فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال صاحب الكشف: القول الأول وهو ما نقل عن ابن عباس أولا أشبه لجريان الكلام فيه على الحقيقة ونفي ما يتوهم من المساواة بين الخالق والمخلوق واستقلال كل من البدلين بفائدة التهويل لما في الأول من تصوير تلاقي الخلائق على اختلاف أنواعها، وفي الثاني من البروز لمالك أمرها بروزًا لا يبقى لأحد فيه شبهة.
وأما نحو قوله تعالى: {لِقَاء رَبّهِ} فمسوق بمعنى آخر، و{بارزون} من برز وأصله حصل في براز أي فضاء، والمراد ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء لأن الأرض يومئذٍ قاع صفصف وليس عليهم ثياب إنما هم عراة مكشوفون كما جاء في الصحيحين عن ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلًا» وقيل: المراد خارجون من قبورهم أو ظاهرة أعمالهم وسرائرهم، وقيل: ظاهرة نفوسهم لا تحجب بغواشي الأبدان مع تعلقها بها، ولا يقبل هذا بدون ثبت من المعصوم، والمراد بقوله تعالى: {مِنْهُمْ} على ما قيل: من أحوالهم وأعمالهم.
وقيل: من أعيانهم، واختير التعميم أي لا يخفى عليه عز شأنه شيء ما من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم الجلية والخفية السابقة واللاحقة.
وقرأ أبي {لِيُنذِرَ يَوْمَ} ببناء ينذر للفاعل ورفع يوم على الفاعلية مجازًا.
وقرأ اليماني فيما ذكر صاحب اللوامح {لّيُنذِرَ} مبنيًّا للمفعول {يَوْمٍ} بالرفع على النيابة عن الفاعل.
وقرأ الحسن واليماني فيما ذكر ابن خالويه {لّتُنذِرَ} بالتاء الفوقية فقيل: الفاعل فيه ضمير الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: ضمير الروح لأنها تؤنث؛ وقوله تعالى: {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} حكاية لما يسئل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به بتقدير قول معطوف على ما قبله من الجملة المنفية المستأنفة أو مستأنف يقع جوابًا عن سؤال نشأ من حكاية بروزهم وظهور أحوالهم كأنه قيل: فما يكون حينئذٍ؟ فقيل: يقال: {لّمَنِ الملك}. إلخ.
{اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ} أي من النفوس البرة والفاجرة {بِمَا كَسَبَتْ} أي من خير أو شر {لاَ ظُلْمَ اليوم} بنقص الثواب وزيادة العقاب {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} [غافر: 16، 17] أي سريع حسابه إذ لا يشغله سبحانه شأن عن شأن فيصل إلى المحاسب من النفوس ما يستحقه سريعًا.
روي عن ابن عباس أنه تعالى إذا أخذ في حسابهم لم يقل أهل الجنة إلا فيها ولا أهل النار إلا فيها من تتمة الجواب جىء به لبيان إجمال فيه، والتذييل لتعليل ما قبله والمنادي بذلك سؤالًا وجوابًا واحد.
أخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال: «يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله تعالى فيها قط ولم يخطأ فيها فأول ما يتكلم أن ينادي مناد {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ اليوم إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} [غافر: 16، 17] فأول ما يبدؤن به من الخصومات الدماء» الحديث، وهو عند الحسن الله نفسه عز وجل، وقيل: ملك، وقيل: السائل هو الله تعالى أو ملك والمجيب الناس.
وذكر الطيبي تقريرًا لعبارة الكشاف أن قوله تعالى: {اليوم تجزى} إلخ تعليل فيجب أن يكون السائل والمجيب هو الله عز وجل، فإنه سبحانه لما سأل {لّمَنِ الملك اليوم} وأجاب هو سبحانه بنفسه {للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} كان المقام موقع السؤال وطلب التعليل فأوقع {اليوم تجزى} جوابًا عنه يعني إنما اختص الملك بن تعالى لأنه وحده يقدر على مجازاة كل نفس بما كسبت وله العدل التام فلا يظلم أحدًا وله التصرف فلا يشغله شأن عن شأن فيسرع الحساب، ولو أوقع {للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} جوابًا عن أهل المحشر لم يحسن هذا الاستئناف انتهى، وفيه ما فيه.
والحق أن قوله تعالى: {اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ} إلخ إن كان من كلام المجيب كما هو ظاهر حديث ابن مسعود بعد أن يكون من الناس، وجوز فيه أن لا يكون من تتمة الجواب بل هو حكاية لما سيقوله تعالى في ذلك اليوم عقيب السؤال والجواب.
وأيًّا ما كان فتخصيص الملك به تعالى في ذلك اليوم إنما هو بالنظر إلى ظاهر الحال من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط وظهور ذلك للكفرة والجهلة وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائمًا.
وذهب محمد بن كعب القرظي إلى أن السؤال والجواب منه تعالى ويكونان بين النفختين حين يفنى عز وجل الخلائق وروي نحوه عن ابن عباس.
أخرج عبد بن حميد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية عنه رضي الله تعالى عنه قال: «ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات وينزل الله سبحانه إلى السماء الدنيا فيقول: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار» والسياق ظاهر في أن ذلك يوم القيامة فلعله على تقدير صحة الحديث يكون مرتين.
ومعنى جزاء النفوس بما كسبت أنها تجزى خيرًا إن كسبت خيرًا وشرًا إن كسبت شرًا.
وقيل: إن النفوس تكتسب بالعقائد والأعمال هيآت توجب لذتها وألمها لكنها لا تشعر بها في الدنيا فإذا قامت قيامتها وزالت العوائق أدركت ألمها ولذتها.
والظاهر أن هذا قول باللذة والألم الروحانيين ونحن لا ننكر حصولهما يومئذٍ لكن نقول: إن الجزاء لا ينحصر بهما بل يكون أيضًا بلذة وألم جسمانيين.
فالاقتصار في تفسير الآية على ذلك قصور. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} هذا استئناف ابتدائي إقبالٌ على خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بعد أن انقضى وصف ما يلاقي المشركون من العذاب، وما يدعون من دعاء لا يستجاب، وقرينة ذلك قوله: {ولو كره الكافرون} [غافر: 14].
ومناسبة الانتقال هي وصفَا {العلي الكبير} [غافر: 12] لأن جملة {يريكم آياته} تناسب وصف العلوّ، وجملة {ينزل لكم من السماء رزقًا} تناسب وصف {الكبير} بمعنى الغَنِيّ المطلق.
والآيات: دلائل وجوده ووحدانيتِه.
وهي المظاهر العظيمة التي تبدو للناس في هذا العالم كقوله: {هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا} [الرعد: 12] وقوله: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} [آل عمران: 190].
وتنزيل الرزق من السماء هو نزول المطر لأن المطر سبب الرزق وهو في نفسه آية أدمج معها امتنان، ولذلك عُقب الأمران بقوله: {ومَا يَتَذَكَّرُ إلا مَن يُنيب}.
وصيغة المضارع في {يريكم} و{ينزل} تدل على أن المراد إراءة متجددة وتنزيل متجدد وإنما يكون ذلك في الدنيا، فتعين أن الخطاب مستأنف مراد به المؤمنون وليس من بقية خطاب المشركين في جهنم، ويزيد ذلك تأييدًا قوله: {فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون} [غافر: 14].
وعُدي فعلًا يرى و{ينزل} إلى ضمير المخاطبين وهم المؤمنون لأنهم الذين انتفعوا بالآيات فآمنوا وانتفعوا بالرزق فشكروا بالعمل بالطاعات فجُعل غيرهم بمنزلة غير المقصودين بالآيات لأنهم لم ينتفعوا بها كما قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43] فجَعل غير العالمين كمن لا يعقل ولا يفقه.
ولذلك ذيلت إراءة الآيات وإنزالُ الرزق لهم بقوله: {وما يتذكر إلا من ينيب} أي من آمن ونبذ الشرك لأن الشرك يصدّ أهله عن الإِنصاف وإعمال النظر في الأدلة.
والإِنابة: التوبة، وفي صيغة المضارع إشارة إلى أن الإِنابة المحصلة للمطلوب هي الإِنابة المتجددة المتكررة، وإذ قد كان المخاطبون منيبين إلى الله كان قوله: {وما يتذكر إلاّ من ينيب} دَالًا بدلالة الاقتضاء على أنهم رأوا الآيات واطمأنوا بها وأنهم عرفوا قدر النعمة وشكروها فكان بين الإِنابة وبين التذكر تلازم عادي، ولذلك فجملة {وما يتذكر إلاّ من ينيب} تذييل.
وتقديم {لكم} على مفعول {يُنزل} وهو {رزقًا} لكمال الامتنان بأن جُعل تنزيل الرزق لأجل الناس ولو أخر المجرور لصار صفة ل {رِزْقًا} فلا يفيد أن التنزيل لأجل المخاطَبين بل يفيد أن الرزق صالح للمخاطبين وبين المعنيين بون بعيد، فكان تقديم المجرور في الترتيب على مفعول الفعل على خلاف مقتضى الظاهر لأن حق المفعول أن يتقدم على غيره من متعلِّقات الفعل وإنما خولف الظاهر لهذه النكتة.
وجُعل تنزيل الرزق لأَجل المخاطبين وهم المؤمنون إشارة إلى أن الله أراد كرامتهم ابتداء وأن انتفاع غيرهم بالرزق انتفاع بالتبع لهم لأنهم الذين بمحل الرضى من الله تعالى.
وتُثار من هذه الآية مسألة الاختلاف بين الأشعرية مع الماتريدي ومع المعتزلة في أن الكافر منعَم عليه أوْ لا؟ فعن الأشعري أن الكافر غير منعم عليه في الدنيا ولا في الدين ولا في الآخرة، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني والماتريدي: هو منعم عليه نعمةً دنيوية، لا دينية ولا أُخروية، وقالت المعتزلة: هم منعم عليه نعمةً دنيوية ودينية لا أخروية، فأما الأشعري فلم يعتبر بظاهر الملاذ التي تحصل للكافر في الحياة فإنما ذلك إملاء واستدراج لأن مآلها العذاب المؤلم فلا تستحق اسم النعمة.
وأنا أقول: لو استُدل له بأنها حاصلة لهم تبعًا فهي لذائد وليست نعمًا لأن النعمة لذة أريد منها نفع من وصلت إليه كما أشرتُ إليه آنفًا.
وأما الباقلاني فراعى ظاهر الملاذّ فلم يمنع أن تكون نعمًا وإن كانت عواقبُها آلامًا، وآياتُ القرآن شاهدة لقوله.
وأما المعتزلة فزادوا فزعموا أن الكافر منعم عليه دِينَا، وأرادوا بذلك أن الله مكَّن الكافر من نعمة القدرة على النظر المؤدي إلى معرفة الله وواجببِ صفاته.
والذي استقر عليه رأي المحققين من المتكلمين أن هذا الخلاف لفظي لأنه غير ناظر إلى حقيقة حالة الكافر في الدنيا والدين، وإنما نظر كل شِق من أهل الخلاف إلى ما حفّ بأحوال الكافر في تلك النعمة فرجع إلى الخلاف في الألفاظ المصطلح عليها ومدلولاتها لا في حقائق المقصود منها.
{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)} تفريع على ما شاهدوا من الآيات وما أفيض عليهم من الرزق، وعلى أنهم المُرْجَوون للتذكر، أي إذ كنتم بهذه الدرجة فادعوا الله مخلصين، ففي الفاء معنى الفصيحة كما تقدم في قوله: {وما يتذكر إلاّ من ينيب} [غافر: 13].
والمعنى: أن الله أراكم آياته وأنزل لكم الرزق وما يتذكر بذلك إلا المنيبون وأنتم منهم فادعوا الله مخلصين لتوفر دواعي تلك العبادة.
والدعاء هنا الإِعلان وذكر الله وَنداؤه ويشمل الدعاء بمعنى سؤال الحاجة شمول الأعم للأَخص، وتقدم آنفًا أن الدعاء يطلق على العبادة.
والأمر مستعمل في طلب الدوام لأن المؤمنين قد دَعوا الله مخلصين له، فالمقصود: دوموا على ذلك ولو كره الكافرون، لأن كراهية الكافرين ذلك من المؤمنين تكون سببًا لمحاولتهم صرفهم عن ذلك بكل وسيلة يجدون إليها سبيلًا فيُخشى ذلك أن يفتن فريقًا من المؤمنين، فالكراهية كناية عن المقاومة والصدّ لأنهما لازمان للكراهية لأن شأن الكاره أن لا يصبر على دوام ما يكرهه، فالأمر بقوله: {فادعوا الله مخلصين} لي نحو الأمر في قوله: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله} [النساء: 136].
وإظهار اسم الجلالة في قوله: {فادعوا الله} لأن الكلام تفريع لاستجداد غرض آخر فجعل مستقلًا عما قبله.
وتقدم تفسير {مُخلصِينَ لهُ الدينَ} في تفسير قوله: {فاعبد الله مخلصًا له الدين} أول سورة [الزمر: 2].
وجملة {وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ} في موضع الحال من فاعل {ادْعوا}.
و{لو} وصلية تفيد أن شرطها أقصَى ما يكون من الأحوال التي يراد تقييد عامل الحال بها، أي اعبدوه في كل حال حتى في حال كراهية الكافرين ذلك لأن كراهية الكافرين ذلك والمؤمنُون بين ظَهْرَانَيْهم وفي بلاد فيه سلطان الكافرين مظنة لأن يصدهم ذلك عن دعاء الله مخلصين له الدين.
وهذا في معنى قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر} [الحجر: 94] وقد تقدم تفصيل لو هذه عند قوله: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به} في سورة [آل عمران: 91].
{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)} {رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق يَوْمَ هُم بارزون لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ}.
{رفيعُ الدرجات} خبر عن مبتدأ محذوف هو ضمير اسم الجلالة في قوله: {فادعوا الله} [غافر: 14] وليس خبرًا ثانيًا بعد قوله: {هُو الَّذي يُريكم آياته} [غافر: 13] لأن الكلام هنا في غرض مستجدّ، وحذف المسند إليه في مثله حذف اتِّبَاع للاستعمال في حذف مثله، كذا سماه السكاكي بعد أن يَجري من قبل الجملة حديثٌ عن المحذوف كقول عبد الله بن الزَّبِير أو إبراهيم بن العباس الصولي أو محمد بن سعيد الكاتب:
سأَشكُر عَمْرًا إِنْ تَراختْ منيتي ** أَيَادِيَ لَم تُمْنَنْ وإنْ هِيَ جَلَّتِ

فَتًى غير محجوب الغِنى عن صديقه ** ولا مُظْهِرا للشكوى إذا النعل زَلّت

و{رفيع} يجوز أن يكون صفة مشبهة.
والتعريف في عوض عن المضاف إليه.
والتقدير: رفيعةٌ درجاتُه، فلما حُول وصف ما هو من شؤونه إلى أن يكون وصفًا لذاته سلك طريق الإضافة وجُعلت الصفة المشبهة خبرًا عن ضمير الجلالة وجعل فاعل الصفة مضافًا إليه، وذلك من حالات الصفة المشبهة يقال: فلان حسنٌ فعلُه، ويقال: فلان حسَنُ الفعل، فيؤُول قوله: {رَفِيعُ الدَّرَجات} إلى صفة ذاته.
ومستعارة للمجد والعظمة، وجمعها إيذان بكثرة العظمات باعتبار صفات مجد الله التي لا تحصر، والمعنى: أنه حقيق بإخلاص الدعاء إليه.
ويجوز أن يكون {الكافرون} من أمثلة المبالغة، أي كثير رفععِ الدرجات لمن يشاء وهو معنى قوله تعالى: {نرفع درجات من نشاء} [يوسف: 76].
وإضافته إلى من الإِضافة إلى المفعول فيكون راجعًا إلى صفات أفعال الله تعالى.
والمقصود: تثبيتهم على عبادة الله مخلصين له الدين بالترغيب بالتعرض إلى رفع الله درجاتهم كقوله: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} في سورة [المجادلة: 11].
و{ذُو العَرْش} خبر ثان وفيه إشارة إلى أن رفع الدرجات منه متفاوت.
كما أن مخلوقاته العليا متفاوتة في العظم والشرف إلى أن تنتهي إلى العرش وهو أعلى المخلوقات كأنه قيل: إن الذي رفع السماوات ورفع العرش مَاذَا تُقَدِّرون رَفعه درجات عابديه على مراتب عبادتهم وإخلاصهم.
وجملة {يُلْقِي الرُّوح مِن أمْرِه} خبر ثالث، أو بدلُ بعض من جملة {رَفِيعُ الدرجات} فإن مِنْ رفع الدرجات أَنْ يرفع بعض عِباده إلى درجة النبوءة وذلك أعظم رفع الدرجات بالنسبة إلى عِباده، فبدل البعض هو هنا أهم أفراد المبدل منه.