فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فثبت بما ذكرنا أن من أرضى الدعاء أن ينادي العبد ربه بقوله يا رب وتمام الإشكال فيه أن يقال لفظ الله أعظم من لفظ الرب، فلم صار لفظ الرب مختصًا بوقت الدعاء؟، والجواب كأن العبد يقول: كنت في كتم العدم المحض والنفي الصرف، فأخرجتني إلى الوجود، وربيتني فاجعل تربيتك لي شفيعًا إليك في أن لا تخليني طرفة عين عن تربيتك وإحسانك وفضلك.
المسألة الثانية:
السنة في الدعاء، يبدأ فيه بالثناء على الله تعالى، ثم يذكر الدعاء عقيبه، والدليل عليه هذه الآية، فإن الملائكة لما عزموا على الدعاء والاستغفار للمؤمنين بدأوا بالثناء فقالوا {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَّحْمَةً وَعِلْمًا} وأيضًا أن الخليل عليه السلام لما أراد أن يذكر الدعاء ذكر الثناء أولًا فقال: {الذى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ والذى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ والذى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين} [الشعراء: 78 82] فكل هذا ثناء على الله تعالى، ثم بعده ذكر الدعاء فقال: {رَبّ هَبْ لِى حُكْمًا وَأَلْحِقْنِى بالصالحين} [الشعراء: 83].
واعلم أن العقل يدل أيضًا على رعاية هذا الترتيب، وذلك ذكر الله بالثناء والتعظيم بالنسبة إلى جوهر الروح كالإكسير الأعظم بالنسبة إلى النحاس، فكما أن ذرة من الإكسير إذا وقعت على عالم من النحاس انقلب الكل ذهبًا إبريزًا فكذلك إذا وقعت ذرة من إكسير معرفة جلال الله تعالى على جوهر الروح النطقية، انقلب من نحوسة النحاسة إلى صفاء القدس وبقاء عالم الطهارة، فثبت أن عند إشراق نور معرفة الله تعالى في جواهر الروح، يصير الروح أقوى صفاء وأكمل إشراقًا، ومتى صار كذلك كانت قوته أقوى وتأثيره أكمل، فكان حصول الشيء المطلوب بالدعاء أقرب وأكمل، وهذا هو السبب في تقديم الثناء على الله على الدعاء.
المسألة الثالثة:
اعلم أن الملائكة وصفوا الله تعالى بثلاثة أنواع من الصفات: الربوبية والرحمة والعلم، أما الربوبية فهي إشارة إلى الإيجاد والإبداع، وفيه لطيفة أخرى وهي أن قولهم {رَبَّنَا} إشارة إلى التربية، والتربية عبارة عن إبقاء الشيء على أكمل أحواله وأحسن صفاته، وهذا يدل على أن هذه الممكنات، كما أنها محتاجة حال حدوثها إلى إحداث الحق سبحانه وتعالى وإيجاده، فكذلك إنها محتاجة حال بقائها إلى إبقاء الله، وأما الرحمة فهي إشارة إلى أن جانب الخير والرحمة والإحسان راجح على جانب الضر، وأنه تعالى إنما خلق الخلق للرحمة والخير، لا للاضرار والشر، فإن قيل قوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَّحْمَةً وَعِلْمًا} فيه سؤال، لأن العلم وسع كل شيء، أما الرحمة فما وصلت إلى كل شيء، لأن المضرور حال وقوعه في الضر لا يكون ذلك الضرر رحمة، وهذا السؤال أيضًا مذكور في قوله: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء} [الأعراف: 156] قلنا كل وجود فقد نال من رحمة الله تعالى نصيبًا وذلك لأن الموجود إما واجب وإما ممكن، أما الواجب فليس إلا الله سبحانه وتعالى، وأما الممكن فوجوده من الله تعالى وبإيجاده، وذلك رحمة، فثبت أنه لا موجود غير الله إلا وقد وصل إليه نصيب ونصاب من رحمة الله، فلهذا قال: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَّحْمَةً وَعِلْمًا} وفي الآية دقيقة أخرى، وهي أن الملائكة قدموا ذكر الرحمة على ذكر العلم فقالوا {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَّحْمَةً وَعِلْمًا} وذلك لأن مطلوبهم إيصال الرحمة وأن يتجاوز عما عليه منهم من أنواع الذنوب، فالمطلوب بالذات هو الرحمة، والمطلوب بالعرض أن يتجاوز عما علمه منهم، والمطلوب بالذات مقدم على المطلوب بالعرض، ألا ترى أنه لما كان إبقاء الصحة مطلوبًا بالذات وإزالة المرض مطلوبًا بالعرض لا جرم لما ذكروا حد الطب قدموا فيه حفظ الصحة على إزالة المرض، فقالوا الطب علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصلح ويزول عن الصحة لتحفظ الصحة حاصلة وتسترد زائلة، فكذا هاهنا المطلوب بالذات هو الرحمة، وأما التجاوز عما علمه منهم من أنواع الذنوب فهو مطلوب بالعرض، لأجل أن حصول الرحمة على سبيل الكمال لا يحصل إلا بالتجاوز عن الذنوب، فلهذا السبب وقع ذكر الرحمة سابقًا على ذكر العلم.
المسألة الرابعة:
دلت هذه الآية على أن المقصود بالقصة الأولى في الخلق والتكوين إنما هو الرحمة والفضل والجود والكرم، ودلت الدلائل اليقينية على أن كل ما دخل في الوجود من أنواع الخير والشر والسعادة والشقاوة فبقضاء الله وقدره، والجمع بين هذين الأصلين في غاية الصعوبة، فعند هذا قالت الحكماء: الخير مراد مرضي، والشر مراد مكروه، والخير مقضي به بالذات، والشر مقضي به باللعرض، وفيه غور عظيم.
المسألة الخامسة:
قوله: {وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَّحْمَةً وَعِلْمًا} يدل على كونه سبحانه عالمًا بجميع المعلومات التي لا نهاية لها من الكليات والجزئيات، وأيضًا فلولا ذلك لم يكن في الدعاء والتضرع فائدة لأنه إذا جاز أن يخرج عن علمه بعض الأشياء، فعلى هذا التقدير لا يعرف هذا الداعي أن الله سبحانه يعلمه ويعلم دعاءه وعلى هذا التقدير لا يبقى في الدعاء فائدة ألبتة.
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم كيفية ثنائهم على الله تعالى حكى عنهم كيفية دعائهم، وهو أنهم قالوا {فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} واعلم أن الملائكة طلبوا بالدعاء من الله تعالى أشياء كثيرة للمؤمنين، فالمطلوب الأول الغفران وقد سبق تفسيره في قوله: {فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ} فإن قيل لا معنى للغفران إلا إسقاط العذاب، وعلى هذا التقدير فلا فرق بين قوله: فاغفر لهم، وبين قوله: {وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} قلنا دلالة لفظ المغفرة على إسقاط عذاب الجحيم دلالة حاصلة على الرمز والإشارة، فلما ذكروا هذا الدعاء على سبيل الرمز والإشارة أردفوه بذكره على سبيل التصريح لأجل التأكيد والمبالغة، واعلم أنهم لما طلبوا من الله إزالة العذاب عنهم أردفوه بأن طلبوا من الله إيصال الثواب إليهم فقالوا {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ} فإن قيل أنتم زعمتم أن هذه الشفاعة إنما حصلت للمذنبين وهذه الآية تبطل ذلك لأنه تعالى ما وعد المذنبين بأن يدخلهم في جنّات عدن، قلنا لا نسلم أنه ما وعدهم بذلك، لأنا بينا أن الدلائل الكثيرة في القرآن دلّت على أنه تعالى لا يخلد أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله في النار، وإذا أخرجهم من النار وجب أن يدخلهم الجنة فكان هذا وعدًا من الله تعالى لهم بأن يدخلهم في جنّات عدن، إما من غير دخول النار وإما بعد أن يدخلهم النار.
قال تعالى: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وأزواجهم وَذُرّيَّاتِهِمْ} يعني وأدخل معهم في الجنة هؤلاء الطوائف الثلاث، وهم الصالحون من الآباء والأزواج والذريات، وذلك لأن الرجل إذا حضر معه في موضع عيشه وسروره أهله وعشيرته كان ابتهاجه أكمل، قال الفرّاء والزجاج {مِنْ صالح} نصب من مكانين فإن شئت رددته على الضمير في قوله: {وَأَدْخِلْهُمْ} وإن شئت في {وَعَدْتَّهُمْ} والمراد من قوله: {وَمَنْ صَلَحَ} أهل الإيمان، ثم قالوا: {إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} وإنما ذكروا في دعائهم هذين الوصفين لأنه لو لم يكن عزيزًا بل كان بحيث يغلب ويمنع لما صح وقوع المطلوب منه، ولو لم يكن حكيمًا لما حصل هذا المطلوب على وفق الحكمة والمصلحة، ثم قالوا بعد ذلك {وَقِهِمُ السيئات} قال بعضهم المراد وقهم عذاب السيئات، فإن قيل فعلى هذا التقدير لا فرق بين قوله: {وَقِهِمُ السيئات} وبين ما تقدم من قوله: {وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} وحينئذ يلزم التكرار الخالي عن الفائدة وإنه لا يجوز، قلنا بل التفاوت حاصل من وجهين الأول: أن يكون قوله: {وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} دعاء مذكور للأصول وقوله: {وَقِهِمُ السيئات} دعاءً مذكورًا للفروع الثاني: أن يكون قوله: {وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} مقصورًا على إزالة الجحيم وقوله: {وَقِهِمُ السيئات} يتناول عذاب الجحيم وعذاب موقف القيامة وعذاب الحساب والسؤال.
والقول الثاني: في تفسير {وَقِهِمُ السيئات} هو أن الملائكة طلبوا إزالة عذاب النار بقولهم {وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} وطلبوا إيصال ثواب الجنة إليهم بقولهم {وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ} ثم طلبوا بعد ذلك أن يصونهم الله تعالى في الدنيا عن العقائد الفاسدة، والأعمال الفاسدة، وهو المراد بقولهم {وَقِهِمُ السيئات} ثم قالوا {وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} يعني ومن تق السيئات في الدنيا فقد رحمته في يوم القيامة، ثم قالوا {وذلك هُوَ الفوز العظيم} حيث وجدوا بأعمال منقطعة نعيمًا لا ينقطع، وبأعمال حقيرة ملكًا لا تصل العقول إلى كنه جلالته. اهـ.

.قال القرطبي:

ثم ابتدأ فقال: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} ويروى: أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشراف الملائكة وأفضلهم.
ففي الحديث: «أن الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلًا لهم على سائر الملائكة» ويقال: خلق الله العرش من جوهرة خضراء، وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام.
وقيل: حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهلِّلين مكبِّرين، ومن ورائهم سبعون ألف صفّ قيام، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم، ورافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صفّ، قد وضعوا الأيمان على الشمائل، ما منهم أحد إلا وهو يسبّح بما لا يسبّح به الآخر.
وقرأ ابن عباس: {الْعُرْشُ} بضم العين؛ ذكر جميعه الزمخشري رحمه الله.
وقيل: اتصل هذا بذكر الكفار؛ لأن المعنى والله أعلم {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ} ينزهون الله عز وجل عما يقوله الكفار {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} أي يسألون لهم المغفرة من الله تعالى.
وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مُجَسَّم خلقه الله عز وجل، وأمر ملائكة بحمله، وتَعبَّدهم بتعظيمه والطواف به؛ كما خلق في الأرض بيتًا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة.
وروى ابن طَهْمان، عن موسى بن عقبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أذن لي أن أحدّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام» ذكره البيهقي وقد مضى في البقرة في آية الكرسي عظم العرش وأنه أعظم المخلوقات.
وروى ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن كعب الأحبار أنه قال: لما خلق الله تعالى العرش قال: لن يخلق الله خلقًا أعظم مني؛ فاهتز فطوّقه الله بحية، للحية سبعون ألف جناح، في الجناح سبعون ألف ريشة، في كل ريشة سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف فم، في كل فم سبعون ألف لسان.
يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر، وعدد ورق الشجر، وعدد الحصى والثرى، وعدد أيام الدنيا، وعدد الملائكة أجمعين، فالتَوَت الحية بالعرش، فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به.
وقال مجاهد: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، حجاب نور وحجاب ظُلْمة، وحجاب نور وحجاب ظلمة.
{رَبَّنَا} أي يقولون {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا} أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، فلما نقل الفعل عن الرحمة والعلم نصب على التفسير.
{فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ} أي من الشرك والمعاصي {واتبعوا سَبِيلَكَ} أي دين الإسلام.
{وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} أي اصرفه عنهم حتى لا يصل إليهم.
قال إبراهيم النخعي: كان أصحاب عبد الله يقولون الملائكة خير من ابن الكَوَّاء؛ هم يستغفرون لمن في الأرض وابن الكَوَّاء يشهد عليهم بالكفر، قال إبراهيم: وكانوا يقولون لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة.
وقال مطرِّف بن عبد الله: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشيطان، وتلا هذه الآية.
وقال يحيى بن معاذ الرازي لأصحابه في هذه الآية: افهموها فما في العالم جنة أرجى منها؛ إن مَلَكًا واحدًا لو سأل الله أن يغفر لجميع المؤمنين لغفر لهم، كيف وجميع الملائكة وحَمَلة العرش يستغفرون للمؤمنين.
وقال خلف بن هشام البزار القارىء: كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} بكى ثم قال: يا خلف! ما أكرم المؤمن على الله نائمًا على فراشه والملائكة يستغفرون له.
قوله تعالى: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ} يروى أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار: ما جنات عدن.
قال: قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة العدل.
{التي وَعَدْتَّهُمْ} {التي} في محل نصب نعتًا للجنات.
{وَمَن صَلَحَ} مَنْ في محل نصب عطفًا على الهاء والميم في قوله: {وَأَدْخِلْهُمْ}.
{وَمَنْ صَلَحَ} بالإيمان {مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} وقد مضى في الرعد نظير هذه الآية.
قال سعيد بن جُبير: يدخل الرجل الجنة، فيقول: يا رب أين أبي وجدّي وأمي؟ وأين ولدي وولد ولدي؟ وأين زوجاتي؟ فيقال إنهم لم يعملوا كعملك؛ فيقول: يا رب كنت أعمل لي ولهم؛ فيقال أدخلوهم الجنة.
ثم تلا: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ} إلى قوله: {وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}.
ويقرب من هذه الآية قوله: {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21].
قوله تعالى: {وَقِهِمُ السيئات} قال قتادة: أي وقهم ما يسوءهم، وقيل: التقدير وقهم عذاب السيئات وهو أَمْرٌ من وقاه الله يقيه وقاية بالكسر؛ أي حفظه.
{وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} أي بدخول الجنة {وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} أي النجاة الكبيرة. اهـ.

.قال الألوسي:

{الذين يَحْمِلُونَ العرش} وهو جسم عظيم له قوائم الكرسي وما تحته بالنسبة إليه كحلقة في فلاة.
وفي بعض الآثار خلق الله تعالى العرش من جوهرة خضراء وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام.
وذكر بعضهم في سعته أنه لو مسح مقعره بجميع مياه الدنيا مسحًا خفيفًا لقصرت عن استيعابه ويزعم أهل الهيئة ومن وافقهم أنه كرى وأنه المحدد وفلك الأفلاك وأنه كسائر الأفلاك لا يوصف بثقل ولا خفة وليس لهم في ذلك خبر يعول عليه بل الأخبار ظاهرة في خلافه.