فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَنُفِخَ فِي الصور} هو القرن الذين ينفخ فيه إسرافيل، وهذه النفخة نفخة الصعق وهو الموت، وقد قيل: إن قبلها نفخة الفزع ولم تذكر في هذه الآية {إِلاَّ مَن شَاءَ الله} قيل: يعني جبريل وإسرافيل، وميكائيل وملك الموت، وثم يميتهم الله بعد ذلك وقيل: استثناء الأنبياء وقيل الشهداء {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} هي نفخة القيام {قِيَامٌ يَنظُرُونَ} إنه من النظر، وقيل: من الانتظار أي ينتظرون ما يفعل بهم.
{وَوُضِعَ الكتاب} يعني صحائف الأعمال وإنما وحّدها لأنه أراد الجنس وقيل: هو اللوح المحفوظ {وَجِيءَ بالنبيين} ليشهدوا على قومهم {والشهداء} يحتمل أن يكون جمع شاهد أو جمع شهيد في سبيل الله، والأول أرجح لأن فيه معنى الوعيد، ولأنه أليق بذكر الأنبياء الشاهدين، والمراد على هذا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنهم يشهدون على الناس وقيل: يعني الملائكة الحفظة {وَقُضِيَ بَيْنَهُم} الضمير لجميع الخلق.
{زُمَرًا} في الموضعين جمع زمرة وهي الجماعة من الناس وقال صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة يدخلون الجنة وجوههم على مثل القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على مثل أشد نجم في السماء إضاءة ثم هم بعد ذلك منازل» {خَزَنَتُهَآ} جمع خازن حيث وقع {كَلِمَةُ العذاب} يعني القضاء السابق بعذابهم {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} إنما قال في الجنة و{فُتِحَتْ} أبوابها بالواو وقال في النار {فُتِحَتْ} بغير واو لأن أبواب الجنة كانت مفتحة قبل مجيء أهلها، والمعنى حتى إذا جاؤها وأبوابها مفتحة، فالوالو واو الحال وجواب إذا على هذا محذوف، وأما أبواب النار فإنها فتحت حين جاؤوها، فوقع قوله: فتحت جواب الشرط فكأنه بغير واو وقال الكوفيون: الواو في أبواب الجنة واو الثمانية، لأن أبواب الجنة ثمانية وقيل: الواو زائدة {فُتِحَتْ} هو الجواب {وَأَوْرَثَنَا الأرض} يعني أرض الجنة والوارثة هنا استعارة كأنهم ورثوا موضع من لم يدخل الجنة {نَتَبَوَّأُ} أي ننزل من الجنة حيث نشاء ونتخذه مسكنًا {حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العرش} أي محدقين به دائرين حوله {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} الضمير لجميع الخلق كالموضع الأول، ويحتمل هنا أن يكون للملائكة والقضاء بينهم توفية أجورهم على حسب منازلهم {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين} يحتمل أن يكون القائل لذلك الملائكة أو جميع الخلق أو أهل الجنة لقوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [يونس: 10]. اهـ.

.قال النسفي:

{قُلْ يا عبادى الذين} وبسكون الياء: بصري وحمزة وعلي {أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والغلو فيها {لاَ تَقْنَطُواْ} لا تيأسوا، وبكسر النون: علي وبصري {مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا} بالعفو عنها إلا الشرك، وفي قراءة النبي عليه السلام يغفر الذنوب جميعًا ولا يبالي، ونظير نفي المبالاة نفي الخوف في قوله: {وَلاَ يَخَافُ عقباها} [الشمس: 16].
قيل: نزلت في وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية» {إِنَّهُ هُوَ الغفور} بستر عظائم الذنوب {الرحيم} بكشف فظائع الكروب {وَأَنِيبُواْ إلى رَبِّكُمْ} وتوبوا إليه {وَأَسْلِمُواْ لَهُ} وأخلصوا له العمل {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} إن لم تتوبوا قبل نزول العقاب {واتبعوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} مثل قوله: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وقوله: {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} أي يفجؤكم وأنتم غافلون كأنكم لا تخشون شيئًا لفرط غفلتكم.
{أَن تَقُولَ} لئلا تقول {نَفْسٌ} إنما نكرت لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر، ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم، ويجوز أن يراد التكثير {ياحسرتى} الألف بدل من ياء المتكلم، وقرئ: {يا حسرتي} على الأصل و{يا حسرتاي} على الجمع بين العوض والمعوض منه {على مَا فَرَّطَتُ} قصرت وما مصدرية مثلها في {بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: 25] {فِى جَنبِ الله} في أمر الله أو في طاعة الله أو في ذاته، وفي حرف عبد الله في ذكر الله والجنب الجانب يقال: أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته، وفلان لين الجانب والجنب، ثم قالوا: فرط في جنبه وفي جانبه يريدون في حقه، وهذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه، ومنه الحديث: «من الشرك الخفي أن يصلي الرجل لمكان الرجل» أي لأجله، وقال الزجاج: معناه فرط في طريق الله وهو توحيده والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم {وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين} المستهزئين.
قال قتادة: لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها.
ومحل {وَإِن كُنتُ} النصب على الحال كأنه قال: فرطت وأنا ساخر أي فرطت في حال سخريتي {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى} أي أعطاني الهداية {لَكُنتُ مِنَ المتقين} من الذين يتقون الشرك، قال الشيخ الإمام أبو منصور رحمه الله تعالى: هذا الكافر أعرف بهداية الله من المعتزلة، وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لأتباعهم: {لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ} [إبراهيم: 21] يقولون: لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا، والمعتزلة يقولون: بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا.
والحاصل أن عند الله لطفًا من أعطى ذلك اهتدى، وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضل وغوى، وكان استحبابه العذاب وتضييعه الحق بعدما مكن من تحصيله لذلك {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً} رجعة إلى الدنيا {فَأَكُونَ مِنَ المحسنين} من الموحدين {بلى قَدْ جَاءَتْكَ ءاياتى فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت وَكُنتَ مِنَ الكافرين} {بلى} رد من الله عليه كأنه يقول: بلى قد جاءتك آياتي وبينت لك الهداية من الغواية وسبيل الحق من الباطل ومكنتك من اختيار الهداية على الغواية واختيار الحق على الباطل، ولكن تركت ذلك وضيعته واستكبرت عن قبوله، وآثرت الضلالة على الهدى، واشتغلت بضد ما أمرت به فإنما جاء التضييع من قبلك فلا عذر لك، و{بلى} جواب لنفي تقديري لأن المعنى: لو أن الله هداني ما هديت وإنما لم يقرن الجواب به، لأنه لابد من حكاية أقوال النفس على ترتيبها ثم الجواب من بينها عما اقتضى الجواب.
{وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله} وصفوه بما لا يجوز عليه من إضافة الشريك والولد إليه، ونفى الصفات عنه {وُجُوهُهُمْ} مبتدأ {مُّسْوَدَّةٌ} خبر والجملة في محل النصب على الحال إن كان ترى من رؤية البصر، وإن كان من رؤية القلب فمفعول ثانٍ {أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى} منزل {لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} هو إشارة إلى قوله: {واستكبرت} {وَيُنَجِّى الله} {وَيُنَجّى} روح {الذين اتقوا} من الشرك {بِمَفَازَتِهِمْ} بفلاحهم يقال: فاز بكذا إذا أفلح به وظفر بمراده منه وتفسيره المفازة {لاَ يَمَسُّهُمُ السوء} النار {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} كأنه قيل: وما مفازتهم؟ قيل: لا يمسهم السوء أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم.
أي لا يمس أبدانهم أذى ولا قلوبهم خزي، أو بسبب منجاتهم من قوله تعالى: {فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مّنَ العذاب} [آل عمران: 188].
أي بمنجاة منه؛ لأن النجاة من أعظم الفلاح وسبب منجاتهم العمل الصالح، ولهذا فسر ابن عباس رضي الله عنهما المفازة بالأعمال الحسنة ويجوز بسبب فلاحهم لأن العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة، ويجوز أن يسمى العمل الصالح في نفسه مفازة لأنه سببها، ولا محل ل {لاَ يَمَسُّهُمُ} على التفسير الأول لأنه كلام مستأنف، ومحله النصب على الحال على الثاني.
{بمفازاتهم} كوفي غير حفص.
{الله خالق كُلِّ شَىْءٍ} رد على المعتزلة والثنوية {وَهُوَ على كُلِّ شيء وَكِيلٌ} حافظ.
{لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض} أي هو مالك أمرها وحافظها، وهو من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي يملك مقاليدها، ومنه قولهم: فلان ألقيت إليه مقاليد الملك وهي المفاتيح واحدها مقليد، وقيل: لا واحد لها من لفظها، والكلمة أصلها فارسية {والذين كَفَرُواْ بئايات الله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} هو متصل بقوله: {وَيُنَجّى الله الذين اتقوا} أي ينجي الله المتقين بمفازاتهم والذين كفروا هم الخاسرون.
واعترض بينهما بأنه خالق كل شيء، فهو مهيمن عليه، فلا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين فيها وما يجزون عليها، أو بما يليه على أن كل شيء في السماوات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه، والذين كفروا وجحدوا أن يكون الأمر كذلك أولئك هم الخاسرون، وقيل: سأل عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله: {لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض} فقال «يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك، تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير» وتأويله على هذا أن لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد وهي مفاتيح خير السماوات والأرض من تكلم بها من المتقين أصابه، والذين كفروا بآيات الله وكلمات توحيده وتمجيده أولئك هم الخاسرون.
{قُلْ} لمن دعاك إلى دين آبائك {أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونِّى أَعْبُدُ} {تَأْمُرُونِّىَّ} مكي، {تأمرونني} على الأصل: شامي، {تَأْمُرُونِىَ} مدني، وانتصب.
{أَفَغَيْرَ الله} ب {أَعْبُدُ} و{تَأْمُرُونّى} اعتراض، ومعناه أفغير الله أعبد بأمركم بعد هذا البيان {أَيُّهَا الجاهلون} بتوحيد الله {وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} من الأنبياء عليهم السلام {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الذي علمت قبل الشرك {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} وإنما قال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} على التوحيد والموحى إليهم جماعة لأن معناه أوحي إليك لئن أشركت ليحبطنّ عملك وإلى الذين من قبلك مثله، واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف، والثانية لام الجواب، وهذا الجواب ساد مسد الجوابين أعني جوابي القسم والشرط.
وإنما صح هذا الكلام مع علمه تعالى بأن رسله لا يشركون لأن الخطاب للنبي عليه السلام والمراد به غيره، ولأنه على سبيل الفرض، والمحالات يصح فرضها.
وقيل: لئن طالعت غيري في السر ليحبطن ما بيني وبينك من السر {بَلِ الله فاعبد} رد لما أمروه من عبادة آلهتهم كأنه قال: لا تعبد ما أمروك بعبادته بل إن عبدت فاعبد الله؛ فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضًا عنه {وَكُنْ مِّنَ الشاكرين} على ما أنعم به عليك من أن جعلك سيد ولد آدم {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} وما عظموه حق عظمته إذ دعوك إلى عبادة غيره، ولما كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الإنسان حق معرفته وقدره في نفسه حق تعظيمه قيل: وما قدروا الله حق قدره.
ثم نبههم على عظمته وجلالة شأنه على طريق التخييل فقال: {والأرض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} والمراد بهذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقية أو جهة مجاز.
والمراد بالأرض الأرضون السبع يشهد لذلك قوله: {جَمِيعًا} وقوله: {والسماوات} ولأن الموضع موضع تعظيم فهو مقتضٍ للمبالغة، و{الأرض} مبتدأ و{قَبْضَتُهُ} الخبر و{جَمِيعًا} منصوب على الحال أي: والأرض إذا كانت مجتمعة قبضته يوم القيامة، والقَبضة: المرة من القبضة.
والقُبضة: المقدار المقبوض بالكف، ويقال: أعطني قبضة من كذا تريد معنى القبضة تسمية بالمصدر، وكلا المعنين محتمل، والمعنى والأرضون جميعًا قبضته أي ذوات قبضته بقبضهن قبضة واحدة يعني أن الأرضين مع عظمهن وبسطهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته كأنه يقبضها قبضة بكف واحدة كما تقول: الجزور أكلة لقمان أي لا تفي إلا بأكلة فذة من أكلاته.
وإذا أريد معنى القبضة فظاهر، لأن المعنى أن الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة.
والمطويات من الطي الذي هو ضد النشر كما قال: {يَوْمَ نَطْوِى السماء كَطَىّ السجل لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104].
وعادة طاوي السجل أن يطويه بيمينه، وقيل: قبضته ملكه بلا مدافع ولا منازع وبيمينه بقدرته.
وقيل: مطويات بيمينه مفنيات بقسمه لأنه أقسم أن يفنيها {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ما أبعد من هذه قدرته وعظمته وما أعلاه عما يضاف إليه من الشركاء.
{وَنُفِخَ في الصور فَصَعِقَ} مات {مَن في السماوات وَمَن في الأرض إِلاَّ مَن شَاءَ الله} أي جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وقيل: هم حملة العرش أو رضوان والحور العين ومالك والزبانية {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} هي في محل الرفع لأن المعنى ونفخ في الصور نفخة واحدة ثم نفخ فيه نفخة أخرى، وإنما حذفت لدلالة {أخرى} عليها، ولكونها معلومة بذكرها في غير مكان {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب أو ينظرون أمر الله فيهم، ودلت الآية على أن النفخة اثنتان: الأولى للموت والثانية للبعث، والجمهور على أنها ثلاث: الأولى للفزع، كما قال: {وَنُفِخَ في الصور فَفَزِعَ} [النمل: 87]، والثانية للموت والثالثة للإعادة.
{وَأَشْرَقَتِ الأرض} أضاءت {بِنُورِ رَبِّهَا} أي بعدله بطريق الاستعارة.
يقال للملك العادل: أشرقت الآفاق بعدلك، وأضاءت الدنيا بقسطك.
كما يقال أظلمت البلاد بجور فلان، وقال عليه الصلاة والسلام: «الظلم ظلمات يوم القيامة» وإضافة اسمه إلى الأرض لأنه يزينها حيث ينشر فيها عدله، وينصب فيها موازين قسطه، ويحكم بالحق بين أهلها، ولا ترى أزين للبقاع من العدل ولا أعمر لها منه، وقال الإمام أبو منصور رحمه الله: يجوز أن يخلق الله نورًا فينور به أرض الموقف، وإضافته إليه تعالى للتخصيص كبيت الله وناقة الله {وَوُضِعَ الكتاب} أي صحائف الأعمال، ولكنه اكتفى باسم الجنس أو اللوح المحفوظ {وَجَايئَ بالنبيين} ليسألهم ربهم عن تبليغ الرسالة وما أجابهم قومهم {والشهداء} الحفظة.
وقيل: هم الأبرار في كل زمان يشهدون على أهل ذلك الزمان {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ} بين العباد {بالحق} بالعدل {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} ختم الآية بنفي الظلم كما افتتحها بإثبات العدل {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} أي جزاءه {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} من غير كتاب ولا شاهد، وقيل: هذه الآية تفسير قوله: {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.
أي ووفيت كل نفس ما عملت من خير وشر لا يزاد في شر ولا ينقص من خير.
{وَسِيقَ الذين كَفَرُواْ إلى جَهَنَّمَ} سوقًا عنيفًا، كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل {زُمَرًا} حال أي أفواجًا متفرقة بعضها في أثر بعض {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ} بالتخفيف فيهما: كوفي {أبوابها} وهي سبعة {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} أي حفظة جهنم وهم الملائكة الموكلون بتعذيب أهلها {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} من بني آدم {يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايات رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذا} أي وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار لا يوم القيامة {قَالُواْ بلى} أتونا وتلوا علينا {ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين} أي ولكن وجبت علينا كلمة الله: {لأملأن جهنم} [الأعراف: 18] بسوء أعمالنا كما قالوا: {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالّينَ} [المؤمنون: 106]، فذكروا عملهم الموجب لكلمة العذاب وهو الكفر والضلال.
{قِيلَ ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا} حال مقدرة أي مقدرين الخلود {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} اللام فيه للجنس لأن {مَثْوَى المتكبرين} فاعل بئس وبئس فاعلها اسم معرف بلام الجنس أو مضاف إلى مثله، والمخصوص بالذم محذوف تقديره فبئس مثوى المتكبرين جهنم.