فصل: (سورة غافر: الآيات 82- 85):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة غافر: الآيات 82- 85]:

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارًا فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85)}.

.الإعراب:

الهمزة للاستفهام بمعنى التخويف والتوبيخ الفاء عاطفة في المواضع الثلاثة {في الأرض} متعلّق ب {يسيروا} {ينظروا} مضارع مجزوم معطوف على {يسيروا} {كيف} اسم استفهام في محلّ نصب خبر كان {من قبلهم} متعلّق بمحذوف صلة الموصول الذين {منهم} متعلّق بأكثر {قوّة} تمييز أشدّ منصوب {في الأرض} متعلّق بنعت لآثار ما نافية والثانية مصدريّة، {عنهم} متعلّق ب {أغنى}.
جملة: {لم يسيروا} لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي أعجزوا فلم يسيروا.
وجملة: {ينظروا} لا محلّ لها معطوفة على جملة يسيروا.
وجملة: {كان عاقبة} في محلّ نصب مفعول به لفعل النظر المعلّق بالاستفهام على تقدير الجارّ..
وجملة: {كانوا} لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: {ما أغنى} لا محلّ لها معطوفة على جملة كانوا.
وجملة: {كانوا} الثانية لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ.
ما والمصدر المؤوّل {ما كانوا يكسبون} في محلّ رفع فاعل أغنى.
وجملة: {يكسبون} في محلّ نصب خبر كانوا.
(83) الفاء عاطفة لمّا ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بالجواب فرحوا {بالبيّنات} متعلّق بحال من رسلهم {بما} متعلّق ب {فرحوا} {عندهم} ظرف منصوب متعلّق بمحذوف صلة الموصول ما {من العلم} حال من الضمير العائد في الصلة المقدّرة {بهم} متعلّق ب {حاق} {به} متعلّق ب {يستهزئون}.
وجملة: {جاءتهم رسلهم} في محلّ جرّ مضاف إليه..
وجملة: {فرحوا} لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: {حاق بهم ما كانوا} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب الشرط.
وجملة: {كانوا} لا محلّ لها صلة الموصول ما.
وجملة: {يستهزئون} في محلّ نصب خبر كانوا.
(84) {فلمّا} مثل الأول {رأوا} فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين.. و الواو فاعل {باللّه} متعلّق ب {آمنّا} {وحده} حال منصوبة {بما} متعلّق ب {كفرنا} {به} متعلّق بمشركين.
وجملة: {رأوا} في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: {قالوا} لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: {آمنّا} في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: {كفرنا} في محلّ نصب معطوفة على جملة آمنا..
وجملة: {كنّا} لا محلّ لها صلة الموصول ما.
(85) الفاء عاطفة {يك} مضارع ناقص مجزوم وعلامة الجزم السكون على النون المحذوفة للتخفيف، واسم {يك} ضمير مستتر وجوبا تقديره هو يعود على {إيمانهم} بحسب قاعدة التنازع، ففاعل {ينفعهم} هو إيمانهم {لمّا} مثل الأول ومتعلّق بمضمون الجواب {سنّة} مفعول مطلق لفعل محذوف، {التي} اسم موصول في محلّ نصب نعت لسنّة {في عباده} متعلّق ب {خلت} الواو عاطفة {خسر هنالك الكافرون} مرّ إعراب نظيرها.
وجملة: {لم يك ينفعهم إيمانهم} لا محلّ لها معطوفة على جملة قالوا.
وجملة: {ينفعهم إيمانهم} في محلّ نصب خبر يك.
وجملة: {رأوا} في محلّ جرّ مضاف إليه وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي: لمّا رأوا بأسنا لم يك ينفعهم إيمانهم إذا آمنوا..
وجملة: سنّ اللّه ذلك سنّة لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو اعتراضيّة- وجملة: {قد خلت} لا محلّ لها صلة الموصول {التي}.
وجملة: {خسر هنالك الكافرون} لا محلّ لها معطوفة على جملة لم يك.

.الصرف:

{سنّت} رسمت التاء مبسوطة في المصحف، وحقّها أن تكون مربوطة.

.البلاغة:

فن التهكم: في قوله تعالى: {فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}.
فقد أظهروا الفرح بذلك، وهو ما لهم من العقائد الزائفة، والشبه الداحضة.
وتسميتها علما للتهكم بهم.

.الفوائد:

أنواع التنوين:
1- تنوين التمكين: وهو اللاحق للاسم المعرب المنصرف إعلاما ببقائه على أصله، وأنه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع الصرف، ويسمى أيضا تنوين الصرف وذلك كزيد ورجل ورجال وقوله تعالى في الآية التي نحن بصددها {كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارًا فِي الْأَرْضِ}.
2- تنوين التنكير: وهو اللاحق لبعض الأسماء: المبنية، فرقا بين معرفتها ونكرتها، ويقع في باب اسم الفعل بالسماع ك صه ومه وإيه، وفي العلم المختوم ب ويه بقياس نحو: جاءني سيبويه وسيبويه آخر. والفرق بين إيه وإيه أن الأولى غير المنونة فتعني زدني من حديثك المعهود الذي تسمعني إياه، ومعنى إيه بالتنوين زدني من أي حديث تشاء.
وأما تنوين رجل ونحوه من المعربات فتنوين تمكين، لا تنوين تنكير، كما قد يتوهم بعض الطلبة، ولهذا لو سميت به رجلا بقي ذلك التنوين بعينه مع زوال التنكير.
3- تنوين المقابلة: وهو اللاحق لنحو مسلمات جعل في مقابلة النون في مسلمين. وقيل: هو عوض عن الفتحة نصبا، ولو كان كذلك لم ينون في حالة الرفع والجر، وقيل: هو تنوين التمكين، ويرده ثبوته مع التسمية به كعرفات، كما تبقى نون مسلمين مسمى به، وتنوين التمكين لا يجامع العلتين، ولهذا لو سمي ب مسلمة أو عرفة زال تنوينهما.
4- تنوين العوض: وهو اللاحق عوضا من حرف أصلي: مثل جواز وغواش فإنه عوض من الياء المحذوفة، أو عوضا من حرف زائد: كجندل، فإن تنوينه عوض من ألف جنادل، قال ذلك ابن مالك، والذي يظهر خلافه، وأنه تنوين الصرف وليس ذهاب الألف كذهاب الياء من جوار وغواش.
أو عوضا من المضاف إليه مفردا أوجملة، فالمفرد، هو التنوين اللاحق لبعض وكل إذا قطعتا عن الإضافة كقوله تعالى: {وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ} {فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ}. وقيل هو تنوين التمكين رجع لزوال الإضافة التي كانت تعارضه.
وأما تنوين الجملة، فهو اللاحق لإذ كقوله تعالى: {وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ} والتقدير فهي يوم إذ انشقت ثم حذف الجملة المضاف إليها للعلم بها، وجيء بالتنوين عوضا عنها.
5- تنوين الترنّم: وهو اللاحق للقوافي المطلقة، بدلا من حرف الإطلاق، وهو أي حرف الإطلاق الألف والواو والياء، وذلك في إنشاد بني تميم، ولا يختص هذا التنوين بالاسم بدليل قول جرير:
أقلي اللوم عاذل والعتابا ** وقولي إن أصبت فقد أصابن

الأصل: أصابا، الألف للإطلاق وأبدلت بنون للترنم.
6- تنوين الضرورة: وهو اللاحق لما لا ينصرف كقول امرئ القيس:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ** فقال لك الولايات إنك مرجلي

نون الشاعر عنيرة وهي ممنوعة من الصرف للضرورة، وللمنادى المبني على الضم، كقول الأحوص:
سلام اللّه يا مطر عليها ** وليس عليك يا مطر السلام

نون الشاعر مطر وهو منادى مبني على الضم لا يجوز تنوينه إلا لضرورة. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

(40) سورة غافر:
مكية.
وآياتها خمس وثمانون.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة غافر: الآيات 1- 6]:

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6)}.

.اللغة:

{حم} تقدم القول في أوائل السور بما يغني عن المزيد ونضيف هنا الآن ما قاله الجوهري: وآل حم سور في القرآن فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب وقال أبو عبيدة:
الحواميم سور في القرآن على غير قياس قال والأولى أن تجمع بذوات حم ويتلخص من هذا أن هذه السور السبع تسمى الحواميم وتسمى آل حم وتسمى ذوات حم فلها جموع ثلاثة خلافا للجوهري الذي أنكر الأول وقال الكميت يمدح آل البيت:
وجدنا لكم في آل حم آية ** تأولها منا تقي ومعرب

فهو بمعنى ذوات أي في السور المنسوبة إلى هذا اللفظ ومن المعلوم أن لفظ آل كما يطلق على الأهل يطلق بمعنى ذو فيذكر قبل ما لا يصح تثنيته وجمعه من الأسماء المركبة المركبة ونحوها كتأبط شرا، فإذا أرادوا تثنيته وجمعه وهو جملة لا يتأتى فيها ذلك ولم يعهد مثله في كلام العرب زادوا قبله لفظ آل أو ذو فقالوا: جاءني آل تأبط شرا أو ذو تأبط شرا أي الرجلان أو الرجال المسمون بذلك ومنه آل حم بمعنى الحواميم في قول الكميت الآنف الذكر.
{التَّوْبِ} في المختار: التوب الرجوع عن الذنب وبابه قال وتوبة أيضا وقال الأخفش التوب جمع توبة كدوم ودومة.
{الطَّوْلِ} الفضل والزيادة والانعام الواسع في الصحاح:
والطول بالفتح: المن يقال منه طال يطول من باب قال إذا امتن عليه وقال الماوردي: الفرق بين المن والفضل أن المن عفو عن ذنب والتفضل إحسان غير مستحق.

.الإعراب:

{حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} تقدم القول في إعراب فواتح السور وأيسر ما فيه أنها خبر لمبتدأ مضمر أو مبتدأ والخبر ما بعدها، وتنزيل الكتاب مبتدأ ومن اللّه خبره والعزيز العليم صفتان.
{غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ} هذه صفات أيضا للجلالة وسيأتي في باب الفوائد ما قيل في المغايرة بين بعض الصفات والموصوف من حيث التعريف والتنكير.
{لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} يجوز أن تكون هذه الجملة صفة كما قال أبو البقاء ولكن يرد عليه أن الجملة لا تكون صفة للمعارف ويمكن أن يريد أنه صفة لشديد العقاب فالأولى أن تكون جملة مستأنفة وأن تكون حالا لازمة وقد تقدم إعراب كلمة الشهادة مفصلا، وإليه خبر مقدم والمصير مبتدأ مؤخر.
{ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} ما نافية ويجادل فعل مضارع مرفوع وفي آيات اللّه متعلقان بيجادل وإلا أداة حصر والذين فاعل وجملة كفروا صلة.
{فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} الفاء الفصيحة ولا ناهية ويغررك فعل مضارع مجزوم بلا والكاف مفعول به وتقلبهم فاعل وفي البلاد متعلقان بتقلبهم والمعنى إذا ثبت عندك أن المجادلين في آيات اللّه كفار فلا تغترر بتقلبهم في البلاد بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون بكفرهم.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} كذبت فعل ماض والتاء للتأنيث وقبلهم ظرف متعلق بمحذوف حال وقوم نوح فاعل والأحزاب عطف على قوم نوح وهم قوم عاد وثمود وفرعون وغيرهم ومن بعدهم متعلقان بمحذوف حال.
{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} وهمت عطف على كذبت وكل أمة فاعل وبرسولهم متعلقان بهمت واللام للتعليل ويأخذوه فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والواو فاعل والهاء مفعول به ومعنى ليأخذوه ليتمكنوا من الإيقاع به.
{وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ} وحاولوا عطف على همت وبالباطل متعلقان بمحذوف حال وليدحضوا اللام للتعليل ويدحضوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وبه متعلقان بيدحضوا والحق مفعول به، فأخذتهم عطف على جادلوا، فكيف: الفاء عاطفة وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر كان المقدم وعقاب اسم كان مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اتباعا لرسم المصحف.
{وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ} الكاف يجوز أن تكون نعتا لمصدر محذوف وقد تقدم تقرير ذلك أكثر من مرة ويحتمل أن تكون خبر لمبتدأ محذوف أي والأمر كذلك وكلمة ربك فاعل وعلى الذين كفروا متعلقان بحقت وأنهم أصحاب النار المصدر المؤول في محل رفع بدل من كلمة ربك أو في محل نصب بنزع الخافض وهو لام التعليل.

.الفوائد:

1- التغاير بين الموصوف والصفة:
من مباحث النحو الجليلة وقوع التغاير، في الظاهر، بين الموصوف والصفة فلقائل أن يقول: كيف جاز وصف المعرفة وهو اللّه سبحانه بغافر الذنب وقابل التوب وشديد العقاب لأن هذه الثلاث مشتقات، وإضافة المشتق لا تفيده تعريفا فمن ثم وقع التغاير المشار إليه، وقد أجاب سيبويه عن ذلك بقوله: إن كل ما إضافته غير محضة يجوز أن تجعل محضة وتوصف به المعارف إلا الصفة المشبهة.
أما الكوفيون فلم يستثنوا الصفة المشبهة أيضا فقالوا في نحو حسن الوجه إنه يجوز أن تصير إضافته محضة، فعلى مذهبهم يصح أن تكون الثلاث نعوتا، وعلى مذهب سيبويه يعرب شديد العقاب بدلا، وفيما يلي تقرير الزمخشري بهذا الصدد قال: فإن قلت: كيف اختلفت هذه الصفات تعريفا وتنكيرا والموصوف معرفة يقتضي أن يكون مثله معارف؟ قلت: أما غافر الذنب وقابل التوب فمعرفتان لأنه لم يرد بهما حدوث الفعلين وانه يغفر الذنب ويقبل التوب الآن أو غدا حتى يكونا في تقدير الانفصال فتكون إضافتهما غير حقيقية وإنما أريد ثبوت ذلك ودوامه فكان حكمهما حكم إله الخلق ورب العرش وأما شديد العقاب فأمره مشكل لأنه في تقدير شديد عقابه لا ينفك من هذا التقدير وقد جعله الزجاج بدلا وفي كونه بدلا وحده بين الصفات نبو ظاهر والوجه أن يقال لما صودف بين هؤلاء المعارف هذه النكرة الواحدة فقد آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف ومثل ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على مستفعلن فهي محكوم عليها بأنها من بحر الرجز فإن وقع فيها جزء واحد على متفاعلن كانت من الكامل، ولقائل أن يقول هي صفات وإنما حذف الألف واللام من شديد العقاب ليزاوج ما قبله وما بعده لفظا فقد غيروا كثيرا من كلامهم عن قوانينه لأجل الازدواج.... على أن الخليل قال في قولهم ما يحسن بالرجل مثلك أن يفعل ذلك وما يحسن بالرجل خير منك أن يفعل كذا، أنه على نية الألف واللام كما كان الجماء الغفير على نية طرح الألف، واللام ومما سهل ذلك الأمن من اللبس وجهالة الموصوف. ويجوز أن يقال قد تعمد تنكيره وإبهامه للدلالة على فرط الشدة وعلى مالا شيء أدهى منه وأمرّ لزيادة الإنذار.
ويجوز أن يقال هذه النكتة هي الداعية إلى اختيار البدل على الوصف إذا سلكت طريق الابدال.
2- نكتة زيادة الواو:
وفي زيادة الواو في قوله وقابل التوب نكتة جليلة وهي إفادة الجمع بين رحمتي مغفرة الذنب وقبول التوب، وروي أن عمر بن الخطاب افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له تتايع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر إلى فلان سلام عليك وأنا أحمد اللّه الذي لا إله إلا هو، بسم اللّه الرحمن الرحيم حم إلى قوله إليه المصير وختم الكتاب وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني اللّه أن يغفر لي وحذرني عقابه فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته فلما بلغ عمر قال هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم قد زلّ زلة فسددوه ووفقوه وادعوا له اللّه أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه. قلت:
وما فعله عمر رضي اللّه عنه يجب أن يكون مثالا يحتذى في حسن الأدب وطريقة الهداية التي تهدي بالتي هي أحسن وتتفادى الغلظة والشدة في القول وسوء التنديد بما يفعله المذنب.
3- الجدال مذموم إلا في الحق:
وفي قوله {ما يجادل في آيات اللّه إلا الذين كفروا} إلماع إلى ما ينطوي عليه الجدال المذموم لادحاض الحق وإطفاء نور اللّه، أما الجدال في الآيات لإزالة مشكلها وحل ملتبسها ومقارعة العلماء في استنباط معانيها وطرق إعرابها وحسن بيانها فأمر محمود بل هو مطلوب مفروض وعلى هذا الأساس ورد قوله صلى اللّه عليه وسلم: «إن جدالا في القرآن كفر» فقد أورده منكرا للتمييز بين جدال وجدال.
4- البدلية في قوله {إنهم من أصحاب النار}:
أعربنا {انهم من أصحاب النار} بدلا من كلمة ربك ولم نوضح نوع البدل والظاهر أنه يصح أن يكون بدلا مطابقا أو بدل اشتمال فإذا نظرنا إلى اللفظ كان مطابقا لاتحاد مدلوله مع مدلول البدل وإذا اعتبرنا المعنى كان بدل اشتمال لأن معناه وعيده إياهم، وحكمه الأزلي بشقائهم.