فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما منكم من أحد يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له من الجنة ثمانية أبواب؛ من أيها شاء دخل».
وأخرج النسائي والحاكم وابن حبان عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة».
وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي عن عتبة بن عبد الله السلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية. من أيها شاء دخل».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له بنتان، أو أختان، أو عمتان، أو خالتان، فَعَالَهُنَّ فتحت له أبواب الجنة».
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة اتقت ربها، وحفظت فرجها، فتحت لها ثمانية أبواب الجنة فقيل لها: ادخلي من حيث شئت».
وأخرج أبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من حفظ على أمتي أربعين حديثًا ينفعهم الله بها قيل له: أدخل من أي أبواب الجنة شئت».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {سلام عليكم طبتم} قال: كنتم طيبين بطاعة الله.
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)} أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأورثنا الأرض} قال: أرض الجنة.
وأخرج هناد عن أبي العالية رضي الله عنه مثله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {نتبوأ من الجنة حيث نشاء} قال: إنتهت مشيئتهم إلى ما أعطوا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أرض الجنة قال: «هي بيضاء نقية».
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال: أرض الجنة رخام من فضة.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء رضي الله عنه {وترى الملائكة حافين من حول العرش} قال: مديرين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {وترى الملائكة حافين من حول العرش} قال: محدقين به.
وأخرج ابن عساكر عن كعب رضي الله عنه قال: جبل الخليل، والطور، والجودي. يكون كل واحد منهم يوم القيامة لؤلؤة بيضاء تضيء ما بين السماء والأرض. يعني يرجعن إلى بيت المقدس حتى يجعلن في زواياه، ويضع عليها كرسيه حتى يقضى بين أهل الجنة والنار {والملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} قال: افتتح أول الخلق بالحمد، وختم بالحمد. فتح بقوله: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض} وختم بقوله: {وقيل الحمد لله رب العالمين}.
وأخرج عبد بن حميد عن وهب رضي الله عنه قال: من أراد أن يعرف قضاء الله في خلقه فليقرأ آخر سورة الزمر. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)}.
قوله: {قُلْ يا عبادي} قيل في هذه الآيةِ من أنواع المعاني والبيانِ أشياءُ حسنةٌ، منها: إقبالُه عليهم ونداؤهم، ومنها: إضافتُهم إليه إضافةَ تشريفٍ، ومنها: الالتفاتُ من التكلم إلى الغَيْبةِ في قوله: {مِن رَّحْمَةِ الله} ومنها: إضافةُ الرحمةِ لأجلِ أسمائِه الحُسْنى، ومنها: إعادةُ الظاهرِ بلفظِه في قولِه: {إنَّ اللَّهَ} ومنها: إبرازُ الجملةِ مِنْ قولِه: {إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} مؤكَّدةً ب إنَّ، وبالفصلِ، وبإعادة الصفتين اللتين تضَّمَنَتْهما الآيةُ السابقةُ.
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)}.
قوله: {أَن تَقُولَ} مفعولٌ مِنْ أجلِه، فقدَّره الزمخشري كراهةَ أنْ تقول، وابنُ عطية: أَنِيْبوا مِنْ أَجْلِ أَنْ تقولَ. وأبو البقاء والحوفي: أَنْذَرْناكم مخافةَ أَنْ تقولَ. ولا حاجةَ إلى إضمارِ هذا العاملِ مع وجودِ أَنيبوا وإنما نَكَّر نفسًا لأنه أراد التكثيرَ، كقولِ الأعشى:
ورُبَّ بَقيعٍ لو هَتَفْتُ بجَوِّه ** أتاني كريمٌ يَنْفُضُ الرأسَ مُغْضَبا

يريد: أتاني كرام كثيرون لا كريمٌ فَذٌّ؛ لمنافاتِه المعنى المقصودَ. ويجوزُ أَنْ يريد: نفسًا متميِّزةً من بينِ الأنفسِ باللَّجاجِ الشديدِ في الكفرِ أو بالعذابِ العظيمِ.
قوله: {يا حَسْرتا} العامَّةُ على الألفِ بدلًا مِنْ ياءِ الإِضافةِ. وعن ابن كثير {يا حَسْرَتاهْ} بهاءِ السكت وَقْفًا، وأبو جعفر {يا حَسْرَتي} على الأصل. وعنه أيضًا {يا حَسْرتاي} بالألفِ والياء. وفيها وجهان، أحدُهما: الجمعُ بين العِوَضِ والمُعَوَّضِ منه. والثاني: أنه تثنيةُ حَسْرَة مضافةً لياءِ المتكلمِ. واعْتُرِضَ على هذا: بأنه كان ينبغي أَنْ يُقالَ: يا حَسْرتيَّ بإدغامِ ياءِ النَّصْبِ في ياءِ الإِضافةِ. وأُجيب: بأنه يجوزُ أَنْ يكونَ راعى لغة الحارِث ابن كعبٍ وغيرهم نحو: رأيتُ الزيدان. وقيل: الألفُ بدلٌ من الياءِ والياءُ بعدها مزيدةٌ. وقيل: الألفُ مزيدةٌ بين المتضايفَيْنِ، وكلاهما ضعيفٌ.
قوله: {على مَا فَرَّطَتُ} ما مصدريةٌ أي: على تَفْرِيطي. وثَمَّ مضافٌ أي: في جَنْبِ طاعةِ الله. وقيل: {فِي جَنبِ الله} المرادُ به الأمرُ والجهةُ. يقال: هو في جَنْبِ فلانٍ وجانبِه، أي: جهته وناحيته. قال الراجز:
الناسُ جَنْبٌ والأميرُ جَنْبُ

وقال آخر:
أفي جَنْبِ بَكْرٍ قَطَّعَتْني مَلامةً ** لَعَمْري لقد طالَتْ ملامَتُها بيا

ثم اتُّسِع فيه فقيل: فَرَّط في جَنْبِه أي في حَقِّه. قال:
أَمَا تَتَّقِيْنَ اللَّهَ في جَنْبِ عاشِقٍ ** له كَبِدٌ حَرَّى عليكِ تَقَطَّعُ

{أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)}.
قوله: {فَأَكُونَ} في نصبِه وجهان، أحدهما: عَطْفُه على {كرَّة} فإنها مصدرٌ، فعُطِفَ مصدرٌ مؤولٌ على مصدرٍ مُصَرَّح به كقولها:
لَلُبْسُ عَباءةٍ وتَقَرَّ عَيْني ** أَحَبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفوفِ

وقول الآخر:
فما لَكَ منها غيرُ ذكرى وحَسْرةٍ ** وتَسْأَلَ عن رُكْبانِها أينَ يَمَّموا

والثاني: أنه منصوبٌ على جوابِ التمني المفهومِ مِنْ قولِه: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً}. والفرقُ بين الوجهين: أن الأولَ يكونُ فيه الكونُ مُتَمَنَّى، ويجوزُ أَنْ تُضْمَرَ أَنْ وأَنْ تظهرَ، والثاني يكون فيه الكونُ مترتبًا على حصولِ المُتَمَنَّى لا مُتمنى ويجب أَنْ تُضْمَرَ أَنْ.
{بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)}.
قوله: {بلى} حرفُ جوابٍ وفيما وقعَتْ جوابًا له وجهان، أحدُهما: هو نَفْيٌ مقدرٌ. قال ابنُ عطية: وحَقُّ بلى أَنْ تجيْءَ بعد نفيٍ عليه تقريرٌ، كأنَّ النفسَ قالَتْ: لم يَتَّسِعْ لي النظرُ ولم يَتَبَيَّنْ لي الأمرُ. قال الشيخ: ليس حَقُّها النفيَ المقررَ، بل حَقُّها النفيُ، ثم حُمِل التقريرُ عليه، ولذلك أجاب بعضُ العربِ النفيَ المقررَ ب نعم دونَ بَلى، وكذا وقع في عبارةِ سيبويه نفسه. والثاني: أنَّ التمنيَ المذكورَ وجوابَه متضمنان لنَفْيِ الهدايةِ، كأنه قال: لم أهتدِ، فَرَدَّ الله عليه ذلك. قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: هَلاَّ قُرِنَ الجوابُ بما هو جوابٌ له، وهو قولُه: {لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي} ولم يَفْصِلْ بينهما. قلت: لأنه لا يَخْلو: إمَّا أَنْ يُقَدَّم على إحدى القرائنِ الثلاثِ فيُفَرَّقَ بينهنَّ، وإمَّا أن تُؤَخَّرَ القرينةُ الوسطى. فلم يَحْسُنِ الأولُ لِما فيه من تَبْتير النَّظْم بالجمع بين القرائنِ، وأمَّا الثاني فلِما فيه من نَقْضِ الترتيبِ وهو التحسُّر على التفريط في الطاعةِ ثم التعلُّلُ بفَقْدِ الهدايةِ ثم تمنِّي الرَّجْعَة، فكان الصواب ما جاءَ عليه: وهو أنَّه حكى أقوالَ النفسِ على ترتيبها ونَظْمِها، ثم أجاب مِنْ بينِها عَمَّا اقتضى الجوابَ.
وقرأ العَامَّةُ {جاءَتْكَ} بفتح الكاف فكذّبْتَ واستكبرتَ، وكنتَ، بفتح التاءِ خطابًا للكافر دونَ النفس. وقرأ الجحدريُّ وأبو حيوةَ وابن يعمر والشافعيُّ عن ابن كثير، ورَوَتْها أمُّ سَلَمَةَ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وبها قرأ أبو بكر وابنتُه عائشةُ رضي الله عنهما، بكسرِ الكاف والتاءِ خطابًا للنفسِ. والحسن والأعرج والأعمش {جَأَتْكَ} بوزنِ جَفَتْك بهمزةٍ دون ألفٍ. فتحتمل أَنْ تَكونَ قَصْرًا كقراءةِ قُنْبل {أَن رَّأهُ استغنى} وأَنْ يكونَ في الكلمةِ قَلْبٌ: بأَنْ قُدِّمَتِ اللامُ على العين، فالتقى ساكنان فحُذِفَتِ الألفُ لالتقائِهما، نحو: رَمَتْ وغَزَتْ.
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)}.
قوله: {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} العامَّةُ على رفعِهما، وهي جملةٌ مِنْ مبتدأ وخبرٍ. وفي محلِّها وجهان، أحدهما: النصبُ على الحالِ من الموصولاتِ؛ لأنَّ الرؤيةَ بَصَرِيَّةٌ، وكذا أَعْرَبَها الزمخشريُّ. ومِنْ مذهبِه أنه لا يجوزُ إسقاطُ الواوِ مِنْ مثلِها إلاَّ شاذًَّا، تابعًا في ذلك الفراءَ فهذا رجوعٌ منه عن ذلك. والثاني: أنها في محلِّ نصبٍ مفعولًا ثانيًا؛ لأنَّ الرؤيةَ قلبيةٌ. وهو بعيدٌ لأن تَعَلُّقَ الرؤيةِ البصريةِ بالأجسام وألوانِها أظهرُ مِنْ تعلُّقِ القلبيةِ بهما. وقُرِئ {وجوهَهم مُسْودَّة} بنصبِهما، على أنَّ {وجوهَهم} بدلُ بعضٍ مِنْ كل، و{مُسْوَدَّةً} على ما تقدَّم من النصبِ على الحال أو على المفعولِ الثاني. وقال أبو البقاء: ولو قُرِئ {وجوهَهم} بالنصب لكانَ على بدلِ الاشتمالِ. قلت: قد قُرِئ به والحمدُ لله، ولكنْ ليس كما قال على بدلِ الاشتمال، بل على بدلِ البعضِ، وكأنه سَبْقُ لسانٍ أو طغيانُ قَلَم. وقرأ أُبَيٌّ {أُجوهُهم} بقلبِ الواوِ همزةً، وهو فصيحٌ نحو: {أُقِّتَتْ} [المرسلات: 11] وبابِه.
{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)}.
قوله: {بِمَفَازَتِهِمْ} قرأ الأخَوان وأبو بكرٍ {بمفازاتِهم} جمعًا لَمَّا اختلفَتْ أنواعُ المصدرِ جُمِعَ. والباقون بالإِفرادِ على الأصلِ. وقيل: ثَمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي: بدواعي مَفازتِهم أو بأسبابِها. والمَفازَةُ: المَنْجاة. وقيل: لا حاجةَ لذلك؛ إذ المرادُ بالمَفازةِ الفلاحُ.
قوله: {لاَ يَمَسُّهُمُ السوء} يجوزُ أَنْ تكونَ هذه الجملةُ مفسِّرةً لمفازَتهم كأنَّه قيل: وما مفازَتُهم؟ فقيل: لا يَمَسُّهم السوءُ فلا مَحَلَّ لها. ويجوزُ أَنْ تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحال من الذين اتَّقَوا.
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)}.
قوله: {لَّهُ مَقَالِيدُ} جملةٌ مستأنفةٌ. والمَقاليد: جمعُ مِقْلاد أو مِقْليد، أو لا واحدَ له مِنْ لفظِه كأَساطير وأخواتِه ويُقال أيضًا: إِقْليد وأَقاليد، وهي المفاتيح والكلمةُ فارسيةٌ مُعَرَّبَةٌ. وفي هذا الكلامِ استعارةٌ بديعة نحو قولك: بيدِ فلانٍ مِفْتاحُ هذا الأمرِ، وليس ثَمَّ مِفْتاح وإنما هو عبارةٌ عن شِدَّةِ تمكُّنِهِ من ذلك الشيءِ.
قوله: {والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله} في هذه الجملةِ وجهان، أحدُهما: أنَّها معطوفةٌ على قوله: {وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا} [الزمر: 61] أي: يُنَجِّي المتقين بمَفازَتِهم، والكافرون هم الخاسرون. واعتُرِضَ بينهما بأنَّه خالِقُ الأشياءِ كلِّها ومُهَيْمِنٌ عليها، قاله الزمخشري. واعترض عليه فخر الدين الرازي: بأنَّه عَطْفُ اسميةٍ على فعليةٍ، وهو لا يجوزُ، وهذا الاعتراضُ مُعْتَرَضٌ عليه إذ لا مانعَ من ذلك. الثاني: أنها معطوفةٌ على قولِه: {لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات} وذلك أنه تعالى لَمَّا وَصَفَ نفسَه بأنَّه خالقُ كلِّ شيءٍ في السماوات والأرضِ، ومفاتيحُه بيده، قال: والذين كفروا أَنْ يكونَ الأمرُ كذلك أولئك هم الخاسرون.
{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)}.
قوله: {أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها:- وهو الظاهرُ- أنَّ {غير} منصوبٌ ب {أَعْبُدُ}. و{أعبدُ} معمولٌ ل {تَأْمرونِّي} على إضمارِ أنْ المصدريةِ، فلَمَّا حُذِفَت بَطَل عملُها وهو أحد الوجهين. والأصل: أفتأمرونِّي بأَنْ أعبدَ غيرَ اللَّه، ثم قُدِّم مفعولُ {أعبدُ} على {تَأْمُرونِّي} العاملِ في عامِله. وقد ضَعَّف بعضُهم هذا: بأنه يَلْزَمُ منه تقديمُ معمولِ الصلةِ على الموصول؛ وذلك أنَّ {غيرَ} منصوبٌ ب {أعبدُ} و{أعبدُ} صلةٌ لأنْ وهو لا يجوزُ. وهذا الردُّ ليس بشيءٍ؛ لأنَّ الموصولَ لمَّا حُذِفَ لم يُراعَ حُكْمُه فيما ذُكِرَ، بل إنما يراعَى معناه لتصحيح الكلامِ. قال أبو البقاء: لو حَكَمْنا بذلك لأَفْضَى إلى حَذْفِ الموصولِ وإبقاءِ صلتِه، وذلك لا يجوزُ إلاَّ في ضرورةِ شعرٍ. وهذا الذي ذكره فيه نظرٌ؛ من حيث إنَّ هذا مختصٌّ ب أنْ دونَ سائرِ الموصولات، وهو أنها تُحْذَفُ وتَبْقى صلتُها، وهو منقاسٌ عند البصريين في مواضعَ تُحْذَفُ ويَبْقى عملُها، وفي غيرِها إذا حُذِفَتْ لا يبقى عملُها إلاَّ في ضرورةٍ، أو قليلٍ، ويُنْشَدُ بالوجهين:
ألا أيُّهذا الزاجريْ أحضرُ الوغى ** وأنْ أشهدَ اللذاتِ هل أنتَ مُخْلِدي

ويَدُلُّ على إرادة أنْ في الأصل قراءةُ بعضِهم {أعبدَ} بنصب الفعل اعتدادًا بأَنْ. الثاني: أنَّ {غيرَ} منصوبٌ ب {تأمرونِّي} و{أعبد} بدلٌ منه بدلُ اشتمالٍ، وأنْ مضمرةٌ معه أيضًا. والتقديرُ: أفغيرَ اللَّهِ تأمرونِّي عبادتَه. والمعنى: أفتأمرونِّي بعبادة غيرِ الله. وقدَّره الزمخشري: تُعَبِّدُوني وتقولون لي: اعْبُدْه. والأصل: تَأْمُرونني أن أعبدَ، فَحَذَفَ أنْ ورَفَع الفعلَ. ألا ترى أنك تقول: أفغيرَ اللَّهِ تقولون لي اعبده، وأفغيرَ اللَّهِ تقولون لي: اعبد، فكذلك أفغيرَ الله تقولون لي أَن أعبده، وأفغيرَ الله تأمروني أَنْ أعبدَ. والدليلُ على صحةِ هذا الوجهِ قراءةُ مَنْ قرأ {أعبدَ} بالنصبِ.
وأمَّا {أعبد} ففيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أنه مع أَنْ المضمرةِ في محلِّ نصبٍ على البدلِ مِنْ {غير} وقد تقدَّم. الثاني: أنَّه في محلِّ نصبٍ على الحال. الثالث: أنه لا محلَّ له البتَةَ.
قوله: {تَأْمُرُوْنِّي} بإدغامِ نونِ الرفعِ في نونِ الوقايةِ وفتح الياءِ ابنُ كثير، وأَرْسلها الباقون. وقرأ نافع {تَأْمرونيَ} بنون خفيفة وفتح الياء. وابنُ عامر {تأْمرونني} بالفَكِّ وسكونِ الياء. وقد تقدَّم في سورة الأنعام والحجر وغيرِهما: أنه متى اجتمع نونُ الرفعِ مع نونِ الوقاية جاز ثلاثةُ أوجهٍ، وتقدَّم تحقيقُ الخلافِ في أيتِهما المحذوفةِ؟
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)}.