فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآيتين الكريمتين:

قال ابن عرفة: عادتهم يقولون إنّ هذا أبلغ من قوله: {فَمَتِّعُوهُنّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} من وجهين:
أحدهما: لقوله: {حَقًّا عَلَى المتقين} إذا قلنا إنّ المتّقي مرادف للمؤمن، فأفاد وجوبها على عموم المؤمنين وتلك اقتضت خصوص وجوبها بالمحسنين فقط.
الثاني: أن ذلك أمر وهذا خبر في معنى الأمر وورود الأمر عندهم بصيغة الخبر أبلغ لاقتضائه ثبوت الشيء المأمور به ووقوعه في الوجود حتى صار مخبرا عنه بذلك.
قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ}.
أي مثل هذا البيان في المتعة وفي العدة وجميع ما تقدم يبين الله لكم ءاياته. والظاهر أن المراد آيات الأحكام، ويحتمل العموم في المعجزات وغيرها وهو دليل على صحة من منع الوقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} وقال لابد من وصله بقوله: {والراسخون فِي العلم} قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
قال ابن عرفة: ليس المراد هنا العقل التكليفي بل أخص منه وهو العقل النافع. وذكر ابن عطية حديثا وقال هو حديث لين.
ابن عرفة أي ضعيف. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْجُنَاحِ الْمَنْفِيِّ هُنَا هُوَ التَّبِعَةُ مِنَ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ، لَا الْإِثْمُ وَالْوِزْرُ، وَأَوْرَدُوا هَذَا وَجْهًا ضَعِيفًا وَجَّهُوهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَثِيرًا مَا يَنْهَى عَنِ الطَّلَاقِ، فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّ فِيهِ جُنَاحًا فَنَفَتْهُ الْآيَةُ، وَهُوَ كَمَا تَرَى يَتَبَرَّأُ مِنْهُ السِّيَاقُ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْجُنَاحِ نَفْيُ الْمَنْعِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: عَدَمُ الْمَسِيسِ، وَعَدَمُ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ. وَالْمَسِيسُ اسْمُ مَصْدَرٍ لِمَسَّهُ مَسًّا- مِنْ بَابِ تَعِبَ وَنَصَرَ- إِذَا لَمَسَهُ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، هَكَذَا قَيَّدُوهُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَيُعَبَّرُ عَنْ إِصَابَةِ كُلِّ شَيْءٍ لِلْإِنْسَانِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَنَفْعٍ وَضُرٍّ، وَيُكْنَى بِهِ وَبِالْمُمَاسَّةِ وَالْمُلَامَسَةِ كَالْمُبَاشَرَةِ عَنِ الْغِشْيَانِ الْمَعْلُومِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} بِالْفِعْلِ الثُّلَاثِيِّ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ {تَمَاسُّوهُنَّ} بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ هُنَا وَفِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [33]؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ بِحَسَبِ حَالِهِ، فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، وَتِلْكَ بَيَانٌ لِفِعْلِ الرَّجُلِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ مَا يَجِبُ مِنَ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ، وَآيَةُ الْأَحْزَابِ الَّتِي فِيهَا الْقِرَاءَتَانِ هِيَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكَمَ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [33: 49] وَأَجْمَعُوا عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ حِكَايَةً عَنْهَا: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [19: 20] لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِسَبَبِ الْوَلَدِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ لَا مَعْنَى لِلْمُشَارِكَةِ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِفَرْضِ الْفَرِيضَةِ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَصِحُّ بِغَيْرِ مَهْرٍ، قَالُوا: وَيَجِبُ حِينَئِذٍ مَهْرُ الْمِثْلِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَالْفَرْضُ هُنَا يَصْدُقُ بِمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَأَنْ يَقُولَ: أَمْهَرْتُكِ أَلْفًا مَثَلًا.
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} أَيْ: لَا يَلْزَمُكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ تَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ فِي حَالِ طَلَاقِكُمْ لِلنِّسَاءِ {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} أَيْ: مُدَّةَ عَدَمِ مَسِّكُمْ إِيَّاهُنَّ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَهُنَّ، فَ- أَوْ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ أَوِ الْمَعْنَى: إِلَى أَنْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ، أَوْ إِلَّا أَنْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ، أَيْ: فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ وَهُوَ مَا يُذْكَرُ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ.
وَالْمَعْنَى إِذَا تَحَقَّقَ الشَّرْطَانِ أَوِ الْقَيْدَانِ فَلَا تَدْفَعُوا لَهُنَّ مَهْرًا {وَمَتِّعُوهُنَّ} أَيْ: أَعْطُوهُنَّ شَيْئًا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ، وَلْتَكُنْ هَذِهِ الْمُتْعَةُ عَلَى حَسَبِ حَالِكُمْ فِي الثَّرْوَةِ {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} الْمُوسِعُ وَصْفٌ؛ مِنْ أُوسِعَ الرَّجُلُ إِذَا صَارَ ذَا سَعَةٍ؛ وَهِيَ الْبَسْطَةُ وَالْغِنَى، وَالْمُقْتِرُ مِنْ أَقْتَرَ الرَّجُلُ إِذَا قَلَّ مَالُهُ وَافْتَقَرَ، وَقَتَرَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ بَابِ قَعَدَ وَضَرَبَ وَأَقْتَرَ: ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فِي النَّفَقَةِ، وَلَعَلَّهُ مِنَ الْقُتَارِ- بِالضَّمِّ- وَهُوَ دُخَانُ الشِّوَاءِ وَالطَّبِيخِ وَبُخَارُهُ وَرَائِحَتُهُ، وَالْقَتْرُ مِنَ النَّفَقَةِ: الرُّمْقَةُ مِنَ الْعَيْشِ، وَيُقَالُ: أَقْتَرَ أَيْضًا إِذَا قَتَّرَ عَمْدًا فَعَاشَ عِيشَةَ الْفَقِيرِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفَصٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ {قَدَرُهُ} بِفَتْحِ الدَّالِ، وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَقِيلَ: الْقُدْرَةُ بِالتَّسْكِينِ الطَّاقَةُ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْمِقْدَارُ، وَالْمُرَادُ لَا يَخْتَلِفُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُتْعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ثَرْوَةِ الرَّجُلِ وَبَسْطَتِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ تُحَدَّدْ، بَلْ تُرِكَتْ لِاجْتِهَادِ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِثَرْوَةِ نَفْسِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ اللهَ فَرَضَهَا عَلَيْهِ وَأَكَّدَهَا بِقَوْلِهِ: {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ فَهُوَ مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ وَيَلِيقُ بِهِمْ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ وَأَحْوَالِ مَعَايِشِهِمْ وَشَرَفِهِمْ، وَأَمَّا كَوْنُهُ {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ حَاقَّةٌ، عَلَى أَنَّهَا إِحْسَانٌ فِي التَّعَامُلِ لَا عُقُوبَةٌ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ فِيهَا كَمَا قَالُوا: جَبْرُ إِيحَاشِ الطَّلَاقِ؛ كَأَنَّ الْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللهِ مُحْسِنِينَ فِي طَاعَتِهِ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا هَذَا الْمَتَاعَ لَائِقًا مُؤَدِّيًا إِلَى الْغَرَضِ مِنْهُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مُبَيِّنًا الْحِكْمَةَ فِي شَرْعِ هَذِهِ الْمُتْعَةَ: إِنَّ فِي هَذَا الطَّلَاقِ غَضَاضَةً وَإِيهَامًا لِلنَّاسِ أَنَّ الزَّوْجَ مَا طَلَّقَهَا إِلَّا وَقَدْ رَابَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، فَإِذَا هُوَ مَتَّعَهَا مَتَاعًا حَسَنًا تَزُولُ هَذِهِ الْغَضَاضَةُ وَيَكُونُ هَذَا الْمَتَاعُ الْحَسَنُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ بِنَزَاهَتِهَا، وَالِاعْتِرَافِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ؛ أَيْ: لِعُذْرٍ يَخْتَصُّ بِهِ، لَا مِنْ قِبَلِهَا؛ أَيْ: لَا لِعِلَّةٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى الْأَعْرَاضِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ، فَجَعَلَ هَذَا التَّمْتِيعَ كَالْمَرْهَمِ لِجُرْحِ الْقَلْبِ لِكَيْ يَتَسَامَعَ بِهِ النَّاسُ، فَيُقَالُ: إِنَّ فُلَانًا أَعْطَى فُلَانَةً كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَمْ يُطَلِّقْهَا إِلَّا لِعُذْرٍ، وَهُوَ آسِفٌ عَلَيْهَا مُعْتَرِفٌ بِفَضْلِهَا؛ لِأَنَّهُ رَأَى عَيْبًا فِيهَا أَوْ رَابَهُ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهَا، وَيُقَالُ: إِنَّ سَيِّدَنَا الْحَسَنَ السِّبْطَ مَتَّعَ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَالَ: مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقٍ لِهَذَا وَكَلَ اللهُ تَعَالَى الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَرْيَحِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يُحَدِّدْهُ، بَلْ وَصَفَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَذَكَرَ الْمُطَلِّقَ عِنْدَ إِيجَابِهِ بِالْإِحْسَانِ هُنَا وَبِالتَّقْوَى فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ.
وَأَقُولُ زِيَادَةً فِي إِيضَاحِ الْحِكْمَةِ: مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ يَتَقَدَّمُهُ تَعَارُفٌ وَتَوَادٌّ بَيْنَ بَيْتِ الرَّجُلِ وَبَيْتِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ تَكُونُ الْخِطْبَةُ فَالْعَقْدُ، فَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّ النَّاسَ يَظُنُّونَ بِالْمَرْأَةِ مِنَ الظُّنُونِ مَا لَا يَظُنُّونَ بِهَا إِذَا طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاشَرَةَ هِيَ الَّتِي تَكْشِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَنْ طِبَاعِ الْآخَرِ، فَيُحْمَلُ الطَّلَاقُ عَلَى تَنَافُرِ الطِّبَاعِ، وَعَدَمِ الْمُشَاكَلَةِ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ، وَهَذَا وَجْهٌ لِجَعْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مُتْعَةَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاجِبَةً وَمُتْعَةَ غَيْرِهَا مُسْتَحَبَّةً، وَإِذَا كَانَتِ الْغَضَاضَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ ذَلِكَ التَّوَادَّ الَّذِي ظَهَرَتْ بَوَادِرُهُ قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَتَمَكَّنَ بِالْعَقْدِ يَتَحَوَّلُ إِلَى عَدَاءٍ وَتَبَاغُضٍ، إِلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُطَلِّقُ ذَلِكَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَهِيَ الْمُتْعَةُ اللَّائِقَةُ، وَلَا تَتَحَقَّقُ هَذِهِ الْحِكْمَةُ إِلَّا بِجَعْلِ مِقْدَارِ الْمُتْعَةِ مَوْكُولًا إِلَى اخْتِيَارِ الرَّجُلِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ فِي السَّعَةِ، وَأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا كَذَا، فَلَا يَتَحَقَّقُ الِامْتِثَالُ إِلَّا بِتَحَرِّي إِصَابَتِهِ، وَمِمَّا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ السِّبْطِ أَيْضًا أَنَّهُ مَتَّعَ بِعِشْرِينَ أَلْفًا وَزُقَاقٍ مِنْ عَسَلٍ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ.
هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْآيَةِ، وَلَكِنْ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُتْعَةَ تُسْتَحَبُّ وَلَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، كَأَنَّ الْقِيَامَ بِالْوَاجِبِ لَا يُوصَفُ بِالْإِحْسَانِ، وَيَكْفِي فِي إِثْبَاتِ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وَقَوْلُهُ: {حَقًّا عَلَى} وَإِنَّمَا حَسُنَ ذُكِرُ الْإِحْسَانِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَالشَّارِعُ يُحِبُّ بَسْطَ الْكَفِّ فِيهِ، فَذَكَرَ بِالْإِحْسَانِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَلِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ الْغَرَامَةِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ غَرَامَةً لَا اخْتِيَارَ فِي قَدْرِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ فِي أَصْلِهَا لَمَا تَحَقَّقَتْ بِهَا الْحِكْمَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ شَرْحُهَا، وَآيَةُ الْأَحْزَابِ الْمُتَقَدِّمَةُ آمِرَةٌ بِالتَّمْتِيعِ أَمْرًا لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ لَفْظُ الْمُحْسِنِينَ، عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْإِحْسَانَ وَالْمُحْسِنِينَ فِي مَقَامِ الْأَعْمَالِ الْوَاجِبَةِ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [9: 91] وَالنُّصْحُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَاجِبٌ حَتْمٌ، وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَيْضًا: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [9: 120] وَذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ كَثِيرًا بَعْدَ ذِكْرِ الصَّبْرِ فِي مَوَاضِعِ الْيَأْسِ وَهُوَ وَاجِبٌ. وَبَعْدَ ذِكْرِ مُحَاوَلَةِ إِبْرَاهِيمَ ذَبْحَ وَلَدِهِ- وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ- لَوْلَا مَا افْتَدَاهُ اللهُ تَعَالَى. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّمَرِ عِنْدَ ذِكْرِ الْجَزَاءِ: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [39: 58] وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنِ النَّفْسَ تُعَذَّبُ عَلَى تَرْكِ النَّوَافِلِ فَتَتَمَنَّى الرَّجْعَةَ لِتُؤَدِّيَهَا؟ وَمَنْ تَتَبَّعَ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا الْإِحْسَانَ يَرَى أَنَّ مِنْهَا مَا يُرَادُ بِهِ الْأَعْمَالُ الْمَفْرُوضَةُ أَوَّلًا بِالذَّاتِ، وَمِنْهَا مَا يُرَادُ بِهِ مَا زَادَ عَنِ الْفَرْضِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمِنْهَا مَا يُرَادُ بِهِ إِحْسَانُ الْعَمَلِ وَإِتْقَانُهُ مُطْلَقًا، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ الْمُتْعَةِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ: عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو قِلَابَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مِقْدَارِهَا وَقَدْ عَلِمْتَ الْمُخْتَارَ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ تُشْرَعُ لِغَيْرِ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ أَمْ لَا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [2: 241].
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الْآيَةُ الْمَاضِيَةُ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ إِذَا لَمْ يَفْرِضْ لَهَا، وَهَذِهِ فِي حُكْمِهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا الْمَهْرَ، وَهُوَ أَنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرَ الْمَفْرُوضَ.
قَالَ الْجَلَالُ: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ يَجِبُ لَهُنَّ وَيَرْجِعُ لَكُمُ النِّصْفُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهَذَا جَرَى عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ هُوَ سَوْقُ الْمَهْرِ كُلِّهِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ، خِلَافًا لِمَا اسْتَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدُ مِنْ تَأْخِيرِ ثُلُثِ الْمَهْرِ أَيْ فِي الْغَالِبِ، وَقَدْ يُؤَخِّرُونَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ حَتَّى كَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الدِّينِ، وَمَا هُوَ إِلَّا عَادَةٌ مِنَ الْعَادَاتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَبَبَهَا حُبُّ الظُّهُورِ بِكَثْرَةِ الْمَهْرِ وَالْفَخْرِ بِهِ، مَعَ اجْتِنَابِ الْإِرْهَاقِ بِدَفْعِهِ كُلِّهِ. وَقَدَّرَ غَيْرُ الْجَلَالِ: فَالْوَاجِبُ نِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ- أَوْ- فَادْفَعُوا نِصْفَ مَا فَرَضْتُمْ، وَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} أَيِ: النِّسَاءُ الْمُطَلَّقَاتُ عَنْ أَخْذِ النِّصْفِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَهُوَ حَقُّ الْبَالِغَةِ الرَّشِيدَةِ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} قِيلَ: هُوَ الْوَلِيُّ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، أَوِ الْوَلِيُّ الْمُجْبَرُ وَهُوَ الْأَبُ أَوِ الْجَدُّ فَيَعْفُو لَهُ عَنِ النِّصْفِ الْوَاجِبِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَالشِّيعَةُ لَا تُبِيحُ لَهُ الْعَفْوَ عَنْ كُلِّهِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ الَّذِي بِيَدِهِ حَلُّهَا، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: عَبَّرَ عَنْهُ بِهَذَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الَّذِي رَبَطَ الْمَرْأَةَ وَأَمْسَكَ الْعُقْدَةَ بِيَدِهِ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يُحِلَّهَا وَيَدَعَهَا بِدُونِ شَيْءٍ، بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْعَفْوُ وَالسَّمَاحُ بِكُلِّ مَا كَانَ قَدْ أَعْطَى وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْمُحَتَّمُ نِصْفَهُ، فَذَلِكَ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
وَالْخِطَابُ عَلَى هَذَا خَاصٌّ بِالرِّجَالِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ عَامٌّ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، أَيْ مَنْ عَفَا فَهُوَ الْمُتَّقِي، وَيُرْوَى عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتًا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَعْطَاهَا جَمِيعَ الْمَهْرِ، فَسُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ: أَمَّا التَّزَوُّجُ فَلِأَنَّهُ عَرَضَهَا عَلَيَّ فَمَا رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَأَنَا أَحَقُّ بِالْفَضْلِ. هَكَذَا قَالَ مَنْ رَوَى الْقِصَّةَ بِالْمَعْنَى، وَفِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ أَنَّ جُبَيْرًا قَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالْعَفْوِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا لَفظُهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ، وَيُرَجِّحُهُ اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ، فَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي عَفْوِ الرَّجُلِ عَنِ النِّصْفِ الْآخَرِ، وَفِي بَعْضِهَا تَكُونُ فِي عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنِ النِّصْفِ الْوَاجِبِ لَهَا؛ ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَكُونُ مِنْ قِبَلِهِ بِلَا عِلَّةٍ مِنْهَا وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَكْسِ، وَالَّذِي تَرَاهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْوَى هُنَا تَقْوَى اللهِ تَعَالَى الْمَطْلُوبَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَفْوَ أَكْثَرُ ثَوَابًا وَأَجْرًا.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ التَّقْوَى فِي هَذَا الْمَقَامِ اتِّقَاءُ الرِّيبَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الطَّلَاقِ مِنَ التَّبَاغُضِ وَآثَارِ التَّبَاغُضِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي السَّمَاحِ بِالْمَالِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَغْيِيرِ الْحَالِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} فَسَّرُوا الْفَضْلَ بِالتَّفَضُّلِ وَالْإِحْسَانِ، وَجَعَلُوهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْعَفْوِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَوَدَّةُ وَالصِّلَةُ، أَيْ يَنْبَغِي لِمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ بَيْتٍ ثُمَّ طَلَّقَ أَلَّا يَنْسَى مَوَدَّةَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَصِلَتَهُمْ، قَالَ: فَأَيْنَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مِنَ التَّبَاغُضِ وَالضِّرَارِ؟!
عَلَى هَذَا السِّيَاقِ جَرَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَقِفُ الذِّهْنُ فِيهِ إِلَّا مَنْ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى وُجُوهِ الْخِلَافِ فِي الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، يَقُولُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ الْوَلِيُّ: إِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْعَقْدَ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَقَدْ يَتَوَلَّى الْعَفْوَ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالنِّيَابَةِ عَنْ مُوَلِّيَتِهِ إِذَا هِيَ طَلَّقَتْ، وَلاسيما إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَا حَدِيثَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَلَا مُعَامَلَةَ، وَإِنْ تَبَرَّعَ الزَّوْجُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مِنَ الْمَهْرِ لَا يُسَمَّى عَفْوًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى هِبَةً، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ مُقْتَضَى السِّيَاقِ أَنْ يُقَالَ- لَوْ أُرِيدَ الزَّوْجُ-: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ تَعْفُوا أَنْتُمْ}، وَإِنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ لَمْ تَبْقَ فِي يَدِ الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَيَقُولُ الذَّاهِبُونَ إِلَى أَنَّهُ الزَّوْجُ: إِنَّ الْوَلِيَّ بِيَدِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ لَا عُقْدَتُهُ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْعَقْدِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْمَحَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيَتِهِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَالِكَةُ الْمُتَصَرِّفَةُ مِنْ دُونِهِ، وَأَنْتَ تَرَى الْجَوَابَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَمَّا أَوْرَدَهُ الْآخَرُ سَهْلًا، وَالْخَطْبُ أَسْهَلُ، فَالْمَعْنَى الْمُرَادُ أَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ الْمَهْرِ إِلَّا أَنْ يَسْمَحَ الرَّجُلُ بِهِ كُلِّهِ، وَسَمَّى سَمَاحَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ عَفْوًا؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُوقُونَ جَمِيعَ الْمَهْرِ عِنْدَ الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ تَعْفُو الْمَرْأَةُ بِنَفْسِهَا أَوْ بِوَاسِطَةِ وَلِيِّهَا عَمَّا يَجِبُ لَهَا فَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ عَفَا فَعَفْوُهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّقْوَى، وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ أَكْثَرُ كَمَا تُشْعِرُ بِهِ الْعِبَارَةُ السَّابِقَةُ، وَيُرْوَى فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ والْبَيْهَقِيِّ.
وَقَدْ خُتِمَتِ الْآيَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} جَرْيًا عَلَى السُّنَّةِ الْإِلَهِيَّةِ بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّحْذِيرِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْأَحْكَامِ؛ لِتَكُونَ مَقْرُونَةً بِالْمَوْعِظَةِ الَّتِي تُغَذِّي الْإِيمَانَ وَتَبْعَثُ عَلَى الِامْتِثَالِ.
وَفِي التَّذْكِيرِ بِاطِّلَاعِ اللهِ تَعَالَى وَإِحَاطَةِ بَصَرِهِ بِمَا يُعَامِلُ بِهِ الْأَزْوَاجُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا تَرْغِيبٌ فِي الْمُحَاسَنَةِ وَالْفَضْلِ، وَتَرْهِيبٌ لِأَهْلِ الْمُخَاشَنَةِ وَالْجَهْلِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ مَا مَعْنَاهُ: مَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَفَهِمَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ يَتَجَلَّى لَهُ نِسْبَةُ مُسْلِمِي هَذَا الْعَصْرِ إِلَى الْقُرْآنِ، وَمَبْلَغُ حَظِّهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ.
قَالَ: وَأَخُصُّ الْمِصْرِيِّينَ بِالذِّكْرِ؛ فَإِنَّ الرَّوَابِطَ الطَّبِيعِيَّةَ فِي النِّكَاحِ وَالصَّهْرِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَرَابَةِ صَارَتْ فِي مِصْرَ أَرَثَّ وَأَضْعَفَ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، فَمَنْ نَظَرَ فِي أَحْوَالِهِمْ وَتَبَيَّنَ مَا يُرْجَى بَيْنَ الْأَزْوَاجِ مِنَ الْمُخَاصَمَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ وَالْمُضَارَّاتِ، وَمَا يَكِيدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، بَلْ يَجِدُهُمْ كَأَنَّهُمْ لَا شَرِيعَةَ لَهُمْ وَلَا دِينَ بَلْ آلِهَتُهُمْ أَهْوَاؤُهُمْ، وَشَرِيعَتُهُمْ شَهَوَاتُهُمْ، وَأَنَّ حَالَ الْمُمَاكَسَةِ بَيْنَ التُّجَّارِ فِي السِّلَعِ هِيَ أَحْفَظُ وَأَضْبُطُ مِنْ حَالِ الزَّوَاجِ، وَأَقْوَى فِي الصِّلَةِ مِنْ رَوَابِطِ الْأَزْوَاجِ. وَسَرَدَ فِي الدَّرْسِ وَقَائِعَ تُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ مِنْهَا أَنَّ رَجُلًا هَجَرَ زَوْجَتَهُ- وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ- بِغَيْرِ ذَنْبٍ غَيْرِ الطَّمَعِ فِي الْمَالِ، فَكَانَ كُلَّمَا كَلَّمُوهُ فِي شَأْنِهَا قَالَ: لِتَشْتَرِ عِصْمَتَهَا مِنِّي. وَمِنْهَا مَا هُوَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرُّ كَالَّذِينِ يَتْرُكُونَ نِسَاءَهُمْ بِغَيْرِ نَفَقَاتٍ حَتَّى قَدْ يَضْطَرُّوهُنَّ إِلَى بَيْعِ أَعْرَاضِهِنَّ، وَكَالْمُطَلَّقَاتِ الْمُعْتَدَّاتِ بِالْقُرُوءِ يَزْعُمْنَ أَنَّ حَيْضَهُنَّ حَبْسٌ، فَتَمُرُّ السُّنُونَ وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهُنَّ بِزَعْمِهِنَّ، وَمَا الْغَرَضُ إِلَّا إِلْزَامُ الْمُطَلِّقِ النَّفَقَةَ طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ انْتِقَامًا مِنْهُ، وَكَالَّذِينِ يَذَرُونَ أَزْوَاجَهُمْ كَالْمُعَلَّقَاتِ لَا يُمْسِكُونَهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يُسَرِّحُونَهُنَّ بِإِحْسَانٍ، أَوْ يَفْتَدِينَ مِنْهُمْ بِالْمَالِ، فَأَيْنَ اللهُ وَأَيْنَ كِتَابُ اللهِ وَشَرْعُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَيْنَ هُمْ مِنْهُ؟ إِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ فِي شَيْءٍ، وَلَكِنَّ الْمُسْرِفِينَ أَهْوَاءَهُمْ يَتَّبِعُونَ.
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.
كَانَتِ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ أَحْكَامًا بَعْضُهَا فِي الْعِبَادَاتِ، وَبَعْضُهَا فِي الْحُدُودِ وَالْمُعَامَلَاتِ، آخِرُهَا مُعَامَلَةُ الْأَزْوَاجِ، وَرَأَيْنَا مِنْ سُنَّةِ الْقُرْآنِ أَنْ يَخْتِمَ كُلَّ حُكْمٍ أَوْ عِدَّةِ أَحْكَامٍ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَالْأَمْرِ بِتَقْوَاهُ، وَالتَّذْكِيرِ بِعِلْمِهِ بِحَالِ الْعَبْدِ وَبِمَا أَعَدَّ لَهُ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى عَمَلِهِ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ مِنْ نَفْخِ رُوحِ الدِّينِ فِي الْأَعْمَالِ وَإِشْرَابِهَا حَقِيقَةَ الْإِخْلَاصِ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّذْكِيرَ الْقَوْلِيَّ بِمَا يَبْعَثُ عَلَى إِقَامَةِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَى وَجْهِهَا قَدْ يَغْفُلُ الْمَرْءُ عَنْ تَدَبُّرِهِ، وَيَغِيبُ عَنِ الذِّهْنِ تَذَكُّرُهُ، بِانْهِمَاكِ النَّاسِ فِي مَعَايِشِهِمْ وَاشْتِغَالِهِمْ بِمَا يُكَافِحُونَ مِنْ شَدَائِدِ الدُّنْيَا، أَوْ مَا يَلَذُّ لَهُمْ مِنْ نَعِيمِهَا، وَلِهَذِهِ الضُّرُوبِ مِنَ الْمُكَافَحَاتِ، وَالْفُنُونِ مِنَ التَّمَتُّعِ بِاللَّذَّاتِ سُلْطَانٌ قَاهِرٌ عَلَى النَّفْسِ، وَحَاكِمٌ مُسَخِّرٌ لِلْعَقْلِ وَالْحِسِّ، يَنْتَكِبُ بِالْمَرْءِ سَبِيلَ الْهُدَى، حَتَّى تَتَفَرَّقَ بِهِ سُبُلُ الْهَوَى، فَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُكَلَّفُ مُحْتَاجًا فِي تَأْدِيبِ الشَّهَوَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ، إِلَى مُذَكِّرٍ يُذَكِّرُهُ بِمَكَانَتِهِ الرُّوحَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ كَمَالُ حَقِيقَتِهِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَهَذَا الْمُذَكِّرُ هُوَ الصَّلَاةُ، فَهِيَ الَّتِي تَخْلَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ تِلْكَ الشَّوَاغِلِ الَّتِي لابد لَهُ مِنْهَا، وَتُوَجِّهُهُ إِلَى رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا، فَتُكَثِّرُ لَهُ مُرَاقَبَتَهُ، حَتَّى تَعْلُوَ بِذَلِكَ هِمَّتُهُ، وَتَزْكُوَ نَفْسُهُ، فَتَتَرَفَّعَ عَنِ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، وَتَتَنَزَّهَ عَنْ دَنَاءَةِ الْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ، وَيُحَبَّبَ إِلَيْهَا الْعَدْلَ وَالْإِحْسَانَ، بَلْ تَرْتَقِيَ فِي مَعَارِجِ الْفَضْلِ إِلَى مُسْتَوَى الِامْتِنَانِ فَتَكُونُ جَدِيرَةً بِإِقَامَةِ تِلْكَ الْحُدُودِ، وَزِيَادَةِ مَا يُحِبُّ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْكَرَمِ وَالْجُودِ، ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى بِإِقَامَتِهَا عَلَى وَجْهِهَا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللهِ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ الْمُؤَثِّرَاتِ وَأَكْبَرُ، فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَدْ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، فَقَدِ اسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ الْمُصَلِّينَ، إِذَا كَانُوا عَلَى الصَّلَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ مُحَافِظِينَ.
لِهَذَا قَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي وَجْهِ اخْتِيَارِ لَفْظِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْحِفْظِ: إِنَّ الصِّيغَةَ عَلَى أَصْلِهَا تُفِيدُ الْمُشَارَكَةَ فِي الْحِفْظِ وَهِيَ هُنَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: احْفَظِ الصَّلَاةَ يَحْفَظْكَ اللهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَا، كَقَوْلِهِ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [2: 152] أَوْ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالصَّلَاةِ نَفْسِهَا؛ أَيِ: احْفَظُوهَا تَحْفَظْكُمْ مِنَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ بِتَنْزِيهِ نُفُوسِكُمْ عَنْهُمَا، وَمِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ بِتَقْوِيَةِ نُفُوسِكُمْ عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [2: 45].
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: قَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} وَلَمْ يَقُلْ: احْفَظُوهَا؛ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَدُلُّ عَلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمُقَاوَمَةِ، وَلَا يَظْهَرُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّ الْمُفَاعَلَةَ لِلْمُشَارَكَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَحْفَظُهُ كَمَا يَحْفَظُهَا، إِلَّا لَوْ كَانَتِ الْعِبَارَةُ حَافِظُوا الصَّلَوَاتِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: {عَلَى الصَّلَوَاتِ} أَيِ: اجْتَهَدُوا فِي حِفْظِهَا وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا اهـ. وَلَا يُرِيدُ الْأُسْتَاذُ بِهَذَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُحْفَظُ مِمَّا ذَكَرَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنَّ لَفْظَ {حَافِظُوا} لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الثَّابِتِ فِي نَفْسِهِ، وَالَّذِي أَفْهَمُهُ فِي الْمُفَاعَلَةِ فِي الشَّيْءِ هُوَ فِعْلُهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَمِنْهُ حَافَظَ عَلَيْهِ، وَوَاظَبَ عَلَيْهِ، وَدَوَامَ عَلَيْهِ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ {عَلَى} لِلتَّعْلِيلِ كَقَاتَلَهُ عَلَى الْأَمْرِ؛ أَيْ: لِأَجْلِهِ، فَالْمُقَاتَلَةُ فِيهِ لِلْمُشَارَكَةِ وَلَا يَصِحُّ هُنَا، وَحِفْظُ الصَّلَاةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِهَا كُلَّ مَرَّةٍ كَامِلَةَ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ الْعَمَلِيَّةِ، كَامِلَةَ الْآدَابِ وَالْمَعَانِي الْقَلْبِيَّةِ، فَالشَّيْءُ الَّذِي يُتَعَاهَدُ بِالْحِفْظِ دَائِمًا هُوَ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ النَّقْصُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا دَائِمًا.
وَالصَّلَوَاتُ هِيَ الْخَمْسُ الْمَعْرُوفَةُ بِبَيَانِ مَنْ بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، وَنُقِلَتْ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ الْعَمَلِيِّ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ جَمِيعِ الْفِرَقِ، فَهُمْ عَلَى تَفَرُّقِهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ جَاحِدَ صَلَاةٍ مِنَ الْخَمْسِ لَا يُعَدُّ مُسْلِمًا، عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَنْبَطُوا كَوْنَهَا خَمْسًا مِنْ ذِكْرِ الْوُسْطَى فِي الْجَمْعِ كَمَا فِي تَفْسِيرِ الرَّازِيِّ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْتِمَاسِ النُّكْتَةِ، وَمِنْ آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [30: 17، 18] وَسَيَأْتِي بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَكَانُوا يُعَبِّرُونَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالتَّسْبِيحِ، وَيَقُولُونَ: سَبَّحَ الْغَدَاةَ مَثَلًا؛ أَيْ صَلَّى الْفَجْرَ.