فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ورجح بأنه أبعد عن التكرار وأنسب بما بعده ووصف القرب فيه أظهر {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} بدل من {يَوْمَ الازفة} و{الحناجر} جمع حنجرة أو حنجور كحلقوم لفظًا ومعنى؛ وهي كما قال الراغب: رأس الغلصمة من خارج وهي لحمة بين الرأس والعنق، والكلام كناية عن شدة الخوف أو فرط التألم، وجوز أن يكون على حقيقته وتبلغ قلوب الكفار حناجرهم يوم القيامة ولا يموتون كما لو كان ذلك في الدنيا.
{كاظمين} حال من أصحاب القلوب على المعنى فإن ذكر القلوب يدل على ذكر أصحابها فهو من باب {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47] فكأنه قيل: إذ قلوبهم لدى الحناجر كاظمين عليها، وهو من كظم القربة إذا ملأها وسد فاها، فالمعنى ممسكين أنفسهم على قلوبهم لئلا تخرج مع النفس فإن كاظم القربة كاظم على الماء ممسكها علية لئلا يخرج امتلاء.
وفيه مبالغة عظيمة، وجوز كونه حالًا من ضمير {القلوب} المستتر في الخبر أعني {لَدَى الحناجر} وعلى رأي من يجوز مجىء الحال من المبتدأ كونه حالًا من {القلوب} نفسها.
وجمع جمع العقلاء لتنزيلها منزلتهم لوصفها بصفتهم كما في قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين} [الشعراء: 4] والمعنى حال كون القلوب كاظمة على الغم والكرب، ومنه يعلم أنه لا يجوز أن يكون {لَدَى الحناجر} ظرف {كاظمين} لفساد المعنى والحاجة إلى تقدير محذوف مع الغنى عنه، وكذلك على قراءة {كاظمون} للأول فقط فيتعين كون {القلوب لَدَى الحناجر} خبرًا و{كاظمون} خبرًا آخر وبذلك يترجح كون الحال من القلوب، وقدر الكواشي هم كاظمون ليوافق وجه الحالية من الأصحاب وجوز كونه حالًا من مفعول {وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} أي أنذرهم مقدرًا كظمهم أو مشارفين الكظم.
{مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ} أي قريب مشفق من احتم فلان لفلان احتد فكأنه الذي يحتد حماية لذويه ويقال لخاصة الرجل حامته ومن هنا فسر الحميم بالصديق {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} أي ولا شفيع يشفع فالجملة في محل جر أو رفع صفة {شَفِيعٍ} والمراد نفي الصفة والموصوف لا الصفة فقط ليدل على أن ثم شفيعًا لكن لا يطاع فالكلام من باب:
لا ترى الضب بها ينجحر

ولم يقتصر على نفع الشفيع بل ضم إليه ما ضم ليقام انتفاء الموصوف مقام الشاهد على انتفاء الصفة فيكون ذلك الضم إزالة لتوهم وجود الموصوف حيث جعل انتفاؤه أمرًا مسلمًا مشهورًا لا نزاع فيه لأن الدليل ينبغي أن يكون أوضح من المدلول، وهذا كما تقول لمن عاتبك على القعود عن الغزو مالي فرس أركبه وما معي سلاح أحارب به فليفهم، والضمائر المذكورة من قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ} إلى هنا إن كانت للكفار كما هو الظاهر فوضع الظالمين موضع ضميرهم للتسجيل عليهمب الظلم وتعليل الحكم، وإن كانت عامة لهم ولغيرهم فليس هذا من باب وضع الظاهر موضع الضمير وإنما هو بيان حكم للظالمين بخصوصهم، والمراد بهم الكاملون في الظلم وهم الكافرون لقوله تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين} أي النظرة الخائنة كالنظرة إلى غير المحرم واستراق النظر إليه وغير ذلك فخائنة صفة لموصوف مقدر، وجعل النظرة خائنة إسناد مجازي أو استعارة مصرحة أو مكنية وتخييلية بجعل النظر بمنزلة شيء يسرق من المنظور إليه ولذا عبر فيه بالاستراق، ويجوز أن يكون خائنة مصدرًا كالكاذبة والعاقبة والعافية أي يعلم سبحانه خيانة الأعين، وقيل: هو وصف مضاف إلى موصوفه كما في قوله:
وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

أي يعلم سبحانه الأعين الخائنة ولا يحسن ذلك لقوله تعالى: {وَمَا بِذَاتِ الصدور} أي والذي تخفيه الصدور من الضمائر أو إخفاء الصدور لما تخفيه من ذلك لأن الملاءمة واجبة الرعاية في علم البيان وملائم الأعين الخائنة الصدور المخفية، وما قيل في عدم حسن ذلك من أن مقام المبالغة يقتضي أن يراد استراق العين ضم إليه هذه القرينة أولًا فغير قادح في التعليل المذكور إذ لا مانع من أن يكون على مطلوب دلائل ثم لولا القرينة لجاز أن تجعل الأعين تمهيدًا للوصف فالقرينة هي المانعة وهذه الجملة على ما في الكشاف متصلة بأول الكلام خبر من أخبار هو في قوله تعالى: {هُوَ الذي يُرِيكُمُ} [الرعد: 13] على معنى هو الذي يريكم إلخ وهو يعلم خائنة الأعين ولم يجعله تعليلًا لنفي الشفاعة على معنى ما لهم من شفيع لأن الله تعالى يعلم منهم الخيانة سرًا وعلانية قيل: لأنه لا يصلح تعليلًا لنفيها بل لنفي قبولها فإن الله تعالى هو العالم لا الشفيع والمقصود نفي الشفاعة، ووجه تقرير هذا الخبر في هذا الموضع ما فيه من التخلص إلى ذم آلهتهم مع أن تقديمه على {الذى يُرِيكُمُ} لا وجه له لتعلقه بما قبله أشد التعلق كما أشير إليه وكذلك على {رَفِيعُ الدرجات} [غافر: 15] لاتصاله بالسابق وأمر المنيبين بالإخلاص ولما فيه من النبو من توسيط المنكر الفعلي بين المبتدأ وخبره المعرف الإسمي، وأما توسيطه بين القرائن الثلاث فبين العصا ولحائها فلا موضع له أحق من هذا ولا يضر البعد اللفظي في مثل ذلك كما لا يخفى، وظن بعضهم ضرره فمنهم من قال: الجملة متصلة بمجموع قوله عز وجل: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الازفة} [غافر: 18] إلى آخره، وذلك أنه سبحانه لما أمر بإنذار ذلك اليوم وما يعرض فيه من شدة الكرب والغم وذكر تعالى أن الظالم لا يجد من يحميه من ذلك ولا من يشفع له ذكر جل وعلا اطلاعه على جميع ما يصدر من العبد وإنه مجازي بما عمل ليكون على حذر من ذلك اليوم إذا علم أن الله تعالى مطلع على أعماله وإلى هذا ذهب أبو حيان.
وقال ابن عطية: هي متصلة بقوله تعالى: {سَرِيعُ الحساب} [غافر: 17] لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي لعلمه تعالى الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكر ولا لشيء مما يحتاجه المحاسبون، وحكى رحمه الله تعالى عن فرقة أنها متصلة بقوله تعالى: {لا يخفى على الله منهم شيء} ثم قال: وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه البعد وكثرة الحائل، وجعلها بعض متثلة بنفي قبول الشفاعة الذي تضمنه قوله تعالى: {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] فإن {يُطَاعُ} المنفي بمعنى تقبل شفاعته على أنها تعليل لذلك أي لا تقبل شفاعة شفيع لهم لأن الله تعالى يعلم منه الخيانة سرًا وعلانية وليست تعليلًا لنفي الشفاعة ليرد ما قيل، ولا يخفى ما فيه، ولعمري أن جار الله في مثل هذا المقام لا يجارى.
{والله يَقْضِى بالحق} أي والذي هذه صفاته يقضي قضاءً ملتبسًا بالحق لا بالباطل لاستغنائه سبحانه عن الظلم، وتقديم المسند إليه للتقوى، وجوز أن يكون للحصر وفائدة العدول عن المضمر إلى المظهر والإتيان بالاسم الجامع عقيب ذكر الأوصاف ما أشير إليه من إرادة الموصوف بتلك الصفات.
{والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَىْء} تهكم بآلهتهم لأن الجماد لا يقال فيه يقضي أو لا يقضي، وجعله بعضهم من باب المشاكلة وأصله لا يقدرون على شيء، واختير الأول قيل لأن التهكم أبلغ لأنه ليس المقصود الاستدلال على عدم صلاحيتهم للإلهية.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنه وهشام {تَدْعُونَ} بتاء الخطاب على الالتفات، وجوز أن يكون على إضمار قل فلا يكون التفاتًا وإن عبر عنه بالغيبة قبله لأنه ليس على خلاف مقتضى الظاهر إذ هو ابتداء كلام مبني على خطابهم {إِنَّ الله هُوَ السميع البصير} تقرير لعلمه تعالى بخائنة الأعين وما تخفي الصدور وقضاؤه سبحانه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه عز وجل، وفيه إشارة إلى أن القاضي ينبغي أن يكون سميعًا بصيرًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} الأظهر أن يكون قوله: {وأنذِرْهم} وما بعده معترضًا بين جملة {إن الله سريع الحساب} [غافر: 17] وجملة {يَعْلم خائِنة الأعيُن} [غافر: 19] على الوجهين الآتيين في موقع جملة {يعلم خائنة الأعين} فالواو اعتراضية، والمناسبة أن ذكر الحساب به يقتضي التذكير بالاستعداد ليوم الحساب وهو يوم الآزفة.
ويوم الآزفة يوم القيامة.
وأصل الآزفة اسم فاعل مؤنث مشتق من فعل أزِف الأمر، إذا قرب، فالآزفة صفة لموصوف محذوف تقديره: الساعة الآزفة، أو القيامة الآزفة، مثل الصاخّة، فتكون إضافة {يوم} إلى {الآزفة} حقيقية.
وتقدم القول في تعدية الإِنذار إلى اليوم في قوله: {لتنذر يوم التلاقي} [غافر: 15].
و{إذْ} بدل من {يوم} فهو اسم زمان منصوب على المفعول به، مضاف إلى جملة {القلوب لدى الحناجر} و{أل} في {القُلُوبُ} و{الحناجر} عوض عن المضاف إليه.
وأصله: إذْ قلوبهم لدى حناجرهم، فبواسطة أل عُوض تعريف الإِضافة بتعريف العهد وهو رَأي نحاة الكوفة، والبصريون يقدرون: إذ القلوب منهم والحناجر منهم والمعنى: إذ قلوب الذين تنذرهم، يعني المشركين، فأمَّا قلوب الصالحين يومئذٍ فمطمئنة.
والقلوب: البضعات الصنوبرية التي تتحرك حركة مستمرة ما دام الجسم حيًّا فتدفع الدم إلى الشرايين التي بها حياة الجسم.
والحناجر: جمع حَنْجَرة بفتح الحاء وفتح الجيم وهي الحُلقوم.
ومعنى القلوب لدى الحناجر: أن القلوب يشتدّ اضطراب حركتها من فرط الجزع مما يشاهِده أهلها من بوارق الأهوال حتى تتجاوز القلوبُ مواضعها صاعدة إلى الحناجر كما قال تعالى في ذكر يوم الأحزاب: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10].
وكاظم: اسم فاعل من كظَم كُظُومًا، إذا احتبسَ نفَسُه بفتح الفاء.
فمعنى {كاظمين} اكنين لا يستطيعون كلامًا.
فعلى هذا التأويل لا يقدَّر ل {كاظمين} مفعول لأنه عومل معاملة الفعل اللازم.
ويقال: كَظَم كظمًا، إذا سَدّ شيئًا مجرى ماء أو بابًا أو طريقًا فهو كاظم، فعلى هذا يكون المفعول مقدرًا.
والتقدير: كاظمينها، أي كاظمين حناجرهم إشفاقًا من أن تخرج منها قلوبهم من شدة الاضطراب.
وانتصب {كاظمين} على الحال من ضمير الغائب في قوله: {أنذرهم} على أن الحال حال مقدرة.
ويجوز أن يكون حالًا من القلوب على المجاز العقلي بإسناد الكاظم إلى القلوب وإنما الكاظم أصحاب القلوب كما في قوله تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم} [البقرة: 79] وإنما الكاتبون هم بأيديهم.
وجملة {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يُطاع} في موضع بدل اشتمال من جملة {القُلُوب لدَى الحناجِر} لأن تلك الحالة تقتضي أن يستشرفوا إلى شفاعة من اتخذوهم ليَشفعوا لهم عند الله فلا يُلفون صديقًا ولا شفيعًا.
والحميم: المحب المشفق.
والتعريف في {الظالمين} للاستغراق ليعم كل ظالم، أي مشرك فيشمل الظالمين المنذَرين، ومن مضى من أمثالهم فيكون بمنزلة التذييل ولذلك فليس ذكر الظالمين من الإِظهار في مقام الإِضمار.
ووصْفُ: {شفيع} بجملة {يطاع} وصْف كاشف إذ ليس أن المراد لهم شفعاء لا تطاع شفاعتهم لظهور قلة جدوى ذلك ولكن لما كان شأن من يتعرض للشفاعة أن يثق بطاعة المشفوع عنده له.
وأُتبع {شفيع} بوصف {يطاع} لتلازمهما عرفًا فهو من إيراد نفي الصفة اللازمةِ للموصوف.
والمقصودُ: نفي الموصوف بضرب من الكناية التلميحية كقول ابننِ أحمر:
ولا تَرى الضبَّ بها ينْجَحِرْ

أي لا ضبّ فيها فينجحر، وذلك يفيد مفاد التأكيد.
والمعنى: أن الشفيع إذا لم يُطَع فليس بشفيع.
والله لا يجترىء أحد على الشفاعة عنده إلا إذا أذن له فلا يشفع عنده إلا مَن يُطاع.
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)} يجوز أن تكون جملة {يعلم خائِنة الأعين} خبرًا عن مبتدأ محذوف هو ضمير عائد إلى اسم الجلالة من قوله: {إن الله سريع الحساب} [غافر: 17] على نحو ما قرر قبله في قوله: {رفيعُ الدرجات} [غافر: 15].
ومجموع الظاهر والمقدر استئناف للمبالغة في الإِنذار لأنهم إذا ذُكِّروا بأن الله يعلم الخفايا كان إنذارًا بالغًا يقتضي الحذر من كل اعتقاد أو عمل نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عنه، فبعد أن أيْأَسهم من شفيع يسعى لهم في عدم المؤاخذة بذنوبهم أيأسهم من أن يتوهموا أنهم يستطيعون إخفاء شيء من نواياهم أو أدنى حركات أعمالهم على ربهم.
ويجوز أن تكون خبرًا ثانيًا عن اسم إنَّ في قوله: {إن الله سريع الحساب} [غافر: 17]، وما بينهما اعتراض كما مرّ على كلا التقديرين.
و{خائِنة الأعين} مصدر مضاف إلى فاعله فالخائنة مصدر على وزن اسم الفاعل مثل العَافية للمعافاة، والعاقبة، والكاذبة في قوله تعالى: {ليس لوقعتها كاذبة} [الواقعة: 2] ويجوز إبقاء {خائنة} على ظاهر اسم الفاعل فيكون صفة لموصوف محذوف دل عليه {الأعين} أي يعلم نظرة الأعين الخائنة.
وحقيقة الخيانة: عمل مَن أؤتُمِن على شيء بضد مَا أؤتُمنَ لأجله بدون علم صاحب الأمانة، ومن ذلك نقضُ العهد بدون إعلان بنبذه.
ومعنى: {خائِنة الأعين} خيانة النظر، أي مسارقة النظر لشيء بحضرة من لا يحب النظر إليه.
فإضافة {خائنة} إلى {الأعين} من إضافة الشيء إلى آلتِه كقولهم: ضرب السيف.
والمراد ب {خائنة الأعين} النظرة المقصود منها إشعار المنظور إليه بما يسوء غيرها الحاضرَ استهزاء به أو إغراء به.
وإطلاق الخائنة بمعنى الخيانة على هذه النظرة استعارة مكنية، شبه الجليس بالحليف في أنه لما جلس إليك أو جلست إليه فكأنه عاهدك على السلامة، ألا ترى أن المجالسة يتقدّمها السلام وهو في الأصل إنباء بالمسالمة فإذا نظرت إلى آخر غَيْرِكُما نظرًا خفيًا لإِشارة إلى ما لا يرضي الجليسَ من استهزاء أو إغراء فكأنك نقضت العهد المدخول عليه بينكما، فإطلاق الخيانة على ذلك تفظيع له، ويتفاوت قربُ التشبيه بمقدار تفاوت ما وقعت النظرة لأجله في الإِساءة وآثار المضرة.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما يَكون لنبي أن تكون له خَائنة الأعين» أي لا تصدر منه.
و{وما تُخفي الصدور} النوايا والعزائم التي يضمرها صاحبها في نفسه، فأطلق الصدر على ما يكنّ الأعضاء الرئيسية على حسب اصطلاح أصحاب اللغة.
{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} كان مقتضى الظاهر أن يؤتَى بجملة {يقضي بالحق} معطوفة بالواو على جملة {يعلم خائنة الأعين} [غافر: 19] فيقال: ويقضى بالحق ولكن عدل عن ذلك لما في الاسم العلم لله تعالى من الإِشعار بما يقتضيه المسمى به من صفات الكمال التي منها العدل في القضاء، ونظيره في الإِظهار في مقام الإِضمار قوله تعالى: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه} [الرعد: 41].