فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فالمقت مستعار لِقلة التدبر فيما يضر.
وقد أشار إلى وجه هذه الاستعارة قوله: {إذْ تُدْعون إلى الإيمان فتكفرون} فمناط الكلام هو {فتكفرون} وفي ذكر {ينادون} ما يدل على كلام محذوف تقديره: أن الذين كفروا يمقتهم الله وينادَون لمقتُ الله. إلخ.
ومعنى مقت الله: بغضه إياهم وهو مجاز مرسل أطلق على المعاملة بآثار البغض من التحقير والعقاب فهو أقرب إلى حقيقة البغض لأن المراد به أثره وهو المعاملة بالنكال، وهو شائع شيوع نظائره مما يضاف إلى الله مما تستحيل حقيقته عليه، وهذا الخبر مستعمل في التوبيخ والتنديم.
و{أكبر} بمعنى أشد وأخطر أثَرًا، فإطلاق الكِبَر عليه مجاز لأن الكبر من أوصاف الأجسام لكنه شاع إطلاقه على القوة في المعاني.
ولما كان مقتهم أنفسهم حَرَمهم من الإِيمان الذي هو سبب النجاة والصلاح وكان غضب الله عليهم أوقعهم في العذاب كان مقت الله إياهم أشدّ وأنكى من مقتهم أنفسهم لأن شدة الإِيلام أقوى من الحرمان من الخير.
والمقت الأول قريب من قوله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم} [البقرة: 16]، والمقت الثاني قريب من قوله تعالى: {ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلاّ مقتًا} [فاطر: 39] وهو مقت العذاب.
هذا هو الوجه في تفسير الآية الملاقي لتناسق نظمها، وللمفسرين فيها وجوه أخر تدنو وتبعد مما ذكرنا فاستعرِضْها واحكم فيها.
و{أنفسكم} يتنازعه {مقتُ الله} و{مقتِكم} فهو مفعول المصدرين المضافين إلى فاعلَيهما.
وبني فعل {تدعون} إلى النائب للعلم بالفاعل لظهور أن الداعي هو الرسول صلى الله عليه وسلم أو الرسل عليهم السلام.
وتفريع {فتكفرون} بالفاء على {تدعون} يفيد أنهم أعقبوا الدعوة بالكفر، أي بتجديد كفرهم السابق وبإعلانه أي دون أن يتمهلوا مهلة النظر والتدبر فيما دُعوا إليه.
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)} جواب عن النداء الذي نودوا به من قِبل الله تعالى فحكي مقالهم على طريقة حكاية المحاورات بحذف حرف العطف، طمعوا أن يكون اعترافهم بذنوبهم وسيلة إلى منحهم خروجًا من العذاب خروجًا مَّا ليستريحوا منه ولو بعضَ الزمن، وذلك لأن النداء الموجه إليهم من قبل الله أوهمهم أن فيه إقبالًا عليهم.
والمقصود من الاعتراف هو اعترافهم بالحياة الثانية لأنهم كانوا ينكرونها وأما الموتتان والحياة الأولى فإنما ذُكِرْن إِدماجًا للاسْتدلال في صُلب الاعتراف تزلفًا منهم، أي أيقَنَّا أن الحياة الثانية حق وذلك تعريض بأن إقرارهم صدق لا مواربة فيه ولا تصنع لأنه حاصل عن دليل، ولذلك جعل مسببًا على هذا الكلام بعطفه بفاء السببية في قوله: {فاعترفنا بذُنُوبنا}.
والمراد بإحدى الموتتين: الحالةُ التي يكون بها الجنين لَحْمًا لا حياة فيه في أول تكوينه قبل أن يُنفخ فيه الروح، وإطلاق الموت على تلك الحالة مجاز وهو مختار الزمخشري والسكاكي بناء على أن حقيقة الموت انعدام الحياة من الحي بعد أن اتصف بالحياة، فإطلاقه على حالة إنعدام الحياة قبلَ حصولها فيه استعارةٌ، إلا أنها شائعة في القرآن حتى ساوت الحقيقة فلا إشكال في استعمال {أمتنا} في حقيقته ومجازه، ففي ذلك الفعل جمع بين الحقيقة والاستعارة التبعية تبعًا لِجريان الاستعارة في المصدر، ولا مانع من ذلك لأنه واقع ووارد في الكلام البليغ كاستعمال المشترككِ في معنييه، والذين لا يرون تقييد مدلول الموت بأن يكون حاصلًا بعد الحياة يكون إطلاق الموت على حالة ما قبل الاتصاف بالحياة عندهم واضحًا، وتقدم في قوله تعالى: {وكنتم أمواتًا فأحياكم} في سورة [البقرة: 28]، على أن إطلاق الموت على الحالة التي قبل نفخ الروح في هذه الآية أسوغ لأن فيه تغليبًا للموتة الثانية.
وأما الموتة الثانية فهي الموتة المتعارفة عند انتهاء حياة الإنسان والحيوان.
والمراد بالاحياءتَيْن: الاحياءة الأولى عند نفخ الروح في الجسد بعد مبدأ تكوينه، والإِحياءة الثانية التي تحصل عند البعث، وهو في معنى قوله تعالى: {وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} [البقرة: 28].
وانتصب {اثنتين} في الموضعين على الصفة لمفعول مطلق محذوف.
والتقدير: موتتين اثنتين وإحياءتَيْن اثنتين فيجيء في تقدير موتتين تغليب الاسم الحقيقي على الاسم المجازي عند من يُقيِّد معنى الموت.
وقد أورد كثير من المفسرين إشكال أن هنالك حياةً ثالثة لم تذكر هنا وهي الحياةُ في القبر التي أشار إليها حديث سؤال القَبر وهو حديث اشتهر بين المسلمين من عهد السلف، وفي كون سؤال القبر يقتضي حياة الجسم حياة كاملة احتمال، وقد يُتأول بسؤال روح الميت عِند جسده أو بحصول حياة بعض الجسد أو لأنها لما كانت حياة مؤقتة بمقدار السؤال ليس للمتصف بها تصرف الإِحياء في هذا العالم، لم يعتد بها لاسيما والكلام مراد منه التوطئة لسؤال خروجهم من جهنم، وبهذا يعلم أن الآية بمعزل عن أن يستدل بها لثبوت الحياة عند السؤال في القبر.
وتفرع قولهم: {فاعترفنا بذُنُوبنا} على قولهم: {وأحييتنا اثنتين} اعتبار أن إحدى الإِحياءتين كانت السبب في تحقق ذنوبهم التي من أصولها إنكارهم البعث فلما رأوا البعث رأي العين أيقنوا بأنهم مذنبون إذ أنكروه ومذنبون بما استكثروه من الذنوب لاغترارهم بالأمن من المؤاخذة عليهم بعد الحياة العاجلة.
فجملة {فاعترفنا بذُنُوبنا} إنشاء إقرار بالذنوب ولذلك جيء فيه بالفعل الماضي كما هو غالب صيغ الخبر المستعمل في الإِنشاء مثل صيغ العقود نحو: بعتُ.
والمعنى: نعترف بذنوبنا.
وجعلوا هذا الاعتراف ضربًا من التوبة توهمًا منهم أن التوبة تنفع يومئذٍ، فلذلك فرعوا عليه: {فَهَل إلى خُرُوج مِن سبيل} فالاستفهام مستعمل في العَرض والاستعطاف كليًا لرفع العذاب، وقَد تكرر في القرآن حكاية سؤال أهل النار الخروجَ أو التخفيف ولو يومًا.
والاستفهام بحرف {هَل} مستعمل في الاستعطاف.
وحرف {مِن} زائد لتوكيد العموم الذي في النكرة ليفيد تطلبهم كل سبيل للخروج وشأن زيادة {مِن} أن تكُون في النفي وما في معناه دون الاثبات.
وقد عُدّ الاستفهام ب {هل} خاصة من مواقع زيادة {مِن} لتوكيد العموم كقوله تعالى: {وتقول هل من مزيد} [ق: 30]، وتقدم ذلك عند قوله تعالى: {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} في سورة [الأعراف: 53]، وأن وجه اختصاص هَل بوقوع مِن الزائدة في المستفهم عنه بها أنه كثر استعمال الاستفهام بها في معنى النفي، وزيادةُ من حينئذٍ لتأكيد النفي وتنصيص عموم النفي، فخف وقوعها بعد هل على ألسن أهل الاستعمال.
وتنكير خروج للنَّوعية تلطفًا في السؤال، أي إلى شيء من الخروج قليلٍ أو كثير لأن كل خروج يتنفعون به راحةٌ من العذاب كقولهم: {ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب} [غافر: 49].
والسبيل: الطريق واستعير إلى الوسيلة التي يحصل بها الأمر المرغوب، وكثُر تصرف الاستعمال في إطلاقات السبيل والطريق والمسلك والبلوغ على الوسيلة وبحصول المقصود.
وتنكير {سبيل} كتنكير {خروج} أي من وسيلة كيف كانت بحق أو بعفو بتخفيف أو غير ذلك.
قال في الكشاف وهذا كلامُ من غلب عليه اليأس والقنوط يريد أَنَّ في اقتناعهم بخروج مَّا دلالة على أنهم يستبعدون حُصول الخروج.
{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)} عدل عن جوابهم بالحرمان من الخروج إلى ذكر سبب وقوعهم في العذاب، وإذ قد كانوا عالمين به حين قالوا: {فاعترفنا بذنوبنا} [غافر: 11]، كانت إعادة التوقيف عليه بعد سؤال الصفح عنه كنايةً عن استدامته وعدم استجابة سؤالهم الخروج منه على وجه يشعر بتحقيرهم.
وزيد ذلك تحقيقًا بقوله: {فالحُكمُ لله العَلِي الكَبِير}.
فالإِشارة ب {ذلكم} إلى ما هم فيه من العذاب الذي أنبأ به قوله: {يُنادون لمقتُ الله أكبر من مقتِكم أنفُسكم} [غافر: 10] وما عقب به من قولهم: {فهل إلى خروج من سبيل} [غافر: 11].
والباء في {بأنه} للسببية، أي بسبب كفركم إذا دُعي الله وحده.
وضمير {بأنه} ضمير الشأن، وهو مفسر بما بعده من قوله: {إذا دُعِيَ الله وحْدَه كفرتُم وإن يُشْرك به تُؤمنُوا} فالسبب هو مضمون القصة الذي حاصل سبكِه: بكفركم بالوحدانية وإيمانكم بالشرك.
و{إذا} مستعملة هنا في الزمن الماضي لأن دعاء الله واقع في الحياة الدنيا وكذلك كفرهم بوحدانية الله، فالدعاء الذي مضى مع كفرهم به كان سبب وقوعهم في العذاب.
ومجيء {وإنْ يُشْرك بِهِ تُؤْمِنُوا} بصيغة المضارع في الفعلين مؤوّل بالماضي بقرينة ما قبله، وإيثار صيغة المضارع في الفعلين لدلالتهما على تكرر ذلك منهم في الحياة الدنيا فإن لتكرره أثرًا في مضاعفة العذاب لهم.
والدعاء: النداء، والتوجهُ بالخطاب.
وكلا المعنيين يستعمل فيه الدعاء ويطلق الدعاء على العبادة، كما سيأتي عند قوله تعالى: {وقال ربكم ادعُوني أستَجِب لَكُم} في هذه السورة (60)، فالمعنى إذا نودي الله بمسمعكم نداء دالًا على أنه إله واحد مثل آيات القرآن الدالة على نداء الله بالوحدانية، فالدعاء هنا الإِعلان والذكر، ولذلك قوبل بقوله: {كَفَرْتُم وإن يُشْرَك بهِ تُؤْمِنُوا} والدعاء بهذا المعنى أعم من الدعاء بمعنى سؤال الحاجات ولكنه يشمله، أو إذا عُبد الله وحده.
ومعنى {كفرتم} جدّدتم الكفر، وذلك إمّا بصدور أقوال منهم ينكرون فيها انفراد الله بالإلهية، وإمّا بملاحظة الكفر ملاحظةً جديدة وتذكر آلهتهم.
ومعنى: {وإن يُشْرك به تُؤمنوا} إن يَصدر ما يدل على الإِشراك بالله من أقوال زعمائهم ورفاقهم الدالة على تعدد الآلهة أو إذا أُشرك به في العبادة تؤمنوا، أي تجددوا الإيمان بتعدد الآلهة في قُلوبكم أو تؤيدوا ذلك بأقوال التأييد والزيادة.
ومتعلِّق {كفرتم} و{تؤمنوا} محذوفان لدلالة ما قبلهما.
والتقدير: كفرتم بتوحيده وتؤمنوا بالشركاء.
وجيء في الشرط الأول بإذا التي الغالب في شرطها تحقق وقوعه إشارة إلى أن دعاء الله وحده أمر محقق بين المؤمنين لا تخلو عنه أيامهم ولا مجامعهم، مع ما تفيد إذا من الرغبة في حصول مضمون شرطها.
وجيء في الشرط الثاني بحرف إنْ التي أصلها عدم الجزم بوقوع شرطها، أو أَنَّ شرطها أمر مفروض، مع أن الإِشراك مُحقق تنزيلًا للمحقق منزلة المشكوك المفروض للتنبيه على أن دلائل بطلان الشرك واضحة بأدنى تأمل وتدبر فنزل إشراكهم المحقق منزلة المفروض لأن المقام مشتمل على ما يَقلَع مضمون الشرط من أصله فلا يصلح إلاّ لفرضه على نحو ما يفرض المعدوم موجودًا أو المحال ممكنًا.
والألف واللام في الحكم للجنس.
واللام في لله للملككِ أي جنس الحكم ملك لله، وهذا يفيد قصر هذا الجنس على الكون لله كما تقدم في قوله: {الحمد لله} في سورة [الفاتحة: 2] وهو قصر حقيقي إذ لا حكم يوم القيامة لغير الله تعالى.
وبهذه الآية تمسك الحرورية يوم حروراء حين تداعَى جيش الكوفة وجيش الشام إلى التحكيم فثارت الحرورية على علي بن أبي طالب وقالوا: لا حُكم إلا لله جعلوا التعريف للجنس والصيغة للقصر وحدَّقوا إلى هذه الآية وأغضوا عن آيات جَمَّة، فقال عليّ لما سمعها: كلمةُ حَقَ أُريد بها باطل اضطرب الناس ولم يتم التحكيم.
وإيثار صفتي {العَلِيّ الكَبِير} بالذكر هنا لأن معناهما مناسب لحِرمانهم من الخروج من النار، أي لِعدم نقض حكم الله عليهم بالخلود في النار، لأن العلوّ في وصفه تعالى علوّ مجازي اعتباري بمعنى شرف القدر وكماله، فهو العلي في مراتب الكمالات كلها بالذات، ومن جملة ما يقتضيه ذلك تمامُ العلم وتمامُ العدل، فلذلك لا يَحكم إلا بما تقتضيه الحكمة والعدل.
ووصف {الكبير} كذلك هو كبَر مجازي، وهو قوة صفات كماله، فإن الكبير قوي وهو الغنيُّ المطلق، وكلا الوصفين صيغ على مثال الصفة المشبهة للدلالة على الاتصاف الذاتي المكين، وإنما يقبل حكم النقض لأحد أمرين إما لعدم جريه على ما يقتضيه من سبب الحكم وهو النقض لأجل مخالفة الحق وهذا ينافيه وصف {العلي} وإمَّا لأنه جَور ومجاوز للحد، وهذا ينافيه وصف {الكبير} لأنه يقتضي الغِنَى عن الجور. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أشَدُّ العقوباتِ التي يُوصلها الحقُّ إليهم آثارُ سُخْطِه وغَضَبِه، وأجَلُّ النِّعم التي يغروهم بها آثارُ رضاه عنهم. فإذا عَرَفَ الكافرُ في الآخرة أنَّ ربَّه عليه غضبانُ فلا شيء أصعبُ على قلبه من ذلك؛ لأنه عَلِمَ أنه لا بُكاء ينفعه، ولا عناءَ يزيل عنه ما هو فيه ويدفعه، ولا يُسْمَعُ له تضرُّعٌ، ولا تُرْجَى له حيله.
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)} الإماتةُ الأولى إماتَتُهم في الدنيا ثم في القبر يحييهم، ثم يميتهم فهي الإماتةُ الثانية. والإحياء الأول في القبر والثاني عند النشر.
{فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا} أقروا بذنوبهم- ولكن في وقتٍ لا ينفعهم الإقرار.
{فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} مما نحن فيه من العقوبة، وإنما يقولون ذلك حين لا ينفعهم الندمُ والإقرارُ. فيُقال لهم:-
{ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِىِّ الْكَبِيرِ} أي تُصَدِّقوا المشركين لكفرهم. وهؤلاء إماتَتُهم محصورة، فأمَّا أهلُ المحبةِ فلهم في كلِّ وقتِ حياةٌ وموتٌ، قال قائلُهم:
أموت إذا فَقَدْتُكَ ثم أحيا ** فكم أحيا عليك وكم أموت!

فإنَّ الحقَّ- سبحانه- يُرَدِّدُ أبدًا الخواصَّ من عباده بين الفناء والبقاء، والحياة والموت، والمحو والإثبات. اهـ.
واستدل من الآية كذلك على إحياء الأجساد، لأن الروح- عند من يقصر أحكام الآخرة على الأرواح- لا تموت ولا تتغير ولا تفسد، فلو كان الثواب والعقاب للروح- دون الجسد- فما معنى الإحياء والإماتة؟
ويذهب ابن عباس وابن مسعود وقتادة والضحاك إلى أنهم كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم، ثم أحياهم. ثم أماتهم الموتة التي لابد منها في الدنيا، ثم أحياهم البعث والقيامة، فهاتان حياتان وموتتان.