فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {هُوَ الذي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} أي دلائل توحيده وقدرته {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السماء رِزْقًا} جمع بين إظهار الآيات وإنزال الرزق؛ لأن بالآيات قوام الأديان، وبالرزق قوام الأبدان.
وهذه الآيات هي السموات والأرضون وما فيهما وما بينهما من الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والبخار والأنهار والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا.
{وَمَا يَتَذَكَّرُ} أي ما يتعظ بهذه الآيات فيوحد الله {إِلاَّ مَن يُنِيبُ} أي يرجع إلى طاعة الله.
{فادعوا الله} أي اعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي العبادة.
وقيل: الطاعة.
{وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} عبادة الله فلا تعبدوا أنتم غيره.
قوله تعالى: {رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش} {ذُو الْعَرْشِ} على إضمار مبتدأ.
قال الأخفش: ويجوز نصبه على المدح.
ومعنى {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} أي رفيع الصفات.
وقال ابن عباس والكلبي وسعيد بن جبير: رفيع السموات السبع.
وقال يحيى بن سلام: هو رفعة درجة أوليائه في الجنة ف {رَفِيعُ} على هذا بمعنى رافع فعِيل بمعنى فاعل.
وهو على القول الأول من صفات الذات، ومعناه الذي لا أرفع قدرًا منه، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره؛ قاله الحليمي.
وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى والحمد لله.
{ذُو الْعَرْشِ} أي خالقه ومالكه لا أنه محتاج إليه.
وقيل: هو من قولهم: ثُلَّ عرشُ فلان أي زال ملكه وعزه، فهو سبحانه {ذُو العرش} بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه وقد بيّناه في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى.
{يُلْقِي الروح} أي الوحي والنبوة {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وسمي ذلك روحًا لأن الناس يحيون به؛ أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح.
وقال ابن زيد: الروح القرآن؛ قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52].
وقيل: الروح جبريل؛ قال الله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ} [الشعراء: 193] وقال: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس مِن رَّبِّكَ بالحق} [النحل: 102].
{مِنْ أَمْرِهِ} أي من قوله.
وقيل: من قضائه.
وقيل: مِنْ بمعنى الباء أي بأمره.
{على مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وهم الأنبياء يشاء هو أن يكونوا أنبياء وليس لأحد فيهم مشيئة.
{لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق} أي إنما يبعث الرسول لإنذار يوم البعث.
فقوله: {لِيُنذِرَ} يرجع إلى الرسول.
وقيل: أي لينذر الله ببعثه الرسل إلى الخلائق {يَوْمَ التَّلاَقِ}.
وقرأ ابن عباس والحسن وابن السَّمَيْقَع {لِتُنْذِرَ} بالتاء خطابًا للنبي عليه السلام.
{يَوْمَ التَّلاَقِ} قال ابن عباس وقتادة: يوم تلتقي أهل السماء وأهل الأرض.
وقال قتادة أيضًا وأبو العالية ومقاتل: يلتقي فيه الخلق والخالق.
وقيل: العابدون والمعبودون.
وقيل: الظالم والمظلوم.
وقيل: يلقى كل إنسان جزاء عمله.
وقيل: يلتقي الأولون والآخرون على صعيد واحد؛ روي معناه عن ابن عباس.
وكله صحيح المعنى.
{يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} يكون بدلًا من يوم الأول.
وقيل: {هُمْ} في موضع رفع بالابتداء و{بَارِزُونَ} خبره والجملة في موضع خفض بالإضافة؛ فلذلك حذف التنوين من {يَوْمَ} وإنما يكون هذا عند سيبويه إذا كان الظرف بمعنى إذ؛ تقول لقيتك يومَ زيدٌ أميرٌ.
فإن كان بمعنى إذا لم يجز نحو أنا ألقاك يومَ زيدٌ أميرٌ.
ومعنى: {بَارِزُونَ} خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء؛ لأن الأرض يومئذٍ قاع صفصف لا عوج فيها ولا أمْتًا على ما تقدّم في طه بيانه.
{لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ} قيل: إن هذا هو العامل في {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} أي لا يخفى عليه شيء منهم ومن أعمالهم {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ}.
{لِّمَنِ الملك اليوم} وذلك عند فناء الخلق.
وقال الحسن: هو السائل تعالى وهو المجيب؛ لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجبيه فيجيب نفسه سبحانه فيقول: {لِلَّهِ الواحد القهار}.
النحاس: وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال: يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله جل وعز عليها، فيؤمر منادٍ ينادي {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْم} فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورًا وتلذذًا، ويقوله الكافرون غمًا وانقيادًا وخضوعًا.
فأما أن يكون هذا والخلق غير موجودين فبعيد؛ لأنه لا فائدة فيه، والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل.
قلت: والقول الأول ظاهر جدًّا؛ لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدَّعين وانتساب المنتسبين؛ إذ قد ذهب كلّ مَلِك ومُلْكه ومتكبّر وملكه وانقطعت نسبهم ودعاويهم، ودلّ على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطيّ السماء: «أنا الملِك أين ملوك الأرض» كما تقدّم في حديث أبي هريرة وفي حديث ابن عمر: «ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون».
وعنه قوله سبحانه: {لِّمَنِ الملك اليوم} هو انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والنشر.
قال محمد بن كعب قوله سبحانه: {لِّمَنِ الملك اليوم} يكون بين النفختين حين فني الخلائق وبقي الخالق فلا يرى غير نفسه مالكًا ولا مملوكًا فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فلا يجيبه أحد؛ لأن الخلق أموات فيجيب نفسه فيقول: {لِلَّهِ الواحد القهار} لأنه بقي وحده وقهر خلقه.
وقيل: إنه ينادي منادٍ فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيجيبه أهل الجنة: {لِلَّهِ الواحد القهار} فالله أعلم.
ذكره الزمخشري.
قوله تعالى: {اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} أي يقال لهم إذا أقروا بالملك يومئذٍ لله وحده {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} من خير أو شر.
{لاَ ظُلْمَ اليوم} أي لا ينقص أحد شيئًا مما عمله.
{إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} أي لا يحتاج إلى تفكر وعقد يدٍ كما يفعله الحسَّاب؛ لأنه العالم الذي لا يعزب عن عمله شيء فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره؛ وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك في ساعة واحدة.
وقد مضى هذا المعنى في البقرة.
وفي الخبر: ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. اهـ.

.قال الألوسي:

{هُوَ الذي يُرِيكُمُ ءاياته} الدالة على شؤننه العظيمة الموجبة لتفرده بالألوهية لتستدلوا بها على ذلك وتعملوا بموجبها فإذا دعي سبحانه وحده تؤمنوا وإن يشرك به تكفروا، وهذه الآيات ما يشاهد من آثار قدرته عز وجل:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

{وَيُنَزّلُ} بالتشديد وقرئ بالتخفيف من الإنزال {لَكُم مّنَ السماء رِزْقًا} أي سبب رزق وهو المطر، وإفراده بالذكر مع كونه من جملة تلك الآيات لتفرده بعنوان كونه من آثار رحمته وجلائل نعمته الموجبة للشكر، وصيغة المضارع في الفعلين للدلالة على تجدد الإراءة والتنزيل واستمرارهما، وتقديم الجار والمجرور على المفعول لما مر غير مرة {وَمَا يَتَذَكَّرُ} بتلك الآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للانهماك في التقليد واتباع الهوى {إِلاَّ مَن يُنِيبُ} يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها والتفكر فيها، فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه فمن لا ينيب بمعزل عن التذكر.
{فادعوا الله} اعبدوه عز وجل {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من الشرك {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} إخلاصكم وشق عليهم.
وظاهر كلام الكشاف أن {ادعوا} إلخ مسبب عن الإنابة وأن فيه التفاتًا حيث قال: ثم قال للمنيبين والأصل فليدع ذلك المنيب، على معنى إن صحت الإنابة على نحو فقد جئنا خراسانًا، وقد وافق على كونه خطابًا لمن ذكر غير واحد.
وفي الكشف التحقيق أن قوله تعالى: {وَمَا يَتَذَكَّرُ} [غافر: 13] إلخ اعتراض وقوله سبحانه: {فادعوا الله} مسبب عن قوله تعالى: {هُوَ الذي يُرِيكُمُ} [غافر: 13] على أنه خطاب يعم المؤمن والكافر لسبق ذكرهما لا للكفار وحدهم على نحو {مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} [غافر: 10] إذ ليس مما نودوا به يوم القيامة، والمعنى فادعوه فوضع الظاهر موضع المضمر ليتمكن فضل تمكن وليشعر بأن كونه تعالى هو المعبود بحق هو الذي يقتضي أن يعبد وحده.
وفائدة الاعتراض أن هذه الآيات ودلالتها على اختصاصه سبحانه وحده بالعبادة بالنسبة إلى من ينيب لا المعاند.
وقوله في الكشاف: ثم قال للمنيبين إشارة إلى أن فائدة تقديم الاعتراض أن الانتفاع بالآيات على هذا التقدير فكأنه مسبب عن الإنابة معنى لما كان تسبب السابق للأحق الإنابة، فهذا هو الوجه ولا يأباه تفسير {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} بقوله: وإن غاظ ذلك أعداءكم فإنه للتنبيه على أن امتثال ذلك الأمر إنما يكون بعد إنابتهم وكأن قد حصل ذلك وحصل التضاد بينهم وبين الكافرين، وهو تحقيق حقيق بالقبول لكن في توجيه كلام الكشاف تكلف ظاهر.
{رَفِيعُ الدرجات} صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها من رفع الشيء بالضم إذا علا، وجوز أن يكون صيغة مبالغة من باب أسماء الفاعلين وأضيف إلى المفعول وفيه بعد، ومصاعد الملائكة عليهم السلام إلى أن يبلغوا العرش أي رفيع درجات ملائكته ومعارجهم إلى عرشه.
وفسرها ابن جبير بالسماوات ولا بأس بذلك فإن الملائكة يعرجون من سماء إلى سماء حتى يبلغوا العرش إلا أنه جعل {رفيعًا} اسم فاعل مضافًا إلى المفعول فقال: أي رفع سماء فوق سماء والعرش فوقهن، وقد سمعت آنفًا أن فيه بعدًا، ووصفه عز وجل بذلك للدلالة على سبيل الإدماج على عزته سبحانه وملكوته جل شأنه.
ويجوز أن يكون كناية عن رفعة شأنه وسلطانه عز شأنه وسلطانه كما أن قوله تعالى: {الودود ذُو العرش} كناية عن ملكه جل جلاله، ولا نظر في ذلك إلى أن له سبحانه عرشًا أو لا، فالكناية وإن لم تناف إرادة الحقيقة لكن لا تقتضي وجوب إرادتها فقد وقد؛ وعن ابن زيد أنه قال: أي عظيم الصفات وكأنه بيان لحاصل المعنى الكنائي، وقيل: هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءها تعالى يوم القيامة، وروى ذلك عن ابن عباس وابن سلام، وهذا أنسب بقوله تعالى: {فادعوا الله مُخْلِصِينَ} [غافر: 14] المعنى الأول أنسب بقوله تعالى: {يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ} لتضمنه ذكر الملائكة عليهم السلام وهم المنزلون بالروح كما قال سبحانه: {يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ} [النحل: 2] وأيًّا ما كان فرفيع الدرجات و{ذُو العرش} وجملة {يُلْقِى} أخبار ثلاثة قيل: لهو السابق في قوله تعالى: {هُوَ الذي يُرِيكُمُ} [الرعد: 13] إلخ واستبعده أبو حيان بطول الفصل، وقيل: لهو محذوفًا، والجملة كالتعليل لتخصيص العبادة وإخلاص الدين له تعالى، وهي متضمنة بيان إنزال الرزق الروحاني بعد بيان إنزال الرزق الجسماني في {يُنَزّلٍ لَكُم مّنَ السماء رِزْقًا} [غافر: 13] فإن المراد بالروح على ما روى عن قتادة الوحي وعلى ما روى عن ابن عباس القرآن وذلك جار من القلوب مجرى الروح من الأجساد، وفسره الضحاك بجبريل عليه السلام وهو عليه والسلام حياة القلوب باعتبار ما ينزل به من العلم.
وجوز ابن عطية أن يراد به كمل ما ينعم الله تعالى به على عباده المهتدين في تفهيم الايمان والمعقولات الشريفة وهو كما ترى، وقوله تعالى: {مِنْ أَمْرِهِ} قيل: بيان للروح، وفسر بما يتناول الأمر والنهي، وأوثر على لفظ الوحي للإشارة إلى أن اختصاص حياة القلوب بالوحي من جهتي التخلي والتحلي الحاصلين بالامتثال والانتهاء.
وعن ابن عباس تفسير الأمر بالقضاء فجعلت {مِنْ} ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالًا من {الروح} أي ناشئًا من أمره أو صفة له على رأي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي الكائن من أمره، وفسره بعضهم بالملك وجعل {مِنْ} ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالًا أو صفة على ما ذكر آنفًا، وكون الملك مبدأ للوحي لتلقيه عنه، ومن فسر الروح بجبريل عليه الصلاة والسلام قال: {مِنْ} سببية متعلقة بيلقى والمعنى ينزل الروح من أجل تبليغ أمره {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} وهو الذي اصطفاه سبحانه لرسالته وتبليغ أحكامه إليهم، والاستمرار التجددي المفهوم من {يُلْقِى} ظاهر فإن الإلقاء لم يزل من لدن آدم عليه السلام إلى انتهاء زمان نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو في حكم المتصل إلى قيام الساعة بإقامة من يقوم بالدعوة على ما روى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» أي بإحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما، وأمر ذلك التجدد على ما جوزه ابن عطية لا يحتاج إلى ما ذكر.
وقرئ {رَفِيعُ} بالنصب على المدح {لّيُنذِرَ} علة للالقاء، وضميره المستتر لله تعالى أو لمن وهو الملقى إليه أو للروح أو للأمر، وعوده على الملقى إليه وهو الرسول أقرب لفظًا ومعنى لقرب المرجع وقوة الإسناد فإنه الذي ينذر الناس حقيقة بلا واسطة، واستظهر أبو حيان رجوعه إليه تعالى لأنه سبحانه المحذف عنه، وقوله تعالى: {يَوْمَ التلاق} مفعول لينذر أو ظرف والمنذر به محذوف أي لينذر العذاب أو نحو يوم التلاق {يَوْمَ هُم بارزون} بدل من {يَوْمَ التلاق} [غافر: 15] و{هُمْ} مبتدأ و{بارزون} خبر والجملة في محل جر بإضافة {يَوْمٍ} إليها، وقيل: وهذا تخريج على مذهب أبي الحسن من جواز إضافة الظرف المستقبل كاذا إلى الجملة الاسمية نحو اجيئك إذا زيد ذاهب، وسيبويه لا يجوز ذلك ويوجب تقدير فعل بعد الظرف يكون الاسم مرتفعًا به، وجوز أن يكون {يَوْمٍ} ظرفًا لقوله تعالى: {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَىْء} والظاهر البدلية، وهذه الجملة استئناف لبيان بروزهم وتقرير له وإزاحة لما كان يتوهمه بعض المتوهمين في الدنيا من الاستتار توهمًا باطلًا، وجوز أن تكون خبرًا ثانيًا لهم.
وقيل: هي حال من ضمير {بارزون} و{يَوْمَ التلاق} يوم القيامة سمي بذلك قال ابن عباس: لالتلقاء الخلائق فيه، وقال مقاتل: للالتقاء الخالق والمخلوق فيه.
وحكاه الطبرسي عن ابن عباس، وقال السدي: لالتقاء أهل السماء وأهل الأرض؛ وقال ميمون بن مهران: لالتقاء الظالم والمظلوم، وحكى الثعلبي أن ذلك لالتقاء كل امرء وعمله، واختار بعض الأجلة ما قال مقاتل وقال: هو أولى الوجوه لما فيه من حل المطلق على ما ورد في كثير من المواضع نحو {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء لَهُ} [الكهف: 110] {إَنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} [يونس: 7] {وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} [الفرقان: 21].