فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} اعلم أن المقصود من هذه الآية وصف يوم القيامة بأنواع أخرى من الصفات الهائلة المهيبة، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
ذكروا في تفسير يوم الآزفة وجوهًا الأول: أن يوم الآزفة هو يوم القيامة، والآزفة فاعلة من أزف الأمر إذا دنا وحضر لقوله في صفة يوم القيامة {أَزِفَتِ الأزفة لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} [النجم: 57، 58] وقال شاعر:
أزف الترحل غير أن ركابنا ** لما تزل برحالنا وكأن قد

والمقصود منه التنبيه على أن يوم القيامة قريب ونظيره قوله تعالى: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] قال الزجاج إنما قيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس مداها، وما هو كائن فهو قريب.
واعلم أن الآزفة نعت لمحذوف مؤنث على تقدير يوم القيامة الآزفة أو يوم المجازاة الآزفة قال القفال: وأسماء القيامة تجري على التأنيث كالطامة والحاقة ونحوها كأنها يرجع معناها إلى الداهية والقول الثاني: أن المراد بيوم الآزفة وقت الآزفة وهي مسارعتهم إلى دخول النار، فإن عند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارها من شدة الخوف والقول الثالث: قال أبو مسلم يوم الآزفة يوم المنية وحضور الأجل، والذي يدل عليه أنه تعالى وصف يوم القيامة بأنه يوم التلاق، و{يَوْمَ هُم بارزون} ثم قال بعده {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة} فوجب أن يكون هذا اليوم غير ذلك اليوم، وأيضًا هذه الصفة مخصوصة في سائر الآيات بيوم الموت قال تعالى: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة: 83، 84] وقال: {كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقي} [القيامة: 26] وأيضًا فوصف يوم الموت بالقرب أولى من وصف يوم القيامة بالقرب، وأيضًا الصفات المذكورة بعد قوله الآزفة لائقة بيوم حضور الموت لأن الرجل عند معاينة ملائكة العذاب يعظم خوفه، فكأن قلوبهم تبلغ حناجرهم من شدة الخوف، ويبقوا كاظمين ساكتين عن ذكر ما في قلوبهم من شدة الخوف ولا يكون لهم حميم ولا شفيع يدفع ما بهم من أنواع الخوف والقلق.
المسألة الثانية:
اختلفوا في أن المراد من قوله: {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر كاظمين} كناية عن شدة الخوف أو هو محمول على ظاهره، قيل المراد وصف ذلك اليوم بشدة الخوف والفزع ونظيره قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} [الأحزاب: 10] وقال: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة: 83، 84] وقيل بل هو محمول على ظاهره، قال الحسن: القلوب انتزعت من الصدور بسبب شدة الخوف وبلغت القلوب الحناجر فلا تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروحوا ولكنها مقبوضة كالسجال كما قال: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} [الملك: 27] وقوله: {كاظمين} أي مكروبين والكاظم الساكت حال امتلائه غمًا وغيظًا فإن قيل بم انتصب {كاظمين} قلنا هو حال أصحاب القلوب على المعنى لأن المراد إذ قلوبهم لدى الحناجر حال كاظمين كونهم ويجوز أيضًا أن يكون حال عن القلوب، وأن القلوب كاظمة على غم وكرب فيها مع بلوغها الحناجر، وإنما جمع الكاظمة جمع السلامة لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء كما قال: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] وقال: {فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين} [الشعراء: 4] ويعضده قراءة من قرأ {كاظمون} وبالجملة فالمقصود من الآية تقرير أمرين أحدهما: الخوف الشديد وهو المراد من قوله: {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} والثاني: العجز عن الكلام وهو المراد من قوله: {كاظمين} فإن الملهوف إذا قدر على الكلام حصلت له خفقة وسكون، أما إذا لم يقدر على الكلام وبث الشكوى عظم قلقه وقوي خوفه.
المسألة الثالثة:
احتج أكثر المعتزلة في نفي الشفاعة عن المذنبين بقوله تعالى: {مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} قالوا نفى حصول شفيع لهم يطاع فوجب أن لا تحصل لهم هذا الشفيع أجاب أصحابنا عنه من وجوه: الأول: أنه تعالى نفى أن يحصل لهم شفيع يطاع وهذا لا يدل على نفي الشفيع، ألا ترى أنك إذا قلت ما عندي كتاب يباع فهذا يقتضي نفي كتاب يباع ولا يقتضي نفي الكتاب وقالت العرب:
ولا ترى الضب بها ينجحر.. ولفظ الطاعة يقتضي حصول المرتبة فهذا يدل على أنه ليس لهم يوم القيامة شفيع يطيعه الله، لأنه ليس في الوجود أحد أعلى حالًا من الله تعالى حتى يقال إن الله يطيعه الوجه الثاني: في الجواب أن المراد من الظالمين، هاهنا الكفار والدليل عليه أن هذه الآية وردت في زجر الكفار الذين يجادلون في آيات الله فوجب أن يكون مختصًا بهم، وعندنا أنه لا شفاعة في حق الكفار والثالث: أن لفظ الظالمين، إما أن يفيد الاستغراق، وإما أن لا يفيد فإن أفاد الاستغراق كان المراد من الظالمين مجموعهم وجملتهم ويدخل في مجموع هذا الكلام الكفار، وعندنا أنه ليس لهذا المجموع شفيع لأن بعض هذا المجموع هم الكفار، وليس لهم شفيع فحينئذ لا يكون لهذا المجموع شفيع، وإن لم يفد الاستغراق كان المراد من الظالمين بعض من كان موصوفًا بهذه الصفة، وعندنا أن بعض الموصوفين بهذه الصفة ليس لهم شفيع وهم الكفار، أجاب المستدلون عن السؤال الأول، فقالوا يجب حمل كلام الله تعالى على محمل مفيد وكل أحد يعلم أنه ليس في الوجود شيء يطيعه الله لأن المطيع أدون حالًا من المطاع، وليس في الوجود شيء أعلى مرتبة من الله تعالى حتى يقال إن الله يطيعه وإذا كان هذا المعنى معلومًا بالضرورة كان حمل الآية عليه إخراجًا لها عن الفائدة فوجب حمل الطاعة على الإجابة والذي يدل على ورود لفظ الطاعة بمعنى الإجابة قول الشاعر:
رب من أنضجت غيظًا صدره ** قد تمنى لي موتًا لم يطع

أما السؤال الثاني: فقد أجابوا عنه بأن لفظ الظالمين صيغة جمع دخل عليها حرف التعريف فيفيد العموم، أقصى ما في الباب أن هذه الآية وردت لذم الكفار لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أما السؤال الثالث: فجوابه أن قوله: {مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ} يفيد أن كل واحد من الظالمين محكوم عليه بأنه ليس له حميم ولا شفيع يطاع، فهذا تمام كلام القوم في تقرير ذلك الاستدلال.
أجاب أصحابنا عن السؤال الأول فقالوا إن القوم كانوا يقولون في الأصنام إنها شفعاؤنا عند الله وكانوا يقولون إنها تشفع لنا عند الله من غير حاجة فيه إلى إذن الله، ولهذا السبب رد الله تعالى عليهم ذلك بقوله: {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] فهذا يدل على أن القوم اعتقدوا أنه يجب على الله إجابة الأصنام في تلك الشفاعة، وهذا نوع طاعة، فالله تعالى نفى تلك الطاعة بقوله: {مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} وأجابوا عن الكلام الثاني بأن قالوا الأصل في حرف التعريف أن ينصرف إلى المعهود السابق، فإذا دخل حرف التعريف على صيغة الجمع، وكان هناك معهود سابق انصرف إليه، وقد حصل في هذه الآية معهود سابق وهم الكفار الذين يجادلون في آيات الله، فوجب أن ينصرف إليه وأجابوا عن الكلام الثالث بأن قالوا قوله: {مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} يحتمل عموم السلب، ويحتمل سلب العموم، أما الأول: فعلى تقدير أن يكون المعنى أن كل واحد من الظالمين محكوم عليه بأنه ليس له حميم ولا شفيع، وأما الثاني: فعلى تقدير أن يكون المعنى أن مجموع الظالمين ليس لهم حميم ولا شفيع، ولا يلزم من نفي الحكم عن المجموع نفيه عن كل واحد من آحاد ذلك المجموع والذي يؤكد ما ذكرناه قوله تعالى: {الذين كَفَرُواْ سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] فقوله: إن الذين كفروا لا يؤمنون، إن حملناه على أن كل واحد منهم محكوم عليه بأنه لا يؤمن لزم وقوع الخلف في كلام الله، لأن كثيرًا ممن كفر فقد آمن بعد ذلك، أما لو حملناه على أن مجموع الذين كفروا لا يؤمنون سواء آمن بعضهم أو لم يؤمن صدق وتخلص عن الخلف، فلا جرم حملنا هذه الآية على سلب العموم ولم نحملها على عموم السلب فكذا قوله: {مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ} يجب حمله على سلب العموم لا على عموم السلب، وحينئذ استدلال المعتزلة بهذه الآية فهذا غاية الكلام في هذا الباب.
المسألة الرابعة:
في بيان نظم الآية، فنقول إنه تعالى ذكر في هذه الآية جميع الأسباب الموجبة للخوف فأولها: أنه سمى ذلك اليوم يوم الآزفة، أي يوم القرب من عذابه لمن ابتلي بالذنب العظيم، لأنه إذا قرب زمان عقوبته كان في أقصى غايات الخوف، حتى قيل إن تلك الغموم والهموم أعظم في الإيحاش من عين تلك العقوبة والثاني: قوله: {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} والمعنى أنه بلغ ذلك الخوف إلى أن انقلع القلب من الصدر وارتفع إلى الحنجرة والتصق بها وصار مانعًا من دخول النفس والثالث: قوله: {كاظمين} والمعنى أنه لا يمكنهم أن ينطقوا وأن يشرحوا ما عندهم من الحزن والخوف، وذلك يوجب مزيد القلق والاضطراب الرابع: قوله: {مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} فبين أنه ليس لهم قريب ينفعهم، ولا شفيع يطاع فيهم فتقبل شفاعته والخامس: قوله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور} والمعنى أنه سبحانه عالم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، والحاكم إذا بلغ في العلم إلى هذا الحد كان خوف المذنب منه شديدًا جدًّا، قال صاحب الكشاف: الخائنة صفة النظرة أو مصدر بمعنى الخائنة، كالعافية المعافاة، والمراد استراق النظر إلى ما لا يحل كما يفعل أهل الريب، والمراد بقوله: {وَمَا تُخْفِي الصدور} مضمرات القلوب، والحاصل أن الأفعال قسمان: أفعال الجوارح وأفعال القلوب، أما أفعال الجوارح، فأخفاها خائنة الأعين، والله أعلم بها، فكيف الحال في سائر الأعمال.
وأما أفعال القلوب، فهي معلومة لله تعالى لقوله: {وَمَا تُخْفِى الصدور} فدل هذا على كونه تعالى عالمًا بجميع أفعالهم السادس: قوله تعالى: {والله يَقْضِى بالحق} وهذا أيضًا يوجب عظم الخوف، لأن الحاكم إذا كان عالمًا بجميع الأحوال، وثبت منه أنه لا يقضي إلا بالحق في كل ما دق وجل، كان خوف المذنب منه في الغاية القصوى السابع: أن الكفار إنما عولوا في دفع العقاب عن أنفسهم على شفاعة هذه الأصنام، وقد بيّن الله تعالى أنه لا فائدة فيها ألبتة، فقال: {والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَىْء} الثامن: قوله: {إِنَّ الله هُوَ السميع البصير} أي يسمع من الكفار ثناءهم على الأصنام، ولا يسمع منهم ثناءهم على الله ويبصر خضوعهم وسجودهم لهم، ولا يبصر خضوعهم وتواضعهم لله، فهذه الأحوال الثمانية إذا اجتمعت في حق المذنب الذي عظم ذنبه كان بالغًا في التخويف إلى الحد الذي لا تعقل الزيادة عليه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة} أي يوم القيامة.
سميّت بذلك لأنها قريبة؛ إذ كل ما هو آتٍ قريب.
وأزفَ فلانٌ أي قرب يَأْزَفُ أَزْفًا؛ قال النابغة:
أَزِف التَّرحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكابَنَا ** لَمَّا تَزَلْ بِرحالِنا وَكأَن قَدِ

أي قرب.
ونظير هذه الآية: {أَزِفَتِ الآزفة} [النجم: 57] أي قربت الساعة.
وكان بعضهم يتمثل ويقول:
أَزِفَ الرَّحِيلُ ولَيْسَ لِي مِن زَادِ ** غَيْر الذُّنُوب لِشِقْوَتِي ونَكَادِي

{إِذِ القلوب لَدَى الحناجر كَاظِمِينَ} على الحال وهو محمول على المعنى.
قال الزجاج: المعنى إذ قلوب الناس {لَدَى الْحَنَاجِرِ} في حال كظمهم.
وأجاز الفراء أن يكون التقدير {وَأَنْذِرْهُمْ} كَاظِمِينَ.
وأجاز رفع {كَاظِمِينَ} على أنه خبر للقلوب.
وقال: المعنى إذ هم كاظمون.
وقال الكسائي: يجوز رفع {كَاظِمِينَ} على الابتداء.
وقد قيل: إن المراد ب {يوم الآزِفَةِ} يوم حضور المنية؛ قاله قطرب.
وكذا {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} عند حضور المنية.
والأوّل أظهر.
وقال قتادة: وقعت في الحناجر من المخافة فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة كما قال: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: 43].
وقيل: هذا إخبار عن نهاية الجزع؛ كما قال: {وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10] وأضيف اليوم إلى {الآزفة} على تقدير يوم القيامة {الآزفة} أو يوم المجادلة {الآزفة}.
وعند الكوفيين هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه مثل مسجد الجامع وصلاة الأولى.
{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} أي من قريب ينفع {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} فيشفع فيهم.
قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين} قال المؤرج: فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة.
وقال ابن عباس: هو الرجل يكون جالسًا مع القوم فتمرّ المرأة فيسارقهم النظر إليها.
وعنه: هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غَضَّ بصرَه، فإذا رأى منهم غفلة تدسَّسَ بالنظر، فإذا نظر إليه أصحابه غَضّ بصره، وقد علم الله عز وجل منه أنه يودّ لو نظر إلى عورتها.
وقال مجاهد: هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه.
وقال قتادة: هي الهَمْزة بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى.
وقال الضحاك: هي قول الإنسان ما رأيت وقد رأى أو رأيت وما رأى.
وقال السدي: إنها الرَّمْز بالعين.
وقال سفيان: هي النظرة بعد النظرة.
وقال الفراء: {خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} النظرة الثانية {وَما تُخْفِي الصُّدُورُ} النظرة الأولى.
وقال ابن عباس: {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} أي هل يزني بها لو خلا بها أو لا.
وقيل: {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} تكنّه وتضمره.
ولما جيء بعبد الله بن أبي سرح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد ما اطمأن أهل مكة وطلب له الأمان عثمان رضي الله عنه، صَمت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طويلًا ثم قال: «نعم» فلما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله: «ما صَمَتُّ إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه» فقال رجل من الأنصار فهلاَّ أومأتَ إليّ يا رسول الله؛ فقال: «إن النبي لا تكون له خائنة أعين».
{والله يَقْضِي بالحق} أي يجازي من غَضَّ بصرَه عن المحارم، ومن نظر إليها، ومن عزم على مواقعة الفواحش إذا قدر عليها.
{والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني الأوثان {لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لأنها لا تعلم شيئًا ولا تقدر عليه ولا تملك.
وقراءة العامة بالياء على الخبر عن الظالمين وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
وقرأ نافع وشيبة وهشام: {تَدْعُونَ} بالتاء.
{إِنَّ الله هُوَ السميع البصير} {هو} زائدة فاصلة.
ويجوز أن تكون في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبر والجملة خبر إن. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزفة} يوم القيامة كما قال مجاهد وقتادة وابن زيد، ومعنى {الازفة} القريبة يقال: أزف الشخوص إذا قرب وضاق وقته، فهي في الأصل اسم فاعل ثم نقلت منه وجعلت اسمًا للقيامة لقربها بالإضافة لما مضى من مدة الدنيا أو لما بقي فإن كل آت قريب، ويجوز أن تكون باقية على الأصل فتكون صفة لمحذوف أي الساعة الآزفة، وقدر بعضهم الموصوفة الخطة بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وهي القصة والأمر العظيم الذي يستحق أن يخط ويكتب لغرابته، ويراد بذلك ما يقع يوم القيامة من الأمور الصعبة وقربها لأن كل آت قريب، والمراد باليوم الوقت مطلقًا أو هو يوم القيامة، وقال أبو مسلم: {يَوْمَ الازفة} يوم المنية وحضور الأجل.