحق للعبادة فمن عبد غيره فهو جاهل {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك} أي الذي عملته قبل الشرك، وهذا خطاب مع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم والمراد به غيره لأن الله عصم نبيه صلّى اللّه عليه وسلم من الشرك وفيه تهديد لغيره {ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} أي لإنعامه عليك.
{وما قدروا الله حق قدره} أي ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره ثم أخبر عن عظمته فقال: {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} ق عن عبد الله بن مسعود قال جاء جبريل إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم قال «يا محمد إن الله يضع السماء على أصبع والأرض على أصبع والجبال على أصبع والشجر والأنهار على أصبع وسائر الخلق على أصبع ثم يقول أنا الملك فضحك رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم وقال: {وما قدروا الله حق قدره} وفي رواية» والماء والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع ثم يهزهن وفيه أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه تعجبًا وتصديقًا له ثم قرأ {وما قدروا الله حق قدره} الآية ق عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم «يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون، وفي رواية يقول: أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها ثم يقول أنا الملك الجبارون أين المتكبرون، وفي رواية يقول: أنا الله ويقبض أصابعه أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى أني أقول أساقط هو برسول الله صلّى اللّه عليه وسلم» لفظ مسلم وللبخاري «أن الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السموات بيمينه ويقول أنا الملك» خ عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم يقول {يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض} قال أبو سليمان الخطابي ليس فيما يضاف إلى الله من صفة اليدين شمال لأن الشمال محمل النقص والضعف وقد روى كلتا يديه يمين وليس عندنا معنى اليد الجارحة إنما هي صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها وننتهي إلى حيث انتهى الكتاب والأخبار المأثورة الصحيحة وهذا مذهب أهل السنة والجماعة وقال سفيان بن عيينة كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه.
قوله: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض} أي ماتوا من الفزع وهي النفخة الأولى {إلا من شاء الله} تقدم في سورة النمل تفسير هذا الاستثناء وقال الحسن إلا من يشاء الله يعني الله وحده {ثم نفخ فيه} أي في الصور {أخرى} مرة أخرى وهي النفخة الثانية {فإذا هم قيام} أي من قبورهم {ينظرون} أي ينتظرون أمر الله فيهم ق عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم «ما بين النفختين أربعون قالوا أربعون يومًا، قال أبو هريرة: أبيت، قالوا: أربعون شهرًا، قال أبو هريرة: أبيت، قالوا: أربعون سنة قال: أبيت، ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظم واحد وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة».
{وأشرقت الأرض بنور ربها} وذلك حين يتجلى الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء بين خلقه فما يضارون في نوره كما لا يضارون في الشمس في اليوم الصحو وقيل بعدل ربها وأراد بالأرض عرصات القيامة {ووضع الكتاب} أي كتاب الأعمال وقيل اللوح المحفوظ لأن فيه أعمال جميع الخلق من المبدأ إلى المنتهى {وجيء بالنبيين} يعني ليكونوا شهداء على أممهم {والشهداء} قال ابن عباس يعني الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة وهم أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم وقيل يعني الحفظة {وقضي بينهم الحق} أي بالعدل {وهم لا يظلمون} أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم {ووفيت كل نفس ما عملت} أي ثواب ما عملت {وهو أعلم بما يفعلون} يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأفعالهم لا يحتاج إلى كاتب ولا إلى شاهد.
قوله تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم} يعني سوقًا عنيفًا {زمرًا} أفواجًا بعضهم على أثر بعض كل أمة على حدة وقيل جماعات متفرقة واحدتها زمرة {حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها} يعني السبعة وكانت قبل ذلك مغلقة {وقال لهم خزنتها} يعني توبيخًا وتقريعًا {ألم يأتكم رسل منكم} أي من أنفسكم ومن جنسكم {يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب} أي وجبت {على الكافرين} وهي قوله: {لأملأن جهنم من الجنة أجمعين} {قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين}.
قوله: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرًا} فإن قلت عبر عن الفريقين بلفظ السوق فما الفرق بينهما.
قلت المراد بسوق أهل النار طردهم إلى العذاب بالهوان والعنف كما يفعل بالأسير إذا سيق إلى الحبس أو القتل، والمراد بسوق أهل الجنة سوق مراكبهم لأنهم يذهبون إليها راكبين أو المراد بذلك السوق إسراعهم إلى دار الكرامة والرضوان فشتان ما بين السوقين {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها} فإن قلت قال في أهل النار فتحت بغير واو وهنا زاد حرف الواو فما الفرق.
قلت فيه وجوه أحدها أنها زائدة الثاني إنها واو الحال مجازه وقد فتحت أبوابها فأدخل الواو لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم إليها وحذف الواو في الآية الأولى لبيان أن أبواب جهنم كانت مغلقة قبل مجيئهم إليها ووجه الحكمة في ذلك أن أهل الجنة إذا جاؤوها ووجدوا أبوابها مفتحة حصل لهم السرور والفرح بذلك وأهل النار إذا رأوها مغلقة كان ذلك نوع ذل وهوان لهم.
الثالث زيدت الواو هنا لبيان أن أبواب الجنة ثمانية ونقصت هناك لأن أبواب جهنم سبعة والعرب تعطف بالواو فيما فوق السبعة تقول سبعة وثمانية.
فإن قلت حتى إذا جاؤوها شرط فأين جوابه؟
قلت فيه وجوه أحدها أنه محذوف والمقصود من الحذف أن يدل على أنه بلغ في الكمال إلى حيث لا يمكن ذكره الثاني أن الجواب هو قوله: {وقال لهم خزنتها سلام عليكم} بغير واو الثالث تقديره فادخلوها خالدين دخلوها فحذف دخولها لدلالة الكلام عليه {وقال لهم خزنتها سلام عليكم} أي أبشروا بالسلامة من كل الآفات {طبتم} قال ابن عباس معناه طاب لكم المقام وقيل إذا قطعوا النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض حتى إذا هذبوا وطيبوا دخلوا الجنة فيقول لهم رضوان وأصحابه {سلام عليكم طبتم} {فادخلوها خالدين} وقال علي بن أبي طالب إذا سيقوا إلى الجنة فإذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة يخرج من تحتها عينان فيغتسل المؤمن من أحداهما فيطهر ظاهره ويشرب من الأخرى فيطهر باطنه وتتلقاهم الملائكة على أبواب الجنة يقولون {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}.
{وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده} أي بالجنة {وأورثنا الأرض} أي أرض الجنة نتصرف فيها كما نشاء تشبيهًا بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه وهو قوله تعالى: {نتبوأ} أي نزل {من الجنة} أي في الجنة {حيث نشاء} فإن قلت فما معنى قوله: {حيث نشاء} وهل يتبوأ أحدهم مكان غيره.
قلت يكون لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وحسنًا وزيادة على الحاجة فيتبوأ من جنته حيث يشاء ولا يحتاج إلى غيره وقيل إن أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم فينزلون فيها حيث شاؤوا ثم تنزل الأمم بعدهم فيما فضل منها قال الله: {فنعم أجر العاملين} أي ثواب المطيعين في الدنيا الجنة في العقبى {وترى الملائكة حافين من حول العرش} أي محدقين محيطين بحافته وجوانبه {يسبحون بحمد ربهم} وقيل هذا تسبيح تلذذ لا تسبيح تعبد لأن التكليف يزول في ذلك اليوم {وقضي بينهم بالحق} بين أهل الجنة وأهل النار بالعدل {وقيل الحمد لله رب العالمين} أي يقول أهل الجنة شكرًا حين تمَّ وعد الله لهم، وقيل ابتدأ الله ذكر الخلق بالحمد في قوله: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض} وختم بالحمد في آخر الأمر وهو استقرار الفريقين في منازلهم فنبه بذلك على تحميده في بداءة كل أمر وخاتمته والله تعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال ابن جزي:

{قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} قال علي بن أبي طالب وابن مسعود: هذه أرجى آية في القرآن، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية واختلف في سببها فقيل: في وحشي قاتل حمزة، لما أراد أن يسلم وخاف أن لا يغفر له ما وقع فيه من قتل حمزة، وقيل: نزلت في قوم آمنوا ولم يهاجروا، ففتنوا فافتتنوا ثم ندموا وظنوا أنهم لا توبة لهم، وهذا قول عمر بن الخطاب: وقد كتب بها إلى هشام بن العاصي، لما جرى له ذلك وقيل: نزلت في قوم من أهل الجاهلية، قالوا: ما ينفعنا الإسلام لأننا قد زينا، وقتلنا النفوس فنزلت الآية فيهم، ومعناها مع ذلك على العموم في جميع الناس إلى يوم القيامة على تفصيل نذكره، وذلك أن الذين أسرفوا على أنفسهم، إن أراد بهم الكفار فقد اجتمعت الأمة على أنهم إذا أسلموا غفر لهم كفرهم وجميع ذنوبهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يَجُبْ ما قبله» وأنهم إن ماتوا على الكفر فإن الله لا يغفر لهم، بل يخلدهم في النار، وإن أراد به العصاة من المسلمين فإن العاصي إذا تاب غفر له ذنوبه، وإن لم يتب فهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فالمغفرة المذكورة في هذه الآية، يحتمل أن يريد بها المغفرة للكفار إذا أسلموا أونن للعصاة إذا تابوا، أو للعصاة وإن لم يتوبوا إذا تفضل الله عليهم بالمغفرة، والظاهر أنها نزلت في الكفار، وأن المغفرة المذكورة هي لهم إذا أسلموا، والدليل على أنها في الكفار ما ذكر بعدها إلى قوله: {قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت وَكُنتَ مِنَ الكافرين} [الزمر: 59].
{واتبعوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} يعني اتبعوا القرآن وليس أن بعض القرآن أحسن من بعض، لأنه حسن كله. إنما المعنى أن يتبعوا بأعمالهم ما فيه من الأوامر. ويجتنبوا ما فيه من النواهي، فالتفضيل الذي يقتضيه أحسن إنما هو في الإتباع، قيل: يعني الناسخ دون المنسوخ وهذا بعيد.
{أَن تَقُولَ نَفْسٌ} في موضع مفعول من أجله تقديره: كراهية أن تقول نفس وإنما ذكر النفس لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكفار {فِي جَنبِ الله} أي في حق الله وقيل: في أمر الله وأصله من الجنب بمعنى الجانب ثم استعير لهذا المعنى {الساخرين} أي المستهزئين {بلى} جواب للنفس التي حكى كلامها ولا يجاوب ببلى إلا النفي وهي هنا جواب لقوله: {لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ المتقين} لأنه في معنى النفي، لأن لو حرف امتناع. وتقرير الجواب بل قد جاءك الهدى من الله بإرساله الرسل وإنزاله الكتب. وقال ابن عطية: هي جواب لقوله: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} فإن معناه يقتضي أن العمر يتسع للنظر فقيل له {بلى} على وجه الرد عليه، والأول أليق بسياق الكلام لأن قوله: {قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} تفسير لما تضمنته بلى {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} يحتمل أن يريد سواد اللون حقيقة أو يكون عبارة عن شدة الكرب {بِمَفَازَتِهِمْ} أصله من الفوز والتقدير بسبب فوزهم، وقيل معناه: بفضائلهم {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي قائم بتدبير كل شيء.
{مَقَالِيدُ} مفاتيح وقيل خزائن واحدها إقليد، وقيل لا واحد لها من لفظها وأصلها كلمة فارسية، وقال عثمان بن عفان: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مقاليد السموات والأرض فقال: هي لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله وأستغفر الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحي ويميت وهو على كل شيء قدير. فإن صح هذا الحديث فمعناه أن من قال هذه الكلمات صادقًا مخلصًا نال الخيرات والبركات من السموات والأرض لأن هذه الكلمات توصل إلى ذلك فكأنها مفاتيح له {والذين كَفَرُو} الآية قال الزمخشري: إنها متصلة بقوله: {وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا بِمَفَازَتِهِمْ} وما بينهما من الكلام اعتراض.
{أَفَغَيْرَ الله} منصوب بأعبد {تأمروني} حذف إحدى النونين تخفيفًا وقرئ بإدغام إحدى النونين في الأخرى.
{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} دليل على إحباط عمل المرتد مطلقًا خلافًا للشافعي في قوله: لا يحبط عمله إلا إذا مات على الكفر، فإن قيل: الموحى إليهم جماعة والخطاب بقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} لواحد: فالجواب أنه أوحى إلى كل واحد منهم على حدته، فإن قيل: كيف خوطب الأنبياء بذلك وهم معصومون من الشرك، فالجواب أن ذلك على وجه الفرض والتقدير: أي لو وقع منهم شرك لحبطت أعمالهم، لكنهم لم يقع منهم شرك بسبب العصمة، ويحتمل أن يكون الخطاب لغيرهم وخوطبوا هم ليدل المعنى على غيرهم بالطريق الأولى.
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عظموه حق تعظيمه ولا وصفوه بما يجب له ولا نزهوه عما لا يليق به، والضمير في قدروا لقريش وقيل: اليهود {والأرض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} المقصود بهذا تعظيم جلال الله والردّ على الكفار الذين ماقدروا الله حق قدره، ثم اختلف الناس فيها كاختلافهم في غيرها من المشكلات، فقالت المتأولة: إن القبضة واليمين عبارة عن القدرة وقال ابن الطيب إنها صفة زائدة على صفات الذات، وأما السلف الصالح فسلموا علم ذلك إلى الله، ورأوا أن هذا من المتشابه الذي لا يعلم علم حقيقته إلا الله، وقد قال ابن عباس ما معناه: إن الأرض في قبضته والسموات مطيوات كل ذلك بيمينه، وقال ابن عمر ما معناه: أن الأرض في قبضة اليد الوحدة، والسموات مطويات باليمين الأخرى لأن كلتا يديه يمين.